ٱلْبُحُوثُ: ٱلذَّكَاءُ ٱلصِّنَاعِيُّ فِي ٱلسِّيَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ

أَيُّهَا ٱلزُّوَّارُ ٱلْكِرَامُ لِلْمَوْقِعِ!

فِي هٰذَا ٱلْقِسْمِ يُقَدَّمُ إِلَىٰ حَضْرَاتِكُمْ عَمَلِي ٱلْبَحْثِيُّ – عَمَلٌ تَأْهِيلِيٌّ نِهَائِيٌّ حَوْلَ ٱلْمَوْضُوعِ: «تَطْوِيرُ ٱلْمِيثَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ: ٱلْمَبَادِئُ، ٱلْقَوَاعِدُ، وَٱلتَّطْبِيقُ ٱلْعَمَلِيُّ». وَقَدْ أُنجِزَ هٰذَا ٱلْعَمَلُ فِي إِطَارِ ٱلدِّرَاسَةِ فِي كُلِّيَّةِ ٱلْعُلُومِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ لِـ«ٱلْجَامِعَةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ فِي قَازَانَ»، وَقَدْ دَافَعْتُ عَنْهُ فِي سَنَةِ ٢٠٢٥م.

هَدَفُ ٱلْبَحْثِ هُوَ وَضْعُ أُسُسٍ نَظَرِيَّةٍ وَعَمَلِيَّةٍ لِإِدْمَاجِ ٱلْمَعَايِيرِ وَٱلْقِيَمِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ (ٱلشَّرِيعَةُ وَٱلْأَخْلَاقُ) فِي عَمَلِيَّةِ تَطْوِيرِ وَتَطْبِيقِ تِقْنِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمُعَاصِرَةِ. وَقَدْ تَمَّ تَأْسِيسُ ضَرُورَةِ إِنْشَاءِ «ٱلْمِيثَاقِ» ٱلْمُخَصَّصِ، ٱلَّذِي سَيَكُونُ دَلِيلًا لِلْمُطَوِّرِينَ وَٱلْمُنَظَّمَاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ وَٱلْمُجْتَمَعِ ٱلْعَامِّ فِي قَضَايَا ٱلِاسْتِعْمَالِ ٱلْأَخْلَاقِيِّ وَٱلْمَشْرُوعِ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ مِنْ مَنْظُورِ ٱلْإِسْلَامِ.

وَهٰذَا ٱلْبَحْثُ يُعْتَبَرُ خُطْوَةً أُولَىٰ نَحْوَ تَشْكِيلِ رُؤْيَةٍ إِسْلَامِيَّةٍ مُتَكَامِلَةٍ فِي مَجَالِ ٱلتِّقَانَاتِ ٱلرَّقْمِيَّةِ وَأَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ. وَهُوَ يَعْكِسُ ٱلسَّعْيَ إِلَىٰ رَبْطِ ٱلْمِيرَاثِ ٱلْعِلْمِيِّ وَٱلْفِقْهِيِّ ٱلْوَاسِعِ بِتَحَدِّيَاتِ ٱلْعَصْرِ ٱلرَّاهِنِ، وَيُجِيبُ عَنِ ٱلسُّؤَالِ: كَيْفَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ٱلتَّطْبِيقُ ٱلْمَسْؤُولُ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلْمُجْتَمَعِ ٱلْإِسْلَامِيِّ مِنْ مَنْظُورِ ٱلشَّرِيعَةِ؟

وَنَشْرُ هٰذَا ٱلْعَمَلِ عَلَى ٱلْمَوْقِعِ يَهْدِفُ إِلَىٰ ٱلْمُنَاقَشَةِ ٱلْمَفْتُوحَةِ، وَتَبَادُلِ ٱلْآرَاءِ، وَتَطْوِيرِ ٱلْمَوْضُوعِ فِي مَجَالِ ٱلْأَخْلَاقِيَّاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ فِي ٱلْعَصْرِ ٱلرَّقْمِيِّ. وَسَأَكُونُ شَاكِرًا عَلَىٰ مُلَاحَظَاتِكُمْ وَأَسْئِلَتِكُمْ وَمُقْتَرَحَاتِكُمْ.

مَعَ فَائِقِ ٱلِاحْتِرَامِ،
نَفِيسُولِّين رُوسْلَان طَلْغَاتُوفِيتْش (حَبِيبُ الله)،
بَاحِثٌ بَيْنِيُّ ٱلتَّخَصُّصِ فِي مَجَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلسِّيَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ،
ٱلْمُؤَلِّفُ وَٱلْمُنَسِّقُ لِـ«ٱلْمِيثَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ».

م.ر.و «ٱلْجَامِعَةُ ٱلْإِسْلَامِيَّةُ فِي قَازَانَ»

كُلِّيَّةُ ٱلْعُلُومِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ

ٱلِاتِّجَاهُ: «إِعْدَادُ ٱلْخُدَّامِ وَٱلْكَوَادِرِ ٱلدِّينِيَّةِ لِلْمُنَظَّمَاتِ ٱلدِّينِيَّةِ»

ٱلْعَمَلُ ٱلتَّأْهِيلِيُّ ٱلنِّهَائِيُّ حَوْلَ ٱلْمَوْضُوعِ

«تَطْوِيرُ ٱلْمِيثَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ: ٱلْمَبَادِئُ، ٱلْقَوَاعِدُ، وَٱلتَّطْبِيقُ ٱلْعَمَلِيُّ»

أَعَدَّهُ: طَالِبُ ٱلسَّنَةِ ٱلْخَامِسَةِ، فَرِيقُ ١٢٢٠١، بِنِظَامِ ٱلتَّعْلِيمِ ٱلدَّوْرِيِّ ٱلْمُخْتَلِطِ
نَفِيسُولِّين ر. ت.
«_____» ___________________ ٢٠٢٥م _______________________ تَوْقِيعُ ٱلطَّالِبِ

أَقَرَّ ٱلْعَمَلَ لِلدِّفَاعِ:
ٱلْمُشْرِفُ ٱلْعِلْمِيُّ،
أُسْتَاذٌ مُسَاعِدٌ فِي قِسْمِ ٱلتَّخَصُّصَاتِ ٱلدِّينِيَّةِ
غِزَّاتُولِّين ر. أ.
«_____» ___________________ ٢٠٢٥م _______________________ تَوْقِيعُ ٱلْمُشْرِفِ

تَارِيخُ ٱلدِّفَاعِ: ________________ تَقْيِيمُ ٱلدِّفَاعِ __________________

قَازَانَ، ٢٠٢٥م

ٱلْفِهْرِسُ

ٱلْمُقَدِّمَةُ

ٱلْفَصْلُ ٱلْأَوَّلُ. ٱلْمَعَايِيرُ ٱلْأَخْلَاقِيَّةُ ٱلدُّنْيَوِيَّةُ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ

١.١. تَطَوُّرُ ٱلْأَخْلَاقِ فِي مَجَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ: ٱلْمَنَاهِجُ وَٱلْمَفَاهِيمُ ٱلرَّئِيسِيَّةُ

١.٢. ٱلْمَعَايِيرُ وَٱلْأَنْظِمَةُ ٱلدَّوْلِيَّةُ فِي مَجَالِ أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ (يُونِيسْكُو، IEEE، ٱلِٱتِّحَادُ ٱلْأُورُوبِيُّ (EU) وَغَيْرُهَا)

١.٣. دِرَاسَاتٌ حَالَةٍ وَأَمْثِلَةٌ عَلَىٰ تَطْبِيقِ مَبَادِئِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمَسْؤُولِ

ٱلْخُلَاصَةُ عَلَى ٱلْفَصْلِ ٱلْأَوَّلِ

ٱلْفَصْلُ ٱلثَّانِي. ٱلِاسْتِنَادُ وَٱلِاخْتِيَارُ لِلنُّظُمِ ٱلشَّرْعِيَّةِ فِي تَنْظِيمِ تَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ

٢.١. مَبَادِئُ ٱلْعَقِيدَةِ ٱلْمَاتُرِيدِيَّةِ ٱلْمُنَاسِبَةُ لِتَنْظِيمِ تِقْنِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ

٢.٢. مَبَادِئُ ٱلْفِقْهِ ٱلْحَنَفِيِّ ٱلْمُنَاسِبَةُ لِتَنْظِيمِ تِقْنِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ

٢.٣. مَبَادِئُ ٱلْأَخْلَاقِ ٱلْمُنَاسِبَةُ لِتَنْظِيمِ تِقْنِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ

ٱلْخُلَاصَةُ عَلَى ٱلْفَصْلِ ٱلثَّانِي

ٱلْفَصْلُ ٱلثَّالِثُ. مَشْرُوعُ «ٱلْمِيثَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ» وَتَطْبِيقُهُ

٣.١. بِنْيَةُ «ٱلْمِيثَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ» وَمُحْتَوَاهُ

٣.٢. ٱلْمَنْهَجِيَّةُ وَنَتَائِجُ ٱلِاخْتِبَارِ: مِثَالُ رُوبُوتٍ مُحاوِرٍ شَرْعِيٍّ (شات-بوت شَرْعِيّ)

٣.٣. آفَاقُ ٱلتَّوْسِيعِ وَٱلتَّوْصِيَاتُ بِشَأْنِ تَنْفِيذِ ٱلْمِيثَاقِ

ٱلْخُلَاصَةُ عَلَى ٱلْفَصْلِ ٱلثَّالِثِ

ٱلْخَاتِمَةُ

قَائِمَةُ ٱلْمَصَادِرِ وَٱلْمَرَاجِعِ

ٱلْمُقَدِّمَةُ

إِنَّ ٱلتَّطَوُّرَ ٱلسَّرِيعَ لِتِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلْعُقُودِ ٱلْأَخِيرَةِ يَمَسُّ جَمِيعَ مَجَالَاتِ ٱلْحَيَاةِ ٱلْمُجْتَمَعِيَّةِ وَٱلشَّخْصِيَّةِ. وَفِي ٱلْمُجْتَمَعِ ٱلْإِسْلَامِيِّ، يُثِيرُ ٱنْتِشَارُ رُوبُوتَاتِ ٱلدَّرْدَشَةِ، وَأَنْظِمَةِ ٱلتَّوْصِيَةِ، وَٱلْمُسَاعِدِينَ ٱلذَّكِيِّينَ، وَٱلْمُنْتَجَاتِ ٱلْمُخَصَّصَةِ لِلِاسْتِشَارَاتِ ٱلْمَالِيَّةِ وَٱلدِّينِيَّةِ، أَسْئِلَةً جَدِيدَةً عَنْ مُوَافَقَةِ هٰذِهِ ٱلتِّقْنِيَاتِ لِنُظُمِ ٱلشَّرِيعَةِ وَمَبَادِئِ ٱلْأَخْلَاقِ وَٱلْعَقِيدَةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ. فَمَسَائِلُ مِصْدَاقِيَّةِ ٱلْأَجْوِبَةِ ٱلدِّينِيَّةِ ٱلَّتِي يُقَدِّمُهَا ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ، وَخَطَرُ سُوءِ تَفْسِيرِ ٱلنُّصُوصِ ٱلْمُقَدَّسَةِ، وَحِمَايَةُ مَعْلُومَاتِ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ ٱلشَّخْصِيَّةِ، وَكَذٰلِكَ شَفَّافِيَّةُ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ وَعَدَالَتُهَا – كُلُّ ذٰلِكَ يَقْتَضِي وَضْعَ مَقَارِبَةٍ تَكَامُلِيَّةٍ لِتَطْوِيرِ نُظُمٍ شَرْعِيَّةٍ لِاسْتِخْدَامِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلسِّيَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ.

وَفِي ٱلْمُقَابِلِ، فَإِنَّ ٱلْإِسْلَامَ مُنْذُ ٱلْبِدَايَةِ يُشَجِّعُ عَلَىٰ تَنْمِيَةِ ٱلْعُلُومِ ٱلنَّافِعَةِ، وَيَعُدُّهَا عَمَلًا صَالِحًا فِي سَبِيلِ خِدْمَةِ ٱللّٰهِ. وَبِالتَّالِي فَإِنَّ ٱلْمُشَارِكِينَ فِي عَمَلِيَّاتِ إِنْشَاءِ تِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ وَتَطْبِيقِهَا يَسْتَطِيعُونَ – بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ – أَنْ يُسَاهِمُوا فِي نَشْرِ ٱلْمَعْرِفَةِ ٱلرَّصِينَةِ، وَفِي ٱرْتِقَاءِ مُسْتَوَى ٱلتَّعْلِيمِ وَٱلرِّعَايَةِ ٱلصِّحِّيَّةِ وَٱلْخِدْمَاتِ ٱلْمَالِيَّةِ، عَلَىٰ أَنْ يَكُونَ ذٰلِكَ كُلُّهُ فِي إِطَارِ ٱلتِّقَيُّدِ ٱلصَّارِمِ بِمَبَادِئِ ٱلْإِسْلَامِ. وَإِنَّ مِثْلَ هٰذِهِ ٱلْمُقَارَبَةِ ٱلَّتِي تَجْمَعُ بَيْنَ ٱلِابْتِكَارَاتِ ٱلتِّقْنِيَّةِ وَٱلْمَرَاجِعِ ٱلدِّينِيَّةِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ قَادِرَةٌ عَلَىٰ تَحْقِيقِ إِدْمَاجٍ مُنْسَجِمٍ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي حَيَاةِ ٱلْأُمَّةِ ٱلْمُسْلِمَةِ.

وَتَنْبَعُ أَهَمِّيَّةُ هٰذَا ٱلْبَحْثِ مِنْ عَدَمِ وُجُودِ «ٱلْمِيثَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ» بِصُورَةٍ مُنْهَجِيَّةٍ وَمُنْسَّقَةٍ مَعَ ٱلنُّظُمِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ، يَكُونُ دَلِيلًا مُعْتَمَدًا لِمُطَوِّرِي ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ وَٱلْمُنَظَّمَاتِ ٱلدِّينِيَّةِ وَٱلْعُلَمَاءِ ٱلْإِسْلَامِيِّينَ وَسَائِرِ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ. وَفِي ظِلِّ تَغَلْغُلِ إِمْكَانَاتِ ٱلتَّعَلُّمِ ٱلْآلِيِّ وَتَحْلِيلِ ٱلْبَيَانَاتِ إِلَىٰ مَجَالَاتٍ كَانَتْ فِيمَا مَضَىٰ مَحْصُورَةً فِي ٱخْتِصَاصِ ٱلْفُقَهَاءِ وَٱلْمُفْتِينَ، تَبْرُزُ حَاجَةٌ إِلَىٰ مَعَايِيرَ شَرْعِيَّةٍ وَاضِحَةٍ. وَيَنْبَغِي لِهٰذَا «ٱلْمِيثَاقِ» أَنْ يُرَاعِيَ مَبَادِئَ ٱلْعَقِيدَةِ ٱلتَّقْلِيدِيَّةِ وَٱلْفِقْهِ ٱلْإِسْلَامِيِّ وَٱلْأَخْلَاقِ، إِلَىٰ جَانِبِ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلَّتِي أَرْسَتْهَا ٱلْعُلُومُ ٱلْمُعَاصِرَةُ لِلِاسْتِخْدَامِ ٱلْآمِنِ وَٱلْمَسْؤُولِ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ.

مَوْضُوعُ ٱلْبَحْثِ: تَنْظِيمُ تَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلْمُجْتَمَعِ ٱلْإِسْلَامِيِّ.

مَحَلُّ ٱلْبَحْثِ: ٱلْقَوَاعِدُ وَٱلْمَبَادِئُ وَٱلْآلِيَّاتُ ٱلْإِسْلَامِيَّةُ ٱلَّتِي تُحَقِّقُ ٱلْمَشْرُوعِيَّةَ ٱلشَّرْعِيَّةَ وَٱلْأَمَانَ فِي تَطْبِيقِ تِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ.

هَدَفُ ٱلْبَحْثِ: تَطْوِيرُ ٱلْإِطَارِ ٱلْمَفَاهِيمِيِّ وَٱلْمَشْرُوعِيِّ لِـ«ٱلْمِيثَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ»، بِمَا يُوَافِقُ ٱلنُّظُمَ ٱلْإِسْلَامِيَّةَ وَيُسَاهِمُ فِي تَطْبِيقٍ مُنْسَجِمٍ وَمَسْؤُولٍ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلْمُجْتَمَعِ ٱلْإِسْلَامِيِّ.

تَوْضِيحٌ لِمُصْطَلَحَاتِ ٱلْبَحْثِ: عَلَىٰ ٱلرَّغْمِ مِنْ أَنَّ عُنْوَانَ هٰذَا ٱلْعَمَلِ يَسْتَخْدِمُ مُصْطَلَحَ «مُدَوَّنَةُ ٱلسُّلُوكِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ»، إِلَّا أَنَّ ٱلْبَحْثَ فِي مَجْرَاهُ يُرَكِّزُ عَلَىٰ تَشْكِيلِ «ٱلْمِيثَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ». وَيَرْجِعُ ذٰلِكَ إِلَىٰ خُصُوصِيَّةِ ٱلتُّرَاثِ ٱلْفِقْهِيِّ ٱلْإِسْلَامِيِّ، حَيْثُ إِنَّ نُظُمَ ٱلتَّنْظِيمِ وَسُلُوكَ ٱلْفَرْدِ لَا تُحْصَرُ فِي مُصْطَلَحِ «ٱلْأَخْلَاقِ» بِمَعْنَاهَا ٱلدُّنْيَوِيِّ ٱلْمُعَاصِرِ. فَفِي ٱلْفِقْهِ ٱلْإِسْلَامِيِّ، لَا يُمَثِّلُ مُصْطَلَحُ «ٱلْأَخْلَاقِ» مَجَالًا كَافِيًا لِتَصْوِيرِ ٱلشُّمُولِيَّةِ وَٱلتَّرَاكُبِ فِي ٱلْأَحْكَامِ ٱلدِّينِيَّةِ. فَٱلْإِسْلَامُ يُؤَسِّسُ تَنْظِيمَ ٱلسُّلُوكِ ٱلْإِنْسَانِيِّ – وَفِيمَا يَدْخُلُ فِيهِ ٱلْمَجَالُ ٱلتِّقْنِيُّ – عَلَىٰ أُسُسِ ٱلْقَوَاعِدِ ٱلشَّرْعِيَّةِ ٱلْإِلْزَامِيَّةِ، وَٱلْمَبَادِئِ ٱلْعَقَدِيَّةِ ٱلْمَاتُرِيدِيَّةِ، وَٱلْمَطَالِبِ ٱلرُّوحِيَّةِ وَٱلْخُلُقِيَّةِ فِي ٱلْأَخْلَاقِ. وَهٰذَا يَتَجَاوَزُ ٱلْإِطَارَ ٱلْمَفْهُومِيَّ لِلْأَخْلَاقِ ٱلتَّقْلِيدِيَّةِ.

وَبِنَاءً عَلَىٰ ذٰلِكَ، فَٱلْبَحْثُ وَٱلْمِيثَاقُ ٱلْمُقْتَرَحُ يُصَاغَانِ كَـ«ٱلْمِيثَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ»، عَلَىٰ أَسَاسِ ٱلتَّوَحُّدِ ٱلنِّظَامِيِّ بَيْنَ ٱلْعَقِيدَةِ وَٱلْفِقْهِ وَٱلْأَخْلَاقِ. وَهٰذِهِ ٱلْمُقَارَبَةُ تُسَاعِدُ لَا فَقَطْ فِي دَمْجِ ٱلْقِيَمِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ فِي مُعَامَلَةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، بَلْ فِي إِنْشَاءِ قَاعِدَةٍ نُظُمِيَّةٍ تُلَبِّي ٱلتَّوَقُّعَاتِ ٱلدِّينِيَّةَ لِلْأُمَّةِ ٱلْمُسْلِمَةِ. وَبِذٰلِكَ، فَإِنَّ ٱلْبَحْثَ لَا يَقْتَصِرُ عَلَىٰ اِسْتِنْسَاخِ نَمَاذِجَ ٱلْأَخْلَاقِ ٱلْمَوْجُودَةِ، بَلْ يَقْتَرِحُ أَدَاةً نُظُمِيَّةً أَصِيلَةً لِتَنْظِيمِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ مِنْ مَنْظُورِ ٱلتَّقْلِيدِ ٱلْإِسْلَامِيِّ. وَهٰذَا مَا يُمَكِّنُ ٱلْمِيثَاقَ ٱلْمُقْتَرَحَ مِنَ ٱلِاسْتِجَابَةِ لِحَاجَاتِ ٱلْمُجْتَمَعَاتِ ٱلْمُسْلِمَةِ وَتَأْمِينِ ٱلشَّرْعِيَّةِ وَٱلْمَشْرُوعِيَّةِ لَهُ.

مَهَامُّ ٱلْعَمَلِ:

  • كَشْفُ وَتَحْلِيلُ ٱلنُّظُمِ وَٱلْمَعَايِيرِ ٱلدَّوْلِيَّةِ وَٱلْوَطَنِيَّةِ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ (AI)، وَكَذٰلِكَ ٱلدِّرَاسَاتُ ٱلْحَالِيَّةُ ذَاتُ ٱلْصِّلَةِ فِي مَجَالِ ٱلتَّنْظِيمِ.
  • تَحْدِيدُ خُصُوصِيَّةِ ٱلْمَنَظُورِ ٱلْإِسْلَامِيِّ فِي تَشْكِيلِ ٱلنُّظُمِ ٱلشَّرْعِيَّةِ، وَٱسْتِقْصَاءُ ٱلْمَبَادِئِ ٱلْعَقَدِيَّةِ وَٱلْفِقْهِيَّةِ وَٱلْأَخْلَاقِيَّةِ ٱلْمُؤَثِّرَةِ فِي تَطْوِيرِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ وَتَنْفِيذِهِ فِي ٱلْمُجْتَمَعِ ٱلْإِسْلَامِيِّ.
  • إِعْدَادُ وَثِيقَةٍ مَشْرُوعِيَّةٍ لِـ«ٱلْمِيثَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ» عَلَىٰ ضَوْءِ ٱلنَّتَائِجِ ٱلنَّظَرِيَّةِ، وَتَقْيِيمُ تَطْبِيقِهِ ٱلْعَمَلِيِّ عَلَىٰ مِثَالِ رُوبُوتٍ مُحاوِرٍ شَرْعِيٍّ (شات-بوت شَرْعِيّ).

تَعْرِيفُ ٱلْمُصْطَلَحَاتِ ٱلرَّئِيسِيَّةِ:

  • ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ (AI): نُظُمٌ مَعْلُومَاتِيَّةٌ وَخَوَارِزْمِيَّاتٌ قَادِرَةٌ عَلَىٰ أَدَاءِ مَهَامٍّ تَسْتَلْزِمُ نَشَاطًا ذِهْنِيًّا، مِثْلَ مُعَالَجَةِ ٱلْبَيَانَاتِ، وَٱتِّخَاذِ ٱلْقَرَارَاتِ، وَإِنْتَاجِ ٱلْمُحْتَوَى.
  • ٱلْمِيثَاقُ: «ٱلْمِيثَاقُ: مَجْمُوعَةُ ٱلْمَبَادِئِ وَٱلْقَوَاعِدِ ٱلْمُلْزِمَةِ ٱلَّتِي تُنَظِّمُ سُلُوكَ ٱلْمُشَارِكِينَ فِي ٱلْإِطَارِ ٱلْفِقْهِيِّ ٱلْإِسْلَامِيِّ.»
  • ٱلشَّرِيعَةُ: ٱلْقَانُونُ ٱلْإِلٰهِيُّ ٱلْمُنَزَّلُ مِنْ عِنْدِ ٱللّٰهِ تَعَالَىٰ لِتَنْظِيمِ جَمِيعِ جَوَانِبِ حَيَاةِ ٱلْإِنْسَانِ: عَقِيدَتِهِ (ٱلْعَقِيدَةُ)، وَأَفْعَالِهِ (ٱلْفِقْهُ)، وَأَخْلَاقِهِ (ٱلْأَخْلَاقُ).

ٱلْجِدَّةُ ٱلْعِلْمِيَّةُ لِلْعَمَلِ: تَتَمَثَّلُ فِي مَقَارَبَةٍ نِظَامِيَّةٍ لِتَشْكِيلِ نُظُمِ تَطْبِيقِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلسِّيَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ. وَقَدْ طُرِحَ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ نَمُوذَجٌ يَجْمَعُ بَيْنَ ٱلْمَبَادِئِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ وَٱلتَّحْلِيلِ ٱلْعِلْمِيِّ ٱلتَّعَاضُدِيِّ ٱلْمُعَاصِرِ لِمَعَايِيرِ «ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمَسْؤُولِ». وَيُرَاعِي هٰذَا ٱلْمَنْهَجُ كُلًّا مِنَ ٱلْقِيَمِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ ٱلْأَصِيلَةِ – كَٱلْعَدَالَةِ، وَجَلْبِ ٱلْمَصْلَحَةِ لِلْمُجْتَمَعِ، وَحِفْظِ ٱلْمَعْلُومَاتِ ٱلشَّخْصِيَّةِ، وَمُرَاعَاةِ ٱلْحَلَالِ – إِلَىٰ جَانِبِ ٱلْإِمْكَانِ ٱلتِّقْنِيِّ. وَقَدْ تَمَّ تَأْكِيدُ فَاعِلِيَّةِ ٱلنَّمُوذَجِ بِمِثَالِ تَطْوِيرِ رُوبُوتٍ مُحاوِرٍ شَرْعِيٍّ (شات-بوت شَرْعِيّ) يُظْهِرُ ٱلتَّطْبِيقَ ٱلْعَمَلِيَّ لِهٰذِهِ ٱلنُّظُمِ وَيُبَيِّنُ إِمْكَانِيَّةَ دَمْجِ ٱلْمَبَادِئِ ٱلشَّرْعِيَّةِ فِي ٱلْبِيئَةِ ٱلتِّقْنِيَّةِ.

ٱلْمَنْهَجِيَّةُ فِي ٱلْبَحْثِ

يَرْتَكِزُ ٱلْإِطَارُ ٱلْمَنْهَجِيُّ لِهٰذَا ٱلْبَحْثِ عَلَىٰ ٱلطَّابِعِ ٱلتَّعَاضُدِيِّ لِلْمُشْكِلَةِ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ عِدَّةِ مَنَاهِجَ بَحْثِيَّةٍ وَمَصَادِرَ. فَأَوَّلًا، تَمَّ إِجْرَاءُ تَحْلِيلٍ نَظَرِيٍّ لِلْمَصَادِرِ ٱلشَّرْعِيَّةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ مَعَ ٱلتَّرْكِيزِ عَلَىٰ ٱسْتِنْبَاطِ ٱلْمَبَادِئِ ٱلْمُلَائِمَةِ لِتَنْظِيمِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ. وَثَانِيًا، أُجْرِيَ بَحْثٌ مُقَارَنٌ لِلنَّمَاذِجِ ٱلْمُطَوَّرَةِ لِأَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، مِمَّا أَتَاحَ دَمْجَ أَرْقَىٰ إِنْجَازَاتِ ٱلْمُمَارَسَةِ ٱلدَّوْلِيَّةِ مَعَ نُظُمِ ٱلشَّرِيعَةِ. وَثَالِثًا، جَرَىٰ دِرَاسَةُ ٱلْمَعَايِيرِ وَٱلتَّوْصِيَاتِ وَٱلْبُرُوتُوكُولَاتِ ٱلتِّقْنِيَّةِ ٱلْمُتَعَلِّقَةِ بِٱلتَّطْوِيرِ ٱلْمَسْؤُولِ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، لِتَحْدِيدِ مَجْمُوعَةِ ٱلْمِعْيَارَاتِ ٱلْمُنَاسِبَةِ لِلسِّيَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ. وَقَدْ أَتَاحَ ٱلتَّرْكِيبُ ٱلتَّحْلِيلِيُّ لِهٰذِهِ ٱلْمَعْلُومَاتِ تَشْكِيلَ نَمُوذَجٍ مَفَاهِيمِيٍّ، جَرَتْ مُعَايَنَتُهُ وَٱخْتِبَارُهُ فِي ٱلتَّطْبِيقِ ٱلْعَمَلِيِّ مِنْ خِلَالِ تَطْوِيرِ وَتَجْرِبَةِ رُوبُوتٍ مُحاوِرٍ شَرْعِيٍّ (شات-بوت شَرْعِيّ). وَهٰذَا ٱلِاسْتِرَاتِيجِيَّةُ ٱلتَّدْرِيجِيَّةُ ٱلنِّظَامِيَّةُ وَٱلْمُقَارَنَةُ تُوَفِّرُ أَسَاسًا نَظَرِيًّا مُتِينًا، وَتَدْعَمُ ٱلْفَرَضِيَّاتِ ٱلْمَطْرُوحَةَ بِمُعْطَيَاتٍ تَجْرِبِيَّةٍ، مِمَّا يَزِيدُ فِي مِصْدَاقِيَّةِ وَمُوَاصَلَةِ ٱلتَّوْصِيَاتِ ٱلْمُقَدَّمَةِ.

دَرَجَةُ دِرَاسَةِ ٱلْمَوْضُوعِ:

إِنَّ مَسَائِلَ أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ مَحَلٌّ لِنِقَاشٍ نَشِطٍ فِي ٱلْأَوْسَاطِ ٱلْعِلْمِيَّةِ ٱلْمُعَاصِرَةِ، غَيْرَ أَنَّ أَكْثَرَ ٱلْأَبْحَاثِ ٱلْمَوْجُودَةِ تَنْحَصِرُ فِي ٱلْمَنَاظِيرِ ٱلْغَرْبِيَّةِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ، مُرَكِّزَةً عَلَىٰ مَفَاهِيمِ ٱلْعَدَالَةِ، وَٱلشَّفَّافِيَّةِ، وَٱلْخُصُوصِيَّةِ، وَٱلثِّقَةِ بِٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ. أَمَّا فِي ٱلْفَضَاءِ ٱلْعِلْمِيِّ ٱلْإِسْلَامِيِّ، فَإِنَّ دِرَاسَةَ ٱلْجَوَانِبِ ٱلشَّرْعِيَّةِ لِتِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لَا تَزَالُ فِي بَدَايَتِهَا، وَلَا يُوجَدُ حَتَّىٰ ٱلْآنَ مِيثَاقٌ شَرْعِيٌّ مُوَحَّدٌ يَسْتَنِدُ مُبَاشَرَةً إِلَىٰ ٱلْمَصَادِرِ ٱلشَّرْعِيَّةِ وَٱلتُّرَاثِ ٱلْفِقْهِيِّ ٱلْإِسْلَامِيِّ. بَعْضُ ٱلْأَعْمَالِ ٱلْمُتَفَرِّقَةِ فِي ٱلْأَوْسَاطِ ٱلْعِلْمِيَّةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ تَتَنَاوَلُ قَضَايَا جُزْئِيَّةً، مِثْلَ ٱسْتِعْمَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلْمَالِيَّاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ أَوْ أَلْبَاعِدِ ٱلْأَخْلَاقِيِّ لِلْفَتَاوَى ٱلرَّقْمِيَّةِ. غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَزَالُ يُفْتَقَرُ إِلَىٰ تَحْلِيلٍ شَامِلٍ يُدْمِجُ ٱلْمَبَادِئَ ٱلشَّرْعِيَّةَ فِي مِعْيَارٍ وَاحِدٍ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ. وَعَلَىٰ هٰذَا، يُمْكِنُ وَصْفُ دَرَجَةِ دِرَاسَةِ ٱلْمَوْضُوعِ بِأَنَّهَا فِي مَرْحَلَتِهَا ٱلْأُولَىٰ، مِمَّا يُبَرِّرُ ضَرُورَةَ ٱلِاقْتِرَابِ ٱلتَّعَاضُدِيِّ ٱلشَّامِلِ.

ٱلْأَهَمِّيَّةُ ٱلنَّظَرِيَّةُ:

تَتَجَلَّىٰ ٱلْأَهَمِّيَّةُ ٱلنَّظَرِيَّةُ لِلْعَمَلِ فِي تَوْسِيعِ ٱلْجِهَازِ ٱلْمَفَاهِيمِيِّ لِلْأَخْلَاقِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ فِي مَا يَتَّصِلُ بِٱلتِّقْنِيَّاتِ ٱلْمُعَاصِرَةِ. فَهٰذَا ٱلْبَحْثُ يُتَمِّمُ وَيُفَصِّلُ ٱلْأَحْكَامَ ٱلْقَائِمَةَ فِي ٱلْفِقْهِ ٱلْإِسْلَامِيِّ بِمَا يُنَاسِبُ ٱلظَّاهِرَةَ ٱلْحَدِيثَةَ – ٱلذَّكَاءَ ٱلِصْطِنَاعِيَّ. وَٱلْمَبَادِئُ وَٱلْقَوَاعِدُ ٱلْمُصُوغَةُ فِي هٰذَا ٱلْعَمَلِ قَابِلَةٌ لِلاِسْتِثْمَارِ فِي ٱلْأَبْحَاثِ ٱلنَّظَرِيَّةِ ٱلْمُسْتَقْبَلِيَّةِ وَلِتَطْوِيرِ ٱلْفِكْرِ ٱلْفِقْهِِيِّ فِيمَا يَتَّصِلُ بِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ. وَبِذٰلِكَ يُسَاهِمُ ٱلْعَمَلُ فِي إِغْنَاءِ ٱلْحِوَارِ ٱلْفِقْهِِيِّ وَٱلْكَلَامِيِّ ٱلْإِسْلَامِيِّ، مُشَكِّلًا أَسَاسًا نَظَرِيًّا لِتَفَاعُلِ ٱلْعُلُومِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ مَعَ ٱلتَّوَجُّهَاتِ ٱلتِّقْنِيَّةِ ٱلرَّاهِنَةِ.

ٱلْأَهَمِّيَّةُ ٱلتَّطْبِيقِيَّةُ:

يَتَمَتَّعُ ٱلْبَحْثُ بِقِيمَةٍ تَطْبِيقِيَّةٍ مِنْ خِلَالِ تَطْوِيرِ «ٱلْمِيثَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ» ٱلْمُلَائِمِ لِلْمُطَوِّرِينَ وَٱلْمُنَظَّمَاتِ ٱلْمُوَجَّهَةِ إِلَى ٱلْجُمْهُورِ ٱلْإِسْلَامِيِّ. فَٱلْمِيثَاقُ يُقَدِّمُ مِعْيَارَاتٍ نُظُمِيَّةً تَكْفُلُ مُوَافَقَةَ مُنْتَجَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لِمُتَطَلَّبَاتِ ٱلشَّرِيعَةِ وَتَرْفَعُ مُسْتَوَى ثِقَةِ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ.

وَسَيُسَاهِمُ تَطْبِيقُهُ فِي تَحْسِينِ جَوْدَةِ ٱلْخَدَمَاتِ ذَاتِ ٱلتَّوَجُّهِ ٱلدِّينِيِّ – كَٱلرُّوبُوتَاتِ ٱلْمُحَاوِرَةِ، وَٱلْمَنَصَّاتِ ٱلتَّعْلِيمِيَّةِ، وَٱلْمَصَارِفِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ، وَٱلطِّبِّ عَنْ بُعْدٍ – عَبْرَ إِدْرَاجِ قَوَاعِدَ شَرْعِيَّةٍ وَاضِحَةٍ فِي عَمَلِيَّاتِ ٱلتَّصْمِيمِ وَٱلتَّشْغِيلِ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ. كَمَا سَتَسْتَطِيعُ ٱلْمُؤَسَّسَاتُ ٱلدِّينِيَّةُ وَٱلتَّعْلِيمِيَّةُ ٱلِاسْتِنَادَ إِلَى ٱلْمِيثَاقِ فِي ٱلتَّعَامُلِ ٱلْمُنْضَبِطِ مَعَ ٱلْمُحْتَوَى ٱلْإِسْلَامِيِّ وَٱلِاسْتِشَارَاتِ.

وَيُظْهِرُ مِثَالُ رُوبُوتٍ مُحاوِرٍ شَرْعِيٍّ (شات-بوت شَرْعِيّ) تَحْقِيقَ ٱلْقَوَاعِدِ فِي ٱلْوَاقِعِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ نَمُوذَجًا لِمَجَالَاتٍ أُخْرَىٰ. وَٱلْمِيثَاقُ قَابِلٌ لِلتَّوْسِيعِ وَصَالِحٌ لِلتَّطْبِيقِ فِي سِيَاقٍ إِسْلَامِيٍّ دُوَلِيٍّ، مِمَّا يُسَاعِدُ عَلَىٰ دَمْجِ ٱلتِّقْنِيَّاتِ فِي ٱلْبِيئَةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ مَعَ حِفْظِ ٱلْقِيَمِ ٱلدِّينِيَّةِ وَٱلْإِشَارَاتِ ٱلْقَانُونِيَّةِ ٱلشَّرْعِيَّةِ.

بِنْيَةُ عَمَلِ ٱلتَّخَرُّجِ

تَتَكَوَّنُ بِنْيَةُ ٱلْعَمَلِ مِنْ ثَلَاثَةِ فُصُولٍ تُجَسِّدُ مَنْطِقَ ٱلْحَلِّ لِلْمَهَامِّ ٱلْمَطْرُوحَةِ.

فِي ٱلْفَصْلِ ٱلْأَوَّلِ، جَرَىٰ تَنَاوُلُ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ ٱلْعَامَّةِ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، ٱلْمُتَشَكِّلَةِ عَلَىٰ ٱلصَّعِيدِ ٱلدَّوْلِيِّ وَٱلْمُدَعَّمَةِ بِدِرَاسَاتِ حَالَةٍ مِنَ ٱلْمُمَارَسَاتِ ٱلْعِلْمِيَّةِ وَٱلشَّرِكَاتِيَّةِ. وَبِنَاءً عَلَىٰ تَحْلِيلِ مَعَايِيرِ يُونِيسْكُو (UNESCO)، وَٱلْمَعْهَدِ ٱلْكَهْرَبَائِيِّ وَٱلْإِلِكْتُرُونِيِّ ٱلدُّوَلِيِّ (IEEE)، وَٱلْأَبْحَاثِ فِي مَجَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمَسْؤُولِ، جَرَىٰ ٱسْتِنْبَاطُ ٱلْمَبَادِئِ ٱلْكُلِّيَّةِ وَٱلْمَشَاكِلِ ٱلرَّئِيسِيَّةِ ٱلَّتِي تُحَدِّدُ مَسَارَ ٱلنِّقَاشِ ٱلْمُسْتَقْبَلِيِّ حَوْلَ تَنْظِيمِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ.

وَفِي ٱلْفَصْلِ ٱلثَّانِي، جَرَىٰ بَيَانُ خُصُوصِيَّةِ ٱلتَّنْظِيمِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ. فَعَلَىٰ أَسَاسِ ٱلْقُرْآنِ وَٱلسُّنَّةِ وَٱلْإِجْمَاعِ وَٱلْقِيَاسِ، جَرَتْ مُنَظَّمَةُ ثَلَاثَةِ مَجْمُوعَاتٍ مِنَ ٱلنُّظُمِ: ٱلْمَرَاجِعُ ٱلْعَقَدِيَّةُ لِلْعَقِيدَةِ ٱلْمَاتُرِيدِيَّةِ، وَٱلْمَعَايِيرُ ٱلْفِقْهِيَّةُ لِلْفِقْهِ ٱلْحَنَفِيِّ، وَٱلْأُصُولُ ٱلْخُلُقِيَّةُ لِلْأَخْلَاقِ (ٱلتَّصَوُّفِ). وَبِمُقَارَنَتِهَا مَعَ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ ٱلرَّائِدَةِ (UNESCO، قَانُونُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لِلِٱتِّحَادِ ٱلْأُورُوبِيِّ (EU AI Act)، IEEE، ISO/IEC 42001)، يَتِمُّ إِظْهَارُ مَبَادِئِ ٱلْعَدَالَةِ وَٱلْمَسْؤُولِيَّةِ ٱلْمُشْتَرَكَةِ، وَتَأْكِيدُ ٱلْمُتَطَلَّبَاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ ٱلْخَاصَّةِ، مِمَّا يُشَكِّلُ مَجْمُوعَةً مُتَكَامِلَةً مِنَ ٱلْمِعْيَارَاتِ ٱلشَّرْعِيَّةِ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمَشْرُوعِ وَٱلْآمِنِ.

وَٱلْفَصْلُ ٱلثَّالِثُ مُخَصَّصٌ لِتَطْوِيرِ ٱلْوَثِيقَةِ ٱلْمَشْرُوعِيَّةِ «ٱلْمِيثَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ» وَتَقْيِيمِ تَطْبِيقِهِ فِي ٱلْعَمَلِ. فَعَلَىٰ مِثَالِ رُوبُوتٍ مُحاوِرٍ شَرْعِيٍّ (شات-بوت شَرْعِيّ) جَرَتْ مُبَايَنَةُ آلِيَّاتِ تَحْقِيقِ مِصْدَاقِيَّةِ ٱلْأَجْوِبَةِ ٱلدِّينِيَّةِ وَحِمَايَةِ بَيَانَاتِ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ وَفْقًا لِلنُّظُمِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ. وَيُخْتَتَمُ ٱلْفَصْلُ بِتَحْلِيلِ إِمْكَانِيَّةِ تَوْسِيعِ ٱلْمِيثَاقِ إِلَىٰ مَجَالَاتٍ أُخْرَىٰ (ٱلتَّعْلِيمِ، ٱلطِّبِّ، ٱلْقِطَاعِ ٱلْمَالِيِّ) وَبِصِيَاغَةِ تَوْصِيَاتٍ لِتَطْوِيرِ ٱلتَّنْظِيمِ ٱلشَّرْعِيِّ فِي ٱلسِّيَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ.

وَبِذٰلِكَ، فَإِنَّ بِنْيَةَ عَمَلِ ٱلتَّخَرُّجِ تُؤَمِّنُ دِرَاسَةً شَامِلَةً لِمُشْكِلَةِ تَطْوِيرِ وَتَطْبِيقِ «ٱلْمِيثَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ»، مُبْتَدِئَةً مِنَ ٱلْأُسُسِ ٱلنَّظَرِيَّةِ وَمُنْتَهِيَةً بِٱلتَّطْبِيقَاتِ ٱلْعَمَلِيَّةِ.

وَيَسْعَى هٰذَا ٱلْعَمَلُ إِلَىٰ وَضْعِ أَسَاسٍ نَظَرِيٍّ وَمَنْهَجِيٍّ لِلاِسْتِعْمَالِ ٱلْمَسْؤُولِ لِتِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلسِّيَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ، عَبْرَ ٱقْتِرَاحِ مِيثَاقٍ مُتَكَامِلٍ وَتَبْيِينِ إِمْكَانِيَّةِ تَطْبِيقِهِ فِي ٱلْوَاقِعِ.

ٱلْفَصْلُ ١. ٱلْمَعَايِيرُ ٱلْأَخْلَاقِيَّةُ ٱلدُّنْيَوِيَّةُ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ

١.١. تَطَوُّرُ ٱلْأَخْلَاقِ فِي مَجَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ: ٱلْمَقَارِبُ وَٱلْمَفَاهِيمُ ٱلرَّئِيسِيَّةُ

١.١.١. ٱلْخَلْفِيَّاتُ ٱلتَّارِيخِيَّةُ لِنُشُوءِ أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ

إِنَّ ٱلْبَحْثَ فِي نِقَاشَاتِ ٱلْيَوْمِ حَوْلَ أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لَا يَسْتَقِيمُ دُونَ رَصْدِ ٱلْخَلْفِيَّاتِ ٱلتَّارِيخِيَّةِ ٱلَّتِي أَرْسَتْ أُسُسَ ٱلتَّحْلِيلِ ٱلْأَخْلَاقِيِّ وَٱلْفَلْسَفِيِّ لِلِابْتِكَارَاتِ ٱلتِّقْنِيَّةِ. فَقَدْ ظَهَرَتْ أُولَى ٱلتَّأَمُّلَاتِ حَوْلَ «ٱلْآلَاتِ ٱلذَّكِيَّةِ» وَأَثَرِهَا فِي ٱلْمُجْتَمَعِ قَبْلَ تَكَوُّنِ ٱلتَّخَصُّصِ ٱلْعِلْمِيِّ ٱلْمُسَمَّى «ٱلذَّكَاءَ ٱلِصْطِنَاعِيَّ».

ٱلْخَيَالُ ٱلْعِلْمِيُّ وَصُورَةُ «ٱلرُّوبُوتِ ٱلْعَاقِلِ». كَانَ مِنْ أُسُسِ ٱلْمَصَادِرِ ٱلَّتِي شَكَّلَتِ ٱلْمُتَخَيَّلَ ٱلْأَخْلَاقِيَّ لِلتَّوَاصُلِ بَيْنَ ٱلْإِنْسَانِ وَ«ٱلْكائِنِ ٱلصِّنَاعِيِّ» ٱلْأَدَبُ ٱلْخَيَالِيُّ ٱلْعِلْمِيُّ. فَقَدْ صَاغَ ٱلْأَدِيبُ «عِيسَاكُ أَزِيمُوف» (Isaac Asimov) فِي قِصَصِهِ «ٱلْقَوَانِينَ ٱلثَّلَاثَةَ لِلرُّوبُوتِ»[1] – وَهِيَ إِطَارٌ نُظُمِيٌّ نُورْمَاتِيفِيٌّ يُقَيِّدُ أَفْعَالَ ٱلرُّوبُوتِ لِصَالِحِ ٱلْإِنْسَانِ. وَمَعَ أَنَّ «قَوَانِينَ أَزِيمُوف» لَا تَتَّسِمُ بِإِلْزَامٍ قَانُونِيٍّ، فَقَدْ أَدَّتْ دَوْرًا مِفْصَلِيًّا فِي بَلْوَرَةِ ٱلْمَبَادِئِ ٱلْوَاجِبِ أَنْ تُنَظِّمَ سُلُوكَ ٱلْآلَاتِ ٱلْمُسْتَقِلَّةِ ٱلْمُعَايِشَةِ لِلْبَشَرِ.

ٱلْجُذُورُ ٱلْفَلْسَفِيَّةُ وَمُشْكِلَةُ «عَقْلَانِيَّةِ ٱلْآلَةِ». فِي خِلَالِ خَمْسِينِيَّاتِ وَسِتِّينِيَّاتِ ٱلْقَرْنِ ٱلْعِشْرِينَ، وَقَبْلَ تَشْكِيلِ مُصْطَلَحِ «أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ»، تَنَاوَلَ ٱلْفَلَاسِفَةُ ٱلْمُعْضِلَاتِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةَ ٱلنَّاشِئَةَ عِنْدَ ٱلتَّوَاصُلِ بَيْنَ ٱلْإِنْسَانِ وَٱلْأَنْظِمَةِ ٱلْمُؤَتْمَتَةِ. وَقَدْ أَكَّدَ «نُورْبِرْتُ وِينَر» (Norbert Wiener)[2]، رَائِدُ ٱلسَّبْرَنِيطِقَا وَ«أَبُو نَظَرِيَّةِ ٱلتَّحَكُّمِ»، أَنَّ ٱلتَّقَدُّمَ ٱلتِّقْنِيَّ لَا يَجْلِبُ ٱلزِّيَادَةَ فِي ٱلْكَفَاءَةِ فَقَطْ، بَلْ يَحْمِلُ مَسْؤُولِيَّاتٍ تَتَّصِلُ بِٱلْمَشَاكِلِ ٱلِاجْتِمَاعِيَّةِ وَٱلِاقْتِصَادِيَّةِ ٱلْمُحْتَمَلَةِ. وَمُنْذُ ذَاكَ ٱلْحِينِ تَكَوَّنَ فَهْمٌ أَنَّ ٱلْأَنْظِمَةَ «ٱلذَّكِيَّةَ» قَادِرَةٌ عَلَىٰ ٱلتَّأْثِيرِ فِي ٱلْبِنْيَاتِ ٱلْمُجْتَمَعِيَّةِ: كَٱلتَّوْظِيفِ، وَتَوْزِيعِ ٱلْمَوَارِدِ، وَٱلَّامُسَاوَاةِ ٱلِاجْتِمَاعِيَّةِ.

تَكَوُّنُ مَجَالِ «ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ» ٱلْعِلْمِيِّ. بِحَيْثُ مَارَسَ ٱلْمَجَالُ تَكَوُّنَهُ كَتَخَصُّصٍ عِلْمِيٍّ مُنْذُ سَنَةِ ١٩٥٦م، حِينَ طُرِحَ مَفْهُومُ «ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ» فِي «مُؤْتَمَرِ دَارْتْمُوث» (Dartmouth). غَيْرَ أَنَّ ٱلْمَسَائِلَ ٱلْأَخْلَاقِيَّةَ كَانَتْ يَوْمَئِذٍ عَلَىٰ ٱلْهَامِشِ، إِذْ تَمَحْوَرَ هَمُّ ٱلْعُلَمَاءِ حَوْلَ ٱلْمَسْأَلَةِ ٱلتِّقْنِيَّةِ ٱلْأَسَاسِيَّةِ: ٱسْتِنْسَاخُ ٱلسُّلُوكِ ٱلْعَقْلِيِّ بِوَاسِطَةِ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ ٱلْحِسَابِيَّةِ.

وَبِذٰلِكَ، فَإِنَّ ٱلْخَلْفِيَّاتِ ٱلتَّارِيخِيَّةَ لِأَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لَمْ تَقُمْ عَلَىٰ ٱلْأَفْكَارِ ٱلْفَلْسَفِيَّةِ ٱلْمُجَرَّدَةِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا عَلَىٰ مَشَارِيعَ عِلْمِيَّةٍ مُحَدَّدَةٍ وَتَوَقُّعَاتٍ تِقْنِيَّةٍ مُسْتَقْبَلِيَّةٍ. وَٱلْعُنْصُرُ ٱلْمَحْوَرِيُّ هُنَا هُوَ نُشُوءُ فَهْمٍ بِأَنَّ مَسْأَلَةَ «مَاذَا يَجُوزُ لِلْآلَةِ؟» لَا تَنْحَصِرُ فِي أُطُرِ ٱلْهَنْدَسَةِ ٱلضَّيِّقَةِ، بَلْ تَرْتَبِطُ بِأُسُسِ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ وَٱلْقِيَمِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ.

١.١.٢. ٱلْمَقَارِبُ ٱلْمُبَكِّرَةُ لِأَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ: مِنْ خَمْسِينِيَّاتِ إِلَىٰ تِسْعِينِيَّاتِ ٱلْقَرْنِ ٱلْعِشْرِينَ

فِي ٱلْفَتْرَةِ مَا بَيْنَ ١٩٥٠م إِلَىٰ نِهَايَةِ ١٩٩٠م تَكَوَّنَتْ عِدَّةُ ٱتِّجَاهَاتٍ بَحْثِيَّةٍ فِي مَجَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ (كَنُظُمِ ٱلْخِبْرَةِ، وَٱلِاسْتِنْتَاجِ ٱلْمَنْطِقِيِّ، وَٱلشَّبَكَاتِ ٱلْعَصَبِيَّةِ، وَغَيْرِهَا). غَيْرَ أَنَّ «ٱلْخِطَابَ ٱلْأَخْلَاقِيَّ» كَانَ يَتَطَوَّرُ بِصُورَةٍ غَيْرِ مُتَسَاوِيَةٍ. وَفِيمَا يَلِي ثَلَاثَةُ مَقَارِبَ مُمَيَّزَةٍ تَكَوَّنَتْ فِي تِلْكَ ٱلْمَرْحَلَةِ:

١. ٱلتَّفَاؤُلُ ٱلتِّقْنِيُّ

  • ٱلْجَوْهَرُ: أَفْكَارٌ تُفِيدُ أَنَّ ٱلذَّكَاءَ ٱلِصْطِنَاعِيَّ سَيُؤَدِّي إِلَىٰ أَتْمَتَةٍ شَامِلَةٍ لِلْمَهَامِّ ٱلرُّوتِينِيَّةِ، مِمَّا يُطْلِقُ ٱلْإِنْسَانَ لِلْإِبْدَاعِ وَٱلِانْشِغَالِ بِٱلْمَهَامِّ ٱلرُّوحِيَّةِ وَٱلْأَخْلَاقِيَّةِ. هٰذَا ٱلتَّوَجُّهُ يَبْرُزُ فِي أَعْمَالِ «مَارْفِنْ مِنْسْكِي» (M. Minsky) وَ«هِيرْبِرْتْ سَايْمُون» (H. Simon).
  • ٱلْمُكَوِّنُ ٱلْأَخْلَاقِيُّ: ضَعِيفٌ جِدًّا، إِذْ ٱفْتُرِضَ أَنَّ حَلَّ ٱلْمَشَاكِلِ ٱلْهَنْدَسِيَّةِ سَيُؤَدِّي تِلْقَائِيًّا إِلَىٰ «ٱلْجَنَّةِ عَلَى ٱلْأَرْضِ» بِلَا صِرَاعَاتٍ أَخْلَاقِيَّةٍ جَوْهَرِيَّةٍ. أَمَّا ٱلْمُتَشَكِّكُونَ فَنَبَّهُوا إِلَىٰ خَطَرِ «ٱسْتِبْدَالِ» ٱلْبَشَرِ بِٱلْآلَاتِ، غَيْرَ أَنَّ ٱلْأَبْحَاثَ ٱلْعِلْمِيَّةَ ٱقْتَصَرَتْ عَلَىٰ ٱلْفِكْرَةِ أَنَّ كُلَّ تِقْنِيَةٍ مُحَايِدَةٌ، وَٱلسُّوءُ يَنْشَأُ مِنَ ٱلِاسْتِعْمَالِ ٱلْمُسِيءِ.

٢. ٱلْمَسْؤُولِيَّةُ ٱلسَّبْرَنِيطِقِيَّةُ

  • ٱلْجَوْهَرُ: جَعَلَ «نُورْبِرْتُ وِينَر» وَأَتْبَاعُهُ فِي ٱلسَّبْرَنِيطِقَا مُهِمَّتَهُمُ ٱلْأُولَىٰ هِيَ تَحْلِيلُ نَتَائِجِ ٱلْعَلَاقَةِ بَيْنَ «ٱلْإِنْسَانِ–وَٱلْآلَةِ». فَٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ عِنْدَهُمْ جُزْءٌ مِنْ أَنْظِمَةٍ مُؤَتْمَتَةٍ مُعَقَّدَةٍ، يَتَوَزَّعُ فِيهَا ٱلِاخْتِصَاصُ بَيْنَ ٱلْمُشَغِّلِينَ وَٱلْمُهَنْدِسِينَ وَٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ.
  • ٱلْمُكَوِّنُ ٱلْأَخْلَاقِيُّ: تَرْكِيزٌ عَلَىٰ «ٱلْإِنْسَانِ»؛ فَٱلْحَاسُوبُ يُسَاعِدُ ٱلْبَشَرَ وَلَا يَسْتَبْدِلُ قَرَارَاتِهِمُ ٱلْأَخْلَاقِيَّةَ. وَقَدْ أَكَّدَ «وِينَر»: «يُمْكِنُنَا أَنْ نُبْدِعَ نِظَامًا لَا نَسْتَطِيعُ ضَبْطَهُ»، وَدَعَا إِلَىٰ ٱلِاحْتِرَازِ وَٱلتَّوَانِي فِي إِدْخَالِ ٱلرُّوبُوتَاتِ إِلَىٰ ٱلْمَجَالِ ٱلْعَسْكَرِيِّ.[3]

٣. فَلْسَفَةُ «ٱلذَّكَاءِ ٱلْقَوِيِّ» وَنَقْدُ «ٱلْوَظِيفِيَّةِ ٱلْحَاسُوبِيَّةِ»

  • ٱلْجَوْهَرُ: طَرَحَ «جُونْ سِيرْل» (J. Searle) فِي مَقَالَتِهِ «هَلْ يُمْكِنُ لِلْحَاسُوبِ أَنْ يَمْلِكَ وَعْيًا؟» (١٩٨٠م) ٱلتَّجْرِبَةَ ٱلذِّهْنِيَّةَ «ٱلْغُرْفَةُ ٱلصِّينِيَّةُ»[4]، ٱلَّتِي تُفَنِّدُ ٱلْفِكْرَةَ بِأَنَّ مُعَالَجَةَ ٱلرُّمُوزِ بِالْآلَةِ تُعَادِلُ ٱلْفَهْمَ ٱلْحَقِيقِيَّ. وَنَشَأَ نِقَاشٌ حَوْلَ «ٱلذَّكَاءِ ٱلْقَوِيِّ» وَ«ٱلذَّكَاءِ ٱلضَّعِيفِ»: هَلْ سَتَسْتَطِيعُ ٱلْآلَةُ أَنْ تَحْصُلَ عَلَىٰ وَعْيٍ وَتُصْبِحَ حَامِلًا لِلصِّفَاتِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ؟
  • ٱلْمُكَوِّنُ ٱلْأَخْلَاقِيُّ: نَقَدَ مُعَارِضُو «ٱلذَّكَاءِ ٱلْقَوِيِّ» (وَمِنْهُمْ سِيرْل) فِكْرَةَ أَيِّ إِسْنَادٍ لِلِاسْتِقْلَالِ ٱلْأَخْلَاقِيِّ لِلْآلَاتِ، وَقَالُوا: إِنَّ أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَجِبُ أَنْ تُنَظِّمَ فِعْلَ ٱلْبَشَرِ ٱلَّذِينَ يُطَوِّرُونَ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ، لَا أَنْ «تُضْفِيَ» ٱلْأَخْلَاقَ عَلَىٰ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ ذَاتِهَا.

وَبِذٰلِكَ، فَعِنْدَ نِهَايَةِ ٱلتِّسْعِينِيَّاتِ تَكَوَّنَتْ فِي ٱلْأَوْسَاطِ ٱلْعِلْمِيَّةِ وَٱلْفَلْسَفِيَّةِ عِدَّةُ رُؤًى مُخْتَلِفَةٍ حَوْلَ طَبِيعَةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ وَمَخَاطِرِهِ ٱلْمُحْتَمَلَةِ. وَلَكِنْ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ بَعْدُ أَخْلَاقِيَّاتٌ نِظَامِيَّةٌ مُؤَسَّسِيَّةٌ. فَقَطْ مَعَ نُمُوِّ ٱلْقُدْرَاتِ ٱلْحِسَابِيَّةِ، وَٱنْتِشَارِ ٱلْإِنْتِرْنِتِ، وَتِجَارَةِ ٱلشَّبَكَاتِ ٱلْعَصَبِيَّةِ (نِهَايَةُ ٱلتِّسْعِينِيَّاتِ – بِدَايَةُ ٱلْأَلْفِيَّةِ ٱلْجَدِيدَةِ) بَدَأَتِ ٱلْمَسَائِلُ ٱلْأَخْلَاقِيَّةُ وَٱلْقَانُونِيَّةُ تَأْخُذُ طَابِعًا شَامِلًا.

١.١.٣. مُؤَسَّسَةُ أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلْقَرْنِ ٱلْحَادِي وَٱلْعِشْرِينَ

مُنْذُ بَدَايَةِ أَلْفِيَّاتِ ٱلْجَدِيدَةِ لَمْ يَعُدِ ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ مَجَالًا أَكَادِيمِيًّا ضَيِّقًا، بَلْ أَصْبَحَ ظَاهِرَةً تِقْنِيَّةً جَمَاهِيرِيَّةً – مِنْ مَحَارِكِ ٱلْبَحْثِ إِلَىٰ ٱلتَّطْبِيقَاتِ ٱلْمُتَنَقِّلَةِ. وَقَدْ أَدَّىٰ ذٰلِكَ إِلَىٰ تَحَدِّيَاتٍ جَدِيدَةٍ فِي مَجَالَاتِ ٱلْخُصُوصِيَّةِ وَأَمْنِ ٱلْبَيَانَاتِ وَٱلْقَرَارَاتِ ٱلْمُؤَتْمَتَةِ ٱلَّتِي تُؤَثِّرُ فِي حَيَوَاتِ مَلَايِينِ ٱلنَّاسِ.

تَوَسُّعُ مَجَالِ ٱلتَّطْبِيقِ ٱلْعَمَلِيِّ

  • ٱلْإِنْتِرْنِتُ وَٱلْبَيَانَاتُ ٱلضَّخْمَةُ: أَصْبَحَتْ شَرِكَاتٌ مِثْلُ «غُوغِل» (Google) – ٱلْمَعْرُوفَةِ حَالِيًّا بِـ«أَلْفَابِت» (Alphabet) – وَ«فِيسْبُوك» (Meta) وَ«أَمَازُون» (Amazon) مُحَرِّكًا لِتَطَوُّرِ ٱلتَّعَلُّمِ ٱلْآلِيِّ، لِمَا تَمْلِكُهُ مِنْ كُتَلٍ هَائِلَةٍ مِنْ بَيَانَاتِ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ. وَمَعَ ذٰلِكَ بَرَزَ سُؤَالُ مَشْرُوعِيَّةِ جَمْعِ ٱلْمَعْلُومَاتِ ٱلشَّخْصِيَّةِ وَتَحْلِيلِهَا دُونَ مُوَافَقَةٍ صَرِيحَةٍ مِنَ ٱلْمُسْتَخْدِمِ.
  • ٱلشَّبَكَاتُ ٱلِاجْتِمَاعِيَّةُ وَمُشْكِلَةُ ٱلتَّلَاعُبِ: تَجْعَلُ خَوَارِزْمِيَّاتُ تَوْصِيَةِ ٱلْمُحْتَوَى (مِثْلَ YouTube، TikTok وَغَيْرِهِمَا) «ٱلِانْخِرَاطَ ٱلْمُسْتَخْدِمِيَّ» فِي ٱلصَّدَارَةِ، وَهٰذَا قَدْ يُفْضِي إِلَىٰ تَشَكُّلِ «فُقَّاعَاتٍ مَعْلُومَاتِيَّةٍ» وَتَسْقِيطِ ٱلْمُجْتَمَعِ. وَتَتَّسِعُ ٱلنِّقَاشَاتُ ٱلْأَخْلَاقِيَّةُ حَوْلَ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ عَنِ ٱلْآثَارِ ٱلسِّيَاسِيَّةِ وَٱلِاجْتِمَاعِيَّةِ ٱلسَّلْبِيَّةِ (كَٱنْتِشَارِ ٱلْمَعْلُومَاتِ ٱلْمُضَلِّلَةِ وَدَعْمِ ٱلتَّطَرُّفِ).

ظُهُورُ وَثَائِقَ وَمُبَادَرَاتٍ دُوَلِيَّةٍ كُبْرَىٰ

  • مَبَادِئُ «أَسِيلُومَار» لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ (Asilomar AI Principles) لِسَنَةِ ٢٠١٧م[5]: صِيغَتْ مِنْ قِبَلِ «مَعْهَدِ مُسْتَقْبَلِ ٱلْحَيَاةِ» (Future of Life Institute) عَلَىٰ سَبِيلِ ٱلتَّوْصِيَةِ، وَفِيهَا نِقَاشٌ مُوَسَّعٌ لِقَضَايَا ٱلسَّلَامَةِ وَٱلشَّفَّافِيَّةِ وَٱلْأَثَرِ ٱلطَّوِيلِ ٱلْمَدَى لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ. وَقَدْ كَانَتْ حَافِزًا لِحِوَارٍ دُوَلِيٍّ شَامِلٍ حَوْلَ «ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمَسْؤُولِ».
  • مَبَادِئُ «مُنَظَّمَةِ ٱلتَّعَاوُنِ ٱلِاقْتِصَادِيِّ وَٱلتَّنْمِيَةِ» (OECD AI Principles) لِسَنَةِ ٢٠١٩م[6]: وَضَعَتِ ٱلْمُنَظَّمَةُ أُسُسًا لِلدُّوَلِ ٱلْعُضْوِ، مَعَ ٱلِاعْتِنَاءِ بِحُقُوقِ ٱلْإِنْسَانِ وَٱلْقِيَمِ ٱلدِّيمُوقْرَاطِيَّةِ وَٱلشَّفَّافِيَّةِ وَمَبْدَإِ ٱلْمُسَاءَلَةِ لِأَنْظِمَةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ.
  • «تَوْصِيَةُ مُنَظَّمَةِ ٱلْأُمَمِ ٱلْمُتَّحِدَةِ لِلتَّرْبِيَةِ وَٱلْعُلُومِ وَٱلْثَّقَافَةِ» عَلَىٰ أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ (ٱلْيُونِسْكُو (UNESCO)) لِسَنَةِ ٢٠٢١م[7]: مِنْ أَشْمَلِ ٱلْوَثَائِقِ ٱلْعَالَمِيَّةِ، وَيَدْعُو إِلَىٰ «ذَكَاءٍ ٱصْطِنَاعِيٍّ مُرَكَّزٍ عَلَىٰ ٱلْإِنْسَانِ»، وَإِلَىٰ مُرَاعَاةِ ٱلتَّعَدُّدِ ٱلثَّقَافِيِّ وَحِمَايَةِ ٱلْفِئَاتِ ٱلضَّعِيفَةِ.
  • «ٱلتَّصْمِيمُ ٱلْمُنْحَازُ لِلْأَخْلَاقِ» لِلْمَعْهَدِ ٱلْكَهْرَبَائِيِّ وَٱلْإِلِكْتُرُونِيِّ ٱلدُّوَلِيِّ (IEEE) [8]: يُعْتَبَرُ وَثِيقَةَ «Ethically Aligned Design: A Vision for Prioritizing Human Well-being with Autonomous and Intelligent Systems» دَلِيلًا مِهْنِيًّا مُهِمًّا لِلْمُهَنْدِسِينَ وَٱلْمُطَوِّرِينَ. وَيُشَدِّدُ IEEE عَلَىٰ قِيَمٍ تَتَّصِلُ بِشَفَّافِيَّةِ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ وَٱلْعَدَالَةِ وَحِمَايَةِ حُرْمَةِ ٱلشَّخْصِ وَسَيْطَرَةِ ٱلْإِنْسَانِ عَلَىٰ ٱلْأَنْظِمَةِ ٱلْمُسْتَقِلَّةِ.

ٱلِاسْتِرَاتِيجِيَّاتُ ٱلْوَطَنِيَّةُ

  • ٱلِٱتِّحَادُ ٱلْأُورُوبِيُّ: فِي سَنَةِ ٢٠١٩م نَشَرَتِ ٱلْمَجْمُوعَةُ ٱلْخُبْرَاءُ ٱلْعُلْيَا لَدَىٰ ٱلْمَفْوَضِيَّةِ ٱلْأُورُوبِيَّةِ «ٱلْمَبَادِئَ ٱلْأَخْلَاقِيَّةَ لِذَكَاءِ ٱصْطِنَاعِيٍّ يُوثَقُ بِهِ» (Ethics Guidelines for Trustworthy AI)[9]، وَفِيهَا سَبْعَةُ مَطَالِبَ أَسَاسِيَّةٍ: وَكَالَةُ ٱلْإِنْسَانِ وَٱلرِّقَابَةُ، ٱلْمَوْثُوقِيَّةُ ٱلتِّقْنِيَّةُ وَٱلْأَمْنُ، ٱلْخُصُوصِيَّةُ وَإِدَارَةُ ٱلْمَعْلُومَاتِ، ٱلشَّفَّافِيَّةُ، ٱلتَّنَوُّعُ وَمَنْعُ ٱلتَّمْيِيزِ، رِفَاهُ ٱلْمُجْتَمَعِ وَٱلِاسْتِقْرَارُ ٱلْبِيئِيُّ، ٱلْمُسَاءَلَةُ.
  • ٱلْوِلَايَاتُ ٱلْمُتَّحِدَةُ ٱلْأَمِيرِكِيَّةُ: تَرْكِيزُ ٱسْتِرَاتِيجِيَّةِ «المبادرة الأمريكية للذّكاء الاصطناعي» (American AI Initiative) وَتَقْرِيرُ «ٱللَّجْنَةِ ٱلْأَمْنِيَّةِ ٱلْقَوْمِيَّةِ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ» (National Security Commission on Artificial Intelligence – NSCAI)[10] عَلَىٰ جَوَانِبِ ٱلتَّنَافُسِيَّةِ وَٱلْأَمْنِ. وَفِي ٱلْمُقَابِلِ، جَرَىٰ إِنْشَاءُ لِجَانٍ أَخْلَاقِيَّةٍ لِمُرَاقَبَةِ ٱلْأَنْظِمَةِ ٱلْعَسْكَرِيَّةِ ٱلْمُسْتَقِلَّةِ (مَرْكَزُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمُشْتَرَكُ – JAIC).
  • ٱلصِّينُ: «ٱلْكِتَابُ ٱلْأَبْيَضُ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ» (٢٠١٨م)[11] وَسِيَاسَةُ «بِنَاءِ طَرِيقِ ٱلْحَرِيرِ ٱلرَّقْمِيِّ» تَضَعَانِ ضَرُورَةَ تَطْوِيرِ ٱلنُّظُمِ ٱلْحُكُومِيَّةِ وَٱلْمَعَايِيرِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ، وَتُشَدِّدَانِ عَلَىٰ «ٱلتَّنَاغُمِ» بَيْنَ ٱلْإِنْسَانِ وَٱلتِّقْنِيَاتِ. إِلَّا أَنَّ ٱلْمُنْتَقِدِينَ يُشِيرُونَ إِلَىٰ مَخَاطِرِ ٱلرِّقَابَةِ ٱلرَّقْمِيَّةِ ٱلْجَمَاعِيَّةِ وَنِظَامِ «ٱلتَّقْيِيمِ ٱلِاجْتِمَاعِيِّ».

وَبِذٰلِكَ، فِي بَدَايَةِ ٱلْقَرْنِ ٱلْحَادِي وَٱلْعِشْرِينَ، بَدَأَتْ أَخْلَاقِيَّاتُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ تَتَشَكَّلُ كَمَجَالٍ مُسْتَقِلٍّ يَجْمَعُ بَيْنَ ٱلْقَانُونِ وَٱلْفَلْسَفَةِ وَعُلُومِ ٱلْحَاسُوبِ وَعِلْمِ ٱلِاجْتِمَاعِ. وَتَقُومُ ٱلْمُنَظَّمَاتُ ٱلدُّوَلِيَّةُ وَٱلْحُكُومَاتُ وَٱلْجَمْعِيَّاتُ ٱلْمِهْنِيَّةُ بِإِطْلَاقِ مُدَوَّنَاتٍ وَتَوْصِيَاتٍ تُرَادُ مِنْهَا صِيَاغَةُ «ذَكَاءٍ ٱصْطِنَاعِيٍّ مَسْؤُولٍ» أَوْ «مَوْثُوقٍ» (Responsible AI، Trustworthy AI).

١.١.٤. ٱلْمَفَاهِيمُ ٱلرَّئِيسِيَّةُ لِأَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمُعَاصِرَةِ

تُمْثِّلُ أَخْلَاقِيَّاتُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمُعَاصِرَةُ مَجْمُوعَةً مِنَ ٱلْمَقَارِبِ وَٱلْمَبَادِئِ ٱلَّتِي يُمْكِنُ تَجْمِيعُهَا فِي عِدَّةِ كُتَلٍ مَفَاهِيمِيَّةٍ:

ٱلْـمُقَارَبَةُ ٱلْمَبْدَئِيَّةُ (ٱلْقَاعِدِيَّةُ)
تَنْطَلِقُ مِنْ أَخْلَاقِ ٱلْوَاجِبَاتِ: مَجْمُوعَةٌ مُحَدَّدَةٌ مِنَ ٱلْوَصَايَا وَٱلْقَوَاعِدِ وَٱلنُّظُمِ ٱلَّتِي يَجِبُ أَنْ يَلْتَزِمَ بِهَا ٱلْمُطَوِّرُونَ وَٱلْمُسْتَخْدِمُونَ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ.
مِثَالٌ: «ٱلْمَبَادِئُ ٱلْأَرْبَعَةُ ٱلْأَخْلَاقِيَّةُ» فِي ٱلطِّبِّ (ٱلْإِحْسَانُ، عَدَمُ ٱلْإِضْرَارِ، ٱلِاسْتِقْلَالُ، ٱلْعَدَالَةُ) وَتَطْبِيقُهَا عَلَىٰ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلرِّعَايَةِ ٱلصِّحِّيَّةِ.
ٱلْمِيزَةُ: مَعَايِيرُ وَاضِحَةٌ (مَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَجُوزُ).
ٱلنَّقْصُ: اِحْتِمَالُ ٱلْجُمُودِ مَعَ سُرْعَةِ ٱلتَّطَوُّرِ ٱلتِّقْنِيِّ.

ٱلْمَقَارَبَةُ ٱلْمَنْفَعِيَّةُ (ٱلْأُوتِيلِيتَارِيَّةُ)
ٱلْعِبْرَةُ بِقِيَاسِ ٱلْمَنْفَعَةِ وَٱلضَّرَرِ (تَحْلِيلُ ٱلتَّكْلِفَةِ وَٱلْفَائِدَةِ). تُعْتَبَرُ ٱلْقَرَارَاتُ مُبَرَّرَةً إِذَا أَنْتَجَتْ أَفْضَلَ نَتِيجَةٍ إِجْمَالِيَّةٍ لِأَكْبَرِ عَدَدٍ مِنَ ٱلنَّاسِ.
فِي ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَظْهَرُ ذٰلِكَ فِي ٱلتَّرْكِيزِ عَلَى «ٱلرِّفَاهِ ٱلْمُجْتَمَعِيِّ ٱلْعَامِّ» (مِثْلَ خَوَارِزْمِيَّاتٍ تُقَلِّلُ ٱلْجَرِيمَةَ، أَوْ تَرْفَعُ كَفَاءَةَ ٱلرِّعَايَةِ ٱلصِّحِّيَّةِ، إِلَخْ).
ٱلنَّقْصُ: مَخَاطِرُ تَغَافُلِ حُقُوقِ ٱلْأَقَلِّيَّاتِ وَٱلْأَفْرَادِ بِٱسْمِ «ٱلْمَنْفَعَةِ ٱلْعَامَّةِ».

ٱلْمَقَارَبَةُ ٱلْمُوَجَّهَةُ بِٱلْفَضِيلَةِ
تُرَكِّزُ عَلَىٰ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ «ٱلْفَاعِلُ ٱلْجَيِّدُ» – ٱلْمُطَوِّرُ وَٱلْمُسْتَخْدِمُ وَٱلْمُدِيرُ – مِنْ خِصَالٍ أَخْلَاقِيَّةٍ (فَضَائِلَ).
تُصَمَّمُ تَطْبِيقَاتُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ مَعَ مُرَاعَاةِ تَشْكِيلِ مُمارَسَاتٍ أَخْلَاقِيَّةٍ.
ٱلصُّعُوبَةُ: عُسْرُ تَقْنِينِ «ٱلْفَضِيلَةِ ٱلشَّخْصِيَّةِ» عَلَىٰ مُسْتَوَىٰ ٱلسِّيَاسَاتِ ٱلشَّرِكَاتِيَّةِ.

نَمُوذَجُ ٱلسِّيَاقِ ٱلِاجْتِمَاعِيِّ وَٱلثَّقَافِيِّ (ٱلْبَرَادِيمُ ٱلسِّياقِيُّ)
يَنْطَلِقُ مِنْ فِكْرَةِ أَنَّ ٱلْمَعَايِيرَ ٱلْأَخْلَاقِيَّةَ يَجِبُ أَنْ تُرَاعِيَ ٱلسِّيَاقَ ٱلِاجْتِمَاعِيَّ وَٱلثَّقَافِيَّ ٱلْمَحَلِّيَّ. لَا وُجُودَ لِـ«مَجْمُوعَةٍ كَوْنِيَّةٍ» مُوَحَّدَةٍ مِنَ ٱلْقَوَاعِدِ صَالِحَةٍ لِجَمِيعِ ٱلْبِلَادِ وَٱلثَّقَافَاتِ.
فِي بَعْضِ ٱلْمُجْتَمَعَاتِ (مِثْلَ ٱلْمُجْتَمَعِ ٱلْإِسْلَامِيِّ) تَحْتَلُّ قَضَايَا ٱلْإِبَاحَةِ وَٱلتَّحْرِيمِ (حَلَالٌ/حَرَامٌ) مَكَانًا مَحْوَرِيًّا، فِيمَا تُفَضِّلُ مُجْتَمَعَاتٌ أُخْرَىٰ ٱلتَّرْكِيزَ عَلَىٰ ٱلْخُصُوصِيَّةِ وَحُرِّيَّةِ ٱلْفَرْدِ.
مِثَالٌ: «ٱلْأَخْلَاقُ ٱلْإِسْلَامِيَّةُ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ» ٱلَّتِي يُطَوِّرُهَا مُؤَلِّفُ هٰذِهِ ٱلدِّرَاسَةِ فِيمَا بَعْدُ.

ٱلْمَقَارَبَةُ ٱلْقَانُونِيَّةُ
تَرْكِيزٌ عَلَىٰ إِنْشَاءِ نُصُوصٍ تَشْرِيعِيَّةٍ مُلْزِمَةٍ وَبِنَاءِ مُؤَسَّسَاتِ رَقَابَةٍ (سُلْطَاتٌ حُكُومِيَّةٌ، مُنَظَّمَاتٌ دُوَلِيَّةٌ).
ٱلْمِيزَةُ: وُجُودُ آلِيَّةِ إِلْزَامٍ بِٱلِٱمْتِثَالِ لِلْقَوَاعِدِ (غَرَامَاتٌ، مَسْؤُولِيَّةٌ جِنَائِيَّةٌ).
ٱلْمَخَاطِرُ: ٱلْبِيرُوقْرَاطِيَّةُ ٱلزَّائِدَةُ، وَتَأَخُّرُ ٱلتِّقْنِيَّاتِ بِسَبَبِ تَعَقُّدِ ٱلتَّوَافُقَاتِ، وَعَجْزُ ٱلرُّقَابَةِ عَنْ مُجَارَاةِ وَتِيرَةِ ٱلِابْتِكَارِ.

وَفِي أَكْثَرِ ٱلْوَثَائِقِ ٱلْبَرَامِجِيَّةِ ٱلرَّاهِنَةِ (مِثْلَ مَوَادِّ يُونِيسْكُو (UNESCO) وَٱلْمَعْهَدِ ٱلْكَهْرَبَائِيِّ وَٱلْإِلِكْتُرُونِيِّ ٱلدُّوَلِيِّ (IEEE)) يَظْهَرُ تَرْكِيبٌ بَيْنَ هٰذِهِ ٱلْمَقَارِبِ: فَتُقَدَّمُ مَعًا «مَنَاطِقُ مَمْنُوعَةٌ» مُحَدَّدَةٌ وَقِيَمٌ عَامَّةٌ (لَا تُضِرَّ، كُنْ عَادِلًا، إِلَخْ)، مَعَ مُرَاعَاةِ خُصُوصِيَّاتِ ٱلتَّنْظِيمِ ٱلْمَحَلِّيِّ.

١.١.٥. ٱلْمَبَادِئُ وَٱلْقِيَمُ ٱلرَّئِيسِيَّةُ فِي أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمُعَاصِرَةِ

بِنَاءً عَلَىٰ عَدَدٍ كَبِيرٍ مِنَ ٱلْوَثَائِقِ وَٱلْمُبَادَرَاتِ وَٱلْأَبْحَاثِ ٱلْعِلْمِيَّةِ، يَتَبَيَّنُ ٱلْيَوْمَ جُمْلَةٌ مِنَ ٱلْمَبَادِئِ ٱلَّتِي تُعْتَبَرُ «لُبَّ» أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلرَّاهِنَةِ:

ٱلشَّفَّافِيَّةُ (Transparency)

  • ٱلْمَطْلَبُ: وَضْعُ آليَّاتٍ لِـ«إِمْكَانِيَّةِ شَرْحِ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ» (explainable AI)، بِحَيْثُ يَجِبُ عَلَىٰ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ وَٱلرُّقَابَةِ أَنْ يَسْتَطِيعُوا فَهْمَ مَنْطِقِ ٱلْقَرَارَاتِ ٱلَّتِي يَتَّخِذُهَا ٱلْخَوَارِزْمُ.
  • وَضْعُ إِفْصَاحٍ عَامٍّ عَنْ أَهْدَافِ وَمَنَاهِجِ جَمْعِ ٱلْمَعْلُومَاتِ.
  • ٱلْمُشْكِلَةُ: ٱلشَّبَكَاتُ ٱلْعَصَبِيَّةُ ٱلْعَمِيقَةُ تَعْمَلُ كَـ«صُنْدُوقٍ أَسْوَدَ» مُعَقَّدٍ، مِمَّا يُعَسِّرُ تَطْبِيقَ ٱلشَّفَّافِيَّةِ فِي ٱلْوَاقِعِ.

ٱلْعَدَالَةُ (Fairness) وَمَنْعُ ٱلتَّمْيِيزِ

  • يَجِبُ أَلَّا تُنْتِجَ أَنْظِمَةُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ إِجْحَافًا ضِدَّ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ أَسَاسِ ٱلْجِنْسِ أَوِ ٱلْعِرْقِ أَوِ ٱلدِّينِ أَوِ ٱلْعُمْرِ أَوْ غَيْرِهَا.
  • ٱلْوَاقِعُ: وُجُودُ «ٱنْحِرَافَاتٍ عِرْقِيَّةٍ أَوْ جِنْدَرِيَّةٍ» فِي خَوَارِزْمِيَّاتِ ٱلتَّوْظِيفِ أَوْ ٱلْإِقْرَاضِ.
  • ٱلْأَدَوَاتُ ٱلْمُصَحِّحَةُ: تَوَازُنُ عَيِّنَاتِ ٱلتَّدْرِيبِ، وَحَذْفُ ٱلْمُؤَشِّرَاتِ ٱلْحَسَّاسَةِ أَوْ تَشْفِيرُهَا، وَٱلِاسْتِعَانَةُ بَفِرَقٍ بَيْنِيَّةِ ٱلتَّخَصُّصِ لِلْمُرَاجَعَةِ وَٱلِاخْتِبَارِ.

ٱلْخُصُوصِيَّةُ (Privacy) وَحِمَايَةُ ٱلْمَعْلُومَاتِ

  • فِي دُوَلٍ كَثِيرَةٍ وُضِعَتْ نُظُمٌ مُشَدَّدَةٌ (لِائِحَةُ حِمَايَةِ ٱلْبَيَانَاتِ ٱلْعَامَّةِ فِي ٱلِٱتِّحَادِ ٱلْأُورُوبِيِّ – GDPR، وَقَانُونُ ٱلْبَيَانَاتِ ٱلشَّخْصِيَّةِ فِي رُوسْيَا – ١٥٢-ФЗ).
  • ٱلْمَنْظُورُ ٱلْأَخْلَاقِيُّ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ جَمْعُ ٱلْمَعْلُومَاتِ وَمُعَالَجَتُهَا «بِحَدِّهَا ٱلْأَدْنَى ٱلضَّرُورِيِّ» (data minimization)، وَأَنْ يَقُومَ عَلَىٰ مُوَافَقَةٍ صَرِيحَةٍ مِنَ ٱلْمُسْتَخْدِمِ.
  • ٱلْمُشْكِلَةُ: أَنَّ نَمَاذِجَ ٱلِٱقْتِصَادِ لِلشَّرِكَاتِ ٱلتِّقْنِيَّةِ ٱلْعَالَمِيَّةِ غَالِبًا تَبْنِي عَلَىٰ تِجَارَةِ بَيَانَاتِ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ، وَهٰذَا يُحْدِثُ تَعَارُضَ مَصَالِحَ.

ٱلْمَسْؤُولِيَّةُ (Accountability)

  • ٱلسُّؤَالُ ٱلْمَحْوَرِيُّ: مَنْ يَتَحَمَّلُ ٱلْمَسْؤُولِيَّةَ إِذَا أَحْدَثَ نِظَامُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ضَرَرًا؟ ٱلْمُطَوِّرُ، ٱلْمَالِكُ، ٱلْمُسْتَخْدِمُ، أَمِ ٱلْبَرْنَامَجُ نَفْسُهُ؟
  • ٱلْمُمَارَسَةُ ٱلدُّوَلِيَّةُ: لَا يُعْتَرَفُ بِٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ كَـ«شَخْصِيَّةٍ قَانُونِيَّةٍ»، وَمِنْ ثَمَّ لَا يُمْكِنُهُ ٱلتَّحَمُّلُ. وَبِالتَّالِي فَٱلْمَسْؤُولِيَّةُ تَقَعُ عَلَى ٱلْفَاعِلِينَ ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ قَرَارَاتِ ٱلتَّطْبِيقِ وَيُدِيرُونَ نَتَائِجَهُ.
  • ٱلتَّوَجُّهُ ٱلْقَانُونِيُّ ٱلْجَدِيدُ: ظُهُورُ «مَنْصِبِ» مُفَوَّضِ أَخْلَاقِيَّاتِ شَرِكَاتٍ (Chief Ethics Officer) أَوْ مَنَاصِبَ نَظِيرَةٍ، تَتَوَلَّىٰ مُرَاقَبَةَ ٱلِالْتِزَامِ بِٱلْمَعَايِيرِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ.

ٱلسَّلَامَةُ (Safety) وَٱلْمَوْثُوقِيَّةُ

  • خَطَرُ سُلُوكٍ «غَيْرِ مُسْتَفَزٍّ» لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، لِسِيَّمَا فِي ٱلْأَنْظِمَةِ ٱلْعَسْكَرِيَّةِ ٱلْمُسْتَقِلَّةِ وَأَنْظِمَةِ إِدَارَةِ ٱلنَّقْلِ (ٱلسَّيَّارَاتُ ذَاتِيَّةُ ٱلْقِيَادَةِ).
  • مَسَائِلُ ٱلْحِمَايَةِ: ٱخْتِرَاقُ أَوْ تَخْرِيبُ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ، وَٱلْهَجَمَاتُ عَلَى ٱلشَّبَكَاتِ ٱلْعَصَبِيَّةِ عَبْرَ مُدْخَلَاتٍ «مُشَوَّشَةٍ».
  • ٱلْوَاجِبُ ٱلْأَخْلَاقِيُّ: تَجَنُّبُ ٱلْحَالَاتِ ٱلَّتِي فِيهَا خَطَأُ ٱلنِّظَامِ يُعَرِّضُ حَيَاةَ ٱلْإِنْسَانِ مُبَاشَرَةً لِلْخَطَرِ. وَتُعْتَمَدُ ٱلْمَعَايِيرُ لِلاِخْتِبَارِ وَٱلِاعْتِمَادِ وَٱلْتَّحَقُّقِ لِهٰذِهِ ٱلْأَنْظِمَةِ ٱلذَّكِيَّةِ.

ٱلْمَرْكَزِيَّةُ ٱلْإِنْسَانِيَّةُ (Human-Centric AI)

  • تُقَرِّرُ أَنَّ كُلَّ حُلُولِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَجِبُ أَنْ تُسَاعِدَ ٱلْإِنْسَانَ وَلَا تَسْتَبْدِلَهُ فِي ٱلْعَمَلِيَّاتِ ٱلْحَرِجَةِ لِٱتِّخَاذِ ٱلْقَرَارَاتِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ.
  • «حَقُّ ٱلتَّوْضِيحِ»: يَحِقُّ لِلْمُسْتَخْدِمِ أَنْ يَطْلُبَ إِضَاحًا لِسَبَبِ ٱلْقَرَارِ ٱلَّذِي أَصْدَرَهُ ٱلْخَوَارِزْمُ (مِثَالًا: رَفْضُ قَرْضٍ، أَوِ ٱقْتِرَاحُ خُطَّةِ عِلَاجٍ).
  • تُبْرِزُ ٱلْمَبَادِئُ ٱلْأُورُوبِيَّةُ لِـ«ٱلذَّكَاءِ ٱلْمَوْثُوقِ» (Trustworthy AI) لِسَنَةِ ٢٠١٩م[12] «ٱلرِّقَابَةَ ٱلْبَشَرِيَّةَ» كَنُقْطَةٍ مِحْوَرِيَّةٍ.

ٱلتَّنْمِيَةُ ٱلْمُسْتَدَامَةُ (Sustainability)

  • مَسَارٌ جَدِيدٌ فِي ٱلنِّقَاشِ يَتَّصِلُ بِٱلْجَوَانِبِ ٱلْبِيئِيَّةِ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ: فَإِنَّ ٱلِاسْتِعْمَالَ ٱلْوَاسِعَ لِلْحَوْسَبَةِ ٱلسَّحَابِيَّةِ يَسْتَلْزِمُ طَاقَةً هَائِلَةً.
  • ٱلْمَطْلَبُ ٱلْأَخْلَاقِيُّ: تَحْسِينُ ٱلنَّمَاذِجِ وَٱلْبِنْيَةِ ٱلتَّحْتِيَّةِ لِتَقْلِيلِ ٱلْبَصْمَةِ ٱلْكَرْبُونِيَّةِ وَدَعْمِ «ٱلتِّقْنِيَاتِ ٱلْخَضْرَاءِ».

وَقَدْ بَدَأَتْ هٰذِهِ ٱلْمَبَادِئُ ٱلْمُشَكَّلَةُ فِي ٱلسِّيَاقَيْنِ ٱلْغَرْبِيِّ وَٱلدُّوَلِيِّ تُنَفَّذُ بِنَشَاطٍ مِنْ قِبَلِ ٱلشَّرِكَاتِ وَٱلْهَيْئَاتِ ٱلْحُكُومِيَّةِ، حَتَّىٰ صَارَتْ جُزْءًا مِنَ ٱلْأَجِنْدَةِ ٱلْمُعْتَمَدَةِ لِـ«ٱلتَّطْوِيرِ ٱلْمَسْؤُولِ» أَوْ «ٱلْمَوْثُوقِ» لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ.

١.١.٦. ٱلنَّقْدُ وَٱلتَّحَدِّيَاتُ ٱلرَّاهِنَةُ

عَلَىٰ رَغْمِ ٱلتَّطَوُّرِ ٱلسَّرِيعِ لِأَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، فَإِنَّ هُنَاكَ كَثِيرًا مِنَ ٱلْمَسَائِلِ ٱلْمُعَلَّقَةِ وَٱلنِّقَاطِ ٱلْجَدَلِيَّةِ:

حَدُّ ٱلْمُدَوَّنَاتِ ٱلتَّصْرِيحِيَّةِ

  • تُعْلِنُ شَرِكَاتٌ كَثِيرَةٌ عَنْ ٱلِالْتِزَامِ بِمَبَادِئَ أَخْلَاقِيَّةٍ عَالِيَةٍ، وَلَكِنَّ ٱلْعَمَلِيَّةَ لَا تَكُونُ عَلَىٰ هٰذَا ٱلْمُسْتَوَىٰ (مَا يُسَمَّىٰ «تَلْيِينُ ٱلْأَخْلَاقِ – ethics washing»).
  • عَدَمُ وُجُودِ آلِيَّاتِ إِلْزَامٍ وَمَقَايِيسَ شَفَّافَةٍ لِتَقْيِيمِ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ يُؤَدِّي إِلَىٰ تَحْوِيلِ ٱلْمُدَوَّنَاتِ إِلَىٰ أَدَاةٍ صُورِيَّةٍ لِلسُّمْعَةِ.

تَعَارُضُ ٱلْمَصَالِحِ ٱلِاقْتِصَادِيَّةِ

  • تَكْسَبُ ٱلشَّرِكَاتُ ٱلتِّقْنِيَّةُ ٱلْعَظِيمَةُ مِنَ ٱلْإِعْلَانَاتِ وَٱلْبَيَانَاتِ ٱلضَّخْمَةِ وَخَوَارِزْمِيَّاتِ تَوْصِيَةِ ٱلْمُحْتَوَى ٱلْمُوَجَّهَةِ لِـ«تَعْظِيمِ ٱلِانْخِرَاطِ» (engagement maximization). وَقَدْ يُنَاقِضُ ذٰلِكَ مَبَادِئَ «لَا تُضِرَّ» وَ«حَافِظْ عَلَىٰ ٱلْخُصُوصِيَّةِ».
  • كَثِيرًا مَا تَجِدُ ٱلشَّرِكَاتُ دَفْعَ ٱلْغَرَامَاتِ ٱلصَّغِيرَةِ أَسْهَلَ مِنْ تَغْيِيرِ نَمُوذَجِ ٱلْأَعْمَالِ ٱلْأَسَاسِيِّ.

ٱلْغُمُوضُ ٱلْخَوَارِزْمِيُّ

  • أَنَّ أُسْلُوبَ «ٱلتَّعَلُّمِ ٱلْعَمِيقِ» (deep learning) مُعَقَّدٌ إِلَىٰ دَرَجَةٍ يَصْعُبُ فِيهَا عَلَىٰ ٱلْمُطَوِّرِينَ أَنْ يُفَسِّرُوا بِالتَّفْصِيلِ سَبَبَ ٱلْقَرَارِ ٱلَّذِي ٱتَّخَذَتْهُ ٱلشَّبَكَةُ (مُشْكِلَةُ «ٱلصُّنْدُوقِ ٱلْأَسْوَدِ»).
  • يَسْعَى ٱلْبَاحِثُونَ لِتَطْوِيرِ مَجَالِ «ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْقَابِلِ لِلشَّرْحِ» (Explainable AI – XAI)، وَلَكِنْ لَا تَوْجَدُ بَعْدُ حُلُولٌ كَامِلَةٌ تُجَسِّدُ عَمَلِيَّةَ ٱلْقَرَارِ ٱلْمُعَقَّدَةَ لِلشَّبَكَةِ ٱلْعَصَبِيَّةِ.

قَضِيَّةُ ٱلْأَسْلِحَةِ ٱلْمُسْتَقِلَّةِ

  • مِنْ أَكْثَرِ ٱلْمَوَاضِيعِ حِدَّةً: ٱسْتِعْمَالُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلْمَجَالِ ٱلْعَسْكَرِيِّ (طَائِرَاتٌ مُسَيَّرَةٌ، رُوبُوتَاتُ قَتْلٍ، أَنْظِمَةُ تَعَرُّفٍ عَلَىٰ ٱلْوُجُوهِ فِي ٱلْجُيُوشِ).
  • تُطَالِبُ ٱلْمُجْتَمَعَاتُ ٱلدُّوَلِيَّةُ بِحَظْرِ ٱلْأَسْلِحَةِ ٱلْمُسْتَقِلَّةِ ٱلْفَتَّاكَةِ (Campaign to Stop Killer Robots[13])، وَلَكِنْ لَا يُوجَدُ ٱتِّفَاقٌ مُوَحَّدٌ حَوْلَ كَيْفِيَّةِ ٱلرِّقَابَةِ وَمَنْ سَيَتَحَمَّلُ «ٱلْمَسْؤُولِيَّةَ» عَنْ قَرَارِ ٱلْخَوَارِزْمِ بِضَرْبِ ٱلْهَدَفِ.

ٱلْجَوَانِبُ ٱلثَّقَافِيَّةُ وَٱلدِّينِيَّةُ

  • قَدْ تُنَاقِضُ ٱلْمَبَادِئُ «ٱلْكَوْنِيَّةُ» ٱلْمُمَحْوَرَةُ عَلَىٰ ٱلْمَرْكَزِيَّةِ ٱلْغَرْبِيَّةِ ٱلتَّقَالِيدَ ٱلْمَحَلِّيَّةَ وَنُظُمَ ٱلْقِيَمِ.
  • ٱلْمَقَارَبَةُ ٱلْإِسْلَامِيَّةُ (كَمَا يُبْرِزُهَا هٰذَا ٱلْبَحْثُ) تَجْعَلُ فِي ٱلصَّدَارَةِ مُوَافَقَةَ ٱلتَّقَدُّمِ ٱلتِّقْنِيِّ مَعَ نُظُمِ ٱلشَّرِيعَةِ. وَفِي ثَقَافَاتٍ أُخْرَىٰ (كَمِثَالٍ: ٱلتَّقْلِيدُ ٱلصِّينِيُّ ٱلْكُونْفُوشِيُّ) يُؤَكَّدُ عَلَىٰ ٱلتَّنَاغُمِ وَٱلْمَصْلَحَةِ ٱلْجَمَاعِيَّةِ.
  • هُنَاكَ حَاجَةٌ إِلَىٰ تَكْيِيفِ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ ٱلدُّوَلِيَّةِ مَعَ ٱلسِّيَاقَاتِ ٱلْمَحَلِّيَّةِ.

وَبِذٰلِكَ، فَإِنَّ أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمُعَاصِرَةِ تَمُرُّ بِـ«فَتْرَةٍ اِنتِقَالِيَّةٍ» – مِنْ كَثْرَةِ ٱلْمُدَوَّنَاتِ ٱلْمُتَفَرِّقَةِ إِلَىٰ مُحَاوَلَاتِ تَأْسِيسِ نُظُمٍ مُؤَسَّسِيَّةٍ وَتَشْكِيلِ مُمَارَسَةٍ رَقَابِيَّةٍ فِعْلِيَّةٍ. وَفِي ٱلْمُقَابِلِ، يَتَعَاظَمُ ٱلِاهْتِمَامُ بِٱلْحِوَارِ بَيْنَ ٱلتَّخَصُّصَاتِ وَٱلثَّقَافَاتِ، حَيْثُ تُعْتَبَرُ ٱلْأَخْلَاقُ ٱلْإِسْلَامِيَّةُ أَحَدَ أَهَمِّ ٱلْمَصَادِرِ ٱلْبَدِيلَةِ لِلْمَبَادِئِ وَٱلْقَوَاعِدِ.

ٱلْخُلَاصَةُ لِٱلْفَقْرَةِ ١.١

قَطَعَتْ أَخْلَاقِيَّاتُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ مَسَارًا يَمْتَدُّ مِنَ ٱلِافْتِرَاضَاتِ ٱلْخَيَالِيَّةِ وَٱلْأَفْكَارِ ٱلْفَلْسَفِيَّةِ ٱلْمُتَفَرِّقَةِ (وَسَطُ ٱلْقَرْنِ ٱلْعِشْرِينَ) إِلَىٰ ٱلتَّشَكُّلِ ٱلْعَالَمِيِّ لِلتَّوْصِيَاتِ وَٱلْمُدَوَّنَاتِ وَٱلنُّصُوصِ ٱلْقَانُونِيَّةِ (بِدَايَةُ ٱلْقَرْنِ ٱلْحَادِي وَٱلْعِشْرِينَ). وَفِي ٱطِّرَادِ هٰذِهِ ٱلتَّطَوُّرَاتِ يَتَبَيَّنُ عِدَّةُ مَرَاحِلَ مِفْصَلِيَّةٍ:

  • ٱلْأَفْكَارُ ٱلْمُبَكِّرَةُ: «ٱلْقَوَانِينُ ٱلثَّلَاثَةُ لِلرُّوبُوتِ» لِأَزِيمُوف، وَسَبْرَنِيطِقَا «وِينَر»، وَنِقَاشُ «ٱلذَّكَاءِ ٱلْقَوِيِّ» لِسِيرْل؛ وَقَدْ وَضَعَتْ أُسُسًا نَظَرِيَّةً لِبَحْثِ ٱلتَّوَاصُلِ بَيْنَ ٱلْإِنْسَانِ وَٱلْآلَاتِ ٱلْعَاقِلَةِ (أَوِ ٱلْقَرِيبَةِ مِنَ ٱلْعَقْلِ).
  • تَوَسُّعُ تَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ وَنُمُوُّ ٱلْوَعْيِ بِٱلْمَخَاطِرِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ: ظُهُورُ ٱلْبَيَانَاتِ ٱلضَّخْمَةِ وَخَوَارِزْمِيَّاتِ ٱلتَّوْصِيَةِ وَٱلتَّسْوِيقِ ٱلرَّقْمِيِّ، وَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهَا مِنْ مَشَاكِلَ ٱجْتِمَاعِيَّةٍ (ٱلتَّلَاعُبُ، وَٱلتَّمْيِيزُ، وَانْتِفَاءُ ٱلْخُصُوصِيَّةِ).
  • ٱلتَّأْسِيسُ ٱلْمُؤَسَّسِيُّ: ٱنْبِثَاقُ مَبَادِئَ وَتَوْصِيَاتٍ دُوَلِيَّةٍ كَثِيرَةٍ (Asilomar، OECD، UNESCO، IEEE، ٱلِٱتِّحَادُ ٱلْأُورُوبِيُّ وَغَيْرُهَا)، وَٱسْتِرَاتِيجِيَّاتٍ وَطَنِيَّةٍ (ٱلْوِلَايَاتُ ٱلْمُتَّحِدَةُ، ٱلصِّينُ، ٱلِٱتِّحَادُ ٱلْأُورُوبِيُّ) وَمُدَوَّنَاتٍ أَخْلَاقِيَّةٍ شَرِكَاتِيَّةٍ (Google، Microsoft، IBM، إِلَخْ).
  • ٱلْوَاقِعُ ٱلرَّاهِنُ: ٱلِاعْتِرَافُ بِحَاجَةٍ إِلَىٰ مُقَارَبَةٍ شَامِلَةٍ تَجْمَعُ بَيْنَ ٱلتِّقْنِيَّةِ وَٱلْقَانُونِ وَٱلْفَلْسَفَةِ وَخُصُوصِيَّاتِ ٱلتُّرَاثِ ٱلدِّينِيِّ وَٱلثَّقَافِيِّ ٱلْمَحَلِّيِّ. وَمَعَ ذٰلِكَ، تَبْقَىٰ تَحَدِّيَاتٌ غَيْرُ مَحْسُومَةٍ: غُمُوضُ ٱلشَّبَكَاتِ ٱلْعَصَبِيَّةِ، وَتَعَارُضُ مَصَالِحِ ٱلْأَعْمَالِ مَعَ مَصْلَحَةِ ٱلْمُجْتَمَعِ، وَمُشْكِلَاتُ تَطْوِيرِ ٱلْأُسْلِحَةِ ٱلْمُسْتَقِلَّةِ، وَغَيْرُهَا.

وَفِي ٱلْعَالَمِ ٱلْإِسْلَامِيِّ، تَتَعَاظَمُ أَهَمِّيَّةُ مُلَاءَمَةِ ٱلْمَبَادِئِ ٱلْمَوْجُودَةِ (وَأَكْثَرُهَا دُنْيَوِيٌّ) مَعَ مُتَطَلَّبَاتِ ٱلشَّرِيعَةِ وَٱلْأَخْلَاقِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ. وَهٰذَا مَا يُحَدِّدُ جَدَارَةَ ٱلِاسْتِمْرَارِ فِي ٱلدِّرَاسَةِ لِبَيَانِ كَيْفَ يُمْكِنُ لِلْمَنْظُورِ ٱلْأَخْلَاقِيِّ ٱلْإِسْلَامِيِّ أَنْ يُثْرِيَ ٱلْمَقَارِبَ ٱلْمُتَشَكِّلَةَ لِأَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، وَأَنْ يُكْسِبَهَا عُمْقًا وَمَشْرُوعِيَّةً دِينِيَّةً أَخْلَاقِيَّةً.

١.٢. ٱلْمَعَايِيرُ وَٱلْأَعْمَالُ ٱلتَّنْظِيمِيَّةُ ٱلدُّوَلِيَّةُ فِي مَجَالِ أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ (ٱلْيُونِسْكُو، IEEE، ٱلِٱتِّحَادُ ٱلْأُورُوبِيُّ، وَغَيْرُهُمْ)

١.٢.١. ٱلْمُقَدِّمَةُ إِلَى ٱلتَّنْظِيمِ ٱلدُّوَلِيِّ لِأَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ

أَصْبَحَ تَطَوُّرُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ (AI) فِي ٱلْقَرْنِ ٱلْحَادِي وَٱلْعِشْرِينَ ظَاهِرَةً عَالَمِيَّةً تُشْرِكُ فِيهَا ٱلْهَيْئَاتُ ٱلْحُكُومِيَّةُ وَٱلْمُنَظَّمَاتُ ٱلدُّوَلِيَّةُ وَٱلشَّرِكَاتُ ٱلْعَابِرَةُ لِلْقَارَّاتِ وَمَعَاهِدُ ٱلْبُحُوثِ وَٱلْمُجْتَمَعُ ٱلْمَدَنِيُّ. وَقَدْ أَدَّىٰ ٱلنُّمُوُّ ٱلسَّرِيعُ لِتِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ وَتَوَغُّلُهَا فِي جَوَانِبِ ٱلْحَيَاةِ ٱلْيَوْمِيَّةِ (ٱلطِّبُّ، وَٱلْمَالُ، وَٱلنَّقْلُ، وَٱلتَّعْلِيمُ، وَٱلشَّبَكَاتُ ٱلِاجْتِمَاعِيَّةُ، إِلَخْ) إِلَىٰ إِظْهَارِ جُمْلَةٍ مِنَ ٱلتَّحَدِّيَاتِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ وَٱلْقَانُونِيَّةِ وَٱلِاجْتِمَاعِيَّةِ.

وَلِتَنْظِيمِ ٱلِاسْتِجَابَةِ لِهٰذِهِ ٱلتَّحَدِّيَاتِ، بَدَأَتِ ٱلْمُنَظَّمَاتُ ٱلدُّوَلِيَّةُ وَٱلْإِقْلِيمِيَّةُ مُنْذُ وَسَطِ ٱلْعَقْدِ ٱلثَّانِي مِنَ ٱلْقَرْنِ ٱلْحَادِي وَٱلْعِشْرِينَ فِي صِيَاغَةِ ٱلْمَبَادِئِ ٱلتَّوْجِيهِيَّةِ وَٱلْمُدَوَّنَاتِ وَٱلِٱطَارَاتِ ٱلتَّنْظِيمِيَّةِ حَوْلَ قَضَايَا «ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمَسْؤُولِ» (Responsible AI) أَوْ «ٱلْمَوْثُوقِ» (Trustworthy AI).

وَيَتَنَاوَلُ هٰذَا ٱلْقِسْمُ أَهَمَّ ٱلْمَعَايِيرِ وَٱلْأَعْمَالِ ٱلتَّنْظِيمِيَّةِ ٱلدُّوَلِيَّةِ فِي مَجَالِ أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، ٱلَّتِي تَشَكَّلُ ٱلْأُجِنْدَةَ ٱلْعَالَمِيَّةَ:

  • «تَوْصِيَةُ ٱلْيُونِسْكُو (UNESCO) حَوْلَ أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ» (٢٠٢١م).
  • ٱلْمَعَايِيرُ ٱلْهَنْدَسِيَّةُ وَٱلْمُبَادَرَاتُ ٱلصَّادِرَةُ عَنْ «ٱلْمَعْهَدِ ٱلْكَهْرَبَائِيِّ وَٱلْإِلِكْتُرُونِيِّ ٱلدُّوَلِيِّ» (IEEE) فِي مَجَالِ «ٱلتَّصْمِيمِ ٱلْمُنْحَازِ لِلْأَخْلَاقِ» (Ethically Aligned Design).
  • ٱلْوَثَائِقُ ٱلِاسْتِرَاتِيجِيَّةُ وَٱلْمَشَارِيعُ ٱلتَّشْرِيعِيَّةُ لِـ«ٱلِٱتِّحَادِ ٱلْأُورُوبِيِّ» (ES)، وَمِنْهَا «لَائِحَةُ حِمَايَةِ ٱلْبَيَانَاتِ ٱلْعَامَّةِ» (GDPR)، وَمَشْرُوعُ «قَانُونِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لِلِٱتِّحَادِ ٱلْأُورُوبِيِّ» (EU AI Act)، وَ«ٱلْمَبَادِئُ ٱلْأَخْلَاقِيَّةُ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمَوْثُوقِ».
  • ٱلْمُبَادَرَاتُ ٱلصَّادِرَةُ عَنْ «مُنَظَّمَةِ ٱلتَّعَاوُنِ ٱلِاقْتِصَادِيِّ وَٱلتَّنْمِيَةِ» (OECD) وَ«مَجْمُوعَةِ ٱلْعِشْرِينَ» (G20) وَبَعْضِ ٱلدُّوَلِ فِي مَجَالِ أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ.

وَتَتَمَيَّزُ هٰذِهِ ٱلْوَثَائِقُ بِأَنَّهَا تَضَعُ إِطَارًا عَامًّا يَجِبُ عَلَىٰ جَمِيعِ ٱلْفَاعِلِينَ فِي مَجَالِ تَطْوِيرِ وَٱسْتِعْمَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلِالْتِزَامُ بِهِ – دُوَلًا وَشَرِكَاتٍ وَمُؤَسَّسَاتٍ عِلْمِيَّةً، وَفِي ٱلْمُسْتَقْبَلِ قَدْ تَكُونُ مَحَلًّا لِلنِّظَامِ ٱلْقَضَائِيِّ ٱلدُّوَلِيِّ. وَفِي ٱلْمُقَابِلِ، يَدْرُسُ ٱلْعَالَمُ ٱلْإِسْلَامِيُّ هٰذِهِ ٱلْمَعَايِيرَ ٱلْكَوْنِيَّةَ وَيُكَيِّفُهَا، مُعْتَمِدًا عَلَىٰ أُصُولِهِ ٱلْفِقْهِيَّةِ وَٱلْعَقَدِيَّةِ، لِتَطْبِيقِهَا فِي سِيَاقِهِ ٱلْخَاصِّ. وَهٰذَا مَا سَيَكُونُ مَوْضُوعَ ٱلدِّرَاسَةِ فِي ٱلْفُصُولِ ٱلتَّالِيَةِ.

١.٢.٢. تَوْصِيَةُ يُونِيسْكُو (UNESCO) حَوْلَ أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ (٢٠٢١م)

١.٢.٢.١. ٱلسِّياقُ ٱلتَّارِيخِيُّ وَأَهْدَافُ ٱلْوَثِيقَةِ

أَصْبَحَتْ «مُنَظَّمَةُ ٱلْأُمَمِ ٱلْمُتَّحِدَةِ لِلتَّرْبِيَةِ وَٱلْعِلْمِ وَٱلثَّقَافَةِ» (يُونِيسْكُو (UNESCO)) مِنْ أَوَائِلِ ٱلْمُؤَسَّسَاتِ ٱلدُّوَلِيَّةِ ٱلَّتِي طَرَحَتْ قَضِيَّةَ أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ عَلَىٰ ٱلْأَجِنْدَةِ ٱلْعَالَمِيَّةِ، نَظَرًا إِلَىٰ صَلَاحِيَّاتِهَا ٱلنِّظَامِيَّةِ فِي مَجَالَاتِ ٱلتَّرْبِيَةِ وَٱلثَّقَافَةِ وَٱلْعُلُومِ وَحُقُوقِ ٱلْإِنْسَانِ. وَقَدْ بُدِئَ بِإِعْدَادِ «تَوْصِيَةٍ حَوْلَ أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ (Recommendation on the Ethics of Artificial Intelligence)» فِي سَنَةِ ٢٠١٨م، ثُمَّ اُعْتُمِدَ ٱلنَّصُّ ٱلنِّهَائِيُّ فِي ٱلْمُؤْتَمَرِ ٱلْعَامِّ لِيُونِيسْكُو فِي نُوفَمْبِرْ ٢٠٢١م[14].

وَٱلْهَدَفُ ٱلْأَسَاسِيُّ لِلتَّوْصِيَةِ هُوَ وَضْعُ مَبَادِئَ وَقِيَمٍ كُونِيَّةٍ تُوَجِّهُ إِلَىٰ أَنْ يُطَوَّرَ ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ وَيُسْتَعْمَلَ لِصَالِحِ ٱلْإِنْسَانِ وَٱلْمُجْتَمَعِ، وَفْقًا لِحُقُوقِ ٱلْإِنْسَانِ ٱلْمُعْتَرَفِ بِهَا عَالَمِيًّا وَمَبَادِئِ ٱلْإِنْسَانِيَّةِ. وَتُرَادُ لِهٰذِهِ ٱلْوَثِيقَةِ أَنْ تَكُونَ دَلِيلًا لِدُوَلٍ وَقِطَاعٍ خَاصٍّ فِي وَضْعِ ٱلِاسْتِرَاتِيجِيَّاتِ ٱلْوَطَنِيَّةِ وَسَنِّ ٱلتَّشْرِيعَاتِ ٱلْمُلَائِمَةِ.

١.٢.٢.٢. ٱلْقِيَمُ وَٱلْمَبَادِئُ ٱلرَّئِيسِيَّةُ

وَفْقًا لِتَوْصِيَةِ يُونِيسْكُو (٢٠٢١م)، يَجِبُ عَلَى ٱلدُّوَلِ ٱلْأَعْضَاءِ وَجَمِيعِ ٱلْأَطْرَافِ ٱلْمَعْنِيَّةِ ٱلِاسْتِنَادُ إِلَىٰ جُمْلَةٍ مِنَ ٱلْقِيَمِ وَٱلْمَبَادِئِ ٱلْأَسَاسِيَّةِ، نَذْكُرُ مِنْهَا ٱلْأَهَمَّ:

  • ٱلْإِنْسَانُ فِي ٱلْمَرْكَزِ (Human-centric AI): يَجِبُ أَنْ يَخْدُمَ ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ مَصَالِحَ ٱلْإِنْسَانِ، وَأَنْ يُسَاهِمَ فِي رَفَاهِيَّتِهِ وَصِيَانَةِ كَرَامَتِهِ. وَيُؤَكِّدُ ٱلْمَبْدَأُ أَنَّ ٱلْإِنْسَانَ يَجِبُ أَنْ يَحْتَفِظَ بِٱلسَّيْطَرَةِ وَٱلْمَسْؤُولِيَّةِ عَنْ ٱلْقَرَارَاتِ ٱلْمُتَّخَذَةِ بِوَاسِطَةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ.
  • ٱحْتِرَامُ حُقُوقِ ٱلْإِنْسَانِ وَٱلْحُرِّيَّاتِ ٱلْأَسَاسِيَّةِ: يَجِبُ أَنْ تَكُونَ كُلُّ تَطْوِيرَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ مُتَّسِقَةً مَعَ «ٱلْإِعْلَانِ ٱلْعَالَمِيِّ لِحُقُوقِ ٱلْإِنْسَانِ» (١٩٤٨م) وَغَيْرِهِ مِنَ ٱلْوَثَائِقِ ٱلدُّوَلِيَّةِ ٱلْمُعْتَرِفَةِ بِحُرِّيَّةِ ٱلْفِكْرِ وَٱلِاعْتِقَادِ وَحُرْمَةِ ٱلْحَيَاةِ ٱلْخَاصَّةِ. وَتُؤَكِّدُ ٱلتَّوْصِيَةُ خُصُوصًا عَلَىٰ وُجُوبِ ٱحْتِرَامِ ٱلتَّنَوُّعِ ٱلثَّقَافِيِّ وَٱلتَّقَالِيدِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ لِلشُّعُوبِ.
  • ٱلْعَدَالَةُ وَمَنْعُ ٱلتَّمْيِيزِ وَٱلشُّمُولِيَّةُ: يَجِبُ أَلَّا تُؤَدِّيَ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتُ وَٱلْمَعْلُومَاتُ إِلَىٰ تَحَيُّزٍ أَوْ تَمْيِيزٍ عَلَىٰ أَسَاسِ ٱلْعِرْقِ أَوِ ٱلْجِنْسِ أَوِ ٱلدِّينِ أَوْ غَيْرِهَا. وَتُوصِي يُونِيسْكُو بِإِيلَاءِ عِنَايَةٍ خَاصَّةٍ لِمَجْمُوعَاتِ بَيَانَاتِ ٱلتَّدْرِيبِ لِكَيْ لَا تَتَضَاعَفَ ٱلْأَحْكَامُ ٱلْمُسْبَقَةُ ٱلِاجْتِمَاعِيَّةُ عَنْ طَرِيقِ «ٱلتَّعَلُّمِ ٱلْآلِيِّ».
  • ٱلشَّفَّافِيَّةُ وَٱلْمَسْؤُولِيَّةُ: تُشِيرُ ٱلتَّوْصِيَةُ إِلَىٰ أَهَمِّيَّةِ «قَابِلِيَّةِ ٱلتَّفْسِيرِ» (explainability) لِلْخَوَارِزْمِيَّاتِ. وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُواطِنِينَ حَقٌّ فِي فَهْمِ مَنْطِقِ ٱلْعَمَلِ لِلْأَنْظِمَةِ ٱلْأَسَاسِيَّةِ ٱلَّتِي تَتَّخِذُ قَرَارَاتٍ تَمُسُّ حَيَاتَهُمْ. كَمَا يَجِبُ عَلَى ٱلْمُطَوِّرِينَ وَٱلْمُشَغِّلِينَ أَنْ يَتَحَمَّلُوا ٱلْمَسْؤُولِيَّةَ عَنْ عَوَاقِبِ تَطْبِيقِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ.
  • ٱلتَّوَجُّهُ نَحْوَ ٱلتَّنْمِيَةِ ٱلْمُسْتَدَامَةِ: تُشَدِّدُ يُونِيسْكُو عَلَىٰ أَنَّ ٱلذَّكَاءَ ٱلِصْطِنَاعِيَّ يَجِبُ أَنْ يُسَاهِمَ فِي تَحْقِيقِ «أَهْدَافِ ٱلتَّنْمِيَةِ ٱلْمُسْتَدَامَةِ لِلْأُمَمِ ٱلْمُتَّحِدَةِ» (SDGs)، وَمِنْهَا ٱسْتِئْصَالُ ٱلْفَقْرِ، وَتَحْسِينُ ٱلتَّعْلِيمِ وَٱلصِّحَّةِ، وَتَحْقِيقُ ٱلْمُسَاوَاةِ بَيْنَ ٱلْجِنْسَيْنِ، إِلَخْ.

١.٢.٢.٣. آلِيَّاتُ ٱلتَّطْبِيقِ وَتَقْيِيمُ ٱلتَّأْثِيرِ

يُعَدُّ جُزْءٌ مُهِمٌّ مِنْ تَوْصِيَةِ يُونِيسْكُو مَا يَتَّصِلُ بِآلِيَّاتِ ٱلتَّطْبِيقِ. وَتُقَدِّمُ ٱلتَّوْصِيَةُ لِلدُّوَلِ ٱلْآتِي:

  • إِنْشَاءُ وَتَطْوِيرُ ٱلِاسْتِرَاتِيجِيَّاتِ ٱلْوَطَنِيَّةِ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ مَعَ مُرَاعَاةِ مَبَادِئِ ٱلْأَخْلَاقِ وَحُقُوقِ ٱلْإِنْسَانِ؛
  • تَعْزِيزُ ٱلتَّعْلِيمِ وَٱلتَّوْعِيَةِ فِي مَجَالِ ٱلِاسْتِعْمَالِ ٱلْمَسْؤُولِ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ؛
  • تَشْكِيلُ لِجَانٍ خَبِيرَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ قَادِرَةٍ عَلَىٰ تَقْيِيمِ ٱلْمَشَارِيعِ وَمَنْعِ سُوءِ ٱسْتِعْمَالِهَا.

وَيَنْصُّ ٱلْوَثِيقُ أَيْضًا عَلَى «تَقْيِيمَاتِ ٱلْأَثَرِ ٱلْأَخْلَاقِيِّ» (ethical impact assessment)، وَهِيَ آلِيَّاتٌ تُسَاعِدُ عَلَىٰ تَحْلِيلٍ مُنَظَّمٍ لِمَا قَدْ يُحْدِثُهُ تَطْبِيقُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ مِنْ آثَارٍ إِيجَابِيَّةٍ أَوْ سَلْبِيَّةٍ. وَهٰذِهِ ٱلْمُقَارَبَةُ قَرِيبَةٌ مِنْ مَفْهُومِ «ٱلتَّدْقِيقِ ٱلشَّرْعِيِّ» ٱلَّذِي سَيَرِدُ تَفْصِيلُهُ فِيمَا بَعْدُ فِي سِيَاقِ ٱلْفِقْهِ ٱلْإِسْلَامِيِّ.

١.٢.٢.٤. ٱلْقِيمَةُ لِلسِّيَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ

بِحَسَبِ تَقْدِيرَاتِ ٱلْمُخْتَصِّينَ، فَإِنَّ ٱلْمَبَادِئَ ٱلْقِيمِيَّةَ ٱلْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا فِي تَوْصِيَةِ يُونِيسْكُو تَنْسَجِمُ إِلَىٰ حَدٍّ كَبِيرٍ مَعَ ٱلتَّصَوُّرَاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ حَوْلَ ٱلْعَدَالَةِ وَٱحْتِرَامِ ٱلْإِنْسَانِ وَٱلْمَصْلَحَةِ ٱلْعَامَّةِ وَٱلِاحْتِيَاطِ فِي مَوَاطِنِ ٱلضَّرَرِ ٱلْمُحْتَمَلِ.

وَقَدْ شَرَعَتْ عِدَّةُ دُوَلٍ إِسْلَامِيَّةٍ (كَٱلْإِمَارَاتِ ٱلْعَرَبِيَّةِ ٱلْمُتَّحِدَةِ وَٱلسَّعُودِيَّةِ وَمَالِيزْيَا وَإِنْدُونِيسْيَا وَغَيْرِهَا) فِي دَمْجِ تَوْصِيَةِ يُونِيسْكُو فِي بَرَامِجِهَا ٱلْوَطَنِيَّةِ لِتَطْوِيرِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، وَذٰلِكَ بِالتَّوَازِي مَعَ ٱلِالْتِزَامِ بِنُظُمِ ٱلشَّرِيعَةِ. وَتُجَسِّدُ هٰذِهِ ٱلْمُقَارَبَةُ طَابِعَ أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْعَالَمِيِّ: فَٱلْقِيَمُ ٱلْكُلِّيَّةُ قَابِلَةٌ لِأَنْ تُسْتَكْمَلَ بِٱلتَّقَالِيدِ ٱلْقَانُونِيَّةِ وَٱلدِّينِيَّةِ ٱلْمَحَلِّيَّةِ.

١.٢.٣. ٱلْمَعَايِيرُ وَٱلْمُبَادَرَاتُ ٱلصَّادِرَةُ عَنْ IEEE: «ٱلتَّصْمِيمُ ٱلْمُنْحَازُ لِلْأَخْلَاقِ» (Ethically Aligned Design)

١.٢.٣.١. دَوْرُ IEEE فِي تَشْكِيلِ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلتِّقْنِيَّةِ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ

إِنَّ «مَعْهَدَ ٱلْمُهَنْدِسِينَ ٱلْكَهْرَبَائِيِّينَ وَٱلْإِلِكْتُرُونِيِّينَ» (IEEE – Institute of Electrical and Electronics Engineers) هُوَ أَكْبَرُ جَمْعِيَّةٍ مِهْنِيَّةٍ لِلْمُهَنْدِسِينَ فِي ٱلْعَالَمِ، وَهُوَ يَضْطَلِعُ بِإِنْشَاءِ وَدَعْمِ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلتِّقْنِيَّةِ. وَمُنْذُ بَدَايَةِ ٱلْعَقْدِ ٱلثَّانِي مِنْ ٱلْقَرْنِ ٱلْحَادِي وَٱلْعِشْرِينَ، أَصْبَحَ IEEE لَهُ دَوْرٌ مَلْمُوسٌ فِي تَعْزِيزِ مَفَاهِيمِ ٱلْأَخْلَاقِ وَٱلْمَسْؤُولِيَّةِ فِي ٱلْمُجْتَمَعِ ٱلْهَنْدَسِيِّ.

فِي سَنَةِ ٢٠١٦م أَطْلَقَ IEEE ٱلْمُبَادَرَةَ ٱلْعَالَمِيَّةَ «Global Initiative on Ethics of Autonomous and Intelligent Systems»، وَفِي إِطَارِهَا أُعِدَّ ٱلْمُسْتَنَدُ ٱلْوَاسِعُ «Ethically Aligned Design: A Vision for Prioritizing Human Well-being with Autonomous and Intelligent Systems»[15] (ٱلْإِصْدَارُ ٱلْأَوَّلُ – ٢٠١٩م). وَٱلْهَدَفُ مِنْ هٰذِهِ ٱلْمُبَادَرَةِ هُوَ تَقْدِيمُ تَوْصِيَاتٍ عَمَلِيَّةٍ لِلْمُطَوِّرِينَ وَٱلْبَاحِثِينَ لِكَيْ يُرَاعُوا ٱلْجَوَانِبَ ٱلْأَخْلَاقِيَّةَ وَٱلِاجْتِمَاعِيَّةَ فِي مَرَاحِلِ تَصْمِيمِ تِقْنِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ وَتَطْبِيقِهَا.

١.٢.٣.٢. ٱلْمَبَادِئُ ٱلرَّئِيسِيَّةُ لِمُسْتَنَدِ IEEE Ethically Aligned Design

أُعِدَّ ٱلْمُسْتَنَدُ «Ethically Aligned Design» (وَسَنُشِيرُ إِلَيْهِ فِيمَا بَعْدُ بِـ EAD) مِنْ قِبَلِ فَرِيقٍ مِنَ ٱلْخُبَرَاءِ فِي مَجَالِ ٱلرُّوبُوتَاتِ وَعُلُومِ ٱلْحَاسُوبِ وَٱلنَّفْسِ وَٱلْفَلْسَفَةِ وَٱلْقَانُونِ. وَيَرْتَكِزُ عَلَىٰ ٱلْمَبَادِئِ ٱلتَّالِيَةِ:

  • ٱلْمَرْكَزِيَّةُ ٱلْإِنْسَانِيَّةُ وَٱحْتِرَامُ ٱلِاسْتِقْلَالِيَّةِ: يَجِبُ عَلَى ٱلْأَنْظِمَةِ أَنْ تَدْعَمَ ٱلْقِيَمَ ٱلْإِنْسَانِيَّةَ وَتُعَزِّزَهَا، وَلَيْسَ أَنْ تَسْتَبْدِلَ ٱلْإِنْسَانَ فِي ٱلْقَرَارَاتِ ٱلْمُرْتَبِطَةِ بِٱلْمُعْضِلَاتِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ.
  • ٱلتَّنَاغُمُ مَعَ ٱلْحُقُوقِ وَٱلْأَخْلَاقِ: يَجِبُ عَلَى ٱلْمَشَارِيعِ أَنْ تَتَّفِقَ مَعَ ٱلْقِيَمِ ٱلْكَوْنِيَّةِ وَأَيْضًا مَعَ ٱلْقَوَاعِدِ ٱلثَّقَافِيَّةِ ٱلْمَحَلِّيَّةِ. وَيُؤَكِّدُ IEEE عَلَىٰ تَنَوُّعِ ٱلسِّيَاقَاتِ ٱلِاجْتِمَاعِيَّةِ وَٱلثَّقَافِيَّةِ، وَيَدْعُو إِلَىٰ حِوَارٍ مَعَ ٱلْمُجْتَمَعَاتِ ٱلْمَحَلِّيَّةِ.
  • ٱلشَّفَّافِيَّةُ ٱلتِّقْنِيَّةُ: يَجِبُ عَلَى ٱلْمُطَوِّرِينَ أَنْ يَسْعَوْا إِلَىٰ «ٱلْقَابِلِيَّةِ لِلتَّفْسِيرِ» (explainable AI) فِي ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ، بِحَيْثُ تَكُونُ مَفْهُومَةً لِلْمُسْتَخْدِمِ ٱلْأَخِيرِ. كَمَا يُشَجَّعُ عَلَىٰ تَوْفِيرِ مَجْمُوعَاتِ بَيَانَاتٍ وَمُسْتَوْدَعَاتِ أَكْوَادٍ مَفْتُوحَةٍ (open data، open code) مَتَىٰ لَمْ يُخَالِفْ ذٰلِكَ مَقَايِيسَ ٱلْأَمْنِ.
  • ٱلْمَسْؤُولِيَّةُ وَٱلْمُسَاءَلَةُ: يَقْتَرِحُ EAD مَفْهُومَ «ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ بِالتَّصْمِيمِ» (accountability-by-design)[16]، حَيْثُ يَجِبُ أَنْ تُدْمَجَ آلِيَّاتُ ٱلرِّقَابَةِ عَلَى ٱلْجَوْدَةِ وَٱلْمُرَاجَعَةِ وَٱلتَّحَقُّقِ فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ مِنْ مَرَاحِلِ دَوْرَةِ حَيَاةِ نِظَامِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ.
  • حِمَايَةُ ٱلْبَيَانَاتِ وَٱلْخُصُوصِيَّةِ: جُعِلَ ٱهْتِمَامٌ خَاصٌّ بِمَبْدَإِ «ٱلْخُصُوصِيَّةِ بِالتَّصْمِيمِ» (Privacy by Design)[17]، أَيْ ٱلِاجْرَاءَاتِ ٱلنِّظَامِيَّةِ لِمَنْعِ تَسَرُّبِ ٱلْبَيَانَاتِ ٱلشَّخْصِيَّةِ أَوْ اِسْتِعْمَالِهَا غَيْرَ ٱلْمَقْصُودِ أَوْ سُوءِ ٱلِاسْتِفَادَةِ مِنْهَا.

١.٢.٣.٣. ٱلتَّطْبِيقُ ٱلْعَمَلِيُّ: مَعَايِيرُ سِلْسِلَةِ P7000

إِضَافَةً إِلَى ٱلْإِعْلَانَاتِ ٱلْعَامَّةِ عَنِ ٱلْقِيَمِ، طَوَّرَتِ «IEEE (Institute of Electrical and Electronics Engineers)» سِلْسِلَةَ مَعَايِيرَ P7000 ٱلْمُوَجَّهَةَ إِلَىٰ قَضَايَا أَخْلَاقِيَّةٍ مُحَدَّدَةٍ فِي تَطْوِيرِ ٱلْأَنْظِمَةِ ٱلْإِلِكْتْرُونِيَّةِ وَٱلذَّكِيَّةِ:

  • P7001 — شَفَّافِيَّةُ ٱلْأَنْظِمَةِ ٱلْمُسْتَقِلَّةِ (Transparency of Autonomous Systems).
  • P7002 — عَمَلِيَّةُ خُصُوصِيَّةِ ٱلْبَيَانَاتِ (Data Privacy Process).
  • P7003 — ٱعْتِبَارَاتُ ٱلِٱنْحِيَازِ ٱلْخَوَارِزْمِيِّ (Algorithmic Bias Considerations).
  • P7006 — وَكِيلُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لِلْبَيَانَاتِ ٱلشَّخْصِيَّةِ (Personal Data AI Agent)، وَغَيْرُ ذٰلِكَ.

وَتَسْتَهْدِفُ هٰذِهِ ٱلْوَثَائِقُ ٱلْمُهَنْدِسِينَ، لِتَقْدِيمِ مَجْمُوعَةٍ مِنَ ٱلْمَنَاهِجِ ٱلْعَمَلِيَّةِ (قَوَائِمُ تَحَقُّقٍ، وَمَقَايِيسُ، وَتَوْصِيَاتٌ) ٱلَّتِي يُمْكِنُ دَمْجُهَا فِي عَمَلِيَّةِ تَطْوِيرِ ٱلْبَرْمَجِيَّاتِ وَٱلْعَتَادِ.

١.٢.٣.٤. ٱلْأَهَمِّيَّةُ لِأَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلسِّيَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ

إِنَّ مَقَارَبَةَ IEEE لِـ«ٱلتَّصْمِيمِ ٱلْمُنْحَازِ لِلْأَخْلَاقِ» تُوَافِقُ بِسُهُولَةٍ جُمْلَةً مِنَ ٱلْمَبَادِئِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ:

  • تُوَافِقُ «ٱلشَّفَّافِيَّةُ» (Explanatory AI) مَطْلَبَ ٱلْعَدَالَةِ وَوُضُوحِ ٱلْبَيَانِ فِي ٱلْإِسْلَامِ، مِمَّا يَسْتَبْعِدُ ٱلتَّغْرِيرَ وَٱلْخِدَاعَ.
  • يَتَّسِقُ مَبْدَأُ «ٱلْخُصُوصِيَّةِ بِٱلتَّصْمِيمِ» (Privacy by Design) مَعَ نُظُمِ ٱلشَّرِيعَةِ فِي حِفْظِ ٱلسِّرِّ ٱلشَّخْصِيِّ.
  • تُذَكِّرُ «ٱلْمَسْؤُولِيَّةُ بِٱلتَّصْمِيمِ» (Accountability-by-Design) بِمَبْدَإِ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ ٱلشَّخْصِيَّةِ وَٱلْجَمَاعِيَّةِ (ٱلْمَسْؤُولِيَّةُ/ٱلْمَسْؤُولِيَّةُ ٱلْجَمَاعِيَّةُ) عَنْ عَوَاقِبِ ٱلْأَفْعَالِ.

وَعَلَىٰ ذٰلِكَ، فَإِنَّ ٱلْأَدَوَاتِ ٱلْعَمَلِيَّةَ لِـ IEEE يُمْكِنُ تَكْيِيفُهَا لِإِنْشَاءِ أَنْظِمَةِ ذَكَاءٍ ٱصْطِنَاعِيٍّ «حَلَالٍ» أَوْ «إِسْلَامِيَّةٍ»، مَتَىٰ رُوعِيَتِ ٱلنُّظُمُ ٱلشَّرْعِيَّةُ عَلَىٰ مُسْتَوَى ٱلثَّقَافَةِ ٱلتَّنْظِيمِيَّةِ وَآلِيَّاتِ ٱلرِّقَابَةِ. وَسَيَرِدُ فِي مَوَاضِعَ لَاحِقَةٍ أَمْثِلَةٌ لِكَيْفِيَّةِ ٱسْتِفَادَةِ مُطَوِّرِينَ مِنْ بِلَادٍ مُسْلِمَةٍ مِنْ هٰذِهِ ٱلْمَعَايِيرِ.

١.٢.٤. ٱلِٱتِّحَادُ ٱلْأُورُوبِيُّ: ٱلْإِرْشَادَاتُ ٱلْأَخْلَاقِيَّةُ وَمَشْرُوعُ تَنْظِيمِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ

١.٢.٤.١. سِيَاقُ ٱلنِّظَامِ ٱلْقَانُونِيِّ ٱلْأُورُوبِيِّ

يُولِي ٱلِٱتِّحَادُ ٱلْأُورُوبِيُّ (ٱلإِتِّحَادُ ٱلْأُورُوبِيُّ، ЕС) تَارِيخِيًّا عِنَايَةً كَبِيرَةً بِحِمَايَةِ حُقُوقِ ٱلْإِنْسَانِ وَٱلْقِيَمِ ٱلدِّيمُقْرَاطِيَّةِ وَٱلْمُسَاوَاةِ ٱلِٱجْتِمَاعِيَّةِ. وَلَمْ تَكُنْ مَجَالُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱسْتِثْنَاءً، فَٱلْهَيْئَاتُ ٱلْمُشَرِّعَةُ فِي ٱلِٱتِّحَادِ ٱلْأُورُوبِيِّ تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ تَتَطَوَّرَ ٱلتِّقْنِيَاتُ ٱلْجَدِيدَةُ فِي إِطَارِ «Digital Single Market» مَعَ ٱلِٱلْتِزَامِ بِمُتَطَلَّبَاتِ ٱلسِّرِّيَّةِ (GDPR) وَحُقُوقِ ٱلْمُسْتَهْلِكِ وَمَبْدَإِ عَدَمِ ٱلتَّمْيِيزِ.

وَٱبْتِدَاءً مِنْ سَنَةِ ٢٠١٨م، دَفَعَتِ ٱلْمُفَوَّضِيَّةُ ٱلْأُورُوبِيَّةُ بِشَكْلٍ فَعَّالٍ نَحْوَ مَقَارِبَةِ «ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمَوْثُوقِ» (Trustworthy AI)، ٱلَّتِي صِيغَتْ فِي عِدَّةِ وَثَائِقَ وَمُبَادَرَاتٍ.

١.٢.٤.٢. «ٱلْمَبَادِئُ ٱلْإِرْشَادِيَّةُ ٱلْأَخْلَاقِيَّةُ لِٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمَوْثُوقِ» (٢٠١٩م)

فِي أَبْرِيل ٢٠١٩م، نَشَرَتِ ٱلْمَجْمُوعَةُ ٱلْخُبْرَاءِ ٱلْعُلْيَا لَدَى ٱلْمُفَوَّضِيَّةِ ٱلْأُورُوبِيَّةِ «Ethics Guidelines for Trustworthy AI» [18] (وَيُشَارُ إِلَيْهَا فِيمَا بَعْدُ بِـ «رُشُودِ ٱلِٱتِّحَادِ ٱلْأُورُوبِيِّ»). وَقَدْ بَيَّنَ ٱلْوَثِيقُ سَبْعَ مُتَطَلَّبَاتٍ يَجِبُ أَنْ تُحَقِّقَهَا أَيَّةُ مَنْظُومَةِ ذَكَاءٍ ٱصْطِنَاعِيٍّ لِتُعْتَبَرَ «مَوْثُوقَةً»:

  • ٱلْوَكَالَةُ ٱلْبَشَرِيَّةُ وَٱلرِّقَابَةُ (Human agency and oversight): يَجِبُ أَلَّا تُقَوِّضَ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتُ ٱسْتِقْلَالَ ٱلْإِنْسَانِ، وَيَنْبَغِي ٱلِٱحْتِفَاظُ بِإِمْكَانِيَّةِ مُرَاجَعَةِ ٱلْقَرَارَاتِ ٱلْمُتَّخَذَةِ تِلْقَائِيًّا.
  • ٱلْمَتَانَةُ ٱلْفَنِّيَّةُ وَٱلْأَمَانُ (Technical robustness and safety): يَجِبُ أَنْ تَكُونَ ٱلْمَنْظُومَةُ مُقَاوِمَةً لِلْأَعْطَالِ وَٱلْهِجَمَاتِ ٱلْخَبِيثَةِ، وَأَنْ تُظْهِرَ سُلُوكًا مُتَوَقَّعًا.
  • ٱلسِّرِّيَّةُ وَإِدَارَةُ ٱلْبَيَانَاتِ (Privacy and data governance): يَجِبُ أَنْ يَتَمَاشَى جَمْعُ وَمُعَالَجَةُ ٱلْبَيَانَاتِ مَعَ GDPR، وَأَنْ يَكُونَ ٱلِٱحْتِيَاجُ إِلَى ٱلْبَيَانَاتِ ٱلشَّخْصِيَّةِ مُبَرَّرًا بِشَكْلٍ وَاضِحٍ.
  • ٱلشَّفَافِيَّةُ (Transparency): وَتَتَضَمَّنُ مَفْهُومَ «ٱلْإِمْكَانِ عَلَى شَرْحِ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ» وَوُضُوحَ ٱلِٱتِّصَالِ مَعَ ٱلْمُسْتَخْدِمِ بِأَنَّهُ يَتَفَاعَلُ مَعَ ذَكَاءٍ ٱصْطِنَاعِيٍّ وَلَيْسَ مَعَ إِنْسَانٍ.
  • ٱلتَّنَوُّعُ وَعَدَمُ ٱلتَّمْيِيزِ (Diversity, non-discrimination): يُوصَى بِفَحْصِ مَجْمُوعَاتِ ٱلْبَيَانَاتِ بِعِنَايَةٍ لِتَجَنُّبِ ٱلْاِنْحِيَازَاتِ ٱلْمُضْمَرَةِ.
  • رَفَاهُ ٱلْمُجْتَمَعِ وَٱلْبِيئَةِ (Societal and environmental well-being): يَجِبُ أَنْ تَأْخُذَ ٱلْمَشَارِيعُ فِي ٱلْاِعْتِبَارِ ٱلْآثَارَ ٱلطَّوِيلَةَ ٱلْمَدَى عَلَى ٱلْبِيئَةِ وَٱلْبِنْيَةِ ٱلْاِجْتِمَاعِيَّةِ وَصِحَّةِ ٱلنَّاسِ.
  • ٱلْمَسْؤُولِيَّةُ (Accountability): وَتَقْتَضِي وُجُودَ أَشْخَاصٍ أَوْ هَيْئَاتٍ مَسْؤُولَةٍ تَسْتَطِيعُ إِجْرَاءَ ٱلْمُرَاجَعَةِ وَتَحْقِيقَ ٱلْحَوَادِثِ وَٱتِّخَاذَ إِجْرَاءَاتٍ تَصْحِيحِيَّةٍ.

١.٢.٤.٣. مَشْرُوعُ قَانُونِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لِلِٱتِّحَادِ ٱلْأُورُوبِيِّ (EU AI Act)

فِي أَبْرِيل ٢٠٢١م، قَدَّمَتِ ٱلْمُفَوَّضِيَّةُ ٱلْأُورُوبِيَّةُ مَشْرُوعَ «AI Act»[19]، وَهُوَ أَوَّلُ تَشْرِيعٍ كَبِيرٍ لِلِٱتِّحَادِ ٱلْأُورُوبِيِّ يُنَظِّمُ بِشَكْلٍ خَاصٍّ تَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ. وَيَقُومُ ٱلْمَشْرُوعُ عَلَى «نَهْجٍ قَائِمٍ عَلَى ٱلْمَخَاطِرِ» (risk-based approach[20])، حَيْثُ يُصَنِّفُ أَنْظِمَةَ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ حَسَبَ مُسْتَوَيَاتِ ٱلْمَخَاطِرِ: مِنَ «ٱلْمَخَاطِرِ ٱلدُّنْيَا» (مِثْلَ خَوَارِزْمِيَّاتِ تَرْشِيحِ ٱلرَّسَائِلِ ٱلْمُزْعِجَةِ) إِلَى «ٱلْمَخَاطِرِ غَيْرِ ٱلْمَقْبُولَةِ» (كَمَا فِي أَنْظِمَةِ ٱلتَّصْنِيفِ ٱلِٱجْتِمَاعِيِّ أَوِ ٱلتَّلَاعُبِ بِٱلسُّلُوكِ).

أَمَّا ٱلْأَنْظِمَةُ «ذَاتُ ٱلْمَخَاطِرِ ٱلْعَالِيَةِ» (مِثْلَ ٱلْأَنْظِمَةِ ٱلطِّبِّيَّةِ وَٱلْمَالِيَّةِ أَوِ ٱلْمُسْتَخْدَمَةِ فِي أَجْهِزَةِ ٱلْأَمْنِ وَٱلشُّرْطَةِ)، فَسَوْفَ تَخْضَعُ لإِجْرَاءَاتٍ صَارِمَةٍ لِلشَّهَادَةِ ٱلْمِعْيَارِيَّةِ وَٱلرِّقَابَةِ. وَيُدْخِلُ ٱلْمَشْرُوعُ كَذٰلِكَ حَظْرًا عَلَى بَعْضِ أَشْكَالِ تَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلَّتِي تُعْتَبَرُ مُنَافِيَةً جَذْرِيًّا لِحُقُوقِ ٱلْإِنْسَانِ (مِثْلَ ٱلْمُرَاقَبَةِ ٱلْمُبَاشِرَةِ لِلْمُواطِنِينَ فِي ٱلْأَمَاكِنِ ٱلْعَامَّةِ).

وَيَنْصُّ قَانُونُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لِلِٱتِّحَادِ ٱلْأُورُوبِيِّ (EU AI Act) عَلَى غَرَامَاتٍ شَدِيدَةٍ عِنْدَ ٱلِٱنْتِهَاكِ (حَتَّى ٦٪ مِنَ ٱلِٱيْرَادَاتِ ٱلْإِجْمَالِيَّةِ لِلشَّرِكَةِ)، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى جِدِّيَّةِ ٱلِٱتِّحَادِ ٱلْأُورُوبِيِّ فِي «إِدْخَالِ ٱلْأَخْلَاقِ» عَنْ طَرِيقِ ٱلْآلِيَّاتِ ٱلتَّشْرِيعِيَّةِ.

١.٢.٤.٤. آفَاقُ ٱلتَّكْيِيفِ ٱلْإِسْلَامِيِّ

وَنَظَرًا لِوُجُودِ جَالِيَةٍ إِسْلَامِيَّةٍ كَبِيرَةٍ فِي بَعْضِ دُوَلِ ٱلِٱتِّحَادِ ٱلْأُورُوبِيِّ، وَلِلنَّشَاطِ ٱلْمُلْمُوسِ لِلْمُنَظَّمَاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ (مِثْلَ ٱلْمَجَالِسِ ٱلشَّرْعِيَّةِ فِي ٱلْمَالِيَّاتِ)، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ بُنُودِ «Ethics Guidelines for Trustworthy AI» وَقَانُونِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لِلِٱتِّحَادِ ٱلْأُورُوبِيِّ (EU AI Act) يُمْكِنُ أَنْ تُشَكِّلَ أَسَاسًا لِـ «ٱمْتِثَالٍ أَخْلَاقِيٍّ إِسْلَامِيٍّ». وَيَتَأَكَّدُ ذٰلِكَ خُصُوصًا فِي مَجَالِ:

  • ٱلشَّفَافِيَّةِ وَمَبْدَإِ «Privacy by Design» ٱلَّذِي يَعْكِسُ ٱلْمَبَادِئَ ٱلْإِسْلَامِيَّةَ فِي حِفْظِ ٱلسِّرِّ ٱلشَّخْصِيِّ.
  • مَنْعِ ٱلتَّمْيِيزِ عَلَى أَسَاسٍ دِينِيٍّ.
  • حِمَايَةِ ٱلْفِئَاتِ ٱلضَّعِيفَةِ، بِمَا يَشْمَلُ ٱلسِّيَاقَ ٱلثَّقَافِيَّ وَٱلدِّينِيَّ.

وَيُمْكِنُ ٱلتَّوَقُّعُ أَنَّهُ فِي ٱلْمُسْتَقْبَلِ سَوْفَ تَقُومُ ٱلْمَرَاكِزُ ٱلْعِلْمِيَّةُ ٱلْإِسْلَامِيَّةُ فِي ٱلِٱتِّحَادِ ٱلْأُورُوبِيِّ بِتَكْيِيفِ قَانُونِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ (EU AI Act) عَلَى ضَوْءِ ٱلْفِقْهِ ٱلْإِسْلَامِيِّ، وَذٰلِكَ بِتَشْكِيلِ مُتَطَلَّبَاتٍ «إِضَافِيَّةٍ» فَوْقِيَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِٱلْمُحْتَوَى ٱلدِّينِيِّ، وَفَرْزِ ٱلْمُحْتَوَيَاتِ ٱلْمُحَرَّمَةِ، وَمُوَاءَمَتِهَا مَعَ مَقَاصِدِ ٱلشَّرِيعَةِ.

١.٢.٥. ٱلْمُبَادَرَاتُ ٱلصَّادِرَةُ عَنْ مُنَظَّمَةِ ٱلتَّعَاوُنِ ٱلِٱقْتِصَادِيِّ وَٱلتَّنْمِيَةِ (OECD) وَمَجْمُوعَةِ ٱلْعِشْرِينَ (G20) وَٱلِٱسْتِرَاتِيجِيَّاتُ ٱلْوَطَنِيَّةُ

١.٢.٥.١. مَبَادِئُ مُنَظَّمَةِ ٱلتَّعَاوُنِ ٱلِٱقْتِصَادِيِّ وَٱلتَّنْمِيَةِ (OECD) حَوْلَ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ (٢٠١٩م)

جَمَعَتْ مُنَظَّمَةُ ٱلتَّعَاوُنِ ٱلِٱقْتِصَادِيِّ وَٱلتَّنْمِيَةِ (OECD) ٣٨ دَوْلَةً، مِنْهَا ٱلِٱقْتِصَادَاتُ ٱلْغَرْبِيَّةُ ٱلرَّئِيسِيَّةُ، وَنَشَرَتْ «OECD Principles on AI»[21] فِي سَنَةِ ٢٠١٩م. وَتُشَاكِلُ هٰذِهِ ٱلْمَبَادِئُ مَقَارِبَةَ ٱلِٱتِّحَادِ ٱلْأُورُوبِيِّ وَٱلْيُونِسْكُو (UNESCO)، مَعَ تَرْكِيزٍ عَلَى ٱلْجَوَانِبِ ٱلتَّالِيَةِ:

  • يَجِبُ أَنْ يَخْدِمَ ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ ٱلْإِنْسَانَ وَٱلْكَوْكَبَ، وَأَنْ يُسَاهِمَ فِي ٱلنُّمُوِّ ٱلْمُسْتَدَامِ.
  • يَجِبُ أَنْ يَسْتَبْعِدَ نِظَامُ ٱلْحَوْكَمَةِ لِلْبَيَانَاتِ وَٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ كُلَّ ٱلِٱنْحِيَازِ، وَأَنْ يُوَفِّرَ ٱلْمَسْؤُولِيَّةَ.
  • يُشْتَرَطُ ٱلشَّفَافِيَّةُ وَإِمْكَانِيَّةُ قَابِلِيَّةِ ٱلشَّرْحِ لِقَرَارَاتِ ٱلنِّظَامِ.
  • يَجِبُ تَأْمِينُ ٱلسَّلَامَةِ وَٱلْخُصُوصِيَّةِ وَمُرَاعَاةُ حُقُوقِ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ.

وَكَانَتْ مَبَادِئُ ٱلـ OECD تَوْجِيهِيَّةً غَيْرَ مُلْزِمَةٍ، إِلَّا أَنَّهَا أَصْبَحَتْ مَرْجِعًا أَسَاسِيًّا لِكَثِيرٍ مِنَ ٱلِٱسْتِرَاتِيجِيَّاتِ ٱلْوَطَنِيَّةِ. وَبَعْدَ صُدُورِهَا، تَبَنَّتْ «مَجْمُوعَةُ ٱلْعِشْرِينَ» (G20) فِي ٢٠١٩م «ٱلْمَبَادِئَ ٱلْإِرْشَادِيَّةَ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لِـ G20»[22] (G20 AI Principles) ٱلَّتِي تُكَرِّرُ فِي ٱلْمَجْمَلِ مَبَادِئَ ٱلـ OECD.

١.٢.٥.٢. ٱلِٱسْتِرَاتِيجِيَّاتُ ٱلْوَطَنِيَّةُ: أَمْثِلَةٌ مِنَ ٱلْوِلَايَاتِ ٱلْمُتَّحِدَةِ وَٱلصِّينِ وَٱلْإِمَارَاتِ ٱلْعَرَبِيَّةِ ٱلْمُتَّحِدَةِ

طَوَّرَتْ كَثِيرٌ مِنَ ٱلدُّوَلِ ٱسْتِرَاتِيجِيَّاتٍ وَطَنِيَّةً لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، يَتَضَمَّنُ ٱلْكَثِيرُ مِنْهَا مَحَاوِرَ مُخَصَّصَةً لِلْقَضَايَا ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ:

  • ٱلْوِلَايَاتُ ٱلْمُتَّحِدَةُ: «American AI Initiative»[23] (٢٠١٩م) رَكَّزَ عَلَى دَعْمِ ٱلْبُحُوثِ وَتَنَافُسِيَّةِ ٱلصِّنَاعَةِ، وَمَعَ ذٰلِكَ أَنْشَأَتِ ٱلْحُكُومَةُ لِجَانًا أَخْلَاقِيَّةً مُخْتَصَّةً (مِثْلَ مَرْكَزِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمُشْتَرَكِ فِي وَزَارَةِ ٱلدِّفَاعِ – Joint Artificial Intelligence Center).
  • ٱلصِّينُ: «خُطَّةُ تَطْوِيرِ جِيلٍ جَدِيدٍ مِنَ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ»[24] (٢٠١٨م) وَضَعَتْ هَدَفًا بِأَنْ تُصْبِحَ ٱلصِّينُ رَائِدَةً عَالَمِيَّةً فِي ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ قُبَيْلَ سَنَةِ ٢٠٣٠م. وَيُرَكِّزُ ٱلتَّنْظِيمُ ٱلصِّينِيُّ عَلَى ٱلسَّلَامَةِ وَٱلرَّقَابَةِ، إِلَّا أَنَّ ٱلْمُنْتَقِدِينَ يُشِيرُونَ إِلَى خَطَرِ ٱلرَّقَابَةِ ٱلرَّقْمِيَّةِ ٱلشَّامِلَةِ وَنِظَامِ «ٱلِٱئْتِمَانِ ٱلِٱجْتِمَاعِيِّ». وَفِي ٱلْكِتَابِ ٱلْأَبْيَضِ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ (٢٠١٨م) أُشِيرَ إِلَى قِيَمِ «ٱلْاِنسِجَامِ» وَ«ٱلسَّلَامَةِ»، وَهِيَ قِيَمٌ تَعْكِسُ ٱلتَّقْلِيدَ ٱلْكُونْفُوشِيُّ.
  • ٱلْإِمَارَاتُ ٱلْعَرَبِيَّةُ ٱلْمُتَّحِدَةُ: تَبْرُزُ كَإِحْدَى ٱلدُّوَلِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ ٱلَّتِي تَدْفَعُ بِوُضُوحٍ نَحْوَ ٱلِٱبْتِكَارَاتِ ٱلتِّقْنِيَّةِ فِي ٱقْتِرَانٍ مَعَ ٱلْأَخْلَاقِ؛ فِي ٱلْإِمَارَاتِ أُسِّسَ مَنْصِبُ «وَزِيرِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ»، وَأُطْلِقَتْ «UAE AI Strategy 2031»[25]، وَتَضَمَّنَتْ مَبَادِئَ «ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمَسْؤُولِ»، وَحِمَايَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلْخَاصَّةِ، وَ«تَحْقِيقَ تَوَازُنٍ بَيْنَ ٱلِٱبْتِكَارِ وَٱلثَّقَافَةِ ٱلْوَطَنِيَّةِ». وَتُجَسِّدُ هٰذِهِ ٱلْخُطُوَاتُ سَعْيَ ٱلْإِمَارَاتِ إِلَى دَمْجِ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلْعَالَمِيَّةِ مَعَ أَحْكَامِ ٱلشَّرِيعَةِ.
  • ١.٢.٦. مُقَارَنَةٌ تَحْلِيلِيَّةٌ لِلْأَعْمَالِ ٱلدُّوَلِيَّةِ وَصِلَاحِيَّتُهَا لِلسِّيَاقِ ٱلشَّرْعِيِّ
  • لِبَيَانِ كَيْفَ يُمْكِنُ تَكْيِيفُ ٱلْوَثَائِقِ ٱلْمَذْكُورَةِ مَعَ ٱلْوَاقِعِ ٱلْإِسْلَامِيِّ، يَلْزَمُ إِبْرَازُ عِدَّةِ قَوَاسِمَ مُشْتَرَكَةٍ.
  • ٱلْمَنْهَجِيَّةُ ٱلْمَرْكَزِيَّةُ ٱلْإِنْسَانِيَّةُ وَٱحْتِرَامُ كَرَامَةِ ٱلْإِنْسَانِ
    تُؤَكِّدُ جَمِيعُ ٱلْأَعْمَالِ ٱلدُّوَلِيَّةِ (ٱلْيُونِسْكُو (UNESCO)، IEEE، وَٱلِٱتِّحَادُ ٱلْأُورُوبِيُّ) أَنَّ ٱلذَّكَاءَ ٱلِصْطِنَاعِيَّ يَجِبُ أَنْ يَخْدِمَ صَالِحَ ٱلْمُجْتَمَعِ، وَلَا يَنْقُضَ أُسُسَ ٱلْإِنْسَانِيَّةِ.
    وَفِي ٱلْإِسْلَامِ يُقَابِلُ ذٰلِكَ مَبْدَأُ حِفْظِ ٱلنَّفْسِ وَٱلْعَقْلِ وَٱلدِّينِ وَٱلْمَالِ وَٱلْعِرْضِ (مَقَاصِدُ ٱلشَّرِيعَةِ). وَيَنْبَغِي تَصْمِيمُ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ بِمَا يَحْمِي هَذِهِ ٱلْقِيَمَ وَلَا يَنْتَهِكُهَا.
  • ٱلشَّفَافِيَّةُ وَٱلْمَسْؤُولِيَّةُ وَٱلْمُسَاءَلَةُ
    تَدْعُو ٱلْوَثَائِقُ ٱلدُّوَلِيَّةُ إِلَى explainable AI، وَإِلَى وُجُودِ آلِيَّاتٍ لِلتَّدْقِيقِ، وَتَعْيِينِ أَشْخَاصٍ أَوْ جِهَاتٍ «مَسْؤُولَةٍ».
    وَفِي ٱلْأَخْلَاقِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ تَبْرُزُ مَفْهُومُ ٱلْأَمَانَةِ (ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ ٱلْمُؤْتَمَنَةِ) وَٱلْمُسَاءَلَةِ ٱلرُّوحِيَّةِ أَمَامَ ٱللّٰهِ تَعَالَى. وَمِنَ ٱلْأَدَوَاتِ ٱلْعَمَلِيَّةِ: «تَدْقِيقٌ شَرْعِيٌّ» أَوْ «لَجْنَةٌ لِلْأَخْلَاقِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ» (وَٱلْإِشَارَةُ إِلَى ٱلْمِيثَاقِ ٱلْأَخْلَاقِيِّ فِي هٰذِهِ ٱلْوَثِيقَةِ).
  • عَدَمُ ٱلتَّمْيِيزِ وَٱلْعَدْلُ
    تُعْطِي ٱلْيُونِسْكُو وَٱلِٱتِّحَادُ ٱلْأُورُوبِيُّ وَ IEEE أَوْلَوِيَّةً لِاسْتِبْعَادِ ٱلِٱنْحِيَازَاتِ ٱلْخَوَارِزْمِيَّةِ.
    وَفِي ٱلتُّرَاثِ ٱلْإِسْلَامِيِّ يُعْتَبَرُ ٱلْعَدْلُ (ٱلْعَدْلُ) مَفْهُومًا مِحْوَرِيًّا، وَٱلتَّمْيِيزُ عَلَى أَسَاسِ ٱلْعِرْقِ أَوِ ٱلْجِنْسِ أَوِ ٱلدِّينِ مُخَالِفٌ لِلشَّرِيعَةِ (مَعَ مُرَاعَاةِ ٱلتَّفَاصِيلِ ٱلْفِقْهِيَّةِ، وَلَكِنَّ ٱلْأَصْلَ هُوَ تَسَاوِي ٱلْكَرَامَةِ ٱلْإِنْسَانِيَّةِ).
  • حِمَايَةُ ٱلْخُصُوصِيَّةِ وَٱلْبَيَانَاتِ
    مُتَطَلَّبَاتُ GDPR وَنَظَائِرُهَا فِي جَمْعِ ٱلْبَيَانَاتِ وَتَخْزِينِهَا وَٱسْتِعْمَالِهَا.
    وَفِي ٱلشَّرِيعَةِ فَإِنَّ حِفْظَ ٱلسِّرِّ ٱلشَّخْصِيِّ وَٱلْخُصُوصِيَّةِ لَهُ أَسَاسٌ دِينِيٌّ (ٱنْظُرْ: سُورَةُ ٱلْحُجُرَاتِ ٤٩:١٢ فِي تَحْرِيمِ «ٱلتَّجَسُّسِ»)[26].
  • تَقْيِيمُ ٱلتَّأْثِيرِ وَٱلنَّهْجُ ٱلْوِقَائِيُّ
    تَدْعُو ٱلْوَثَائِقُ ٱلدُّوَلِيَّةُ إِلَى تَقْيِيمِ مَخَاطِرِ تَطْبِيقِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، خُصُوصًا فِي ٱلْمَجَالَاتِ «عَالِيَةِ ٱلْمَخَاطِرِ».
    وَٱلْمَنْهَجُ ٱلْإِسْلَامِيُّ (ٱلِسْتِحْسَانُ، وَسَدُّ ٱلذَّرَائِعِ) يَفْتَرِضُ كَذٰلِكَ تَحْلِيلًا وِقَائِيًّا لِلْمَخَاطِرِ، لِسِيَّمَا إِذَا كَانَتِ ٱلتِّقْنِيَةُ قَدْ تُؤَدِّي إِلَى مُحَرَّمٍ أَوْ إِلَى ٱلْإِخْلَالِ بِٱلْمَصْلَحَةِ ٱلْعَامَّةِ.

ٱلْمَوَاضِعُ ٱلْمُشْكِلَةُ وَفُرَصُ ٱلِٱدْمَاجِ

  • ٱلْأَسْلِحَةُ ٱلذَّاتِيَّةُ ٱلتَّشْغِيلِ: لَا يَزَالُ لَا يُوجَدُ حَظْرٌ دُوَلِيٌّ مُوَحَّدٌ عَلَى «ٱلرُّوبُوتَاتِ ٱلْقَاتِلَةِ»، مَعَ أَنَّ كَثِيرِينَ يَدْعُونَ إِلَى تَقْيِيدِ ٱسْتِعْمَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلْمَجَالِ ٱلْعَسْكَرِيِّ (حَمْلَةُ Stop Killer Robots). وَيَكُونُ ٱلْأَمْرُ أَشَدَّ حِدَّةً فِي ٱلْفِقْهِ ٱلْإِسْلَامِيِّ، لِأَنَّ ٱسْتِعْمَالَ ٱلْأَسْلِحَةِ مُنَظَّمٌ بِقَوَاعِدِ خَوْضِ ٱلْحَرْبِ فِي ٱلشَّرِيعَةِ.
  • مَسْأَلَةُ ٱلتَّعَدُّدِيَّةِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ: إِنَّ ٱلْمَعَايِيرَ ٱلْعَالَمِيَّةَ مُوَجَّهَةٌ نَحْوَ نَمُوذَجٍ أَخْلَاقِيٍّ عِلْمَانِيٍّ، مِمَّا يُصَعِّبُ أَحْيَانًا ٱلدَّمْجَ ٱلمُبَاشِرَ مَعَ ٱلْأَحْكَامِ ٱلدِّينِيَّةِ (مِثْلَ ٱلْمَسَائِلِ ٱلْمُتَعَلِّقَةِ بِٱلصُّوَرِ وَٱلْمُوسِيقَى وَٱلْمُعَامَلَاتِ ٱلْمَالِيَّةِ). وَلِهٰذَا تَلْزَمُ «مَوَاثِيقُ إِسْلَامِيَّةٌ مَحَلِّيَّةٌ» تَجْمَعُ بَيْنَ ٱلْمَبَادِئِ ٱلْكُلِّيَّةِ وَٱلْأَحْكَامِ ٱلشَّرْعِيَّةِ.
  • تَنْظِيمُ ٱلْمُحْتَوَى: تُشِيرُ ٱلْوَثَائِقُ ٱلدُّوَلِيَّةُ إِلَى «حَظْرِ ٱلْمُحْتَوَى ٱلْغَيْرِ ٱلْمَشْرُوعِ» وَ«ٱلْحِمَايَةِ مِنَ ٱلتَّطَرُّفِ»، وَلَكِنَّ ٱلْقَوَاعِدَ ٱلتَّفْصِيلِيَّةَ لِمُحْتَوًى «حَرَامٍ» وَ«حَلَالٍ» تُبْحَثُ فِي إِطَارِ ٱلْأَنْظِمَةِ ٱلْقَانُونِيَّةِ ٱلْوَطَنِيَّةِ (مَثَلًا فِي ٱلدُّوَلِ ٱلَّتِي تَعْمَلُ بِٱلْقَانُونِ ٱلْإِسْلَامِيِّ). وَهُنَا يُمْكِنُ لِـ «ٱلْمِيثَاقِ ٱلْأَخْلَاقِيِّ ٱلْإِسْلَامِيِّ» (كَمَا فِي هٰذِهِ ٱلْوَثِيقَةِ) أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا تَخَصُّصِيًّا مُسَانِدًا.

١.٢.٧. ٱلْأَهَمِّيَّةُ وَٱلْآفَاقُ لِلْمُجْتَمَعِ ٱلْإِسْلَامِيِّ

أَمْسَى «ٱلْمِعْيَارُ» ٱلْقِيَمِيُّ لِأَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلسَّنَوَاتِ ٱلْأَخِيرَةِ مَزِيجًا مِنْ وَثَائِقَ دُوَلِيَّةٍ (ٱلْيُونِسْكُو (UNESCO)، مُنَظَّمَةُ ٱلتَّعَاوُنِ ٱلِٱقْتِصَادِيِّ وَٱلتَّنْمِيَةِ (OECD)، مَجْمُوعَةُ ٱلْعِشْرِينَ (G20))، وَإِقْلِيمِيَّةٍ (ٱلِٱتِّحَادُ ٱلْأُورُوبِيُّ وَمَشَارِيعُهُ فِي قَانُونِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لِلِٱتِّحَادِ ٱلْأُورُوبِيِّ (EU AI Act))، وَمِهْنِيَّةٍ (IEEE)، وَٱسْتِرَاتِيجِيَّاتٍ وَطَنِيَّةٍ، وَهِيَ تَضَعُ سَقْفًا مُرْتَفِعًا لِلْمَسْؤُولِيَّةِ. وَبِٱلنِّسْبَةِ إِلَى ٱلسِّيَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ يُمْكِنُ إِبْرَازُ جُمْلَةٍ مِنَ ٱلتَّوَجُّهَاتِ ٱلْمُسْتَقْبَلِيَّةِ:

  • إِنْشَاءُ نُظُمٍ أَخْلَاقِيَّةٍ وَطَنِيَّةٍ تُوَائِمُ بَيْنَ مُتَطَلَّبَاتِ ٱلشَّرِيعَةِ وَٱلْمَعَايِيرِ ٱلدُّوَلِيَّةِ.
  • وَقَدْ ظَهَرَتْ نَمَاذِجُ قَائِمَةٌ: ٱلْمَمْلَكَةُ ٱلْعَرَبِيَّةُ ٱلسُّعُودِيَّةُ (KSA AI Ethics Principles)[27]، وَٱلْإِمَارَاتُ ٱلْعَرَبِيَّةُ ٱلْمُتَّحِدَةُ (UAE AI Strategy)[28].
  • مِنَ ٱلْمُحْتَمَلِ مُسْتَقْبَلًا ظُهُورُ مَعَايِيرَ إِسْلَامِيَّةٍ فَوْقَ إِقْلِيمِيَّةٍ (بِرِعَايَةِ مُنَظَّمَةِ ٱلتَّعَاوُنِ ٱلْإِسْلَامِيِّ).
  • تَطْوِيرُ مَرَاكِزِ كَفَاءَاتٍ إِسْلَامِيَّةٍ فِي مَجَالِ «ٱلذَّكَاءِ ٱلْإِسْلَامِيِّ».
  • وَعَلَى غِرَارِ IEEE، يُمْكِنُ تَشْكِيلُ بِنْيَةٍ يَتَعَاوَنُ فِيهَا أَهْلُ ٱلْفِقْهِ وَٱلْخُبَرَاءُ ٱلتِّقْنِيُّونَ فِي وَضْعِ أَدِلَّةٍ فَنِّيَّةٍ (مِثْلًا: «P7000 مُكَيَّفَةٌ مَعَ ٱلشَّرِيعَةِ»).
  • إِدْمَاجُ ٱلْأُصُولِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ (ٱلْمَصْلَحَةُ، سَدُّ ٱلذَّرَائِعِ، ٱلِسْتِحْسَانُ) عَلَى مُسْتَوَى ٱلدَّلَائِلِ ٱلْمِنْهَجِيَّةِ لِلتَّصْمِيمِ.
  • تَطْبِيقُ «تَدْقِيقٍ شَرْعِيٍّ» لِمُنْتَجَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ.
  • كَمَا هُوَ ٱلشَّأْنُ فِي ٱلْمَالِيَّةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ (مَجَالِسُ رِقَابَةٍ شَرْعِيَّةٍ لَدَى ٱلْمَصَارِفِ)، يُمْكِنُ إِنْشَاءُ لِجَانٍ مُتَخَصِّصَةٍ تُقَيِّمُ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ وِفْقَ «ٱلْمِيثَاقِ ٱلْأَخْلَاقِيِّ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ» (كَمَا وُصِفَ فِي فُصُولِ عَمَلِنَا).
  • مَنْحُ شَهَادَاتٍ لِـ «ذَكَاءٍ ٱصْطِنَاعِيٍّ مُدَقَّقٍ شَرْعًا»، مِمَّا يَرْفَعُ مُسْتَوَى ٱلثِّقَةِ لَدَى ٱلْجُمْهُورِ ٱلْمُسْلِمِ.
  • مُشَارَكَةُ ٱلدُّوَلِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ فِي ٱلْمُنْتَدَيَاتِ ٱلْعَالَمِيَّةِ لِأَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ.
  • فِي إِطَارِ ٱلْيُونِسْكُو (UNESCO) وَٱلْأُمَمِ ٱلْمُتَّحِدَةِ وَمَجْمُوعَةِ ٱلْعِشْرِينَ (G20) وَمُنَظَّمَةِ ٱلتَّعَاوُنِ ٱلِٱقْتِصَادِيِّ وَٱلتَّنْمِيَةِ (OECD)، حَيْثُ تُتَّخَذُ قَرَارَاتٌ مُهِمَّةٌ، يَجِبُ تَعْزِيزُ مَوْقِفِ ٱلْمُجْتَمَعِ ٱلْإِسْلَامِيِّ، مَعَ تَسْيِيدِ ٱلْحُجَجِ ٱلْعَقَدِيَّةِ وَٱلْفِقْهِيَّةِ وَٱلتُّرَاثِيَّةِ.

وَبِذٰلِكَ، فَإِنَّ ٱلْمَعَايِيرَ ٱلدُّوَلِيَّةَ وَٱلتَّشْرِيعَاتِ ٱلتَّنْظِيمِيَّةَ لَا تُخَالِفُ خُصُوصِيَّاتِ ٱلشَّرِيعَةِ؛ بَلْ هِيَ فِي كَثِيرٍ مِنَ ٱلْجَوَانِبِ تُوافِقُ ٱلتَّصَوُّرَ ٱلْإِسْلَامِيَّ لِلْمَسْؤُولِيَّةِ ٱلْاِجْتِمَاعِيَّةِ وَٱلْعَدَالَةِ وَقِيمَةِ ٱلْإِنْسَانِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ. غَيْرَ أَنَّهُ لِضَمَانِ تَطْبِيقِهَا فِي ٱلْمُجْتَمَعَاتِ ٱلْمُسْلِمَةِ، تَلْزَمُ أَدِلَّةٌ مَحَلِّيَّةٌ وَمَوَاثِيقُ تُرَاعِي ٱلدَّقَائِقَ ٱلْكَلَامِيَّةَ وَٱلْفِقْهِيَّةَ. وَأَحَدُ هٰذِهِ ٱلْوَثَائِقِ (ٱلْمِيثَاقُ ٱلْأَخْلَاقِيُّ ٱلْإِسْلَامِيُّ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ) قَدْ قُدِّمَ فِي إِطَارِ هٰذِهِ ٱلرِّسَالَةِ ٱلْخِتَامِيَّةِ.

ٱلْخُلَاصَةُ عَلَى ٱلْفَصْلِ ١.٢

ٱلْمَبَادِئُ ٱلْكُلِّيَّةُ. إِنَّ ٱلْوَثَائِقَ ٱلدُّوَلِيَّةَ ٱلْمُعَاصِرَةَ فِي مَجَالِ أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ (تَوْصِيَةُ ٱلْيُونِسْكُو (UNESCO)، مُبَادَرَاتُ IEEE، رُشُودُ ٱلِٱتِّحَادِ ٱلْأُورُوبِيِّ، مَبَادِئُ مُنَظَّمَةِ ٱلتَّعَاوُنِ ٱلِٱقْتِصَادِيِّ وَٱلتَّنْمِيَةِ (OECD)، وَمَجْمُوعَةُ ٱلْعِشْرِينَ (G20)) تُظْهِرُ مُسْتَوًى عَالِيًا مِنَ ٱلتَّوَافُقِ فِي مَسَائِلِ: ٱلشَّفَافِيَّةِ فِي ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ، حِمَايَةِ ٱلْبَيَانَاتِ ٱلشَّخْصِيَّةِ، عَدَمِ ٱلتَّمْيِيزِ، وَمُرَاعَاةِ مَصَالِحِ ٱلْمُجْتَمَعِ. وَمَحْوَرُهَا هُوَ ٱلْمَنْهَجُ ٱلْإِنْسَانِيُّ ٱلْمَرْكَزِيُّ ٱلَّذِي يَهْدُفُ إِلَى حَدِّ ٱلِٱسْتِغْلَالِ ٱلْمُحْتَمَلِ وَحِمَايَةِ كَرَامَةِ ٱلْإِنْسَانِ.

مُؤَسَّسَةُ ٱلْأَخْلَاقِ. تُطَوِّرُ مُنَظَّمَاتٌ بِمُسْتَوَى ٱلْيُونِسْكُو (UNESCO) وَمُنَظَّمَةُ ٱلتَّعَاوُنِ ٱلِٱقْتِصَادِيِّ وَٱلتَّنْمِيَةِ (OECD)، وَكَذَا ٱلْهَيْئَاتُ ٱلْإِقْلِيمِيَّةُ (ٱلِٱتِّحَادُ ٱلْأُورُوبِيُّ) وَٱلْجَمْعِيَّاتُ ٱلْمِهْنِيَّةُ (IEEE) لَا ٱلْمَبَادِئَ ٱلتَّصْرِيحِيَّةَ فَحَسْبْ، بَلْ أَيْضًا آلِيَّاتٍ عَمَلِيَّةً لِلتَّطْبِيقِ: ٱلْمَعَايِيرُ (P7000)، ٱللَّوَائِحُ (قَانُونُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لِلِٱتِّحَادِ ٱلْأُورُوبِيِّ (EU AI Act))، وَمَنْهَجِيَّاتُ تَقْيِيمِ ٱلْأَثَرِ (impact assessment). وَيُشَكِّلُ هٰذَا ٱلْمَسَارُ هَيْكَلِيَّةً عَالَمِيَّةً لِحَوْكَمَةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ.

ٱلتَّكْيِيفُ ٱلثَّقَافِيُّ وَٱلدِّينِيُّ. وَبِٱعْتِبَارِ تَعَدُّدِ ٱلْمُجْتَمَعَاتِ ٱلْعَالَمِيَّةِ، وَمِنْهَا ٱلْمُجْتَمَعُ ٱلْإِسْلَامِيُّ، فَإِنَّ هٰذِهِ ٱلْوَثَائِقَ تُصَرِّحُ بِـ «ٱحْتِرَامِ ٱلتَّعَدُّدِيَّةِ ٱلثَّقَافِيَّةِ». غَيْرَ أَنَّ ٱلتَّطْبِيقَ ٱلْمُلْمُوسَ لِهٰذِهِ ٱلْفِكْرَةِ مُلْقًى عَلَى ٱلْحُكُومَاتِ ٱلْوَطَنِيَّةِ وَٱلْمُجْتَمَعَاتِ ٱلْمِهْنِيَّةِ ٱلْمَحَلِّيَّةِ. وَفِي ٱلسِّيَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ، يَبْرُزُ ٱلِٱحْتِيَاجُ إِلَى تَكْيِيفِ ٱلْمَبَادِئِ مَعَ أَحْكَامِ ٱلشَّرِيعَةِ (مَقَاصِدُ ٱلشَّرِيعَةِ)، وَمُتَطَلَّبَاتِ ٱلْحَلَالِ/ٱلْحَرَامِ، وَٱلْحَاجَةِ إِلَى رِقَابَةٍ عِلْمِيَّةٍ شَرْعِيَّةٍ.

آفَاقُ ٱلْمَقَارَبَةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ. يُمْكِنُ لِلْعَالَمِ ٱلْإِسْلَامِيِّ ٱلِٱعْتِمَادُ عَلَى هٰذِهِ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلْكَوْنِيَّةِ، مَعَ تَكْمِيلِهَا بِأُصُولِهِ ٱلْفِقْهِيَّةِ (ٱلْفِقْهُ) وَٱلْأَخْلَاقِيَّةِ (ٱلْأَخْلاقُ). وَإِنَّ إِنْشَاءَ وَنَشْرَ «ٱلْمِيثَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِأَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ» سَيُسَاعِدُ عَلَى دَمْجِ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلدُّوَلِيَّةِ مَعَ تَقْلِيدِ ٱلشَّرِيعَةِ، مَعَ تَقْدِيمِ تَنْظِيمٍ مُفَصَّلٍ فِي ٱلْمَسَائِلِ ذَاتِ ٱلْأَهَمِّيَّةِ ٱلدِّينِيَّةِ (ٱلصُّوَرُ، ٱلصَّوْتُ، ٱلْمُعَامَلَاتُ ٱلْمَالِيَّةُ، ٱلِاسْتِشَارَةُ ٱلدِّينِيَّةُ، وَغَيْرُهَا). وَبِذٰلِكَ، فَإِنَّ ٱلدُّوَلَ وَٱلْمُجْتَمَعَاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةَ لَا تَبْقَى مُنْعَزِلَةً، بَلْ تَنْدَرِجُ فِي ٱلْحِوَارِ ٱلْكَوْنِيِّ، مَعَ ٱلِٱحْتِفَاظِ بِٱلْخُصُوصِيَّةِ ٱلْعَقَدِيَّةِ وَٱلْفِقْهِيَّةِ.

ٱلْجَدْوَى ٱلْعَمَلِيَّةُ. إِنَّ ٱلِٱرْتِكَازَ عَلَى ٱلْمَعَايِيرِ ٱلدُّوَلِيَّةِ (IEEE، ٱلْيُونِسْكُو، ٱلِٱتِّحَادُ ٱلْأُورُوبِيُّ) يُمَكِّنُ ٱلْمُطَوِّرِينَ وَٱلشَّرِكَاتِ ٱلْمُسْلِمَةِ مِنَ ٱلدُّخُولِ إِلَى ٱلسُّوقِ ٱلْعَالَمِيِّ، وَيَرْفَعُ مُسْتَوَى ٱلثِّقَةِ وَجَوْدَةِ ٱلْمُنْتَجَاتِ. وَإِنَّ ٱلشَّهَادَةَ ٱلْمِعْيَارِيَّةَ وَٱلِٱمْتِثَالَ لِمَبَادِئِ «أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ» يُعْتَبَرُ مِيزَةً تَنَافُسِيَّةً.

وَتُشَكِّلُ كُلُّ هَذِهِ ٱلْعَوَامِلِ أَسَاسًا رَاسِخًا لِلِٱنْتِقَالِ إِلَى مَوْضُوعٍ أَضْيَقَ وَلٰكِنْ أَعْمَقَ فِي هٰذِهِ ٱلرِّسَالَةِ، أَلَا وَهُوَ تَشْكِيلُ ٱلْمِيثَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ مَعَ مُرَاعَاةِ ٱلْخُصُوصِيَّةِ ٱلشَّرْعِيَّةِ وَٱلْوَاقِعِ ٱلتِّقْنِيِّ ٱلْمُعَاصِرِ. وَفِي ٱلْفِقْرَةِ ٱلتَّالِيَةِ (١.٣) سَنُعَالِجُ دَرَاسَاتٍ تَطْبِيقِيَّةً تُجَسِّدُ مَبَادِئَ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمَسْؤُولِ، وَفِي ٱلْفَصْلِ ٱلثَّانِي، إِنْ شَاءَ ٱللّٰهُ، سَنَنْتَقِلُ إِلَى خُصُوصِيَّةِ ٱلْمَنْهَجِ ٱلْإِسْلَامِيِّ وَأُسُسِهِ ٱلْعَقَدِيَّةِ وَٱلْفِقْهِيَّةِ فِي أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ.

١.٣. دِرَاسَاتٌ تَطْبِيقِيَّةٌ وَأَمْثِلَةٌ لِتَطْبِيقِ مَبَادِئِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمَسْؤُولِ

١.٣.١. ٱلتَّوَجُّهَاتُ ٱلْعَامَّةُ فِي ٱلتَّطْبِيقِ ٱلْعَمَلِيِّ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمَسْؤُولِ

فِي ٱلسَّنَوَاتِ ٱلْأَخِيرَةِ، نُشَاهِدُ تَوَسُّعًا سَرِيعًا فِي نِطَاقِ إِدْمَاجِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي مُخْتَلِفِ مَجَالَاتِ ٱلنَّشَاطِ ٱلْبَشَرِيِّ: مِنَ ٱلطِّبِّ وَٱلتَّعْلِيمِ إِلَى ٱلْإِدَارَةِ ٱلْبَلَدِيَّةِ وَٱلِاسْتِشَارَةِ ٱلدِّينِيَّةِ. وَيَأْتِي ٱلِٱهْتِمَامُ ٱلزَّائِدُ بِٱلْجَوَانِبِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ كَنَتِيجَةٍ طَبِيعِيَّةٍ لِإِدْرَاكِ ٱلْمَخَاطِرِ ٱلْمُرْتَبِطَةِ بِغُمُوضِ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ، وَٱلِٱحْتِمَالِ ٱلْقَائِمِ لِلتَّمْيِيزِ، وَٱنْتِهَاكِ ٱلْخُصُوصِيَّةِ، وَمَا قَدْ يَنْجُمُ عَنْ ذٰلِكَ مِنْ تَهْدِيدَاتٍ لِلِٱسْتِقْرَارِ ٱلِٱجْتِمَاعِيِّ وَٱلرُّوحِيِّ.

وَفِيمَا يَلِي سَنَعْرِضُ بَعْضَ دِرَاسَاتِ ٱلْحَالَةِ وَٱلْمَشَارِيعِ ٱلْحَقِيقِيَّةِ ٱلَّتِي يُطَبَّقُ فِيهَا «مَبَادِئُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمَسْؤُولِ» عَلَى أَرْضِ ٱلْوَاقِعِ. وَلَيْسَ هَدَفُنَا فَقَطْ إِظْهَارَ ٱلْقِيمَةِ ٱلتِّقْنِيَّةِ أَوِ ٱلتِّجَارِيَّةِ لِهَذِهِ ٱلْحُلُولِ، بَلْ كَذٰلِكَ بَيَانُ كَيْفَ تَسْعَى ٱلْمُنَظَّمَاتُ إِلَى ٱلِٱمْتِثَالِ لِلْمَعَايِيرِ ٱلدُّوَلِيَّةِ (وَفِي بَعْضِ ٱلْحَالَاتِ ٱلْمَعَايِيرُ ٱلدِّينِيَّةُ) لِأَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ.

وَفِي سِيَاقِ هٰذِهِ ٱلرِّسَالَةِ يَتَأَكَّدُ مُكَوِّنَانِ أَسَاسِيَّانِ:

  • ٱلِٱلْتِزَامُ بِٱلْمَبَادِئِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ ٱلْكُلِّيَّةِ (ٱلشَّفَافِيَّةُ، ٱلْعَدَالَةُ، حِمَايَةُ ٱلْبَيَانَاتِ، ٱلْمَسْؤُولِيَّةُ).
  • مُرَاعَاةُ ٱلْقِيَمِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ (ٱلتَّوَافُقُ مَعَ ٱلشَّرِيعَةِ، وَٱلْأَخْلَاقُ، وَٱحْتِرَامُ ٱلْعَقِيدَةِ، وَعَدَمُ ٱلْوَظَائِفِ ٱلْمُحَرَّمَةِ) حَيْثُمَا يَنْطَبِقُ ذٰلِكَ.

١.٣.٢. ٱلرِّعَايَةُ ٱلصِّحِّيَّةُ وَٱلتَّطْبِيقَاتُ ٱلطِّبِّيَّةُ: مِثَالُ IBM Watson Health

١.٣.٢.١. نُبْذَةٌ مُخْتَصَرَةٌ عَنِ ٱلْمَشْرُوعِ

يُعْتَبَرُ IBM Watson Health[29] وَاحِدًا مِنْ أَوَائِلِ وَأَشْهَرِ تَطْبِيقَاتِ تِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي مَجَالِ ٱلتَّشْخِيصِ وَٱلطِّبِّ ٱلشَّخْصَنِيِّ. فَٱلْمَنْظُومَةُ تُحَاوِلُ تَحْلِيلَ ٱلسِّجِلَّاتِ ٱلطِّبِّيَّةِ وَٱلْبَيَانَاتِ ٱلْمَخْبَرِيَّةِ وَٱلْمَنْشُورَاتِ ٱلْعِلْمِيَّةِ، لِتُقَدِّمَ تَوْصِيَاتٍ عِلَاجِيَّةً لِأَمْرَاضٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَمِنْهَا ٱلْأَوْرَامُ ٱلسَّرَطَانِيَّةُ.

وَٱلْفِكْرَةُ ٱلرَّئِيسِيَّةُ هِيَ أَنْ يَتَلَقَّى ٱلْأَطِبَّاءُ «رَأْيًا ثَانِيًا» مِنْ نِظَامٍ إِدْرَاكِيٍّ يَدْرُسُ كَمِّيَّاتٍ هَائِلَةً مِنَ ٱلْمَعْلُومَاتِ. وَيُؤَكِّدُ ٱلْمُطَوِّرُونَ أَنَّهُمْ يُرَاعُونَ مَبَادِئَ «ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمَسْؤُولِ»، خَاصَّةً فِي مَجَالَاتٍ مِثْلَ:

  • ٱلشَّفَافِيَّةُ وَٱلثِّقَةُ: تُشِيرُ IBM إِلَى مَعْلُومَاتٍ عَامَّةٍ حَوْلَ أُسْلُوبِ ٱلتَّعَلُّمِ ٱلْآلِيِّ وَحَجْمِ ٱلْبَيَانَاتِ ٱلْمُحَلَّلَةِ، مَعَ أَنَّ ٱلْبِنْيَةَ ٱلتَّفْصِيلِيَّةَ لِـ «Watson for Oncology» لَيْسَتْ مَفْتُوحَةً بِشَكْلٍ كَامِلٍ.
  • حِمَايَةُ ٱلْخُصُوصِيَّةِ: تُشَفَّرُ بَيَانَاتُ ٱلْمَرْضَى وَتُزَالُ هُوِيَّتُهَا وَفْقًا لِقَانُونِ HIPAA (Health Insurance Portability and Accountability Act) فِي ٱلْوِلَايَاتِ ٱلْمُتَّحِدَةِ وَمَعَ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلنَّظِيرَةِ فِي دُوَلٍ أُخْرَى.
  • ٱلْمَسْؤُولِيَّةُ: تَبْقَى ٱلْقَرَارَاتُ ٱلسَّرِيرِيَّةُ ٱلنِّهَائِيَّةُ فِي عُهْدَةِ ٱلْأَطِبَّاءِ، وَلَيْسَ فِي عُهْدَةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، وَهٰذَا يَتَّفِقُ مَعَ مَبَادِئِ كَثِيرٍ مِنَ ٱلْمِيثَاقَاتِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ، وَمِنْهَا ٱلْإِسْلَامِيَّةُ، حَيْثُ يَبْقَى ٱلْحُكْمُ فِي مَسَائِلِ ٱلْحَيَاةِ وَٱلصِّحَّةِ مَوْكُولًا إِلَى ٱلطَّبِيبِ ٱلْإِنْسَانِ.

١.٣.٢.٢. ٱلْجَانِبُ ٱلْأَخْلَاقِيُّ وَٱلدِّينِيُّ

فِي سِيَاقِ ٱلْأَحْكَامِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ، قَدْ يُثِيرُ هٰذَا ٱلْمَشْرُوعُ جُمْلَةً مِنَ ٱلتَّسَاؤُلَاتِ ٱلْمُرْتَبِطَةِ بِمَا يَلِي:

  • ٱسْتِعْمَالُ ٱلْبَيَانَاتِ ٱلْبَيُومِتْرِيَّةِ/ٱلْحَيَوِيَّةِ: فِي ٱلْفِقْهِ ٱلْإِسْلَامِيِّ ٱلْمُقَامُ عَلَى حِفْظِ ٱلْمَعْلُومَاتِ ٱلشَّخْصِيَّةِ، يَتَحَتَّمُ ٱلتَّخْزِينُ ٱلصَّحِيحُ لِلْمَعْلُومَاتِ ٱلْوِرَاثِيَّةِ وَسِجِلَّاتِ ٱلْأَمْرَاضِ.
  • ٱتِّخَاذُ ٱلْقَرَارَاتِ ٱلْمَصِيرِيَّةِ فِي ٱلْحَيَاةِ وَٱلْمَوْتِ: فِي عِلَاجَاتِ ٱلْأَوْرَامِ تَقَعُ حَالَاتٌ يَقْتَرِنُ فِيهَا ٱلْعِلَاجُ بِٱلرِّعَايَةِ ٱلتَّخْفِيفِيَّةِ (ٱلْبَالِيَاتِيفْ) وَزِرَاعَةِ ٱلْأَعْضَاءِ وَغَيْرِهَا مِنَ ٱلْمَسَائِلِ ٱلشَّرْعِيَّةِ ٱلدَّقِيقَةِ. وَتِلْكَ ٱلْقَرَارَاتُ لَا يَحْسُنُ أَنْ تُتَّخَذَ «تِلْقَائِيًّا»، بَلْ بِمُشَارَكَةِ ٱلْأَطِبَّاءِ وَٱلْخُبَرَاءِ ٱلدِّينِيِّينَ إِذَا تَعَلَّقَتْ بِمَسَائِلَ مُنَظَّمَةٍ بِٱلشَّرِيعَةِ (مِثْلَ ٱسْتِعْمَالِ مُكَوِّنَاتٍ دَوَائِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ).
  • ٱلتَّوَافُقُ مَعَ «مَقَاصِدِ ٱلشَّرِيعَةِ» (حِفْظُ ٱلنَّفْسِ): فِي ٱلْجُمْلَةِ يُعْتَبَرُ دَعْمُ ٱلتَّشْخِيصِ وَرَفْعُ كَفَاءَةِ ٱلْعِلَاجِ مُوَافِقًا لِغَايَاتِ ٱلشَّرِيعَةِ فِي حِفْظِ ٱلْحَيَاةِ. وَعَلَى هٰذَا فَإِنَّ تَطْبِيقَ هٰذَا ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ مَرْحُوبٌ بِهِ إِذَا رُوعِيَتِ ٱلشَّفَافِيَّةُ وَٱنْتَفَى ٱلْمُكَوِّنُ ٱلْمُحَرَّمُ (مِثْلَ ٱلشَّوَائِبِ غَيْرِ ٱلْمَشْرُوعَةِ فِي ٱلْأَدْوِيَةِ).

وَعَلَى هٰذَا، فَإِنَّ IBM Watson Health يُجَسِّدُ مِثَالًا نَاجِحًا لِلتَّطْبِيقِ ٱلْجُزْئِيِّ لِمَبَادِئِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمَسْؤُولِ. غَيْرَ أَنَّهُ فِي ٱلسِّيَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ يَلْزَمُ تَعْمِيقُ «ٱلتَّدْقِيقِ ٱلشَّرْعِيِّ»، وَذٰلِكَ بِٱسْتِقْطَابِ لِجَانٍ وَمُسْتَشَارِينَ دِينِيِّينَ فِي ٱلْمُسْتَشْفَيَاتِ ٱلَّتِي تَسْتَعْمِلُ هٰذِهِ ٱلتِّقْنِيَّاتِ، لِتَقْيِيمِ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ وَٱلْإِجْرَاءَاتِ عَلَى ضَوْءِ ٱلْمِيثَاقِ ٱلْأَخْلَاقِيِّ ٱلْإِسْلَامِيِّ.

١.٣.٣. ٱلْحُلُولُ ٱلْمَالِيَّةُ: ٱلْمَصَارِفُ ٱلْإِسْلَامِيَّةُ وَٱلْخِدْمَاتُ «ٱلشَّرْعِيَّةُ»

١.٣.٣.١. ٱلْمَنَصَّاتُ ٱلْمُؤَتْمَتَةُ لِلْمَالِيَّاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ

يَتَزَايَدُ فِي قِطَاعِ ٱلْمَالِيَّاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ ٱسْتِعْمَالُ ٱلْحُلُولِ ٱلْمُعْتَمِدَةِ عَلَى ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي تَحْلِيلِ ٱلْمَخَاطِرِ، وَٱكْتِشَافِ ٱلِٱحْتِيَالِ (fraud detection)، وَٱلِٱئْتِمَانِ ٱلْمَالِيِّ (credit scoring)، وَٱلِٱسْتِشَارَةِ فِي ٱلِٱسْتِثْمَارَاتِ ٱلْحَلَالِ. وَمِنَ ٱلْأَمْثِلَةِ عَلَى ذٰلِكَ مَنَصَّةُ Wethaq[30] (فِي ٱلْإِمَارَاتِ ٱلْعَرَبِيَّةِ ٱلْمُتَّحِدَةِ)، ٱلَّتِي تَسْتَعْمِلُ ٱلْبْلُوكْشَيْنْ (blockchain) وَخَوَارِزْمِيَّاتِ ٱلتَّعَلُّمِ ٱلْآلِيِّ لِإِصْدَارِ وَإِدَارَةِ «ٱلسُّكُوكِ» (صُكُوكٌ إِسْلَامِيَّةٌ).

وَهُنَاكَ كَذٰلِكَ أَمْثِلَةٌ تَطْبِيقِيَّةٌ لِمَصَارِفَ تُدْخِلُ (شات-بوت شَرْعِيّ) لِلرَّدِّ عَلَى أَسْئِلَةِ ٱلْعُمَلَاءِ حَوْلَ شُرُوطِ ٱلتَّمْوِيلِ ٱلْحَلَالِ، وَخُصُوصِيَّاتِ ٱلْعُقُودِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ (مُرَابَحَةٌ، إِجَارَةٌ، مُضَارَبَةٌ)، وَغَيْرِ ذٰلِكَ. وَفِي هٰذَا ٱلسِّيَاقِ تَكُونُ مِصْدَاقِيَّةُ ٱلْأَجْوِبَةِ ٱلدِّينِيَّةِ أَمْرًا حَيَوِيًّا، مَعَ ٱلِٱسْتِبْعَادِ ٱلتَّامِّ لِأَيِّ «تَوْصِيَاتٍ» تُنَاقِضُ ٱلشَّرِيعَةَ.

١.٣.٣.٢. مَبَادِئُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمَسْؤُولِ فِي ٱلْمَصَارِفَةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ

  • تَجَنُّبُ ٱلرِّبَا (ٱلرِّبَا): يَجِبُ عَلَى ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ ٱلْمُسْتَخْدَمَةِ فِي ٱلْحِسَابَاتِ ٱلْمَالِيَّةِ أَنْ تَسْتَبْعِدَ كُلَّ بِنْيَةٍ تَقَعُ تَحْتَ حُكْمِ ٱلرِّبَا. وَتَلْزَمُ ٱلْمَنَصَّاتُ ٱلْمُطَوَّرَةُ لِلْمَالِيَّاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ ٱلِٱسْتِنَادَ إِلَى ٱلْفَتَاوَى وَقَرَارَاتِ ٱلْمَجَالِسِ ٱلشَّرْعِيَّةِ.
  • ٱلشَّفَافِيَّةُ فِي بِنْيَةِ ٱلصَّفَقَاتِ: فِي ٱلْفِقْهِ ٱلْإِسْلَامِيِّ، يَجِبُ أَنْ تَكُونَ ٱلْمُعَامَلَاتُ وَاضِحَةً لِلطَّرَفَيْنِ (فَٱلْغُمُوضُ أَوِ ٱلْإِبْهَامُ غَيْرُ جَائِزٍ). وَبِذٰلِكَ فَإِنَّ أَنْظِمَةَ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ تَلْزَمُهَا تَقْدِيمُ مَعْلُومَاتٍ كَامِلَةٍ عَنْ شُرُوطِ ٱلتَّمْوِيلِ وَمَصَادِرِ ٱلْإِيرَادِ وَٱلْمَخَاطِرِ ٱلْمُحْتَمَلَةِ.
  • ٱلْعَدَالَةُ وَتَجَنُّبُ ٱلتَّمْيِيزِ: قَدْ تُؤَدِّي نَمَاذِجُ ٱلتَّقْيِيمِ ٱلِٱئْتِمَانِيِّ وَٱلتَّصْنِيفِ إِلَى تَمْيِيزِ ٱلْعُمَلَاءِ حَسَبَ ٱلْمَنْطِقَةِ ٱلْجُغْرَافِيَّةِ أَوِ ٱلْأَصْلِ ٱلْإِثْنِيِّ. وَتَسْعَى ٱلْمَصَارِفُ ٱلْإِسْلَامِيَّةُ إِلَى ٱلْتَّأَكُّدِ مِنْ أَنَّ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ لَا تَحْوِي تِلْكَ ٱلْأَنْوَاعَ مِنَ ٱلتَّمْيِيزِ ٱلْمُنَافِيَةِ لِمَبْدَإِ ٱلْعَدَالَةِ وَٱلْمُسَاوَاةِ.
  • ٱلتَّدْقِيقُ وَٱلْمُصَادَقَةُ مِنَ ٱلْمَجْلِسِ ٱلشَّرْعِيِّ: فِي أَكْبَرِ ٱلْمَصَارِفِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ، وُجِدَتْ مَجَالِسُ شَرْعِيَّةٌ تُرَاقِبُ ٱلْحُلُولَ ٱلتِّقْنِيَّةَ. وَعِنْدَ ٱسْتِعْمَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يُسْتَحْسَنُ إِجْرَاءُ تَدْقِيقٍ إِضَافِيٍّ لِلْخَوَارِزْمِيَّاتِ وَمُنَظَّمَاتِ ٱلْحَوْكَمَةِ.
  • ١.٣.٣.٣. مِثَالٌ عَمَلِيٌّ: مَصْرِفُ ٱلرَّاجِحِي (Al Rajhi Bank) – ٱلسُّعُودِيَّةُ ٱلْعَرَبِيَّةُ
  • يُعَدُّ مَصْرِفُ ٱلرَّاجِحِي أَحَدَ أَكْبَرِ ٱلْمَصَارِفِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ، وَقَدْ أَدْخَلَ مُنْذُ سَنَةِ ٢٠١٩م نُظُمًا مُؤَتْمَتَةً لِتَحْلِيلِ ٱلْمُعَامَلَاتِ وَتَقْدِيمِ تَوْصِيَاتٍ مَالِيَّةٍ شَخْصَنِيَّةٍ. وَتَقُومُ ٱلْمَنْظُومَةُ، بِٱلِٱسْتِنَادِ إِلَى قَاعِدَةِ بَيَانَاتٍ لِلْعُقُودِ ٱلشَّرْعِيَّةِ، بِٱلْتَّحَقُّقِ تِلْقَائِيًّا مِنْ مُوَافَقَةِ ٱلْعَمَلِيَّاتِ لِمُتَطَلَّبَاتِ ٱلْحَلَالِ. وَيُؤَكِّدُ ٱلْمَصْرِفُ أَهَمِّيَّةَ «ٱلرِّقَابَةِ ٱلْبَشَرِيَّةِ»؛ فَكُلُّ حَالَةٍ غَيْرِ مَأْلُوفَةٍ لَا يَجْزِمُ فِيهَا ٱلْخَوَارِزْمُ تُحَالُ إِلَى فَرِيقِ ٱلتَّدْقِيقِ ٱلشَّرْعِيِّ.
  • وَيُبَيِّنُ تَجْرِبَةُ مَصْرِفِ ٱلرَّاجِحِي أَنَّ ٱلْمَزْجَ بَيْنَ ٱلتِّقْنِيَاتِ ٱلْحَدِيثَةِ (big data، وَٱلتَّعَلُّمُ ٱلْآلِيُّ) وَٱلْإِجْرَاءَاتِ ٱلدِّينِيَّةِ ٱلْقَانُونِيَّةِ (ٱلرِّقَابَةُ ٱلشَّرْعِيَّةُ، وَٱلْفَتَاوَى) يُمْكِنُهُ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَى أَتْمَتَةِ جُزْءٍ مِنَ ٱلْأَعْمَالِ ٱلْوَظِيفِيَّةِ مَعَ ٱلِٱحْتِفَاظِ بِمَبْدَإِ «ٱلْأَصَالَةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ» لِلْمُنْتَجِ ٱلْمَالِيِّ.
  • ١.٣.٤. ٱلْمَنَصَّاتُ ٱلتَّعْلِيمِيَّةُ وَٱلدَّوْرَاتُ ٱلْإِلِكْتِرُونِيَّةُ: أَنْظِمَةٌ تَعَلُّمِيَّةٌ تَكَيُّفِيَّةٌ
  • ١.٣.٤.١. «ٱلتَّعَلُّمُ ٱلتَّكَيُّفِيُّ (Adaptive Learning)» وَأَخْلَاقِيَّاتُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ
  • فِي مَجَالِ ٱلتَّعْلِيمِ، يُسْتَخْدَمُ ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ لِإِنْشَاءِ دَوْرَاتٍ تَعَلُّمِيَّةٍ تَكَيُّفِيَّةٍ، حَيْثُ تُحَلِّلُ ٱلْمَنْظُومَةُ نَتَائِجَ ٱلِٱخْتِبَارَاتِ وَتَقَدُّمَ ٱلْمُتَعَلِّمِ لِتُقَدِّمَ تَوْصِيَاتٍ شَخْصَنِيَّةً. وَتُرَوِّجُ لِهٰذِهِ ٱلْحُلُولِ شَرِكَاتٌ مِثْلَ كُورْسِيرَا (Coursera) وَإِدْإِكْس (EdX) وَدُولِينْغُو (Duolingo) وَغَيْرُهَا.
  • فَمِثَالًا، تَسْتَعْمِلُ Duolingo ٱلتَّعَلُّمَ ٱلْآلِيَّ لِتَحْدِيدِ «ٱلْفَوَاصِلِ ٱلْمِثَالِيَّةِ» لِمُرَاجَعَةِ ٱلْمُفْرَدَاتِ وَٱلتَّرَاكِيبِ ٱلنَّحْوِيَّةِ، مِمَّا يُشَخْصِنُ مَسَارَ ٱلتَّعَلُّمِ. وَتَخْتَبِرُ Coursera أَدَوَاتِ ٱلتَّصْحِيحِ ٱلْآلِيِّ لِلْمَهَامِّ ٱلْكِتَابِيَّةِ (auto-grading) مَعَ تَحْلِيلِ ٱلْأُسْلُوبِ وَمِنْطِقِ ٱلْإِجَابَةِ.

١.٣.٤.٢. مَبَادِئُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمَسْؤُولِ فِي ٱلتِّقْنِيَاتِ ٱلتَّعْلِيمِيَّةِ

  • تَجَنُّبُ ٱلضَّغْطِ ٱلنَّفْسِيِّ: قَدْ تَقُومُ ٱلْمَنَصَّاتُ ٱلتَّكَيُّفِيَّةُ بِـ «دَفْعِ» ٱلطَّالِبِ بِشَكْلٍ مُفْرِطٍ، مِمَّا يُسَبِّبُ تَوَتُّرًا أَوِ ٱلِٱدْمَانَ. وَتَطْلُبُ ٱلتَّوْصِيَاتُ ٱلصَّادِرَةُ عَنْ ٱلْيُونِسْكُو (UNESCO Recommendation) فِي مَجَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلتَّعْلِيمِ مُوَازَنَةً عَاقِلَةً بَيْنَ ٱلتَّحْفِيزِ وَتَوْفِيرِ بِيئَةٍ دِرَاسِيَّةٍ مُلَائِمَةٍ.
  • ٱلْعَدَالَةُ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤَدِّيَ ٱلْوُصُولُ إِلَى ٱلْأَنْظِمَةِ ٱلتَّعَلُّمِيَّةِ ٱلذَّكِيَّةِ إِلَى مَزِيدٍ مِنَ ٱلِٱخْتِلَافِ ٱلِٱجْتِمَاعِيِّ. فَتِلْكَ ٱلتِّقْنِيَاتُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُتَاحَةً لِلطَّبَقَاتِ ٱلضَّعِيفَةِ أَيْضًا، وَهٰذَا فِي ٱلسِّيَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ يُوَافِقُ مَبْدَأَ ٱلْعِنَايَةِ بِٱلْفِئَاتِ ٱلْمُسْتَضْعَفَةِ.
  • مُرَاعَاةُ ٱلْخُصُوصِيَّاتِ ٱلثَّقَافِيَّةِ وَٱلدِّينِيَّةِ لِلْمُحْتَوَى: إِذَا كَانَ ٱلْمَوْضُوعُ يَمَسُّ ٱلْمَسَائِلَ ٱلْأَخْلَاقِيَّةَ، فَإِنَّهُ مِنَ ٱلضَّرُورِيِّ أَلَّا يُرَوِّجَ ٱلْخَوَارِزْمُ لِقِيَمٍ تُنَاقِضُ ٱقْتِنَاعَاتِ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ. وَفِي ٱلدُّوَلِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ أَوِ ٱلْمُؤَسَّسَاتِ ٱلتَّعْلِيمِيَّةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ، يُمْكِنُ إِدْخَالُ «مُرَشِّحٍ» خَاصٍّ يَسْتَبْعِدُ ٱلْمُحْتَوَى ٱلْمُحَرَّمَ (مِثْلَ ٱلْمَوَادِّ ٱلْإِبَاحِيَّةِ أَوِ ٱلْمُجُونِيَّةِ).

١.٣.٤.٣. ٱلْمَنَصَّاتُ ٱلْإِسْلَامِيَّةُ ٱلْإِلِكْتِرُونِيَّةُ: Madinah e-Learning

فِي بَعْضِ ٱلْمَشَارِيعِ ٱلتَّعْلِيمِيَّةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ – مِثْلَ MeeM Academia – يُجْرَى ٱسْتِعْمَالٌ تَجْرِيبِيٌّ لِمَنَصَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلتَّعَلُّمِ عَنْ بُعْدٍ لِلْقُرْآنِ وَٱلْحَدِيثِ. وَمِنْ ذٰلِكَ مَشْرُوعُ Quran Tutor AI[31] (فِي مَرْحَلَةٍ تَجْرِيبِيَّةٍ)، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ تَعَرُّفًا عَلَى ٱلْكَلَامِ، وَتَحْقِيقًا لِصِحَّةِ تَطْبِيقِ أَحْكَامِ ٱلتَّجْوِيدِ فِي قِرَاءَةِ ٱلْقُرْآنِ، كَمَا يُقَدِّمُ تَدْرِيبَاتٍ تَكَيُّفِيَّةً لِتَحْسِينِ ٱلْحِفْظِ وَفَهْمِ ٱلنُّصُوصِ ٱلدِّينِيَّةِ.

ٱلْوَظَائِفُ ٱلرَّئِيسِيَّةُ لِـ Quran Tutor AI:

  • تَصْحِيحٌ فَوْرِيٌّ لِلتَّجْوِيدِ: يُحَلِّلُ ٱلتَّطْبِيقُ نُطْقَ ٱلْمُسْتَخْدِمِ فِي ٱلزَّمَنِ ٱلْحَقِيقِيِّ، وَيَكْتَشِفُ ٱلْأَخْطَاءَ، وَيُقَدِّمُ تَوْصِيَاتٍ فَوْرِيَّةً لِتَصْحِيحِهَا، وَذٰلِكَ نَافِعٌ خُصُوصًا لِمَنْ لَا يَتَيَسَّرُ لَهُ ٱلِٱتِّصَالُ ٱلدَّائِمُ بِمُعَلِّمٍ مُؤَهَّلٍ.
  • تَعَلُّمٌ شَخْصَنِيٌّ: تَتَكَيَّفُ ٱلْمَنْظُومَةُ مَعَ مُسْتَوَى ٱلْمَعْرِفَةِ وَوَتِيرَةِ ٱلتَّعَلُّمِ لِكُلِّ مُسْتَخْدِمٍ، فَتُقَدِّمُ خُطَطًا دِرَاسِيَّةً وَتَمَارِينَ فَرْدِيَّةً، مِمَّا يُسَاهِمُ فِي أَكْثَرَ فَعَّالِيَّةٍ فِي ٱسْتِيعَابِ ٱلْمَوَادِّ.
  • دَعْمُ ٱلْحِفْظِ: بِٱسْتِعْمَالِ طُرُقِ «ٱلْمُرَاجَعَةِ ذَاتِ ٱلْفَوَاصِلِ ٱلزَّمَنِيَّةِ» وَٱلتَّمَارِينِ ٱلتَّفَاعُلِيَّةِ، يُسَاعِدُ ٱلتَّطْبِيقُ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ عَلَى حِفْظِ آيَاتِ ٱلْقُرْآنِ بِفَعَّالِيَّةٍ، وَمُتَابَعَةِ تَقَدُّمِهِمْ.
  • عَنَاصِرُ تَفَاعُلٍ وَلَعْبَنَةٌ: لِتَعْزِيزِ ٱلدَّافِعِيَّةِ – خُصُوصًا لَدَى ٱلْأَطْفَالِ – يَتَضَمَّنُ ٱلتَّطْبِيقُ مُسَابَقَاتٍ وَمَهَامَّ وَنِظَامَ مُكَافَآتٍ، مِمَّا يَجْعَلُ عَمَلِيَّةَ ٱلتَّعَلُّمِ أَكْثَرَ جَذْبًا.
  • إِتَاحَةٌ طِوَالَ ٱلْوَقْتِ (٢٤/٧): يَسْتَطِيعُ ٱلْمُسْتَخْدِمُونَ ٱلتَّدَرُّبَ فِي أَيِّ وَقْتٍ وَمِنْ أَيِّ مَكَانٍ، وَهٰذَا مُهِمٌّ لِمَنْ تَعُوقُهُمُ ٱلظُّرُوفُ عَنْ حُضُورِ ٱلدُّرُوسِ ٱلتَّقْلِيدِيَّةِ.

يُبَيِّنُ هٰذَا ٱلْمِثَالُ كَيْفَ يُمْكِنُ تَسْخِيرُ ٱلتِّقْنِيَاتِ ٱلْمُعَاصِرَةِ لِتَعْزِيزِ ٱلتَّعْلِيمِ ٱلدِّينِيِّ، وَهُوَ مَا يَتَّفِقُ مَعَ مَبْدَإِ ٱلْمَنْفَعَةِ فِي ٱلْإِسْلَامِ وَمَعَ ٱلسَّعْيِ إِلَى ٱلْعِلْمِ.

١.٣.٥. إِدَارَةُ ٱلْمَدِينَةِ وَٱلْأَمْنُ ٱلْعَامُّ: ٱلْجَوَانِبُ ٱلْأَخْلَاقِيَّةُ لِأَنْظِمَةِ ٱلْمُرَاقَبَةِ ٱلْمَرْئِيَّةِ

١.٣.٥.١. أَنْظِمَةُ «ٱلْمَدِينَةِ ٱلذَّكِيَّةِ» (Smart City)

فِي كَثِيرٍ مِنَ ٱلْمُدُنِ ٱلْكُبْرَى فِي ٱلْعَالَمِ، يُجْرَى تَطْبِيقُ أَنْظِمَةٍ «ذَكِيَّةٍ» مُعْتَمِدَةٍ عَلَى ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لِإِدَارَةِ جَوَانِبَ مُخْتَلِفَةٍ مِنَ ٱلْبُنْيَةِ ٱلتَّحْتِيَّةِ ٱلْمَدَنِيَّةِ، وَيَشْمَلُ ذٰلِكَ: تَدَفُّقَاتِ ٱلنَّقْلِ، جَمْعَ ٱلْقُمَامَةِ، ٱلْكَهْرَبَاءَ، وَتَأْمِينَ ٱلْأَمْنِ ٱلْعَامِّ. وَيُعْتَبَرُ مَشْرُوعُ Smart Dubai فِي دَوْلَةِ ٱلْإِمَارَاتِ ٱلْعَرَبِيَّةِ ٱلْمُتَّحِدَةِ مِثَالًا بَارِزًا عَلَى هٰذَا ٱلتَّوَجُّهِ.

١.٣.٥.١. ٱتِّجَاهَاتٌ رَئِيسِيَّةٌ لِتَطْبِيقِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي مَشْرُوعِ «Smart Dubai»

  • إِدَارَةُ تَدَفُّقَاتِ ٱلنَّقْلِ:
    تُطَبِّقُ هَيْئَةُ ٱلطُّرُقِ وَٱلنَّقْلِ فِي دُبَي (RTA) أَنْظِمَةَ إِدَارَةِ ٱلْمُرُورِ ٱلْمُعْتَمِدَةِ عَلَى ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ وَتِقْنِيَّاتِ «ٱلتَّوَائِمِ ٱلرَّقْمِيَّةِ» لِتَحْسِينِ عَمَلِ إِشَارَاتِ ٱلْمُرُورِ وَتَقْلِيلِ ٱلِٱزْدِحَامِ.
    وَمِنَ ٱلْمُخَطَّطِ أَنْ تُنَفَّذَ حَتَّى سَنَةِ ٢٠٣٠م نِسْبَةُ ٢٥٪ مِنْ جَمِيعِ ٱلرِّحْلَاتِ فِي ٱلْمَدِينَةِ بِٱسْتِعْمَالِ مَرَاكِبَ ذَاتِيَّةِ ٱلْقِيَادَةِ تُدِيرُهَا أَنْظِمَةٌ قَائِمَةٌ عَلَى ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ.
  • ٱلْأَمْنُ ٱلْعَامُّ:
    تَسْتَعْمِلُ شُرْطَةُ دُبَي ٱلذَّكَاءَ ٱلِصْطِنَاعِيَّ فِي تَحْلِيلِ بَيَانَاتِ ٱلْكَمِيرَاتِ، وَيَشْمَلُ ذٰلِكَ تِقْنِيَاتِ ٱلتَّعَرُّفِ عَلَى ٱلْوُجُوهِ وَٱلتَّحْلِيلَ ٱلتَّنَبُّئِيَّ، مِمَّا يُسَاهِمُ فِي خَفْضِ مُسْتَوَى ٱلْجَرِيمَةِ وَرَفْعِ كَفَاءَةِ أَجْهِزَةِ ٱلْإِنْفَاذِ.
    وَتَعْمَلُ فِي ٱلْمَدِينَةِ مَنْصَّةُ «Oyoon» ٱلَّتِي تُوَحِّدُ بَيَانَاتِ آلَافِ كَمِيرَاتِ ٱلْمُرَاقَبَةِ لِلرَّصْدِ وَٱلْمَنْعِ ٱلْمُبَكِّرِ لِلْجَرَائِمِ.
  • إِدَارَةُ ٱلْكَهْرَبَاءِ وَٱلتَّنْمِيَةُ ٱلْمُسْتَدَامَةُ:
    فِي إِطَارِ ٱسْتِرَاتِيجِيَّةِ ٱلْوُصُولِ إِلَى صِفْرِ ٱلِٱنْبِعَاثَاتِ حَتَّى سَنَةِ ٢٠٥٠م، تَسْتَخْدِمُ دُبَي ٱلذَّكَاءَ ٱلِصْطِنَاعِيَّ لِتَحْسِينِ عَمَلِ ٱلْمَحَطَّاتِ ٱلشَّمْسِيَّةِ وَٱلشَّبَكَاتِ ٱلذَّكِيَّةِ، مِمَّا يُؤَمِّنُ تَوْزِيعًا فَعَّالًا لِلطَّاقَةِ وَتَنَبُّؤًا أَدَقَّ بِٱلِٱسْتِهْلَاكِ.
  • خِدْمَاتُ ٱلْمَدِينَةِ ٱلذَّكِيَّةِ:
    يُقَدِّمُ تَطْبِيقُ Dubai Now لِلسُّكَّانِ نُفُوذًا إِلَى أَكْثَرَ مِنْ ١٣٠ خِدْمَةً حُكُومِيَّةً، مِنْهَا دَفْعُ ٱلْفَوَاتِيرِ وَتَجْدِيدُ ٱلتَّرَاخِيصِ وَمُتَابَعَةُ ٱلطَّلَبَاتِ، مَعَ ٱسْتِخْدَامِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لِتَحْسِينِ تَجْرِبَةِ ٱلْمُسْتَخْدِمِ.
    كَذٰلِكَ يُقَدِّمُ ٱلْمُسَاعِدُ ٱلرَّقْمِيُّ ٱلْمُعْتَمِدُ عَلَى ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ Rashid دَعْمًا عَلَى مَدَارِ ٱلسَّاعَةِ لِلسُّكَّانِ وَقِطَاعِ ٱلْأَعْمَالِ.
  • إِدَارَةُ ٱلنُّفَايَاتِ:
    تُطَبَّقُ أَنْظِمَةٌ ذَكِيَّةٌ لِإِدَارَةِ ٱلْمُخَلَّفَاتِ تَسْتَعْمِلُ ٱلذَّكَاءَ ٱلِصْطِنَاعِيَّ لِتَحْسِينِ مَسَارَاتِ جَمْعِ ٱلْقُمَامَةِ وَرَفْعِ كَفَاءَةِ ٱلتَّدْوِيرِ.

يُظْهِرُ مَشْرُوعُ «Smart Dubai» كَيْفَ يُمْكِنُ لِإِدْمَاجِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي مُخْتَلِفِ جَوَانِبِ ٱلْحَيَاةِ ٱلْحَضَرِيَّةِ أَنْ يَرْفَعَ مُسْتَوَى ٱلْكَفَاءَةِ وَٱلِاسْتِدَامَةِ وَٱلْأَمْنِ فِي ٱلْمَدِينَةِ.

وَمَعَ ذٰلِكَ فَإِنَّ مَسْأَلَةَ ٱلْخُصُوصِيَّةِ تَبْرُزُ بِقُوَّةٍ: فَٱلْمُرَاقَبَةُ ٱلْوَاسِعَةُ نِطَاقًا قَدْ تَمَسُّ حَقَّ ٱلْفَرْدِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلْخَاصَّةِ إِذَا لَمْ تُحَدَّدْ لَهَا لَوَائِحُ وَاضِحَةٌ لِلتَّخْزِينِ وَٱلِٱسْتِعْمَالِ (وَلِسِيَّمَا ٱلْبَيَانَاتُ ٱلْوَجْهِيَّةُ ٱلْبَيُومِتْرِيَّةُ). وَفِي ٱلْفِقْهِ ٱلْإِسْلَامِيِّ تَتَأَكَّدُ كَذٰلِكَ حِمَايَةُ ٱلْمَجَالِ ٱلْخَاصِّ وَحُرْمَتُهُ، مِمَّا يَقْتَضِي مُوَازَنَةً دَقِيقَةً بَيْنَ مَصَالِحِ ٱلْأَمْنِ ٱلْعَامِّ وَحُقُوقِ ٱلْأَفْرَادِ فِي ٱلْخُصُوصِيَّةِ.

١.٣.٥.٢. مَبَادِئُ «ٱلْمَدِينَةِ ٱلذَّكِيَّةِ ٱلْمَسْؤُولَةِ»

  • تَقْلِيلُ جَمْعِ ٱلْبَيَانَاتِ: وَفْقًا لِلْمُتَطَلَّبَاتِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ (مِثْلَ Guidelines for Trustworthy AI فِي ٱلِٱتِّحَادِ ٱلْأُورُوبِيِّ)، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ جَمْعُ وَتَخْزِينُ تَسْجِيلَاتِ ٱلصَّوْتِ وَٱلصُّورِ فِي حُدُودِ ٱلضَّرُورَةِ (data minimization).
  • ٱلتَّعَرُّفُ عَلَى ٱلْوُجُوهِ دُونَ تَمْيِيزٍ: يَلْزَمُ أَنْ تَتَجَنَّبَ أَنْظِمَةُ facial recognition أَيَّ تَمْيِيزٍ عِرْقِيٍّ أَوْ جِنْسِيٍّ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بَاحِثُونَ (مِثْلَ Joy Buolamwini وَ Timnit Gebru). وَفِي ٱلسِّيَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ يُمَثِّلُ هٰذَا مَبْدَأَ ٱلْمُسَاوَاةِ (لَا فَضْلَ لِعِرْقٍ عَلَى آخَرَ).
  • ٱلتَّنَاسُبُ (سَدُّ ٱلذَّرَائِعِ): تَفِيدُ ٱلْمَنْهَجِيَّةُ ٱلْفِقْهِيَّةُ «سَدُّ ٱلذَّرَائِعِ» بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَطْبِيقُ تِقْنِيَةٍ دُونَ مُبَرِّرٍ كَافٍ. وَعَلَى هٰذَا، فَٱلِٱسْتِعْمَالُ ٱلْمُطْلَقُ لِتَعَرُّفِ ٱلْوُجُوهِ قَدْ يُعْتَبَرُ مُفْرِطًا إِذَا لَمْ تُوجَدْ تَهْدِيدَاتٌ حَقِيقِيَّةٌ لِلْأَمْنِ.

١.٣.٥.٣. «ٱلْمَدِينَةُ ٱلذَّكِيَّةُ» NEOM (ٱلسُّعُودِيَّةُ ٱلْعَرَبِيَّةُ) وَتَحَدِّيَاتُهَا

فِي ٱلْمَمْلَكَةِ ٱلْعَرَبِيَّةِ ٱلسُّعُودِيَّةِ، يُشَيَّدُ حَالِيًّا ٱلْمَشْرُوعُ ٱلْمُسْتَقْبَلِيُّ «NEOM»[32]، وَبِحَسَبِ ٱلْعُرُوضِ فَإِنَّهُ سَيُطَبِّقُ بِشَكْلٍ وَاسِعٍ تِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ: مَرَاكِبُ ذَاتِيَّةُ ٱلْقِيَادَةِ، رُوبُوتَاتٌ مُسَاعِدَةٌ، وَمِنْهَا لِلسُّيَّاحِ وَٱلْحُجَّاجِ.

وَيُعْتَبَرُ «NEOM» مُبَادَرَةً ضَخْمَةً فِي إِطَارِ رُؤْيَةِ ٱلسُّعُودِيَّةِ ٢٠٣٠م (Vision 2030)، تَسْعَى إِلَى تَحْوِيلِ ٱلِٱقْتِصَادِ وَتَطْوِيرِ بُنْيَةٍ تَحْتِيَّةٍ عَالِيَةِ ٱلتِّقْنِيَةِ. وَيُطَبِّقُ ٱلْمَشْرُوعُ بِشَكْلٍ فَعَّالٍ تِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي مُخْتَلِفِ جَوَانِبِ ٱلْحَيَاةِ ٱلْمَدَنِيَّةِ، وَمِنْهَا ٱلنَّقْلُ، وَخِدْمَاتُ ٱلسِّيَاحَةِ وَٱلْحَجِّ.

تَطْبِيقَاتُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي مَشْرُوعِ نِيُوم (NEOM)

  • ٱلنَّقْلُ ٱلذَّاتِيُّ: تَسْعَى نِيُوم إِلَى إِنْشَاءِ نِظَامِ نَقْلٍ مُسْتَدَامٍ وَمُتَّصِلٍ بِشَكْلٍ سَلِسٍ، يَشْمَلُ حُلُولًا ذَاتِيَّةَ ٱلتَّشْغِيلِ لِلتَّنَقُّلِ بَرًّا وَجَوًّا وَبَحْرًا. وَيَهْدِفُ ٱلْمَشْرُوعُ إِلَى تَطْوِيرِ نِظَامِ نَقْلٍ عَامٍّ ذَكِيٍّ وَمُشْتَرَكٍ وَمُسْتَدَامٍ يَعْمَلُ كُلِّيًّا بِمَصَادِرِ ٱلطَّاقَةِ ٱلْمُتَجَدِّدَةِ.
  • رُوبُوتَاتٌ مُسَاعِدَةٌ: يُخَطَّطُ فِي إِطَارِ نِيُوم لِاسْتِخْدَامٍ وَاسِعٍ لِلرُّوبُوتَاتِ ٱلْمُسَاعِدَةِ فِي مَجَالَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، مِنْهَا خِدْمَاتُ ٱلْفَنَادِقِ وَتَلْبِيَةُ اِحْتِيَاجَاتِ ٱلسُّيَّاحِ. وَمِنَ ٱلْمُتَوَقَّعِ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَدَدُ هٰذِهِ ٱلرُّوبُوتَاتِ عَدَدَ سُكَّانِ ٱلْمَدِينَةِ، فِيمَا يُبْرِزُ طَابِعَهَا ٱلْعَالِيَ ٱلتِّقْنِيَّةِ.

ٱلْمُبَادَرَاتُ خَارِجَ نِيُوم (NEOM)

إِلَى جَانِبِ مَشْرُوعِ نِيُوم، تَقُومُ ٱلْمَمْلَكَةُ ٱلْعَرَبِيَّةُ ٱلسُّعُودِيَّةُ بِتَطْبِيقِ تِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لِتَحْسِينِ خِدْمَاتِ ٱلْحُجَّاجِ. فَفِي سَنَةِ ٢٠٢٤م، تَمَّ تَقْدِيمُ «رُوبُوتٍ نَاصِحٍ» مُخَصَّصٍ لِمُسَاعَدَةِ ٱلْحُجَّاجِ فِي أَدَاءِ مَنَاسِكِ ٱلْحَجِّ وَٱلْعُمْرَةِ. يُقَدِّمُ هٰذَا ٱلرُّوبُوتُ ٱلْمَعْلُومَاتِ بِـ ١٢ لُغَةً، بِمَا فِيهَا ٱلْعَرَبِيَّةُ وَٱلْإِنْجْلِيزِيَّةُ وَٱلْفَرَنْسِيَّةُ وَٱلرُّوسِيَّةُ وَٱلصِّينِيَّةُ، وَهُوَ مُزَوَّدٌ بِشَاشَةٍ لَمْسِيَّةٍ لِلتَّفَاعُلِ ٱلْمُبَاشِرِ.

وَبِذٰلِكَ، يُبَيِّنُ مَشْرُوعُ نِيُوم وَسَائِرُ ٱلْمُبَادَرَاتِ فِي ٱلسُّعُودِيَّةِ سَعْيَ ٱلدَّوْلَةِ إِلَى دَمْجِ تِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي جَوَانِبَ مُخْتَلِفَةٍ مِنَ ٱلْحَيَاةِ ٱلْمَدَنِيَّةِ وَٱلدِّينِيَّةِ، وَهُوَ مَا يَتَنَاسَبُ مَعَ أَهْدَافِ «رُؤْيَةِ ٱلسُّعُودِيَّةِ ٢٠٣٠م (Vision 2030)».

فَمِنْ جَانِبٍ، يُرَكَّزُ عَلَى بِنْيَةٍ تَحْتِيَّةٍ عَالِيَةِ ٱلتِّقْنِيَةِ، مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُحَسِّنَ ٱلِٱقْتِصَادَ وَٱلْخِدْمَاتِ. وَمِنْ جَانِبٍ آخَرَ، يُشِيرُ ٱلْمُنْتَقِدُونَ إِلَى مَخَاطِرِ ٱلْمُرَاقَبَةِ ٱلشَّامِلَةِ وَتَهْدِيدَاتِ ٱلْخُصُوصِيَّةِ. وَيُؤَكِّدُ مُمَثِّلُونَ عَنْ ٱلْمَجْلِسِ ٱلشَّرْعِيِّ فِي كِسَا (KSA) ضَرُورَةَ وَضْعِ لَوَائِحَ دَقِيقَةٍ لِلنُّفُوذِ إِلَى ٱلْبَيَانَاتِ ٱلْمَجْمُوعَةِ، حَتَّى لَا تُنْتَهَكَ ٱلْأَخْلَاقُ ٱلْإِسْلَامِيَّةُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِٱلْحَيَاةِ ٱلْخَاصَّةِ.

وَبِهٰذَا، يُظْهِرُ نَمُوذَجُ «ٱلْمُدُنِ ٱلذَّكِيَّةِ» أَنَّهُ عِنْدَ تَطْبِيقِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ عَلَى مُسْتَوًى وَاسِعٍ فِي ٱلْمُجْتَمَعِ ٱلْحَضَرِيِّ، فَإِنَّ مَبَادِئَ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمَسْؤُولِ تَفْتَرِضُ تَوَازُنًا دَقِيقًا بَيْنَ ٱلْأَمْنِ وَٱلْفَعَالِيَّةِ وَٱحْتِرَامِ ٱلْخُصُوصِيَّةِ. وَفِي ٱلْعَالَمِ ٱلْإِسْلَامِيِّ يَكْتَسِبُ هٰذَا بُعْدًا فِقْهِيًّا وَدِينِيًّا إِضَافِيًّا، لِأَنَّ جَمْعَ ٱلْبَيَانَاتِ ٱلشَّخْصِيَّةِ يُمْكِنُ أَنْ يُعْتَبَرَ إِخْلَالًا بِـ «ٱلْأَمَانَةِ (أَمَانَةٌ)» إِذَا لَمْ تَتَوَفَّرْ ٱلْمُوَافَقَةُ ٱلصَّرِيحَةُ وَضَمَانَاتُ ٱلتَّخْزِينِ ٱلْآمِنِ.

١.٣.٦. ٱلرُّوبُوتاتُ ٱلْمُحاوِرَةُ ٱلدِّينِيَّةُ وَٱلْأَنْظِمَةُ ٱلِٱسْتِشَارِيَّةُ

١.٣.٦.١. طَبِيعَةُ ٱلرُّوبُوتاتِ ٱلْمُحاوِرَةِ ٱلدِّينِيَّةِ

ٱلرُّوبُوتاتُ ٱلْمُحاوِرَةُ ٱلدِّينِيَّةُ (بِمَا فِيهَا ٱلْإِسْلَامِيَّةُ) تَسْتُعْمَلُ عَلَى نِطَاقٍ مُتَزَايِدٍ لِلْأَهْدَافِ ٱلتَّوْعَوِيَّةِ: فَهِيَ تُجِيبُ عَنْ أَسْئِلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِٱلْخُطْبَةِ ٱلْجُمُعِيَّةِ، وَٱلصَّوْمِ، وَٱلذِّكْرِ، وَٱلْغِذَاءِ ٱلْحَلَالِ، وَقَوَاعِدِ ٱلصَّلَاةِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدْ تَعْمَلُ هٰذِهِ ٱلْخِدْمَاتُ فِي بَرَامِجِ ٱلْمُرَاسَلَةِ (Telegram، WhatsApp) وَفِي ٱلْمَوَاقِعِ ٱلْإِلِكْتِرُونِيَّةِ. وَمِنَ ٱلْأَمْثِلَةِ عَلَيْهَا: «Ask the Mufti»، «Imanify»، «Mufti.ai»، «Digital Mufti»، «Chat Islam Bot» وَغَيْرُهَا.

ٱلْخَصَائِصُ وَٱلْوَظَائِفُ:

  • ٱلْإِتَاحَةُ: كَثِيرٌ مِنْ هٰذِهِ ٱلرُّوبُوتَاتِ ٱلْمُحاوِرَةِ مُتَاحٌ مِنْ خِلَالِ بَرَامِجِ ٱلْمُرَاسَلَةِ ٱلشَّائِعَةِ وَٱلْمَنَصَّاتِ ٱلْإِلِكْتِرُونِيَّةِ، مِمَّا يُوَفِّرُ وُصُولًا سَهْلًا لِلْمُسْتَخْدِمِينَ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ ٱلْعَالَمِ.
  • تَعَدُّدُ ٱللُّغَاتِ: بَعْضُ هٰذِهِ ٱلرُّوبُوتَاتِ يُوَفِّرُ دَعْمًا لِعِدَّةِ لُغَاتٍ، بِمَا فِي ذٰلِكَ ٱلْعَرَبِيَّةُ، وَٱلْإِنْجِلِيزِيَّةُ، وَٱلْفَرَنْسِيَّةُ، وَٱلرُّوسِيَّةُ، وَٱلصِّينِيَّةُ، مِمَّا يَجْعَلُهَا مُتَاحَةً لِجُمْهُورٍ أَوْسَعَ.
  • ٱلتَّفَاعُلِيَّةُ: يُمْكِنُ لِلْمُسْتَخْدِمِينَ طَرْحُ ٱلْأَسْئِلَةِ فِي ٱلْوَقْتِ ٱلْحَقِيقِيِّ وَتَلَقِّي ٱلْإِجَابَاتِ ٱلْمُعْتَمِدَةِ عَلَى مَصَادِرَ إِسْلَامِيَّةٍ مُوَثُوقَةٍ.
  • ٱلْمَوَارِدُ ٱلتَّعْلِيمِيَّةُ: بَعْضُ ٱلْمَنَصَّاتِ تُقَدِّمُ مَوَادَّ إِضَافِيَّةً، مِثْلَ ٱلْمَقَالاَتِ، وَٱلدُّرُوسِ ٱلْمَرْئِيَّةِ، وَٱلدَّلَائِلِ ٱلْإِرْشَادِيَّةِ فِي مُخْتَلِفِ جَوَانِبِ ٱلْمُمَارَسَةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ.

وَبِذَلِكَ يُصْبِحُ ٱسْتِعْمَالُ ٱلرُّوبُوتاتِ ٱلْمُحاوِرَةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ فِي ٱلْمَقَاصِدِ ٱلتَّوْعَوِيَّةِ أَكْثَرَ شُيُوعًا، إِذْ يُوَفِّرُ لِلْمُسْلِمِينَ وَلِمَنْ يَهْتَمُّ بِٱلْإِسْلَامِ طَرِيقَةً مُيَسَّرَةً لِلحُصُولِ عَلَى مَعْلُومَاتٍ مُوَثُوقَةٍ.

١.٣.٦.٢. تَحَدِّيَاتُ ٱلْمِصْدَاقِيَّةِ وَٱلرَّقَابَةِ

  • مُشْكِلَةُ جَوْدَةِ ٱلْمُحْتَوَى: إِنَّ ٱلْإِنْتَاجَ ٱلْآلِيَّ لِلْأَجْوِبَةِ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى أَخْطَاءٍ أَوْ حَتَّى إِلَى بَاطِلٍ عَقَدِيٍّ، إِذَا «خَلَطَ» نَمُوذَجُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلِٱسْتِشْهَادَاتِ بِٱلْأَحَادِيثِ أَوْ فَسَّرَهَا بِشَكْلٍ غَيْرِ صَحِيحٍ.
  • مَطْلَبُ ٱلْتَّحْقِيقِ ٱلْمُزْدَوَجِ: كَمَا جَاءَ فِي ٱلْمِيثَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِلْأَخْلَاقِيَّاتِ، يَجِبُ أَنْ يَخْضَعَ ٱلْمُحْتَوَى ٱلدِّينِيُّ لِـ «تَحَقُّقٍ مُزْدَوَجٍ» — آلِيٍّ وَخُبْرَائِيٍّ — لِضَمَانِ عَدَمِ ٱلْوُقُوعِ فِي ٱلضَّلَالِ.
  • ٱلْمَسْؤُولِيَّةُ: إِنَّ ٱلذَّكَاءَ ٱلِصْطِنَاعِيَّ، بِحُكْمِ ٱلشَّرْعِ، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَحَمَّلَ ٱلْمَسْؤُولِيَّةَ ٱلْأَخْلَاقِيَّةَ. وَعَلَى هٰذَا، فَإِنَّ ٱلْمُلَّاكَ وَٱلْمُطَوِّرِينَ لِلرُّوبُوتِ ٱلْمُحاوِرِ (شات-بوت) مُلْزَمُونَ بِتَحْدِيدِ حُدُودِ كَفَاءَةِ ٱلرُّوبُوتِ، وَتَأْمِينِ ٱلرِّقَابَةِ مِنْ طَرَفِ فَقِيهٍ.

١.٣.٧. ٱلتَّزْيِيفَاتُ ٱلْعَمِيقَةُ وَٱلْمُحْتَوَى ٱلْمُتَعَدِّدُ ٱلْوَسَائِطِ: مِثَالُ «Deepfake Detection Challenge»

١.٣.٧.١. ٱلْمَخَاطِرُ ٱلتِّقْنِيَّةُ لِلتَّزْيِيفَاتِ ٱلْعَمِيقَةِ

إِنَّ ٱلْقُدْرَةَ عَلَى إِنْتَاجِ مَقَاطِعَ فِيدْيُو «وَاقِعِيَّةٍ» مُزَيَّفَةٍ، يُظْهِرُ فِيهَا ٱلنَّاسُ وَهُمْ يَتَكَلَّمُونَ أَوْ يَقُومُونَ بِأَفْعَالٍ لَمْ يَحْدُثْ أَصْلًا (وَهِيَ مَا يُعْرَفُ بِٱلتَّزْيِيفَاتِ ٱلْعَمِيقَةِ)، تُثِيرُ مَخَاوِفَ أَخْلَاقِيَّةً وَٱجْتِمَاعِيَّةً جَسِيمَةً. وَإِنَّ تَطْبِيقَ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي مِثْلِ هٰذِهِ ٱلتَّلَاعُبَاتِ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى نَشْرِ شَهَادَاتٍ زَائِفَةٍ، وَتَشْوِيهِ سُمْعَةِ ٱلْأَشْخَاصِ، مِنْ بَيْنِهِمُ ٱلْمَرَاجِعُ ٱلدِّينِيَّةُ وَٱلسِّيَاسِيُّونَ.

وَمِنْ مَنْظُورِ ٱلْأَخْلَاقِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ (وَأَيِّ نِظَامٍ أَخْلَاقِيٍّ مُنَظَّمٍ آخَرَ)، فَإِنَّ ٱلْكَذِبَ وَٱلِٱفْتِرَاءَ وَٱلْخِدَاعَ غَيْرُ جَائِزَةٍ. وَإِنَّ ٱلْمُشَارَكَةَ فِي إِنْتَاجِ تَزْيِيفَاتٍ عَمِيقَةٍ قَادِرَةٍ عَلَى إِدْخَالِ ٱلنَّاسِ فِي فِتْنَةٍ، هُوَ عَمَلٌ يَدْخُلُ فِي سِيَاقِ ٱلْإِسَاءَةِ إِلَى ٱسْتِعْمَالِ ٱلتِّقْنِيَةِ.

١.٣.٧.٢. مُبَارَاةُ كَشْفِ ٱلتَّزْيِيفِ ٱلْعَمِيقِ (Deepfake Detection Challenge) [Facebook، Microsoft]

لِمُوَاجَهَةِ ٱلْإِسَاءَاتِ فِي ٱلتَّزْيِيفَاتِ ٱلْعَمِيقَةِ، تَمَّ فِي سَنَتَيْ ٢٠١٩–٢٠٢٠م إِطْلَاقُ مُبَادَرَةِ Deepfake Detection Challenge بِمُشَارَكَةِ «Facebook» (مَحْظُورَةٌ عَلَى أَرَاضِي رُوسْيَا)، وَ«Microsoft»، وَشُرَكَائِهِمَا. وَكَانَ ٱلْهَدَفُ وَضْعَ خَوَارِزْمِيَّاتٍ تَكْشِفُ بِفَاعِلِيَّةٍ مَقَاطِعَ ٱلْفِيدْيُو «ٱلْمُرَكَّبَةَ». وَقَدْ بَيَّنَتِ ٱلْنَتَائِجُ أَنَّ ٱلنَّمَاذِجَ ٱلْمُعَاصِرَةَ تَسْتَطِيعُ ٱلْوُصُولَ إِلَى دِقَّةٍ بَيْنَ ٦٥–٨٠٪؜، وَلَكِنَّهَا مَا زَالَتْ غَيْرَ كَامِلَةٍ.

  • مَبْدَأُ مَنْعِ ٱلضَّرَرِ: إِنَّ هٰذِهِ ٱلْأَبْحَاثَ مُوَجَّهَةٌ لِلتَّقْلِيلِ مِنَ ٱلتَّلَاعُبِ وَحِمَايَةِ ٱلْمُجْتَمَعِ مِنَ ٱلتَّأْثِيرَاتِ ٱلْمَعْلُومَاتِيَّةِ ٱلْعُدْوَانِيَّةِ.
  • ٱلْمَسْؤُولِيَّةُ: يُؤَكِّدُ مُنَظِّمُو ٱلْمُبَارَاةِ أَنَّ شَبَكَاتِ ٱلتَّوَاصُلِ ٱلِٱجْتِمَاعِيِّ وَشَرِكَاتِ تِقْنِيَةِ ٱلْمَعْلُومَاتِ مُلْزَمَةٌ بِتَطْبِيقِ وَسَائِلِ كَشْفِ ٱلتَّزْيِيفَاتِ ٱلْعَمِيقَةِ، لِكَيْ لَا يَتِمَّ نَشْرُ ٱلْمُحْتَوَى ٱلزَّائِفِ عَلَى نِطَاقٍ وَاسِعٍ.

١.٣.٧.٣. ٱلْمَنْظُورُ ٱلْإِسْلَامِيُّ

إِذَا نَظَرْنَا إِلَى ٱلتَّزْيِيفَاتِ ٱلْعَمِيقَةِ مِنْ مَنْظُورٍ إِسْلَامِيٍّ، فَإِنَّهُ يَتَأَكَّدُ مَا يَلِي:

  • عَدَمُ جَوَازِ تَشْوِيهِ صُوَرِ ٱلشَّخْصِيَّاتِ ٱلدِّينِيَّةِ: إِنَّ إِنْتَاجَ فِيدْيُو مُزَيَّفٍ يُسْنَدُ إِلَى ٱلْأَنْبِيَاءِ أَوْ إِلَى ٱلْعُلَمَاءِ ٱلْمُعْتَبَرِينَ يُعَدُّ خَرْقًا خَطِيرًا.
  • حُرْمَةُ ٱلْإِهَانَةِ أَوِ ٱلِٱفْتِرَاء: وَفْقًا لِلْقُرْآنِ ٱلْكَرِيمِ [٣٣] (سُورَةُ ٱلْحُجُرَاتِ ٤٩: ١١–١٢)، فَإِنَّ ٱلِٱفْتِرَاءَ وَٱلسُّخْرِيَّةَ مَمْنُوعَانِ، وَفِي سِيَاقِ ٱلتَّزْيِيفَاتِ ٱلْعَمِيقَةِ قَدْ يُؤَدِّيَانِ إِلَى عَوَاقِبَ وَخِيمَةٍ (تَشْوِيهُ سُمْعَةِ شَخْصٍ، فَضَائِحُ دِينِيَّةٌ، إِلَخْ).
  • تَطْبِيقُ آلِيَّاتٍ حَاجِزَةٍ: يُمْكِنُ لِلْمُطَوِّرِينَ فِي ٱلدُّوَلِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ ٱلِٱلْتِزَامُ بِتَطْبِيقِ نُظُمٍ لِتَرْشِيحِ وَتَعَرُّفِ ٱلتَّزْيِيفَاتِ ٱلْعَمِيقَةِ (كَمَا فِي مَبْدَإ «human-in-the-loop» فِي ٱلْمِيثَاقِ)، لِمَنْعِ ٱلْمُحْتَوَى ٱلْحَرَامِ.

وَبِذَلِكَ تُظْهِرُ ٱلْحَالَاتُ ٱلْمُتَعَلِّقَةُ بِٱلتَّزْيِيفَاتِ ٱلْعَمِيقَةِ مَخَاطِرَ مُبَاشِرَةً لِخَرْقِ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ وَٱلدِّينِيَّةِ، إِلَى جَانِبِ ٱلْجُهُودِ ٱلْجَمَاعِيَّةِ لِلْفَاعِلِينَ ٱلْعَالَمِيِّينَ فِي إِنْشَاءِ أَدَوَاتٍ لِلتَّصَدِّي لَهَا.

١.٣.٨. أَنْظِمَةُ ٱلتَّوْصِيَةِ فِي شَبَكَاتِ ٱلتَّوَاصُلِ ٱلِٱجْتِمَاعِيِّ وَمَسْأَلَةُ ٱلتَّلَاعُبِ

١.٣.٨.١. خَوَارِزْمِيَّاتُ ٱلتَّوْصِيَةِ (Recommendation systems)

إِنَّ شَبَكَاتِ ٱلتَّوَاصُلِ ٱلِٱجْتِمَاعِيِّ تَسْتَعْمِلُ عَلَى نِطَاقٍ وَاسِعٍ خَوَارِزْمِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لِتَوْصِيَةِ ٱلْمُحْتَوَى لِلْمُسْتَخْدِمِينَ بِحَسَبِ تَفَضِيلَاتِهِمْ. وَقَدْ يُؤَدِّي هٰذَا إِلَى تَشَكُّلِ «فُقَّاعَاتٍ مَعْلُومَاتِيَّةٍ» (filter bubbles)، وَتَعْزِيزِ ٱلْمَوَاقِفِ ٱلرَّادِيكَالِيَّةِ، وَٱلتَّلَاعُبِ بِعَوَاطِفِ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ (المُسَمَّى بِٱلْإِنْجِلِيزِيَّةِ «emotional contagion»).

  • ٱلْمُشْكِلَةُ ٱلْأَخْلَاقِيَّةُ: إِنَّ مَصْلَحَةَ ٱلشَّرِكَاتِ تَقْضِي بِإِطَالَةِ وَقْتِ بَقَاءِ ٱلْمُسْتَخْدِمِ عَلَى ٱلْمِنَصَّةِ، أَحْيَانًا عَلَى حِسَابِ مَوَادَّ مُسْتَفِزَّةٍ. وَهٰذَا يُخَالِفُ مَبْدَأَ «عَدَمِ ٱلْإِيذَاءِ» (non-maleficence) فِي ٱلْأَخْلَاقِ.
  • ٱلْبُعْدُ ٱلْإِسْلَامِيُّ: إِنَّ ٱلِٱفْرَاطَ فِي ٱلِٱنْشِغَالِ بِشَبَكَاتِ ٱلتَّوَاصُلِ ٱلِٱجْتِمَاعِيِّ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى ٱلْإِدْمَانِ، وَيُخَالِفُ مَبْدَأَ ٱلِٱعْتِدَالِ، كَمَا قَدْ يُفْضِي إِلَى مُشَاهَدَةِ مُحْتَوًى مُحَرَّمٍ (حَرَام) إِذَا لَمْ يُوجَدْ فِلْتَرٌ.

١.٣.٨.٢. مُحَاوَلَاتُ ٱلتَّنْظِيمِ ٱلذَّاتِيِّ

فِي سَنَتَيْ ٢٠٢١–٢٠٢٢م، قَامَتْ بَعْضُ شَبَكَاتِ ٱلتَّوَاصُلِ ٱلِٱجْتِمَاعِيِّ (مِثْلَ YouTube وَTikTok) بِإِدْخَالِ إِعْدَادَاتٍ إِضَافِيَّةٍ تُتِيحُ لِلْمُسْتَخْدِمِينَ قُدْرَةً جُزْئِيَّةً عَلَى ٱلْتَّحَكُّمِ فِي ٱلتَّوْصِيَاتِ: مِثْلَ تَحْدِيدِ «عَدَمِ ٱلتَّوْصِيَةِ» بِمَوَاضِيعَ مُعَيَّنَةٍ، وَكَذَا ٱلِٱطِّلَاعِ عَلَى عَلامَةِ «لِمَاذَا أُظْهِرَ لِي هٰذَا ٱلْمُحْتَوَى». وَهٰذَا خُطُوَةٌ نَحْوَ ٱلشَّفَافِيَّةِ، وَلَكِنَّهَا تَبْقَى مَحْدُودَةً جِدًّا.

١.٣.٨.٣. آفَاقُ ٱلتَّصْمِيمِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِأَنْظِمَةِ ٱلتَّوْصِيَةِ

فِي ٱلنَّظَرِيَّةِ يُمْكِنُ تَصَوُّرُ شَبَكَةِ تَوَاصُلٍ ٱجْتِمَاعِيٍّ «مُؤَسْلَمَةٍ» أَوْ مَنْصَّةٍ يَكُونُ ٱلْأَوْلَوِيَّةُ ٱلْعُلْيَا فِيهَا هِيَ عَدَمُ وُجُودِ مُحْتَوًى مُحَرَّمٍ (حَرَام) أَوْ خَوَارِزْمِيَّاتٍ غَيْرِ أَخْلَاقِيَّةٍ تَسْتَهْدِفُ «إِدْمَانَ» ٱلْمُسْتَخْدِمِ عَلَى سَرْدٍ لَا مُتَنَاهٍ. وَلِهٰذَا ٱلْغَرَضِ قَدْ يَلْزَمُ:

  • فِلْتَرُ ٱلْمَوَاضِيعِ: ٱلْحَظْرُ ٱلْآلِيُّ لِلْمُحْتَوَى ٱلَّذِي يُنَاقِضُ ٱلْأَخْلَاقَ ٱلْإِسْلَامِيَّةَ (مِثْلُ ٱلْإِبَاحِيَّةِ، وَٱلِٱفْتِرَاء، وَٱلْإِسْلَامُوفُوبِيَا، إِلَخْ).
  • مَبْدَأُ ٱلِٱنْخِرَاطِ ٱلْمُدْرَكِ: إِمْكَانِيَّةُ ضَبْطِ «مُؤَقِّتٍ» يُقَيِّدُ مُدَّةَ ٱلِٱسْتِعْمَالِ، لِكَيْ لَا يَتَعَمَّقَ ٱلْمُسْتَخْدِمُ بِشَكْلٍ مُفْرِطٍ فِي شَبَكَاتِ ٱلتَّوَاصُلِ (وَهُوَ مَا يُعْرَفُ بِـ «digital well-being»).
  • آلِيَّاتُ «سَدِّ ٱلذَّرَائِعِ»: مَنْعُ ٱلسِّينَارِيُوهَاتِ ٱلضَّارَّةِ ٱلْمُحْتَمَلَةِ (مِثْلَ ٱلدَّعْوَةِ إِلَى ٱلْعَدَاوَةِ عَلَى أَسَاسٍ دِينِيٍّ).

وَمَعَ أَنَّ ٱلْمَشَارِيعَ ٱلْعَالَمِيَّةَ مِنْ هٰذَا ٱلنَّوْعِ مَا زَالَتْ قَلِيلَةً، فَإِنَّ بَعْضَ ٱلتَّطْبِيقَاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ ٱلْخَاصَّةِ ــ مِثْلَ تِلْكَ ٱلْمُخَصَّصَةِ لِقِرَاءَةِ ٱلْقُرْآنِ وَٱلْأَحَادِيثِ ــ قَدْ بَدَأَتْ فِعْلًا فِي تَقْدِيمِ «مُحْتَوًى تَوْصِيَاتِيٍّ» ضِمْنَ ٱلْإِطَارِ ٱلدِّينِيِّ ٱلْمَسْمُوحِ بِهِ.

١.٣.٩. ٱسْتِنْتَاجَاتٌ وَدُرُوسٌ مِنَ ٱلْحَالَاتِ ٱلْعَمَلِيَّةِ

يُبَيِّنُ تَحْلِيلُ ٱلْمَشَارِيعِ وَٱلْمُبَادَرَاتِ ٱلْوَاقِعِيَّةِ أَنَّ مَبَادِئَ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمَسْؤُولِ (مِثْلُ ٱلشَّفَافِيَّةِ، وَحِمَايَةِ ٱلْبَيَانَاتِ، وَمَنْعِ ٱلتَّمْيِيزِ، وَٱلرِّقَابَةِ ٱلْبَشَرِيَّةِ) تَخْرُجُ تَدْرِيجِيًّا عَنْ حُدُودِ ٱلْإِعْلَانَاتِ ٱلنَّظَرِيَّةِ، وَتُصْبِحُ مِعْيَارًا لِلتَّنَافُسِيَّةِ وَلِٱلِٱعْتِرَافِ ٱلْمُجْتَمَعِيِّ بِٱلتِّقْنِيَاتِ. فَإِنَّ ٱلشَّرِكَاتِ، وَٱلْهَيْئَاتِ ٱلْحُكُومِيَّةِ، وَٱلْمَعَاهِدَ ٱلْبَحْثِيَّةَ أَصْبَحَتْ أَكْثَرَ فِي:

  • مُؤَسَّسَةِ ٱلْأَخْلَاقِ: إِنْشَاءِ «لِجَانٍ أَخْلَاقِيَّةٍ»، وَٱسْتِحْدَاثِ وَظِيفَةِ «مُسْؤُولٍ عَنِ ٱلْأَخْلَاقِ»، وَإِجْرَاءِ «تَدْقِيقٍ» دَاخِلِيٍّ لِلْخَوَارِزْمِيَّاتِ.
  • ٱلِٱرْتِكَازِ عَلَى ٱلْمَعَايِيرِ ٱلدُّوَلِيَّةِ: كَٱلتَّوْصِيَاتِ ٱلصَّادِرَةِ عَنْ ٱلْيُونِسْكُو (UNESCO)، وَمَبَادِئِ IEEE، وَمَشَارِيعِ ٱلْقَوَانِينِ (مِثْلَ قَانُونِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لِلِٱتِّحَادِ ٱلْأُورُوبِيِّ ـ EU AI Act)، تَجَنُّبًا لِلْمَخَاطِرِ ٱلتَّشْرِيعِيَّةِ وَٱلسُّمْعَاتِيَّةِ.
  • مُرَاعَاةِ ٱلْخُصُوصِيَّاتِ ٱلثَّقَافِيَّةِ وَٱلدِّينِيَّةِ: وَهٰذَا خَاصَّةً فِي ٱلْمُجْتَمَعَاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ، حَيْثُ يَفْرِضُ ٱلشَّرْعُ قُيُودًا إِضَافِيَّةً عَلَى ٱلْمُحْتَوَى وَيَتَطَلَّبُ تَقْوِيمًا فِقْهِيًّا لِلْوَظَائِفِ ٱلْمُتَعَلِّقَةِ بِٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ.

وَمَعَ ذٰلِكَ، وَبِالْمُقَارَنَةِ مَعَ ٱلْمُثُلِ ٱلنَّظَرِيَّةِ، فَإِنَّ ٱلْوَاقِعَ يَزَالُ يَشْهَدُ جُمْلَةً مِنَ ٱلصُّعُوبَاتِ:

  • قُيُودٌ تِقْنِيَّةٌ: (ضُعْفُ قَابِلِيَّةِ شَرْحِ ٱلشَّبَكَاتِ ٱلْعَصَبِيَّةِ ٱلْعَمِيقَةِ).
  • تَعَارُضُ ٱلْمَصَالِحِ: (ٱلتِّجَارَةُ مُقَابِلَ ٱلْأَخْلَاقِ).
  • ٱلْحَاجَةُ إِلَى ٱلْمُقَارَبَةِ ٱلْمُتَعَدِّدَةِ ٱلتَّخَصُّصَاتِ: حَيْثُ يَجِبُ أَنْ يَتَعَاوَنَ خُبَرَاءُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ مَعَ ٱلْقَانُونِيِّينَ وَٱلْفُقَهَاءِ تَعَاوُنًا وَثِيقًا.

وَفِي ٱلْعَالَمِ ٱلْإِسْلَامِيِّ تَتَعَاظَمُ هٰذِهِ ٱلتَّعْقِيدَاتُ بِسَبَبِ ٱلْحَاجَةِ ٱلْمُتَوَازِيَةِ إِلَى ٱلتَّقَيُّدِ بِٱلْمَبَادِئِ ٱلشَّرْعِيَّةِ وَتَوْفِيقِ ٱلْقَرَارَاتِ مَعَ ٱلْعُلَمَاءِ ٱلدِّينِيِّينَ.

وَعِنْدَ حُسْنِ ٱلتَّصْمِيمِ وَٱلرِّقَابَةِ، فَإِنَّ ٱلذَّكَاءَ ٱلِصْطِنَاعِيَّ يُمْكِنُ أَنْ يُسَاهِمَ فِي تَحْقِيقِ ٱلْأَهْدَافِ ٱلصَّالِحَةِ وَتَطْوِيرِ ٱلْمُجْتَمَعِ ٱلْإِسْلَامِيِّ، دُونَ ٱلْإِخْلَالِ بِٱلْمَعَايِيرِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ وَٱلدِّينِيَّةِ.

ٱلْخُلَاصَةُ عَلَى ٱلْفَصْلِ ١.٣

إِنَّ مُعَايِنَةَ تَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمَسْؤُولِ تُؤَكِّدُ أَنَّ ٱلْمَبَادِئَ ٱلْأَخْلَاقِيَّةَ (ٱلشَّفَافِيَّةُ، حِمَايَةُ ٱلْبَيَانَاتِ، عَدَمُ ٱلتَّمْيِيزِ، ٱلْمَسْؤُولِيَّةُ، وَٱلْمَرْكَزِيَّةُ ٱلْإِنْسَانِيَّةُ) قَابِلَةٌ لِلتَّطْبِيقِ وَمَطْلُوبَةٌ فِي مَجَالَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ — مِنَ ٱلطِّبِّ وَٱلْمَالِيَّاتِ إِلَى ٱلتَّعْلِيمِ وَٱلِٱسْتِشَارَةِ ٱلدِّينِيَّةِ. وَفِي ٱلسِّيَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ، فَإِنَّ ٱلْمُمَيِّزَ ٱلرَّئِيسِيَّ هُوَ مَطْلَبُ ٱلتَّقَيُّدِ بِٱلشَّرْعِ، وَٱلْفَحْصُ ٱلْفِقْهِيُّ لِلْمُحْتَوَى ٱلدِّينِيِّ، وَمَنْعُ ٱلْمَوَادِّ ٱلْمُحَرَّمَةِ (حَرَام)، مِمَّا يُضِيفُ مُسْتَوًى إِضَافِيًّا مِنَ ٱلتَّنْظِيمِ وَيَجْعَلُ مُشَارَكَةَ ٱلْخُبَرَاءِ ٱلدِّينِيِّينَ وَٱلْمَجَالِسِ ٱلشَّرْعِيَّةِ ضَرُورَةً فِي جَمِيعِ مَرَاحِلِ دَوْرَةِ حَيَاةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ.

ٱلِٱسْتِنْتَاجُ: إِنَّ ٱلْحَالَاتِ ٱلْوَاقِعِيَّةَ تُظْهِرُ أَنَّ مَبَادِئَ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمَسْؤُولِ لَيْسَتْ مِثَالِيَّةً طُوبَاوِيَّةً، وَلَكِنَّ تَطْبِيقَهَا ٱلْكَامِلَ يَعْتَمِدُ عَلَى كَفَاءَةِ ٱلْفَرَقِ ٱلتِّقْنِيَّةِ، وَٱلِٱسْتِعْدَادِ لِلِٱسْتِثْمَارِ فِي مُدَقِّقِينَ أَخْلَاقِيِّينَ، وَٱلْقَرَارِ ٱلْإِدَارِيِّ بِأَنْ يَضَعَ فِي ٱلِٱعْتِبَارِ لَا ٱلْمَصَالِحَ ٱلتِّجَارِيَّةَ فَحَسْبْ، بَلْ أَيْضًا ٱلْمُقَايِيسَ ٱلِٱجْتِمَاعِيَّةَ وَٱلْقِيمَ ٱلْأَخْلَاقِيَّةَ. وَفِي ٱلْإِطَارِ ٱلْإِسْلَامِيِّ، فَإِنَّ هٰذَا يَزْدَادُ تَعْقِيدًا بِسَبَبِ ٱلْحَاجَةِ إِلَى مُوَافَقَةِ ٱلشَّرْعِ وَإِشْرَاكِ ٱلْفُقَهَاءِ وَٱلْمُتَكَلِّمِينَ، وَهُوَ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُسَاهِمَ فِي ٱلْوُصُولِ إِلَى حُلُولٍ مُسْتَدَامَةٍ وَمُتَوَازِنَةٍ تَجْمَعُ بَيْنَ ٱلتِّقْنِيَةِ ٱلْمُعَاصِرَةِ وَٱلْقِيَمِ ٱلدِّينِيَّةِ ٱلْخَالِدَةِ.

ٱلْخُلَاصَةُ عَلَى ٱلْفَصْلِ ١

إِنَّ ٱلْفَصْلَ ٱلْأَوَّلَ مِنْ هٰذَا ٱلْبَحْثِ خُصِّصَ لِدِرَاسَةِ ٱلْمَنَاهِجِ ٱلرَّئِيسِيَّةِ فِي أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلسَّاحَةِ ٱلدُّوَلِيَّةِ، بِهَدَفِ ٱسْتِجْلَاءِ ٱلْمَبَادِئِ ٱلْمُشْتَرَكَةِ وَٱلْمُنَاسِبَةِ لِلتَّوَافُقِ مَعَ ٱلْأَخْلَاقِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ.

فِي ٱلْفِقْرَةِ ١.١، تَمَّتْ مُرَاجَعَةُ تَطَوُّرِ أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ: مِنَ ٱلْمَقَارِبِ ٱلْنَفْعِيَّةِ ٱلْمُرْتَبِطَةِ بِـ «مَصْلَحَةِ ٱلْبَشَرِيَّةِ» إِلَى مَفْهُومِ «ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمَوْثُوقِ» (trustworthy AI)، حَيْثُ تَحَوَّلَ ٱلِٱهْتِمَامُ إِلَى حُقُوقِ ٱلْإِنْسَانِ، وَٱلشَّفَافِيَّةِ، وَٱلْمَسْؤُولِيَّةِ. كَمَا أُولِيَ ٱلِٱهْتِمَامُ لِلْقَضَايَا ٱلْفَلْسَفِيَّةِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ: هَلْ يُمْكِنُ إِسْنَادُ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ ٱلْمَعْنَوِيَّةِ إِلَى ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ؟ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ، فَكَيْفَ نَضْمَنُ أَنْ تَتَّفِقَ قَرَارَاتُ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ مَعَ ٱلْمَقَايِيسِ ٱلْمَقْبُولَةِ؟

فِي ٱلْفِقْرَةِ ١.٢، جَاءَ ٱلِٱسْتِعْرَاضُ لِلْمَعَايِيرِ ٱلدُّوَلِيَّةِ وَٱلْأَدَوَاتِ ٱلتَّنْظِيمِيَّةِ ٱلْأَسَاسِيَّةِ فِي مَجَالِ أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، وَمِنْهَا: تَوْصِيَةُ ٱلْيُونِسْكُو (٢٠٢١م)، مُبَادَرَةُ IEEE Ethically Aligned Design، مَبَادِئُ ٱلْمُنَظَّمَةِ ٱلِٱقْتِصَادِيَّةِ لِلتَّعَاوُنِ وَٱلتَّنْمِيَةِ (OECD)، وَمَشْرُوعُ قَانُونِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لِلِٱتِّحَادِ ٱلْأُورُوبِيِّ (EU AI Act). وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ هٰذِهِ ٱلْمَرَاجِعَ عَلَى رَغْمِ صِبْغَتِهَا ٱلْعِلْمَانِيَّةِ، تَتَضَمَّنُ مَبَادِئَ قَرِيبَةً مِنَ ٱلْأَخْلَاقِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ: ٱلْمَرْكَزِيَّةُ ٱلْإِنْسَانِيَّةُ، ٱحْتِرَامُ كَرَامَةِ ٱلْإِنْسَانِ، مَنْعُ ٱلضَّرَرِ، تَأْمِينُ ٱلْعَدَالَةِ، حِمَايَةُ ٱلْخُصُوصِيَّةِ، وَمَسْؤُولِيَّةُ ٱلْمُطَوِّرِينَ. وَتُشَكِّلُ هٰذِهِ ٱلْمَبَادِئُ ٱلْكَوْنِيَّةُ أُسُسًا صَالِحَةً لِبِنَاءِ مَقَارِبَةٍ إِسْلَامِيَّةٍ، بِشَرْطِ ٱلِٱلْتِفَاتِ إِلَى ٱلْخُصُوصِيَّةِ ٱلشَّرْعِيَّةِ.

فِي ٱلْفِقْرَةِ ١.٣، جَاءَ ٱلِٱسْتِعْرَاضُ لِحَالَاتٍ عَمَلِيَّةٍ فِي تَطْبِيقِ مَبَادِئِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمَسْؤُولِ — مِنْ مَنَصَّاتٍ طِبِّيَّةٍ (مِثْلَ IBM Watson Health)، إِلَى ٱلْمَصَارِفِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ وَٱلتَّطْبِيقَاتِ ٱلتَّعْلِيمِيَّةِ ٱلْمُسْتَعْمِلَةِ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ. وَكَانَتِ ٱلْمَشَارِيعُ ٱلْأَكْثَرُ مَلَاءَمَةً لِلتَّحْلِيلِ ٱلْأَخْلَاقِيِّ ٱلْإِسْلَامِيِّ هِيَ ٱلَّتِي جَمَعَتْ بَيْنَ ٱلِٱبْتِكَارِ ٱلتِّقْنِيِّ وَمُرَاعَاةِ ٱلْقُيُودِ ٱلشَّرْعِيَّةِ — مِثْلَ تَرْشِيحِ ٱلْمُحْتَوَى ٱلْمُحَرَّمِ، وَمُرَاعَاةِ مَقَاصِدِ ٱلشَّرِيعَةِ، وَوُجُودِ رِقَابَةٍ بَشَرِيَّةٍ، وَٱلْمُرَاجَعَةِ ٱلشَّرْعِيَّةِ. وَتَبْرُزُ أَهَمِّيَّةُ هٰذِهِ ٱلْحَالَاتِ فِي إِظْهَارِ أَنَّ ٱلْمَعَايِيرَ ٱلْأَخْلَاقِيَّةَ، وَمِنْهَا ٱلْإِسْلَامِيَّةُ، قَابِلَةٌ لِلتَّطْبِيقِ فِي بِنْيَةِ أَنْظِمَةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ مِنْ خِلَالِ ٱلْبَوَابَاتِ وَٱلْفِلْتَرَاتِ وَبُرُوتُوكُولَاتِ ٱلْفَحْصِ وَٱلتَّحَقُّقِ.

وَبِذَلِكَ، فَإِنَّهُ فِي ٱلْفَصْلِ ٱلْأَوَّلِ لَمْ يَتِمَّ فَقَطْ تَأْكِيدُ ٱلْإِمْكَانِيَّةِ ٱلنَّظَرِيَّةِ وَٱلْعَمَلِيَّةِ لِدَمْجِ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ فِي تَطْوِيرِ وَٱسْتِعْمَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، بَلْ رُسِمَتْ أَيْضًا مَعَالِمُ تِلْكَ ٱلْتَّحَوُّلِيَّةِ ٱلْمَنْهَجِيَّةِ ٱلْمَطْلُوبَةِ لِتَكْيِيفِ ٱلْمَبَادِئِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ ٱلْعَالَمِيَّةِ مَعَ ٱلسِّيَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ. فَفِي ظِلِّ أَنَّ أَكْثَرَ مُدَوَّنَاتِ أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمَوْجُودَةِ تَقُومُ حَصْرًا عَلَى ٱلْأُسُسِ ٱلْعَلْمَانِيَّةِ ٱلْإِنْسَانِيَّةِ، يُصْبِحُ وَاضِحًا أَنَّهَا لَا تُحِيطُ بِكَامِلِ ٱلْمُتَطَلَّبَاتِ ٱلْمُسْتَمَدَّةِ مِنَ ٱلرُّؤْيَةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ.

وَفِي ٱلْمُجْتَمَعَاتِ ٱلْمُسْلِمَةِ، حَيْثُ إِنَّ قَوَاعِدَ ٱلسُّلُوكِ تُنَظَّمُ لَيْسَ فَقَطْ بِٱلْقَوَانِينِ ٱلْمَدَنِيَّةِ، بَلْ أَيْضًا بِٱلنِّظَامِ ٱلشَّرْعِيِّ، فَإِنَّهُ أَمْرٌ حَرِجٌ أَنْ تُسْتَكْمَلَ ٱلْمَبَادِئُ ٱلْكَوْنِيَّةُ بِفِئَاتٍ مِثْلَ: ٱلْحَلَالُ وَٱلْحَرَامُ، مَقَاصِدُ ٱلشَّرِيعَةِ، ٱلتَّقْوَى، ٱلْمَسْؤُولِيَّةُ أَمَامَ ٱللَّهِ تَعَالَى، وَصَفَاءُ ٱلنِّيَّةِ (ٱلْإِخْلَاصُ). وَإِنَّ إِدْخَالَ هٰذِهِ ٱلْفِئَاتِ وَحْدَهُ هُوَ ٱلَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يُمَنِّحَ ٱلذَّكَاءَ ٱلِصْطِنَاعِيَّ ٱلشَّرْعِيَّةَ ٱلْحَقِيقِيَّةَ فِي ٱلْبِيئَةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ.

وَعَلَى هٰذَا، فَإِنَّ ٱلْفَصْلَ ٱلْأَوَّلَ يُشَكِّلُ لَا فَقَطْ مُقَدِّمَةً مَنْطِقِيَّةً، بَلْ أَيْضًا أَسَاسًا مَعْيَارِيًّا وَمَضْمُونِيًّا لِلِٱنْتِقَالِ إِلَى ٱلْفَصْلِ ٱلثَّانِي، ٱلَّذِي سَيَتَضَمَّنُ ٱلِٱنْتِقَاءَ ٱلنِّظَامِيَّ، وَٱلتَّأْصِيلَ ٱلْكَلَامِيَّ، وَٱلتَّشْكِيلَ ٱلتَّشْرِيعِيَّ لِلْمَبَادِئِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ ٱلْمُسْتَمَدَّةِ مِنَ ٱلْعَقِيدَةِ ٱلْمَاتُرِيدِيَّةِ، وَٱلْفِقْهِ ٱلْحَنَفِيِّ، وَٱلْأَخْلَاقِ. وَهٰذِهِ ٱلْمَبَادِئُ، ٱلْمُخْتَارَةُ لَا عَلَى سَبِيلِ ٱلِٱعْتِبَاطِ بَلْ وَفْقَ صِلَتِهَا بِتِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، سَتَكُونُ أَسَاسًا لِبِنَاءِ «ٱلْمِيثَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ» ٱلشَّامِلِ وَٱلْمُؤَصَّلِ لَاهُوتِيًّا، ٱلْقَادِرِ لَيْسَ فَقَطْ عَلَى تَنْظِيمِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، بَلْ أَيْضًا عَلَى تَوْجِيهِ نُمُوِّهِ فِي سَبِيلِ قِيَمِ ٱلْأُمَّةِ.

ٱلْفَصْلُ ٢. ٱلِٱنْتِقَاءُ وَٱلتَّأْصِيلُ لِلنُّظُمِ ٱلشَّرْعِيَّةِ ٱلْمُنَظِّمَةِ لِاسْتِعْمَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ

٢.١. ٱلْمَبَادِئُ ٱلْمَاتُرِيدِيَّةُ فِي ٱلْعَقِيدَةِ ٱلْمُنْطَبِقَةُ عَلَى تَنْظِيمِ تِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ

إِنَّ وَضْعَ «ٱلْمِيثَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ» لِاسْتِعْمَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَقْتَضِي تَأَمُّلًا مَنْهَجِيًّا لَا مِنْ مَنْظُورِ ٱلْفِقْهِ وَأَخْلَاقِ ٱلسُّلُوكِ فَحَسْبْ، بَلْ أَوَّلًا وَفَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ مَنْظُورِ ٱلْعَقِيدَةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ. فَإِنَّ ٱلْفِقْهَ يُبَيِّنُ حُكْمَ ٱلْإِبَاحَةِ أَوِ ٱلْحَظْرِ لِلْأَفْعَالِ ٱلْمُحَدَّدَةِ، وَٱلْأَخْلَاقُ تَرْسُمُ قَوَاعِدَ ٱلسُّلُوكِ، أَمَّا ٱلْعَقِيدَةُ فَإِنَّهَا تُشَكِّلُ ٱلْأَسَاسَ ٱلْعَقْلِيَّ وَٱلرُّوحِيَّ ٱلَّذِي يُبْنَى عَلَيْهِ مَوْقِفُ ٱلْمُسْلِمِ مِنْ كُلِّ مَا فِي ٱلْوُجُودِ، بِمَا فِيهِ ٱلتِّقْنِيَاتُ.

وَيُعْتَبَرُ هٰذَا ٱلْقِسْمُ أَوَّلَ مُحَاوَلَةٍ لِٱسْتِخْلَاصِ وَتَجْمِيعِ ٱلْمَبَادِئِ ٱلْمَاتُرِيدِيَّةِ ٱلْأَسَاسِيَّةِ[٣٤] ٱلَّتِي قَدْ يَكُونُ لَهَا أَثَرٌ تَنْظِيمِيٌّ فِي مَجَالِ تِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ. فَٱلْمَقْصُودُ هُوَ وَضْعُ إِطَارٍ لَاهُوتِيٍّ لِلتَّوْجِيهِ: مَا هِيَ ٱلْمَفَاهِيمُ ٱلْمُتَعَلِّقَةُ بِٱلْإِنْسَانِ، وَٱلْمَعْرِفَةِ، وَٱلْمَسْؤُولِيَّةِ، وَٱلْقَضَاءِ وَٱلْقَدَرِ، وَمَشِيئَةِ ٱللَّهِ تَعَالَى، ٱلَّتِي يُمْكِنُ أَنْ تُوَجِّهَ تَطْوِيرَ وَتَطْبِيقَ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ضَوْءِ ٱلْعَقِيدَةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ.

وَيُدْرِكُ ٱلْمُؤَلِّفُ أَنَّ هٰذَا ٱلْمَنْهَجَ جَدِيدٌ وَأَوَّلِيٌّ فِي نَوْعِهِ. وَلٰكِنْ، فَبِمِثْلِ هٰذِهِ ٱلْجُهُودِ ٱلْبَدِيلَةِ ــ ٱلَّتِي تَبْدُو صَغِيرَةً فِي ٱلنَّظَرِ ٱلْأَوَّلِ ــ يَبْدَأُ تَشَكُّلُ ٱتِّجَاهٍ عِلْمِيٍّ جَدِيدٍ، وَهُوَ «ٱللَّاهُوتُ ٱلْإِسْلَامِيُّ لِلتِّقْنِيَاتِ». وَفِي ظِلِّ ٱلتَّطَوُّرِ ٱلسَّرِيعِ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، فَإِنَّ ٱلْأُمَّةَ ٱلْإِسْلَامِيَّةَ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَبْقَى مُتَفَرِّجَةً مُعْتَمِدَةً عَلَى ٱلْإِطَارَاتِ ٱلْعَلْمَانِيَّةِ ٱلْخَارِجِيَّةِ، بَلْ يَلْزَمُهَا تَبَنِّي مَقَارَبَةٍ عَمِيقَةٍ، مَبْنِيَّةٍ عَلَى تُرَاثِ ٱلْفِكْرِ ٱلْإِسْلَامِيِّ، وَفِي ٱلْمَقَامِ ٱلْأَوَّلِ عَلَى أُصُولِهِ، أَيْ: ٱلْعَقِيدَةُ.

١. ٱلتَّوْحِيدُ وَٱلتَّحْذِيرُ مِنَ ٱلتَّأْلِيهِ ٱلتِّقْنِيِّ (ٱلتَّوْحِيدُ)

إِنَّ مَبْدَأَ ٱلتَّوْحِيدِ – أَيْ ٱلْإِقْرَارَ بِوَحْدَانِيَّةِ ٱللَّهِ ٱلْمُطْلَقَةِ – هُوَ ٱلْأَسَاسُ ٱلَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ ٱلْمَنْظُورُ ٱلْإِسْلَامِيُّ. فَٱلْخَالِقُ وَاحِدٌ، وَلَهُ وَحْدَهُ صِفَاتُ ٱلْقُدْرَةِ ٱلْمُطْلَقَةِ، وَٱلْعِلْمِ ٱلْكُلِّيِّ، وَٱلسَّيَادَةِ ٱلتَّامَّةِ عَلَى ٱلْكَوْنِ. وَمِنْ هُنَا يَتَرَتَّبُ ٱلْحَظْرُ ٱلْقَاطِعُ لِكُلِّ أَشْكَالِ ٱلشِّرْكِ – فَإِنَّ ٱلْعِبَادَةَ أَوِ ٱلتَّأْلِيهَ لِغَيْرِ ٱللَّهِ يُعْتَبَرُ ضَلَالًا بَعِيدًا.

فِي سِيَاقِ تِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، يَعْمَلُ هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ كَتَحْذِيرٍ مِنْ خَطَرِ «ٱلتَّأْلِيهِ ٱلتِّقْنِيِّ» – أَيْ رَفْعِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ إِلَى مَرْتَبَةِ ٱلْعِبَادَةِ أَوِ ٱلتَّقْدِيسِ ٱلْأَعْمَى. وَتُعَلِّمُنَا ٱلْعَقِيدَةُ ٱلْمَاتُرِيدِيَّةُ أَنَّهُ مَعَ ٱلْإِقْرَارِ بِقُدْرَةِ ٱللَّهِ ٱلْعَظِيمَةِ، فَإِنَّ ٱلْإِنْسَانَ يَحْفَظُ حُرِّيَّةَ إِرَادَتِهِ وَيَلْزَمُهُ ٱلْعَمَلُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَظِرَ ٱلْمُعْجِزَةَ دُونَ جُهْدٍ. وَٱلْمُؤْمِنُ يَتَذَكَّرُ دَائِمًا أَنَّ ٱلْقُدْرَةَ ٱلْمُطْلَقَةَ هِيَ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَأَنَّ كُلَّ مَا سِوَاهُ – وَمِنْهُ ٱلتِّقْنِيَاتُ ٱلْمُتَقَدِّمَةُ – إِنَّمَا هُوَ أَدَوَاتٌ مَحْدُودَةٌ فِي نِظَامِهِ ٱلرَّبَّانِيِّ.

وَعَلَى هٰذَا، فَفِي مَرَاحِلِ ٱلتَّطْوِيرِ يَحْرُمُ ٱعْتِبَارُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ حَلًّا كُلِّيًّا لِجَمِيعِ ٱلْمُشْكِلَاتِ أَوْ مَنْحُهُ صَلَاحِيَّاتٍ لَا تَجُوزُ إِلَّا لِلْإِنْسَانِ (أَوْ لِلَّهِ) – كَحَقِّ ٱلْفَصْلِ ٱلْقَاطِعِ فِي قَضَايَا ٱلْحَيَاةِ وَٱلْمَوْتِ. وَيَجِبُ عَلَى ٱلْمُهَنْدِسِينَ ٱلِٱدْرَاكُ أَنَّ كُلَّ نَمُوذَجٍ مَحْدُودٌ وَمُقَيَّدٌ. وَفِي مَرَاحِلِ ٱلتَّطْبِيقِ يَلْزَمُ تَجَنُّبُ صُنْعِ «عِبَادَةِ ٱلتِّقْنِيَةِ» فِي ٱلْمُجْتَمَعِ: فَٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى أَنَّهُ عَرَّافٌ مَعْصُومٌ. وَيَكُونُ مَبْدَأُ ٱلشَّفَافِيَّةِ وَسِيلَةً عَمَلِيَّةً: فَيَجِبُ عَلَى ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ أَنْ يَدْرُوا أَنَّهُمْ يُخَاطِبُونَ آلَةً وَلَيْسَ كَائِنًا أَعْلَى، وَأَنْ يَعْرِفُوا حُدُودَ كَفَاءَتِهَا. أَمَّا فِي مَرْحَلَةِ ٱلِٱسْتِعْمَالِ، فَإِنَّ ٱلْمُسْلِمَ يَبْقَى مُعَلِّقًا تَوَكُّلَهُ عَلَى ٱللَّهِ وَحْدَهُ، وَلَا يَعْتَبِرُ ٱلذَّكَاءَ ٱلِصْطِنَاعِيَّ مَصْدَرًا لِلْحَقِيقَةِ ٱلْمُطْلَقَةِ – بَلْ إِنَّ قَرَارَاتِهِ لَا قِيمَةَ لَهَا إِلَّا فِي حَدِّ مَا تُفِيدُ وَتَتَّفِقُ مَعَ شَرِيعَةِ ٱللَّهِ.

وَفِي ٱلْمَعَايِيرِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ ٱلْعَلْمَانِيَّةِ لَا يُوجَدُ نَظِيرٌ مُبَاشِرٌ لِمَبْدَإِ ٱلتَّوْحِيدِ، غَيْرَ أَنَّ بَعْضَ ٱلْخُبَرَاءِ يُشِيرُونَ إِلَى خَطَرِ «أُسْطُورَةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلسِّحْرِيِّ»، وَيَدْعُونَ إِلَى ٱلِٱحْتِفَاظِ بِٱلْمَوْقِفِ ٱلنَّقْدِيِّ تُجَاهَ ٱلتِّقْنِيَاتِ، دُونَ جَعْلِهَا أَصْنَامًا. كَمَا أَنَّ مَبْدَأَ «كرامة الإنسان – human dignity» فِي ٱلنُّصُوصِ ٱلدُّوَلِيَّةِ يَفْتَرِضُ أَلَّا يَخْضَعَ ٱلْإِنْسَانُ لِلْمَكِينَةِ كَسُلْطَةٍ عُلْيَا، وَهُوَ مَا يَتَجَاوَبُ مَعَ ٱلْمَفْهُومِ ٱلْإِسْلَامِيِّ فِي مَنْعِ ٱلْعِبَادَةِ لِغَيْرِ ٱللَّهِ.

٢. ٱلْقَدَرُ دُونَ جَبْرِيَّةٍ (ٱلْقَدَرُ)

فِي ٱلْعَقِيدَةِ ٱلْمَاتُرِيدِيَّةِ، يُفْهَمُ ٱلْقَدَرُ عَلَى أَنَّهُ ٱلْعِلْمُ ٱلشَّامِلُ وَٱلْمَشِيئَةُ ٱلْإِلٰهِيَّةُ فِي كُلِّ مَا هُوَ كَائِنٌ، وَلٰكِنْ هٰذَا لَا يَعْنِي ٱلْجَبْرِيَّةَ وَلَا سَلْبَ ٱلْإِخْتِيَارِ عَنِ ٱلْإِنْسَانِ. فَٱللَّهُ، بِعِلْمِهِ ٱلْأَزَلِيِّ، يَعْلَمُ أَفْعَالَ ٱلنَّاسِ، وَلٰكِنَّهُ يُوجِدُهَا بَعْدَ أَنْ يَخْتَارَ ٱلْإِنْسَانُ بِوَعْيٍ. وَيُشَدِّدُ ٱلْمَاتُرِيدِيَّةُ عَلَى أَنَّ ٱلْقَدَرَ ٱلْإِلٰهِيَّ لَا يَنْفِي حُرِّيَّةَ ٱلْإِنْسَانِ: فَٱلْإِنْسَانُ مَمْنُوحٌ «حُرِّيَّةً مَحْدُودَةً» تَكْفِي لِأَدَاءِ ٱلْوَاجِبَاتِ، وَلِذٰلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَخَلَّى عَنِ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ بِٱلِٱحْتِجَاجِ بِٱلْقَدَرِ أَوْ بِعَمَلِ ٱلتِّقْنِيَةِ وَحْدَهَا.

فِي سِيَاقِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، يُؤَكِّدُ هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ عَلَى وُجُوبِ أَلَّا يَعْتَبِرَ ٱلْمُطَوِّرُونَ نَتَائِجَ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ أَمْرًا مَقْضِيًّا لَا مَفَرَّ مِنْهُ: فَفِي مَرَاحِلِ ٱلتَّصْمِيمِ وَٱلتَّدْرِيبِ يَلْزَمُ إِدْرَاجُ آلِيَّاتٍ لِلتَّصْحِيحِ وَلِلرَّقَابَةِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ عَلَى قَرَارَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، وَلَا يَجُوزُ ٱعْتِبَارُهُ «صُنْدُوقًا أَسْوَدَ» جَبْرِيًّا. وَفِي مَرَاحِلِ ٱلتَّطْبِيقِ يَجِبُ تَجَنُّبُ ٱلْحَتْمِيَّةِ ٱلتِّقْنِيَّةِ – أَيْ ٱلِٱعْتِقَادُ بِأَنَّ ٱلنَّمُوذَجَ مَا دَامَ قَدْ أُنْشِئَ فَهُوَ يَعْمَلُ بِشَكْلٍ لَا مَفَرَّ مِنْهُ وَلَا يَقْبَلُ ٱلتَّوْجِيهَ ٱلْأَخْلَاقِيَّ. وَفِي مَرْحَلَةِ ٱلِٱسْتِعْمَالِ يَجِبُ عَلَى ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ ٱلِٱدْرَاكُ بِأَنَّ نَتَائِجَ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لَيْسَتْ «قَدَرًا» مَعْصُومًا، وَأَنَّهَا قَابِلَةٌ – وَمَطْلُوبَةٌ – لِلتَّصْحِيحِ وَٱلْمُرَاجَعَةِ ٱلْبَشَرِيَّةِ.

وَفِي ٱلْمُدَوَّنَاتِ ٱلْعَلْمَانِيَّةِ لِأَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، يَظْهَرُ مَطْلَبٌ قَرِيبٌ، وَهُوَ ٱلْحِفَاظُ عَلَى سُلْطَةِ ٱلْإِنْسَانِ وَمَسْؤُولِيَّتِهِ ٱلْأَخِيرَةِ عَنِ ٱلْقَرَارَاتِ، كَمَا فِي تَوْصِيَاتِ ٱلْيُونِسْكُو ٱلَّتِي تُشَدِّدُ عَلَى أَنَّ أَنْظِمَةَ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لَا يَجِبُ أَنْ تُلْغِيَ ٱلْمَسْؤُولِيَّةَ ٱلْبَشَرِيَّةَ ٱلْعُلْيَا.

٣. حُرِّيَّةُ ٱلْإِرَادَةِ وَٱلْمَسْؤُولِيَّةُ ٱلشَّخْصِيَّةُ (ٱلْإِرَادَةُ وَٱلْمَسْؤُولِيَّةُ)

يُعَلِّمُ ٱللَّاهُوتُ ٱلْمَاتُرِيدِيُّ أَنَّ ٱلْإِنْسَانَ مَمْلُوكٌ لِحُرِّيَّةِ إِرَادَةٍ (إِرَادَةٌ)، وَأَنَّهُ هُوَ ٱلَّذِي يَتَحَمَّلُ ٱلْمَسْؤُولِيَّةَ (مَسْؤُولِيَّةٌ) عَنْ خِيَارِهِ ٱلْأَخْلَاقِيِّ. فَقَدْ خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلْإِنْسَانَ قَادِرًا عَلَى تَمْيِيزِ ٱلْخَيْرِ وَٱلشَّرِّ، وَأَعْطَاهُ عَقْلًا (عَقْلٌ) لِٱلِٱخْتِيَارِ ٱلْمُسْتَقِلِّ. وَمَعَ أَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِ ٱلْبَشَرِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ، فَإِنَّ ذٰلِكَ يَقَعُ وَفْقًا لِٱخْتِيَارِ ٱلْإِنْسَانِ نَفْسِهِ لَا عَلَى خِلَافِهِ. وَهٰكَذَا يَرْفُضُ ٱلْإِسْلَامُ فِكْرَةَ إِلْقَاءِ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ عَلَى غَيْرِ ٱلْفَاعِلِ. وَيُبَيِّنُ ٱلْمَاتُرِيدِيَّةُ أَنَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ أَفْعَالَ ٱلْإِنْسَانِ بِقَدْرِ مَا مَنَحَهُ قُدْرَةً عَلَى ٱلْعَمَلِ، ثُمَّ يُجَازِيهِ عَلَى كَيْفِيَّةِ تَحْقِيقِ هٰذِهِ ٱلْقُدْرَةِ. وَمِنْ ثَمَّ فَإِنَّ كُلَّ فَاعِلٍ (وَمِنْهُ مُنْشِئُ أَوْ مُشَغِّلُ ٱلتِّقْنِيَةِ) مُسَاءَلٌ أَخْلَاقِيًّا عَنْ قَرَارَاتِهِ.

وَتَطْبِيقًا عَلَى ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَقْتَضِي هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ أَنْ يَكُونَ لِمُنْشِئِي ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ فِي مَرْحَلَةِ ٱلتَّطْوِيرِ خِيَارٌ أَخْلَاقِيٌّ مُدْرَكٌ: فَهُمْ أَحْرَارٌ فِي إِدْمَاجِ وَظَائِفَ خَيِّرَةٍ أَوْ غَيْرِ مَرْغُوبَةٍ فِي ٱلنِّظَامِ، وَيَتَحَمَّلُونَ مَسْؤُولِيَّةً شَخْصِيَّةً عَنْ هٰذَا ٱلِٱخْتِيَارِ. وَفِي مَرْحَلَةِ ٱلْإِطْلَاقِ لِلِٱسْتِعْمَالِ لَا يَجُوزُ تَرْكُ ٱلنِّظَامِ يَعْمَلُ بِصُورَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ تَّامَّةٍ: بَلْ لَابُدَّ مِنْ رُقَابَةٍ بَشَرِيَّةٍ (Human Oversight) وَإِمْكَانِ ٱلتَّدَخُّلِ لِيَبْقَى ٱلْإِنْسَانُ «فِي ٱلدَّوْرَةِ» (human-in-the-loop) [٣٨] مُتَحَمِّلًا تَبِعَاتِ عَمَلِ ٱلْخَوَارِزْمِيَّةِ (oversight[٣٧]). وَأَثْنَاءَ ٱلِٱسْتِخْدَامِ ٱلْمُيَسَّرِ لِلْمُسْتَخْدِمِ ٱلْأَخِيرِ، تَبْقَى ٱلْقَرَارَاتُ ٱلْمَبْنِيَّةُ عَلَى تَوْصِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ضِمْنَ مَجَالِ مَسْؤُولِيَّتِهِ – فَلَا يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَحْتَجَّ بِقَوْلِهِ: «هٰكَذَا قَرَّرَ ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ».

وَإِنَّ ٱلْغَالِبَ ٱلْأَعَمَّ مِنْ ٱلْمَبَادِئِ ٱلْعَلْمَانِيَّةِ فِي أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَتَضَمَّنُ مِثْلَ هٰذَا ٱلْمَعْنَى، وَهُوَ لُزُومُ ٱلِٱبْقَاءِ عَلَى ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ وَٱلْمُسَاءَلَةِ ٱلْبَشَرِيَّتَيْنِ عِنْدَ ٱسْتِعْمَالِ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ. فَمَفَاهِيمُ «إِدْخَالُ ٱلْإِنْسَانِ فِي ٱلدَّوْرَةِ» (human-in-the-loop[٣٩])، وَمَبَادِئُ «ٱلْمَسْؤُولِيَّةُ» (Accountability[٤٠])، وَ«ٱلرِّقَابَةُ ٱلْبَشَرِيَّةُ» (Human Oversight[٤١]) ٱلْمُقَرَّرَةُ فِي ٱلدَّلَائِلِ ٱلدُّوَلِيَّةِ تُجَسِّدُ هٰذِهِ ٱلْفِكْرَةَ نَفْسَهَا، أَيْ عَدَمَ إِمْكَانِ نَفْيِ إِرَادَةِ ٱلْإِنْسَانِ وَسُلْطَتِهِ عَلَى ٱلْقَرَارِ.

٤. دَوْرُ ٱلْعَقْلِ مَعَ ٱلنَّقْلِ (ٱلْعَقْلُ وَٱلنَّقْلُ)

إِنَّ مِنْ أَخَصِّ مَبَادِئِ ٱلْعَقِيدَةِ ٱلْمَاتُرِيدِيَّةِ ٱلتَّوَافُقُ ٱلْمُنَسَّقُ بَيْنَ ٱلْعَقْلِ (ٱلْعَقْلُ) وَٱلنَّقْلِ (ٱلنَّقْلُ) كَمَصَادِرَ لِلْحَقِيقَةِ. فَٱلْمَاتُرِيدِيَّةُ تُعَلِّمُ أَنَّ ٱلْحَقَائِقَ ٱلْإِيمَانِيَّةَ ٱلْأَصِيلَةَ يُمْكِنُ أَنْ يُدْرِكَهَا ٱلْعَقْلُ، وَلٰكِنْ فِي حُدُودٍ لَا تُنَاقِضُ ٱلنَّقْلَ. وَقَدْ أَكَّدَ ٱلْإِمَامُ ٱلْمَاتُرِيدِيُّ أَنَّ ٱلْمَعْرِفَةَ ٱلصَّحِيحَةَ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُعَارِضَ نَصًّا مُتَوَاتِرًا مِنَ ٱلْقُرْآنِ وَٱلسُّنَّةِ، فَإِذَا بَدَا ٱلتَّعَارُضُ فَٱلْخَطَأُ فِي ٱلِٱسْتِدْلَالِ ٱلْبَشَرِيِّ وَيَلْزَمُ مُرَاجَعَتُهُ. فَٱلْعَقْلُ عَطِيَّةٌ إِلٰهِيَّةٌ لِتَدَبُّرِ آيَاتِ ٱللَّهِ، وَفِي ٱللَّاهُوتِ ٱلْمَاتُرِيدِيِّ تُقَرَّرُ فَرْضِيَّةُ ٱسْتِعْمَالِ ٱلْعَقْلِ لِتَقْوِيَةِ ٱلْإِيمَانِ.

وَفِي مَا يَتَعَلَّقُ بِتِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، فَإِنَّ هٰذَا ٱلْمَبْدَأَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ ٱلِٱعْتِمَادُ فِي مَرَاحِلِ ٱلتَّصْمِيمِ عَلَى ٱلْمَنَاهِجِ ٱلْعِلْمِيَّةِ ٱلْعَقْلَانِيَّةِ (ٱلرِّيَاضِيَّاتُ، ٱلْبَيَانَاتُ ٱلتَّجْرِيبِيَّةُ) مَعَ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلْمُسْتَمَدَّةِ مِنَ ٱلشَّرِيعَةِ، حَتَّى لَا تُخَالِفَ ٱلتِّقْنِيَةُ ٱلْأُصُولَ ٱلشَّرْعِيَّةَ وَٱلْقِيَمَ ٱلْأَخْلَاقِيَّةَ. وَفِي مَرَاحِلِ ٱلتَّطْبِيقِ، يَلْزَمُ ٱلِٱسْتِعَانَةُ بِخُبَرَاءِ فَنِّيِّينَ وَعُلَمَاءِ شَرْعٍ مَعًا، لِكَيْ تَكُونَ ٱلِٱبْتِكَارَاتُ «فِي حُدُودِ ٱلْمُبَاحِ» وَمُطَابِقَةً لِمُتَطَلَّبَاتِ ٱلسَّلَامَةِ ٱلْعَقْلِيَّةِ وَٱلْقِيَمِ ٱلرُّوحِيَّةِ. وَفِي مَرَاحِلِ ٱلِٱسْتِعْمَالِ مِنْ قِبَلِ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ، يَجِبُ تَشْجِيعُ ٱلْمَوْقِفِ ٱلنَّقْدِيِّ ٱلْمُدْرَكِ: فَلَا يُتَّخَذُ قَرَارُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ مَرْجِعًا مُطْلَقًا، بَلْ يُقَيَّمُ بِعَقْلٍ وَيُقَارَنُ بِٱلْمَرَاجِعِ ٱلدِّينِيَّةِ وَٱلْقِيَمِيَّةِ.

وَفِي ٱلْمُدَوَّنَاتِ ٱلْعَلْمَانِيَّةِ لِأَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لَا يُوجَدُ نَظِيرٌ صَرِيحٌ لِهٰذَا ٱلْمَبْدَإِ، إِذْ تَقُومُ ٱلْمَقَارِبُ ٱلْعَلْمَانِيَّةُ حَصْرًا عَلَى ٱلْعَقْلِ وَٱلْعِلْمِ.

٥. طَبِيعَةُ ٱلْمَعْرِفَةِ وَٱلْمَعَايِيرُ ٱلْإِبِسْتِيمِيَّةُ (ٱلْمَعْرِفَةُ وَٱلْخَبَرُ)

وَضَعَ ٱلْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ ٱلْمَاتُرِيدِيُّ نَظَرِيَّةً مُتَكَامِلَةً فِي مَصَادِرِ ٱلْمَعْرِفَةِ ٱلصَّحِيحَةِ (ٱلْمَعْرِفَةُ). وَبِحَسَبِ ٱلْإِبِسْتِيمُولُوجِيَا ٱلْمَاتُرِيدِيَّةِ، فَإِنَّ ٱلْعِلْمَ يَقُومُ عَلَى ثَلَاثَةِ مَصَادِرَ: (١) ٱلتَّجْرِبَةُ ٱلْحِسِّيَّةُ وَٱلْإِدْرَاكُ (ٱلْبَصَرُ، وَٱلسَّمْعُ) ٱلْمُعَزَّزَانِ بِٱلْفِطْرَةِ؛ (٢) ٱلْفَهْمُ ٱلْعَقْلِيُّ عَبْرَ ٱلنَّظَرِ وَٱلِٱسْتِدْلَالِ؛ (٣) ٱلْخَبَرُ ٱلصَّادِقُ وَٱلتَّعْلِيمُ ٱلْمَوْثُوقُ عَنْ ٱلْأَنْبِيَاءِ وَٱلْقُرُونِ ٱلسَّابِقَةِ. وَبِذَلِكَ، فَإِلَى جَانِبِ ٱلنَّصِّ ٱلشَّرْعِيِّ، لَهَا قِيمَةٌ بَيَانَاتُ ٱلْحَوَاسِّ وَٱلِٱسْتِدْلَالَاتُ ٱلْمَنْطِقِيَّةُ مَا لَمْ تُخَالِفِ ٱلْمَصْدَرَيْنِ ٱلْأَوَّلَيْنِ. وَيَمْتَازُ ٱلْمَاتُرِيدِيَّةُ بِإِقْرَارِ ٱلْحَقِّ ٱلْعَينِيِّ ٱلْمَوْجُودِ، وَبِوُجُوبِ ٱلطَّلَبِ نَحْوَهُ وَتَمْيِيزِ ٱلْعِلْمِ ٱلثَّابِتِ عَنِ ٱلظُّنُونِ.

وَفِي مَجَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَظْهَرُ هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ فِي ٱلتَّرْكِيزِ عَلَى جَوْدَةِ ٱلْبَيَانَاتِ وَمِصْدَاقِيَّتِهَا. فِي مَرْحَلَةِ ٱلْإِعْدَادِ وَٱلتَّدْرِيبِ يَنْبَغِي ٱلِٱعْتِمَادُ عَلَى مَصَادِرِ مَعْلُومَاتٍ مُوَثَّقَةٍ: فَإِنَّ خَوَارِزْمِيَّاتِ ٱلتَّعَلُّمِ ٱلْآلِيِّ يَجِبُ أَنْ تُدَرَّبَ عَلَى مَجْمُوعَاتِ بَيَانَاتٍ تَدْرِيبِيَّةٍ مُحَقَّقَةٍ وَمُوَثَّقَةٍ، عَلَى وَجْهِ يُشْبِهُ عِنَايَةَ ٱلْعُلَمَاءِ بِتَثْبِيتِ ٱلْخَبَرِ فِي أَسَانِيدِ ٱلْأَحَادِيثِ. وَعِنْدَ ٱلتَّطْبِيقِ ٱلْعَمَلِيِّ لِلْأَنْظِمَةِ يَجِبُ تَوْفِيرُ ٱلشَّفَافِيَّةِ فِي قَرَارَاتِهَا وَقَابِلِيَّةِ ٱلشَّرْحِ لِمُخْرَجَاتِهَا – وَهٰذَا يُمَاثِلُ مُطَالَبَةَ ٱلْإِبِسْتِيمُولُوجِيَا بِٱلتَّسْوِيغِ ٱلْمَعْرِفِيِّ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُومَ حُكْمُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ عَلَى بَيَانَاتٍ قَابِلَةٍ لِلتَّتَبُّعِ وَمَنْطِقٍ مَفْهُومٍ لِلْبَشَرِ. وَفِي مَرْحَلَةِ ٱلِٱسْتِعْمَالِ، يَلْزَمُ تَنْبِيهُ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ إِلَى حُدُودِ مِصْدَاقِيَّةِ مَا تُنْتِجُهُ ٱلْأَنْظِمَةُ: فَلَا تَمْلِكُ ٱلْحَقِيقَةَ ٱلْمُطْلَقَةَ، وَتَحْتَاجُ إِلَى تَقْيِيمٍ نَقْدِيٍّ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ» (الحُجُرَاتُ ٦).

وَتَتَضَمَّنُ كَثِيرٌ مِنَ ٱلدَّلَائِلِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ ٱلْعِلْمَانِيَّةِ مَبَادِئَ مُتَقَارِبَةً فِي مَوْضُوعِ ٱلِٱعْتِمَادِيَّةِ وَتَحْقِيقِ ٱلْبَيَانَاتِ لِأَنْظِمَةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ: مِنْ تَأْكِيدِ جَوْدَةِ ٱلْمَعْلُومَاتِ، وَتَثْبِيتِ مَخَارِجِ ٱلنَّمُوذَجِ، وَمُكَافَحَةِ ٱلْأَخْطَاءِ ٱلْخَوَارِزْمِيَّةِ – وَهِيَ مَعَانٍ تُوَافِقُ ٱلْمَطْلَبَ ٱلْإِسْلَامِيَّ فِي تَثَبُّتِ ٱلْأَخْبَارِ وَٱلِٱعْتِمَادِ عَلَى ٱلْعِلْمِ ٱلْمُوثُوقِ قَبْلَ ٱلْعَمَلِ.

٦. عَدْلُ ٱللَّهِ وَمَبْدَأُ ٱلْوُسْعِ (ٱلْعَدْلُ وَٱلْوُسْعُ)

فِي ٱلتَّعْلِيمِ ٱلْمَاتُرِيدِيِّ، يُتَّصَفُ ٱللَّهُ تَعَالَى بِٱلْعَدَالَةِ ٱلْمُطْلَقَةِ (ٱلْعَدْلُ) وَٱلْحِكْمَةِ، وَيَتَجَلَّى ذٰلِكَ ــ فِيمَا يَتَجَلَّى ــ فِي أَنَّهُ لَا يُلْزِمُ ٱلْإِنْسَانَ بِوَاجِبَاتٍ تَفُوقُ قُدْرَتَهُ. وَمَبْدَأُ «ٱلْوُسْعِ» (مَعْنَاهُ ٱلْمِقْدَارُ وَٱلِٱحْتِمَالُ) مُؤَسَّسٌ عَلَى ٱلْآيَةِ ٱلْقُرْآنِيَّةِ: «لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا» (٢:٢٨٦)[٤٣]، وَمَعْنَاهُ أَنَّ مَطَالِبَ ٱلدِّينِ مُتَنَاسِبَةٌ مَعَ قُدْرَةِ ٱلْإِنْسَانِ عَلَى ٱلْأَدَاءِ. وَقَدْ جَادَلَ ٱلْإِمَامُ ٱلْمَاتُرِيدِيُّ ٱلْجَبْرِيَّةَ، فَقَرَّرَ أَنَّهُ يُنَافِي ٱلْحِكْمَةَ وَٱلْعَدْلَ ٱلْإِلٰهِيَّيْنِ أَنْ يُطَالَبَ ٱلْإِنْسَانُ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ طَبْعًا. فَلَا يَأْمُرُ ٱللَّهُ ٱلْأَعْمَى أَنْ يُبْصِرَ، وَلَا مَنْ لَا يَدَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ ٱلصَّدَقَةَ بِيَدِهِ. وَيَتَّفِقُ ٱلْمَاتُرِيدِيَّةُ مَعَ ٱلْمُعْتَزِلَةِ فِي أَنَّ «تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ» مُتَنَافٍ مَعَ عَدْلِ ٱللَّهِ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَرَوْنَ أَنَّ ٱللَّهَ مُلْتَزِمٌ بِأَنْ يَفْعَلَ لِلْإِنْسَانِ دَائِمًا «ٱلْأَفْضَلَ»؛ فَٱللَّهُ يَبْتَلِي ٱلنَّاسَ بِٱلشَّدَائِدِ، وَلٰكِنَّهُ لَا يُخِلُّ بِمَبْدَإِ ٱلتَّنَاسُبِ وَٱلْمِقْدَارِ.

وَفِي تَطْبِيقِ ذٰلِكَ عَلَى ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، يَتَحَوَّلُ هٰذَا ٱلْأَصْلُ ٱللَّاهُوتِيُّ إِلَى مَطْلَبِ ٱلْعَدَالَةِ وَٱلْكَفَايَةِ ٱلْمَعْقُولَةِ فِي ٱلتِّقْنِيَاتِ. فِي مَرْحَلَةِ ٱلتَّصْمِيمِ، يَجِبُ أَنْ تُنْشَأَ ٱلْأَنْظِمَةُ مَعَ مُرَاعَاةِ قُيُودِ ٱلتِّقْنِيَةِ وَٱلْمُسْتَخْدِمِينَ مَعًا: فَلَا يَحِلُّ ٱنْتِظَارُ قَرَارَاتٍ مِنَ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ خَارِجَ حُدُودِ قُدْرَتِهِ (مِثْلُ ٱلْمُطَالَبَةِ لِنَمُوذَجٍ مُتَخَصِّصٍ ضَيِّقٍ بِذَكَاءٍ تَعْمِيمِيٍّ)، وَلَا إِلْقَاءُ مَسْؤُولِيَّةٍ غَيْرِ مَقْدُورَةٍ عَلَى ٱلْمُسْتَخْدِمِ دُونَ تَزْوِيدِهِ بِأَدَوَاتِ ٱلتَّحَكُّمِ. وَفِي مَرْحَلَةِ نَشْرِ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ ٱلْمُؤَثِّرَةِ فِي مَصَائِرِ ٱلنَّاسِ، يَلْزَمُ ٱلِٱلْتِزَامُ بِمَبْدَإِ ٱلْعَدَالَةِ: فَتَجِبُ مُرَاجَعَةُ ٱلنَّمَاذِجِ لِلتَّحَقُّقِ مِنْ عَدَمِ وُجُودِ ٱلِٱنْحِيَازَاتِ ٱلنِّظَامِيَّةِ (bias) وَٱلتَّمْيِيزِ، لِئَلَّا «يُعَاقَبَ» أَحَدٌ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَفَوْقَ ذٰلِكَ، يَنْبَغِي أَنْ تَبْقَى مُتَطَلَّبَاتُ ٱلتَّشْغِيلِ فِي حُدُودِ كِفَايَةِ ٱلْكَوَادِرِ وَٱلْمُسْتَخْدِمِينَ: فَإِذَا كَانَتِ ٱلْأَنْظِمَةُ مُعَقَّدَةً، وُجِبَ تَدْرِيبُ ٱلْمُوَظَّفِينَ، وَإِلَّا فَهُوَ مِنَ ٱلظُّلْمِ أَنْ يُطَالَبُوا بِٱلِٱسْتِعْمَالِ ٱلْخَالِي مِنَ ٱلْخَطَإِ دُونَ وِسَائِلَ كَافِيَةٍ.

وَتَضُمُّ ٱلْمُدَوَّنَاتُ ٱلْعَلْمَانِيَّةُ لِأَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ أَفْكَارًا قَرِيبَةً تَحْتَ لَافِتَةِ ٱلْعَدَالَةِ (ٱلْعَدَالَةُ ـ fairness[٤٤]) وَعَدَمِ إِحْدَاثِ ضَرَرٍ مُفْرِطٍ. وَهِيَ تُوجِبُ أَنْ تَكُونَ أَنْظِمَةُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ عَادِلَةً، غَيْرَ مُنْتَهِكَةٍ لِحُقُوقِ ٱلنَّاسِ وَكَرَامَتِهِمْ، وَأَنْ تُوَزَّعَ ٱلْمَسْؤُولِيَّاتُ وَٱلْأَعْبَاءُ ٱلْمُرْتَبِطَةُ بِتَطْبِيقِهَا تَوْزِيعًا مُتَنَاسِبًا مَعَ ٱلصَّلَاحِيَّاتِ؛ وَهٰذَا كُلُّهُ يَتَنَاسَبُ مَعَ ٱلْمَبْدَإِ ٱلْإِسْلَامِيِّ فِي ٱلْمِقْدَارِ وَعَدَمِ فَرْضِ كُلْفَةٍ فَوْقَ ٱلطَّاقَةِ.

٧. مَبْدَأُ ٱلْمَعْرُوفِ وَٱلْمُنْكَرِ (ٱلْمَعْرُوفُ وَٱلْمُنْكَرُ)

فِي ٱلْأَخْلَاقِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ يُعْتَبَرُ مِنْ أَسَاسِيَّاتِ ٱلْقَوَاعِدِ ٱلْمَبْدَأُ ٱلَّذِي يَقُولُ: «ٱلْأَمْرُ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّهْيُ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ». فَٱلْمَعْرُوفُ يَعْنِي كُلَّ خَيْرٍ مُعْتَرَفٍ بِهِ، مُتَوَافِقٍ مَعَ ٱلشَّرِيعَةِ وَٱلْعَقْلِ ٱلسَّلِيمِ، أَمَّا ٱلْمُنْكَرُ فَيَعْنِي كُلَّ شَرٍّ وَفَسَادٍ تَسْتَنْكِرُهُ ٱلدِّينُ وَٱلْفِطْرَةُ. وَيَرَى ٱلْمَاتُرِيدِيَّةُ، كَسَائِرِ ٱلْمُتَكَلِّمِينَ ٱلسُّنِّيِّينَ، أَنَّ ٱلْمَسْؤُولِيَّةَ ٱلِٱجْتِمَاعِيَّةَ فِي تَأْيِيدِ ٱلْخَيْرِ وَمَنْعِ ٱلشَّرِّ هِيَ فَرِيضَةٌ جَمَاعِيَّةٌ عَلَى ٱلْأُمَّةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ.

وَيَنْطَبِقُ هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ مُبَاشَرَةً عَلَى مَجَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، فَيُحَدِّدُ ٱلِٱتِّجَاهَ ٱلْأَخْلَاقِيَّ: فَكُلُّ تِقْنِيَةٍ يَجِبُ أَنْ تُسَاهِمَ فِي نَشْرِ ٱلْمَعْرُوفِ (ٱلْخَيْرِ وَٱلْمَنْفَعَةِ) وَمَنْعِ ٱلْمُنْكَرِ (ٱلضَّرَرِ وَٱلظُّلْمِ)، أَوْ عَلَى ٱلْأَقَلِّ أَلَّا تُيَسِّرَهُ. فِي مَرَاحِلِ ٱلتَّصْمِيمِ يَعْنِي ذٰلِكَ أَنَّ أَهْدَافَ إِنْشَاءِ وَتَدْرِيبِ نَمُوذَجِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ إِمَّا أَخْلَاقِيَّةً مُحَايِدَةً أَوْ إِيجَابِيَّةً – فَٱلْأَنْظِمَةُ ٱلَّتِي تُعَزِّزُ ٱلْمَنْفَعَةَ ٱلِٱجْتِمَاعِيَّةَ (كَمِثْلِ ٱلطِّبِّ وَٱلتَّعْلِيمِ) تَنْدَرِجُ فِي ٱلْمَعْرُوفِ، بَيْنَمَا ٱلْمَشَارِيعُ ٱلْمُوَجَّهَةُ لِغَايَاتٍ مَعْصِيَةٍ أَوْ ضَارَّةٍ (كَمِثْلِ ٱلتَّلَاعُبِ بِٱلْوَعْيِ، ٱلْقِمَارِ، وَٱلْمُحْتَوَى ٱلْمُحَرَّمِ) تُنَافِي هٰذَا ٱلْمَبْدَأَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَحْظَى بِدَعْمِ ٱلْمُتَخَصِّصِينَ ٱلْمُسْلِمِينَ.

وَفِي مَرَاحِلِ ٱلتَّطْبِيقِ، يَلْزَمُ تَنْظِيمُ ٱسْتِعْمَالِ ٱلْأَنْظِمَةِ ٱلْمَوْجُودَةِ بِشَكْلٍ يَمْنَعُ تَحْوِيلَهَا إِلَى أَدَوَاتٍ لِلشَّرِّ: فَإِقَامَةُ لَوَائِحَ (لَائِحَةٌ) لِلاِسْتِعْمَالِ، وَمُرَاجَعَةُ ٱلْمُحْتَوَى (مُرَاجَعَةُ ٱلْمُحْتَوَى) بِفِلْتَرَاتٍ، وَتَطْبِيقُ قُيُودٍ فِي ٱلتَّرَاخِيصِ لِمَنْعِ ٱلِٱسْتِعْمَالِ ٱلضَّارِّ – كُلُّهَا أَمْثِلَةٌ عَلَى «ٱلنَّهْيِ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ».

وَفِي مَرَاحِلِ ٱلِٱسْتِعْمَالِ مِنْ قِبَلِ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ وَٱلْمُجْتَمَعِ بِأَسْرِهِ، فَإِنَّ ٱلْمَسْؤُولِيَّةَ مُلْقَاةٌ عَلَيْهِمْ فِي كَيْفِيَّةِ ٱلِٱسْتِفَادَةِ مِنَ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ: فَإِذَا كَشَفَ ٱلْخَوَارِزْمُ (خَوَارِزْمِيَّةٌ) نُقْطَةَ ضُعْفٍ فِي نِظَامٍ مَا، فَلَا يَجُوزُ ٱسْتِعْمَالُهَا فِي ٱلِٱحْتِيَالِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَفَادَ مِنَ ٱلْمَعْرِفَةِ فِي إِصْلَاحِ ٱلْمَشْكِلَةِ (أَيْ تَأْيِيدُ ٱلْمَعْرُوفِ).

وَتَتَضَمَّنُ مُعْظَمُ مُدَوَّنَاتِ أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْعَلْمَانِيَّةِ نَفْسَ ٱلتَّوَجُّهَ نَحْوَ ٱلِٱسْتِعْمَالِ ٱلْمُنْتِجِ لِلْخَيْرِ وَمَنْعِ ٱسْتِعْمَالِهِ فِي ٱلشَّرِّ. فَمَبْدَأُ «ٱلْقِيَامُ بِٱلْخَيْرِ» (do good[٤٥]) وَمَبْدَأُ «عَدَمُ ٱلْإِضْرَارِ» (non-maleficence[٤٦]) ٱلْمَوْجُودَانِ فِي صِيَغٍ مُخْتَلِفَةٍ (كَمَثِيلِ مَبَادِئِ أَسِيلُومَار وَتَوْصِيَاتِ IEEE) يُشَاكِلَانِ ٱلْوَاجِبَ ٱلْإِسْلَامِيَّ فِي نَشْرِ ٱلْمَعْرُوفِ وَمَنْعِ ٱلْمُنْكَرِ، وَإِنْ كَانَا مُعَبَّرَيْنِ بِأَلْفَاظٍ أَكْثَرَ عِلْمَانِيَّةً.

٨. ٱلِٱنْتِقَادِيَّةُ لِلْمَصَادِرِ وَتَحَقُّقُ ٱلدِّقَّةِ (ٱلثِّقَةُ بِٱلْمَصَادِرِ)

قَدْ أَنْشَأَتِ ٱلتَّقَالِيدُ ٱلْعِلْمِيَّةُ ٱلْإِسْلَامِيَّةُ مَعَايِيرَ دَقِيقَةً لِلثِّقَةِ بِمَصَادِرِ ٱلْمَعْرِفَةِ. فَفِي عُلُومِ ٱلْحَدِيثِ خُصُوصًا تَطَوَّرَ نِظَامُ ٱلْإِسْنَادِ (إِسْنَادٌ) وَمَنْهَجَا ٱلْجَرْحِ وَٱلتَّعْدِيلِ (جَرْحٌ وَتَعْدِيلٌ) لِتَمْيِيزِ ٱلْأَخْبَارِ ٱلصَّحِيحَةِ عَنِ ٱلضَّعِيفَةِ. كَمَا أَوْلَى ٱلْمَاتُرِيدِيَّةُ فِي ٱلْكَلَامِ عِنَايَةً بِٱلِٱعْتِمَادِيَّةِ ٱلْإِبِسْتِيمِيَّةِ: فَمَسَائِلُ ٱلْإِيمَانِ تُبْنَى إِمَّا عَلَى نَصٍّ وَاضِحٍ مِنَ ٱلْوَحْيِ، وَإِمَّا عَلَى عَقْلٍ بَيِّنٍ، لَا عَلَى أَنْبَاءٍ مَشْكُوكٍ فِيهَا.

وَتَطْبِيقًا عَلَى تِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، فَإِنَّ هٰذَا ٱلْمَبْدَأَ يَقْتَضِي ٱلْمَوْقِفَ ٱلنَّقْدِيَّ تُجَاهَ ٱلْبَيَانَاتِ وَٱلنَّمَاذِجِ وَمُخْرَجَاتِ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ، مَعَ تَحْقِيقِ مِصْدَاقِيَّتِهَا. فِي مَرْحَلَةِ تَدْرِيبِ ٱلْأَنْظِمَةِ يَجِبُ ٱلِٱنْتِبَاهُ عِنَايَةً لِمَصَادِرِ ٱلْبَيَانَاتِ ٱلَّتِي تَسْتَقِي مِنْهَا ٱلْمَعْرِفَةَ: فَلَابُدَّ مِنْ فَحْصِ ٱلْبَيَانَاتِ مِنْ حَيْثُ ٱلْجَوْدَةُ وَٱلتَّمْثِيلِيَّةُ وَٱنْتِفَاءُ ٱلتَّحَيُّزِ، عَلَى نَحْوٍ يُشْبِهُ اِصْطِفَاءَ ٱلْمُحَدِّثِينَ لِلرِّوَايَاتِ ٱلْمَوْثُوقَةِ. وَعِنْدَ نَشْرِ ٱلْأَنْظِمَةِ فِي مَجَالَاتٍ ذَاتِ مَخَاطِرَ (كَٱلطِّبِّ وَٱلْقَضَاءِ)، يَنْبَغِي تَقْرِيرُ آلِيَّاتِ ٱلتَّدْقِيقِ وَٱلْـتَّـحَقُّقِ: فَلَا بُدَّ أَنْ تَخْضَعَ ٱلْخَوَارِزْمِيَّةُ لِخِبْرَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ تُثْبِتُ صِحَّةَ عَمَلِهَا قَبْلَ أَنْ تُسْنَدَ إِلَيْهَا قَرَارَاتٌ مَسْؤُولَةٌ؛ وَهٰذَا يُوَافِقُ ٱلْمَطْلَبَ ٱلْإِسْلَامِيَّ فِي ٱلتَّثَبُّتِ مِنَ ٱلْأَخْبَارِ قَبْلَ ٱلْحُكْمِ أَوِ ٱلْإِفْتَاءِ. وَعَلَى مُسْتَوَى ٱلْمُسْتَخْدِمِ يَتَمَثَّلُ ٱلْمَبْدَأُ فِي عَدَمِ ٱلتَّسْلِيمِ ٱلْأَعْمَى لِكُلِّ مَا يَنْتُجُهُ ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ: بَلْ يَجِبُ ٱخْتِبَارُ ٱلنَّتَائِجِ بِمِيزَانِ ٱلْعَقْلِ، وَمُقَارَنَتُهَا بِمَصَادِرَ أُخْرَى. وَقَدْ صَدَرَتْ أَحْكَامٌ عِلْمِيَّةٌ عَنِ ٱلْعُلَمَاءِ فِي هٰذَا ٱلْبَابِ: مِثَالُ ذٰلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ٱلِٱعْتِمَادُ عَلَى تَرَاجِمِ ٱلْقُرْآنِ ٱلْكَرِيمِ ٱلصَّادِرَةِ عَنْ أَنْظِمَةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ دُونَ مُرَاجَعَتِهَا مِنْ قِبَلِ أَهْلِ ٱلِٱخْتِصَاصِ، حَذَرًا مِنَ ٱلْغَلَطِ فِي فَهْمِ ٱلنَّصِّ.

وَتَتَضَمَّنُ ٱلْمَعَايِيرُ ٱلْحَدِيثَةُ ٱلْعَلْمَانِيَّةُ فِي تَطْوِيرِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ أَيْضًا مَعَانِيَ قَرِيبَةً: فَهِيَ تَشْتَرِطُ ٱلشَّفَافِيَّةَ (transparency[47]) فِي مَنْشَإِ ٱلْبَيَانَاتِ وَٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ، وَتَقْضِي بِإِمْكَانِ ٱلتَّحَقُّقِ مِنَ ٱلنَّتَائِجِ وَتَفْسِيرِهَا – مِثْلَ مَبْدَإِ قَابِلِيَّةِ ٱلشَّرْحِ (explainability[48]). وَهٰذَا كُلُّهُ يُجَسِّدُ نَفْسَ ٱلْمَنْهَجِ ٱلْمَعْرِفِيِّ فِي ٱلْعُلُومِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ: تَعْظِيمُ قِيمَةِ ٱلْمَعْلُومَاتِ ٱلْمُثْبَتَةِ، وَٱلِٱحْتِفَاظُ بِالنَّظْرَةِ ٱلشَّكُّوكِيَّةِ تُجَاهَ مَا لَمْ يُتَحَقَّقْ مِنْهُ.

٩. ٱلْحِكْمَةُ وَٱلتَّحَرُّزُ

يُشَجِّعُ ٱلْإِسْلَامُ عَلَى ٱلتَّصَرُّفِ بِٱلْحِكْمَةِ (حِكْمَةٌ) وَإِظْهَارِ ٱلِٱحْتِرَازِ، مُجْتَنِبًا ٱلْوَضْعِيَّاتِ ٱلْمَشْبُوهَةَ لِتَجَنُّبِ ٱلْإِثْمِ. وَٱلْعَقِيدَةُ ٱلْمَاتُرِيدِيَّةُ، بِمَا أَنَّهَا وَسَطِيَّةٌ عَقْلَانِيَّةٌ، تُؤَكِّدُ أَهَمِّيَّةَ ٱلْقَرَارَاتِ ٱلْمَدْرُوسَةِ: فَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِ أَنْ يُقَدِّرَ عَوَاقِبَ أَفْعَالِهِ وَيَحْذَرَ ٱلْأَعْمَالَ ٱلَّتِي قَدْ تُؤَدِّي إِلَى ٱلْفَسَادِ أَوِ ٱلظُّلْمِ. وَيَرْتَكِزُ مَبْدَأُ ٱلتَّحَرُّزِ عَلَى ٱلْحَدِيثِ: «دَعْ مَا يُرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يُرِيبُكَ، فَإِنَّ ٱلصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَٱلْكَذِبَ رِيبَةٌ» (ٱلتِّرْمِذِيّ) – أَيْ ٱلْأَفْضَلُ ٱلِٱمْتِنَاعُ عَنِ ٱلْمَشْبُوهِ كَيْلَا يَقَعَ ٱلْمَرْءُ فِي ٱلْمَحْظُورِ.

فِي مَجَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، يَتَحَوَّلُ هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ إِلَى نَهْجٍ أَخْلَاقِيٍّ وِقَائِيٍّ تُجَاهَ ٱلتِّقْنِيَاتِ. فِي مَرْحَلَةِ إِنْشَاءِ ٱلْأَنْظِمَةِ وَٱخْتِبَارِهَا، مِنَ ٱلضَّرُورِيِّ ٱلِٱسْتِشْرَافُ لِلسِّيْنَارِيُوهَاتِ ٱلسَّلْبِيَّةِ ٱلْمُحْتَمَلَةِ لِتَطْبِيقِ ٱلْخَوَارِزْمِيَّةِ، وَوَضْعُ ٱلْحِمَايَةِ مِنْهَا: مِثْلَ ٱلْقِيَامِ بِٱخْتِبَارَاتٍ شَدِيدَةٍ (stress-tests)، وَتَحْلِيلِ ٱلْمَخَاطِرِ، وَعَدَمِ إِطْلَاقِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلْمَجَالَاتِ ٱلْحَرِجَةِ دُونَ ضَمَانَاتٍ كَافِيَةٍ لِٱلْمَوْثُوقِيَّةِ. هُنَا تَظْهَرُ «ٱلتَّحَرُّزُ» كَمَا فِي مَبْدَإِ precautionary principle: ٱلْأَفْضَلُ ٱلتَّأَخُّرُ فِي ٱلتَّطْبِيقِ عَلَى أَنْ يُطْلَقَ تِقْنِيَّةٌ غَيْرُ مَدْرُوسَةٍ قَدْ تُلْحِقُ ضَرَرًا. وَفِي مَرْحَلَةِ ٱلتَّطْبِيقِ ٱلْعَمَلِيِّ، تُمْلِي ٱلْحِكْمَةُ وَضْعَ حُدُودٍ عَلَى ٱلِٱسْتِعْمَالِ فِي ٱلْمَجَالَاتِ ٱلَّتِي يَكْثُرُ فِيهَا غُمُوضُ ٱلْعَوَاقِبِ. فَمَثَلًا، إِلَى حِينِ ٱلْحُصُولِ عَلَى أَدِلَّةٍ مُقْنِعَةٍ عَلَى ٱلسَّلَامَةِ، تُقَيَّدُ ٱلسَّيَّارَاتُ ٱلذَّاتِيَّةُ ٱلْقِيَادَةِ بِٱلِٱخْتِبَارَاتِ فِي مَيَادِينٍ مُغْلَقَةٍ. كَمَا يَنْبَغِي وَضْعُ بَرَامِجَ طَارِئَةٍ لِحَالَةِ ٱلْعَطَلِ (fail-safe)، عَلَى أَسَاسِ ٱلْقَاعِدَةِ «مَا قَدْ يَخْطَأُ سَيَخْطَأُ لَا مَحَالَةَ». وَفِي مَرْحَلَةِ ٱلِٱسْتِعْمَالِ ٱلنِّهَائِيِّ، يَجِبُ عَلَى ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ وَٱلْمُتَخَصِّصِينَ أَنْ يَظَلُّوا مُتَيَقِّظِينَ: يُرَاقِبُونَ أَدَاءَ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، يَتَعَلَّمُونَ تَفْسِيرَ تَوْصِيَاتِهِ تَفْسِيرًا صَحِيحًا، وَيَتَدَخَّلُونَ عِنْدَ أَدْنَى ٱلشُّبُهَاتِ فِي وُقُوعِ خَطَإٍ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي كَثِيرٍ مِنَ ٱلدَّلَائِلِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ مَا يُشَاكِلُ هٰذَا ٱلْمَبْدَأَ، إِذْ تَدْعُو إِلَى ٱلتَّطْبِيقِ ٱلْحَذِرِ وَٱلتَّدْرِيجِيِّ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ. فَمَثَلًا، مَطْلَبُ ٱلِٱخْتِبَارِ ٱلْإِلْزَامِيِّ، وَتَقْيِيمِ ٱلْمَخَاطِرِ، وَمَبْدَأ «Responsible AI» – كُلُّ ذٰلِكَ أَشْكَالٌ لِمَنْهَجٍ حَكِيمٍ وَمُتَأَنٍّ، قَرِيبٍ فِي رُوحِهِ مِنَ ٱلْحِكْمَةِ وَٱلتَّحَرُّزِ ٱلْإِسْلَامِيَّيْنِ.

١٠. ٱلتَّوَكُّلُ عَلَى ٱللّٰهِ (ٱلتَّوَكُّلُ عَلَى ٱللّٰهِ)

ٱلتَّوَكُّلُ هُوَ ٱلِٱسْتِنَادُ إِلَى ٱللّٰهِ تَعَالَى وَٱلِٱعْتِمَادُ ٱلْعَمِيقُ عَلَيْهِ مَعَ بَذْلِ ٱلْإِنْسَانِ أَقْصَى مَا فِي وُسْعِهِ مِنْ أَسْبَابٍ. وَفِي ٱلْمَاتُرِيدِيَّةِ لَا يَعْنِي ٱلتَّوَكُّلُ تَرْكَ ٱلْأَسْبَابِ عَلَى وَجْهِ ٱلْقَدَرِيَّةِ؛ بَلْ عَلَى ٱلْعَكْسِ، يَجِبُ عَلَى ٱلْإِنْسَانِ أَنْ يَفْعَلَ كُلَّ مَا يَسْتَطِيعُهُ، ثُمَّ يُفَوِّضَ ٱلْنَّتِيجَةَ إِلَى مَشِيئَةِ ٱللّٰهِ ٱلْأَعْلَى. وَقَدِ ٱشْتُهِرَتْ قِصَّةٌ مُعَبِّرَةٌ مِنْ سِيرَةِ ٱلنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ﷺ: لَمَّا سَأَلَهُ أَعْرَابِيٌّ أَيَعْقِلُ نَاقَتَهُ أَمْ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللّٰهِ، قَالَ ٱلنَّبِيُّ ﷺ: «ٱعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ»[٥٣]. وَهٰذَا ٱلْحَدِيثُ يُجَسِّدُ تَنَاغُمَ ٱلْمُبَادَرَةِ مَعَ ٱلِٱعْتِمَادِ عَلَى ٱللّٰهِ.

وَتَطْبِيقًا عَلَى ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، يَتَجَلَّى مَبْدَأُ ٱلتَّوَكُّلِ أَوَّلًا فِي أَنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ ٱلَّذِينَ يُطَوِّرُونَ أَوْ يَسْتَعْمِلُونَ ٱلتِّقْنِيَاتِ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَبْذُلُوا غَايَةَ وُسْعِهِمْ فِي ٱلِٱسْتِعْمَالِ ٱلصَّحِيحِ، وَٱلْحَلَالِ، وَٱلْآمِنِ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ – أَيْ أَنْ يُؤَدُّوا وَاجِبَهُمْ فِعْلًا. فِي مَرْحَلَةِ ٱلتَّطْوِيرِ يَعْنِي ذٰلِكَ ٱلتَّقَيُّدَ ٱلْأَمِينِ بِجَمِيعِ مُتَطَلَّبَاتِ ٱلسَّلَامَةِ وَٱلْأَخْلَاقِ، دُونَ ٱلِٱتِّكَالِ عَلَى أَنَّ «ٱلْأُمُورَ سَتَسِيرُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهَا»؛ فَٱلْمُطَوِّرُ مَسْؤُولٌ، وَلٰكِنَّ ٱلْعَاقِبَةَ بِيَدِ ٱللّٰهِ. وَعِنْدَ ٱلْإِدْمَاجِ فِي ٱلتَّشْغِيلِ لَا يَحِلُّ ٱلِٱسْتِكْبَارُ بِمَا تَحَقَّقَ مِنْ نَجَاحٍ، بَلْ يَجِبُ ٱلْإِدْرَاكُ أَنَّهُ مَعَ أَدَقِّ تَخْطِيطٍ تَبْقَى عَوَامِلُ خَارِجَةٌ عَنْ سَيْطَرَةِ ٱلْإِنْسَانِ. فَيَلْزَمُ ٱلتَّوَكُّلُ عَلَى ٱللّٰهِ، وَسُؤَالُهُ ٱلْخَيْرَ مِنَ ٱلْأَدَاةِ ٱلْجَدِيدَةِ وَٱلْعِصْمَةَ مِنْ ضَرَرِهَا، مَعَ ٱلِٱسْتِعْدَادِ لِقَبُولِ ٱلِٱبْتِلَاءِ إِنْ عَرَضَ عَارِضٌ. وَفِي مَرْحَلَةِ ٱلِٱسْتِعْمَالِ ٱلنِّهَائِيِّ يَلْتَزِمُ ٱلْمُسْتَخْدِمُونَ ٱلْمُسْلِمُونَ أَيْضًا بِٱلتَّوَكُّلِ: فَمَعَ ٱلثِّقَةِ بِٱلْقَدَرِ لَا يُعْطُونَ ٱلذَّكَاءَ ٱلِصْطِنَاعِيَّ تَوَقُّعَاتٍ مُفْرِطَةً، وَلَا يَيْأَسُونَ إِنْ لَمْ تُحَقِّقِ ٱلتِّقْنِيَةُ أَثَرًا مَرْجُوًّا. وَبِعِبَارَةٍ أَبْسَطَ: إِنَّ ٱلْمُؤْمِنَ يَرَى فِي ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ وِسِيلَةً لَا ضَمَانًا لِلنَّجَاحِ، وَيَسْتَنْصِرُ بِعَوْنِ ٱللّٰهِ فِي بُلُوغِ ٱلْغَايَاتِ ٱلصَّالِحَةِ.

وَلَا نَظِيرَ دُنْيَوِيًّا مُطَابِقًا لِهٰذَا ٱلْمَبْدَإِ ٱلرُّوحِيِّ فِي ٱلْمَدَاوِينِ ٱلْوَضْعِيَّةِ، لِأَنَّ ٱلتَّوَكُّلَ مُرْتَبِطٌ بِٱلْإِيمَانِ. فَيَبْقَى ٱلِٱسْتِنَادُ إِلَى ٱللّٰهِ سِمَةً فَارِقَةً لِلنَّهْجِ ٱلْإِسْلَامِيِّ، تُتِمُّ ٱلْإِجْرَاءَاتِ ٱلتِّقْنِيَّةَ بِرَجَاءِ ٱلْهِدَايَةِ ٱلْإِلٰهِيَّةِ.

١١. وَاجِبُ مَعْرِفَةِ ٱلْحَقِّ بِٱلْعَقْلِ (طَلَبُ ٱلْمَعْرِفَةِ بِٱلْعَقْلِ)

تُقِرُّ ٱلْمَذْهَبُ ٱلْمَاتُرِيدِيُّ أَنَّ ٱلْإِنْسَانَ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى ٱلِٱسْتِطَاعَةِ فَقَطْ، بَلْ عَلَيْهِ وُجُوبًا أَنْ يَعْرِفَ ٱلْحَقَائِقَ ٱلْأَسَاسِيَّةَ بِٱلْعَقْلِ – وَفِي ٱلْمَقَامِ ٱلْأَوَّلِ حَقِيقَةَ وُجُودِ ٱللّٰهِ ٱلْوَاحِدِ. وَخِلَافًا لِبَعْضِ ٱلْمَذَاهِبِ ٱلْأُخْرَى، يَرَى ٱلْمَاتُرِيدِيَّةُ أَنَّ ٱلْإِنْسَانَ ٱلْعَاقِلَ مَسْؤُولٌ عَنِ ٱلْبَحْثِ عَنْ ٱلْحَقِّ فِي ٱلْخَالِقِ وَتَمْيِيزِ ٱلْخَيْرِ عَنِ ٱلشَّرِّ وَلَوْ دُونَ بَعْثِ ٱلْأَنْبِيَاءِ. وَقَدْ صَرَّحَ ٱلْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ ٱلْمَاتُرِيدِيُّ أَنَّ عَلَى ٱلنَّاسِ ٱلْمُزَوَّدِينَ بِٱلْعَقْلِ أَنْ يَتَأَمَّلُوا فِي أَصْلِ ٱلْكَوْنِ، وَبِٱسْتِعْمَالِ فِكْرِهِمْ يَصِلُونَ إِلَى ٱلِٱسْتِنْتَاجَاتِ ٱلصَّحِيحَةِ فِي شَأْنِ ٱللّٰهِ وَٱلْأَخْلَاقِ. وَيَتَجَلَّى هٰذَا ٱلْمَوْقِفُ ٱلْعَقْلَانِيُّ ٱلْمَوْضُوعِيُّ فِي أَنَّهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُؤَاخَذُ ٱلْإِنْسَانُ بِٱلْجَهْلِ إِنْ كَانَ قَدْ تَيَسَّرَ لَهُ مَعْرِفَةُ ٱلْحَقِّ فَأَعْرَضَ عَنْهُ.

وَتَطْبِيقًا عَلَى أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، يُمْكِنُ صِيَاغَةُ هٰذَا ٱلْمَبْدَإِ كَوَاجِبٍ فِي طَلَبِ ٱلْمَعْرِفَةِ وَفَهْمِ ٱلتِّقْنِيَاتِ ٱلْجَدِيدَةِ، سَعْيًا وَرَاءَ ٱلْحَقِّ وَٱلْخَيْرِ. فِي مَرْحَلَةِ ٱلْبُحُوثِ وَٱلتَّطْوِيرِ يَجِبُ عَلَى ٱلْعُلَمَاءِ وَٱلْمُهَنْدِسِينَ ٱلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُبَادِرُوا إِلَى دِرَاسَةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ: فَمِنْ جِهَةٍ يَتَعَمَّقُونَ فِي فَهْمِ ٱلتِّقْنِيَةِ نَفْسِهَا (كَيْلَا يَسْتَعْمِلُوهَا عَمًى)، وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى يُوَازِنُونَ ٱلِٱبْتِكَارَاتِ بِحَقَائِقِ ٱلْإِيمَانِ ٱلْأَصِيلَةِ، مُقَيِّمِينَ نَقْدِيًّا أَلَا تُنَاقِضُ ٱلْمَعْلُومَاتُ ٱلْجَدِيدَةُ ٱلْمَبَادِئَ ٱلْأَخْلَاقِيَّةَ ٱلْأَسَاسِيَّةَ. وَعِنْدَ إِدْمَاجِ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ ٱلْجَدِيدَةِ فِي ٱلْمُجْتَمَعِ يَدْعُو ٱلْإِسْلَامُ إِلَى ٱلتَّوْعِيَةِ: فَيَجِبُ تَعْلِيمُ ٱلْمُتَخَصِّصِينَ وَٱلْجُمْهُورِ كَيْفَ يَسْتَعْمِلُونَ ٱلذَّكَاءَ ٱلِصْطِنَاعِيَّ بِشَكْلٍ صَحِيحٍ، وَإِبْلَاغُ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِيقَةِ حَوْلَ إِمْكَانَاتِ ٱلتِّقْنِيَاتِ وَحُدُودِهَا، لِمَنْعِ ٱلتَّفَاؤُلِ ٱلتِّقْنِيِّ ٱلْمُبَالَغِ فِيهِ كَمَا لِمَنْعِ ٱلْمَخَاوِفِ ٱلْغَيْرِ ٱلْعَقْلَانِيَّةِ. وَهٰذَا نَوْعٌ مِنَ ٱلِٱكْتِسَابِ ٱلْمَعْرِفِيِّ بِٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، دُونَهُ قَدْ يَكُونُ ٱلِٱسْتِعْمَالُ خَاطِئًا أَوْ مُؤَدِّيًا إِلَى ٱلْإِثْمِ. وَفِي مَرْحَلَةِ ٱلِٱسْتِعْمَالِ ٱلنِّهَائِيِّ يَتَحَمَّلُ ٱلْمُسْتَخْدِمُ أَيْضًا مَسْؤُولِيَّةً فِي ٱسْتِعْمَالِ ٱلْعَقْلِ: فَهُوَ مُلْزَمٌ بِٱلِٱجْتِهَادِ فِي فَهْمِ مَنْطِقِ ٱلْخَوَارِزْمِيَّةِ (فِي حَدِّ ٱلْمُسْتَطَاعِ)، وَطَرْحِ ٱلْأَسْئِلَةِ حَوْلَ ٱلْمَوْثُوقِيَّةِ وَٱلْأَخْلَقِيَّةِ فِي ٱلْأَجْوِبَةِ، وَعَدَمِ ٱلِٱنْخِدَاعِ بِٱلْأَكَاذِيبِ أَوِ ٱلتَّلَاعُبِ ٱلَّذِي قَدْ يَكْمُنُ خَلْفَ ٱلْحُلُولِ ٱلتِّقْنِيَّةِ ٱلْمُبْهَرَةِ. وَبِذٰلِكَ يَكُونُ ٱلِٱسْتِعْمَالُ ٱلْإِسْلَامِيُّ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ مُقْتَرِنًا بِبَحْثٍ دَائِمٍ عَنِ ٱلْمَعْرِفَةِ ٱلْمُوَثُوقَةِ فِيهِ وَفِي تَبِعَاتِهِ – وَيُعْتَبَرُ ذٰلِكَ وَاجِبًا دِينِيًّا يُكَمِّلُ وَاجِبَ طَلَبِ ٱلْحَقِّ.

وَأَمَّا ٱلْمَبَادِئُ ٱلدُّنْيَوِيَّةُ فَلَا تَتَحَدَّثُ صَرَاحَةً عَنْ وَاجِبٍ أَخْلَاقِيٍّ فِي مَجَالِ ٱلْمَعْرِفَةِ، وَلٰكِنْ فِي ٱلْأَخْلَاقِ ٱلْمِهْنِيَّةِ وَٱلْعِلْمِيَّةِ يُوجَدُ مَا يُسَمَّى due diligence – أَيْ ٱلدِّرَاسَةُ ٱلْمُتَأَنِّيَةُ لِلْمَوْضُوعِ قَبْلَ تَطْبِيقِهِ. كَمَا أَنَّ قِيمَةَ ٱلْفِكْرِ ٱلنَّقْدِيِّ ٱلْعَقْلَانِيِّ مَرْفُوعَةُ ٱلشَّأْنِ فِي ٱلتَّعْلِيمِ وَفِي مَيَادِينِ ٱلسَّلَامَةِ ٱلْمِهْنِيَّةِ: فَيُلْزَمُ ٱلْمُتَخَصِّصُونَ بِٱلْخُضُوعِ لِلتَّدْرِيبِ، وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْمِعْيَارِيَّةِ، وَٱلتَّطْوِيرِ ٱلْمُسْتَمِرِّ قَبْلَ ٱلتَّعَامُلِ مَعَ ٱلتِّقْنِيَةِ ٱلْجَدِيدَةِ. وَهٰذِهِ ٱلْمُتَطَلَّبَاتُ قَرِيبَةٌ فِي ٱلرُّوحِ مِنَ ٱلْمِثَالِ ٱلْمَاتُرِيدِيِّ – أَيْ تَسْخِيرُ ٱلْعَقْلِ ٱلْمَوْهُوبِ مِنَ ٱللّٰهِ لِإِدْرَاكِ ٱلْحَقِّ وَتَطْبِيقِ ٱلْمَعْرِفَةِ فِي خَيْرِ ٱلْإِنْسَانِيَّةِ.

ٱلْخُلَاصَةُ عَلَى ٱلْقِسْمِ ٢٫١

قَدْ تَمَّ أَعْلَاهُ ٱسْتِعْرَاضُ أَحَدَ عَشَرَ مَبْدَأً أَسَاسِيًّا مِنْ مَبَادِئِ ٱلْعَقِيدَةِ ٱلْمَاتُرِيدِيَّةِ، وَهِيَ قَادِرَةٌ عَلَى تَحْدِيدِ ٱلْبَوْصَلَةِ ٱلْلَاهُوتِيَّةِ وَٱلْأَخْلَاقِيَّةِ لِتَصْمِيمِ أَنْظِمَةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ وَإِدْمَاجِهَا وَتَشْغِيلِهَا. كُلُّ مَبْدَأٍ مِنْهَا، إِذْ يَعْكِسُ ٱلْأُصُولَ ٱلْجَوْهَرِيَّةَ لِٱلْعَقِيدَةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ، يُتِيحُ إِعَادَةَ تَفْكِيرِ مَسْؤُولِيَّةِ ٱلْإِنْسَانِ فِي ٱلْعَصْرِ ٱلْرَّقْمِيِّ بِصُورَةٍ جَدِيدَةٍ.

وَيُدْرِكُ مُؤَلِّفُ هٰذِهِ ٱلدِّرَاسَةِ أَنَّ ٱلتَّحْلِيلَ ٱلْمُقَدَّمَ إِنَّمَا هُوَ مُحَاوَلَةٌ أُولَى مُتَوَاضِعَةٌ لِلنَّظَرِ فِي ٱلتَّحَدِّيَاتِ ٱلتِّقْنِيَّةِ ٱلْمُعَاصِرَةِ مِنْ مَنْظُورِ ٱللَّاهُوتِ ٱلْمَاتُرِيدِيِّ. وَبِسَبَبِ جِدَّةِ ٱلْمَوْضُوعِ وَحَدِّودِ حَجْمِ رِسَالَةِ ٱلتَّخَرُّجِ، بَقِيَ كَثِيرٌ مِنَ ٱلْجَوَانِبِ خَارِجَ نِطَاقِ ٱلدِّرَاسَةِ أَوْ لَمْ يُبْحَثْ إِلَّا عَلَى سَبِيلِ ٱلْإِجْمَالِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ أَجْيَالًا قَادِمَةً مِنَ ٱلْبَاحِثِينَ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُتَلَاهِتَةِ وَٱلْمُخْتَصِّينَ فِي ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ وَأَخْلَاقِيَّاتِهِ سَتُسْهِمُ بِإِضَافَاتٍ نَفِيسَةٍ وَتَدْقِيقَاتٍ وَتَصْحِيحَاتٍ لِهٰذَا ٱلِٱتِّجَاهِ.

وَمَعَ ذٰلِكَ فَقَدْ تَبَيَّنَ بَالِغَ ٱلْوُضُوحِ أَنَّ تَطْوِيرَ مَنْهَجٍ لِلتَّعَاطِي مَعَ تِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ مُؤَسَّسٍ لَاهُوتِيًّا لَيْسَ وَاجِبًا عِلْمِيًّا فَحَسْبُ، بَلْ هُوَ أَيْضًا فَرْضُ ٱلْكِفَايَةِ عَلَى ٱلْأُمَّةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ. وَفِي ظِلِّ ٱلتَّطَوُّرِ ٱلسَّرِيعِ لِتِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ وَنُفُوذِهَا ٱلشَّامِلِ إِلَى ٱلْمَجَالَاتِ ٱلْمِفْصَلِيَّةِ مِنْ حَيَاةِ ٱلْإِنْسَانِ، لَا يَسَعُ ٱلْأُمَّةَ ٱلْإِسْلَامِيَّةَ أَنْ تَبْقَى فِي دَوْرِ ٱلْمُسْتَهْلِكِ ٱلْخَامِلِ. بَلْ يَلْزَمُهَا مَوْقِفٌ عَقْلِيٌّ فَاعِلٌ مُرْتَكِزٌ إِلَى مَبَادِئِ ٱلشَّرِيعَةِ وَأُصُولِ ٱلْعَقِيدَةِ. وَإِنَّ ٱللَّاهُوتَ ٱلْإِسْلَامِيَّ، وَخُصُوصًا ٱلتُّرَاثَ ٱلْمَاتُرِيدِيَّ بِتَأْكِيدِهِ عَلَى ٱلْعَقْلِ وَٱلْمَسْؤُولِيَّةِ وَٱلْعَدْلِ ٱلْإِلٰهِيِّ، قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُقَدِّمَ لِلْإِنْسَانِيَّةِ لَا ٱلنَّقْدَ لِلنُّهُوجِ ٱلْقَائِمَةِ فَقَطْ، بَلْ بَدِيلًا مَفْهُومِيًّا إِيجَابِيًّا. وَهُوَ مَسَارٌ مُؤَسَّسٌ عَلَى إِدْرَاكٍ عَمِيقٍ لِوَحْدَانِيَّةِ ٱلْخَالِقِ، وَمَسْؤُولِيَّةِ ٱلْإِنْسَانِ، وَثَبَاتِ ٱلْعَقِيدَةِ، بِمَا يَجْعَلُهَا صَالِحَةً لِلتَّطْبِيقِ حَتَّى فِي أَحْدَثِ ٱلْمَجَالَاتِ – وَمِنْهَا مَجَالُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ.

٢٫٢. مَبَادِئُ ٱلْفِقْهِ ٱلْحَنَفِيِّ ٱلْمُنْطَبِقَةُ عَلَى تَنْظِيمِ تِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ

فِي هٰذَا ٱلْقِسْمِ يُقَدَّمُ تَحْلِيلٌ نِظَامِيٌّ لِثَمَانِيَةٍ وَثَلَاثِينَ (٣٨) مَبْدَأً مِنْ مَبَادِئِ ٱلْفِقْهِ ٱلْحَنَفِيِّ ٱلْمُنَاسِبَةِ لِتَنْظِيمِ تِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ. يُعْرَضُ كُلُّ مَبْدَإٍ أَوَّلًا مِنْ جِهَةِ مَعْنَاهُ فِي ٱلْفِقْهِ ٱلْإِسْلَامِيِّ (مَذْهَبِ ٱلْحَنَفِيَّةِ)، ثُمَّ تُنَاقَشُ صِلَتُهُ بِمَرَاحِلِ دَوْرَةِ حَيَاةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ (ٱلتَّصْمِيمِ، وَٱلتَّدْرِيبِ، وَٱلْإِدْمَاجِ، وَٱلتَّشْغِيلِ)، ثُمَّ تُسْتَنْتَجُ وُجُودُ نُظُمٍ مُمَاثِلَةٍ فِي مُدَوَّنَاتِ أَخْلَقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ أَوْ يُؤَكَّدُ ٱلتَّفَرُّدُ فِي ٱلْمَنْهَجِ ٱلْإِسْلَامِيِّ.

مَبْدَأُ ٱلنِّيَّةِ (ٱلنِّيَّةُ). فِي ٱلْفِقْهِ ٱلْإِسْلَامِيِّ تُحَدِّدُ ٱلنِّيَّةُ ٱلتَّقْيِيمَ ٱلْأَخْلَاقِيَّ وَٱلْقَانُونِيَّ لِلْفِعْلِ: «إِنَّمَا ٱلْأَعْمَالُ بِٱلنِّيَّاتِ». بِعِبَارَةٍ أُخْرَى، يُنْظَرُ فِي كُلِّ فِعْلٍ أَوْ قَرَارٍ مِنْ خِلَالِ ٱلْغَايَةِ ٱلَّتِي يَقْصِدُهَا ٱلْفَاعِلُ. وَفِي ٱلْفِقْهِ ٱلْحَنَفِيِّ يَعْنِي هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ أَنَّ ٱلتَّبِعَاتِ ٱلشَّرْعِيَّةَ تَدُورُ مَعَ صِدْقِ ٱلنِّيَّةِ لَا مَعَ ٱلصُّوَرِ ٱلْخَارِجِيَّةِ فَقَطْ. فَٱلْعَقْدُ أَوِ ٱلْفِعْلُ يَكْتَسِبُ وَصْفَهُ ٱلْحُكْمِيَّ بِحَسَبِ ٱلْغَرَضِ ٱلْمَقْصُودِ لَدَى ٱلْمُتَعَاقِدِ أَوِ ٱلْفَاعِلِ. وَيَسْنُدُ هٰذَا ٱلْمَبْدَأَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ لِلنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ﷺ: «إِنَّمَا ٱلْأَعْمَالُ بِٱلنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ ٱمْرِئٍ مَا نَوَى»[٥٥].

وَتَطْبِيقًا عَلَى تِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، يَقْتَضِي مَبْدَأُ ٱلنِّيَّةِ أَنْ تُغْرَسَ ٱلْغَايَاتُ ٱلْمَحْمُودَةُ لِٱسْتِعْمَالِ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ مُنْذُ مَرْحَلَةِ ٱلتَّصْمِيمِ وَٱلتَّطْوِيرِ. فَعَلَى ٱلْمُطَوِّرِينَ وَٱلْمُنَظَّمَاتِ أَنْ يُصِيبُوا تَحْدِيدًا وَاضِحًا لِلْخَيْرِ ٱلْمَقْصُودِ مِنَ ٱلنِّظَامِ – مِثْلَ تَيْسِيرِ مَعَايِشِ ٱلنَّاسِ، أَوْ حِمَايَةِ ٱلصِّحَّةِ، أَوْ رَفْعِ كَفَاءَةِ ٱلْعَمَلِيَّاتِ – وَأَنْ يَتَجَنَّبُوا ٱلْغَايَاتِ ٱلسَّيِّئَةَ (كَاِنْتِهَاكِ ٱلْحُقُوقِ، أَوْ إِيقَاعِ ٱلضَّرَرِ، أَوِ ٱلِٱكْتِسَابِ غَيْرِ ٱلْمَشْرُوعِ). وَفِي مَرْحَلَةِ ٱلتَّدْرِيبِ وَٱلْإِدْمَاجِ يَلْزَمُ ٱلِٱحْتِرَازُ لِكَيْ يَتَوَافَقَ ٱلِٱسْتِعْمَالُ ٱلْفِعْلِيُّ مَعَ ٱلنِّيَّاتِ ٱلْمُعْلَنَةِ ٱلْمَحْمُودَةِ. فَإِذَا كَانَتِ ٱلنِّيَّةُ ٱلْأَصْلِيَّةُ أَخْلَاقِيَّةً (مِثْلَ مُسَاعَدَةِ ٱلْإِنْسَانِ)، وَجَبَ أَنْ تَعْكِسَ تَهْيِئَةُ ٱلنِّظَامِ تِلْكَ ٱلْقِيَمَ. وَفِي تَشْغِيلِ أَنْظِمَةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَتَرْجِمُ هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ عَمَلِيًّا فِي مَطْلَبِ ٱلشَّفَافِيَّةِ وَٱتِّسَاقِ ٱلْغَايَةِ وَٱلْوَسِيلَةِ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَّسِقَ فِعْلُ ٱلنِّظَامِ مَعَ ٱلْغَرَضِ ٱلْمَحْمُودِ ٱلَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أُدْمِجَ.

وَفِي مُدَوَّنَاتِ ٱلْأَخْلَاقِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لَا يُوجَدُ فِي ٱلْأَغْلَبِ نَظِيرٌ مُطَابِقٌ لِهٰذَا ٱلْمَبْدَإِ – إِذْ تَنْصَبُّ ٱلْأَخْلَاقُ ٱلدُّنْيَوِيَّةُ أَكْثَرَ عَلَى ٱلْعَوَاقِبِ وَٱلْمَعَايِيرِ مِنْهَا عَلَى دَوَافِعِ ٱلْمُطَوِّرِينَ. وَمَعَ ذٰلِكَ فَإِنَّ فِكْرَةَ تَوْجِيهِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لِخَيْرِ ٱلْإِنْسَانِ تَعْكِسُ جُزْئِيًّا تَوَجُّهًا قَرِيبًا مِنْ تَحْدِيدِ ٱلْأَهْدَافِ ٱلْمَحْمُودَةِ فِي ٱلتَّطْوِيرِ، إِلَّا أَنَّ ٱلتَّرْكِيزَ ٱلْإِسْلَامِيَّ عَلَى ٱلنِّيَّةِ يَبْقَى أَخْصَّ وَأَعْمَقَ وَمَطْلَبًا خُلُقِيًّا بَاطِنِيًّا.

مَبْدَأُ ٱلْإِبَاحَةِ ٱلْأَصْلِيَّةِ (ٱلْأَصْلُ فِي ٱلْأَشْيَاءِ ٱلْإِبَاحَةُ). هٰذَا ٱلْأَصْلُ ٱلْجَوْهَرِيُّ يَقْضِي بِأَنَّ كُلَّ ٱلْأَشْيَاءِ وَٱلْأَفْعَالِ مُبَاحَةٌ فِي ٱلْأَصْلِ، مَا لَمْ يَرِدْ دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى تَحْرِيمِهَا. وَيَعْتَمِدُ ٱلْمَذْهَبُ ٱلْحَنَفِيُّ – كَغَيْرِهِ مِنْ أَكْثَرِ ٱلْمَدَارِسِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ – عَلَى هٰذَا ٱلْمُفْتَرَضِ، فِي جَمِيعِ شُؤُونِ ٱلدُّنْيَا: «كُلُّ مَا فِي ٱلْأَرْضِ مِنْ مَنْفَعَةٍ فَهُوَ مُبَاحٌ لِلْإِنْسَانِ، إِلَّا إِذَا وَرَدَ دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِهِ». وَمَعْنَى ذٰلِكَ أَنَّ كُلَّ ظَاهِرَةٍ أَوْ تِقْنِيَةٍ جَدِيدَةٍ تُعْتَبَرُ حَلَالًا (مُبَاحَةً) بِٱلْأَصْلِ، إِلَّا إِذَا دَلَّ ٱلْقُرْآنُ أَوِ ٱلسُّنَّةُ أَوْ مَبْدَأٌ شَرْعِيٌّ جَلِيٌّ عَلَى تَحْرِيمِهَا.

وَفِي سِيَاقِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَعْنِي هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ أَنَّ تَطْوِيرَ ٱلتِّقْنِيَاتِ ٱلْجَدِيدَةِ وَٱسْتِعْمَالَهَا يُعْتَبَرُ فِي ٱلْأَصْلِ جَائِزًا شَرْعًا. فَلَا وُجُودَ لِمَنْعٍ عَامٍّ عَلَى ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ بِذَاتِهِ: كُلُّ بَرَامِجٍ جَدِيدَةٍ، أَوْ خَوَارِزْمِيَّةٍ، أَوْ أَدَاةٍ يُنْظَرُ إِلَيْهَا نَظْرَةً حِيَادِيَّةً أَوْ إِيجَابِيَّةً، مَا لَمْ يُثْبَتْ أَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي غَرَضٍ مَحْظُورٍ أَوْ تُفْضِي إِلَى نَتَائِجَ غَيْرِ جَائِزَةٍ. وَهٰذَا ٱلنَّهْجُ يُشَجِّعُ ٱلِٱبْتِكَارَ: فَلِلْمُطَوِّرِينَ ٱلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَبْحَثُوا وَيُطَبِّقُوا حُلُولَ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، وَيَعْتَبِرُوهَا حَلَالًا، مَا دَامَتْ لَا تُخَالِفُ نُصُوصًا شَرْعِيَّةً. غَيْرَ أَنَّ مَبْدَأَ ٱلْإِبَاحَةِ لَيْسَ مُطْلَقًا – فَإِذَا تَبَيَّنَ فِي مَرْحَلَةِ ٱلِٱسْتِعْمَالِ، مَثَلًا، أَنَّ نِظَامًا ذَكِيًّا يُسَبِّبُ ضَرَرًا جَسِيمًا لِلنَّاسِ، أَوْ يَنْتَهِكُ حُقُوقَهُمْ، أَوْ يُسْتَعْمَلُ فِي مَجَالَاتٍ حَرَامٍ (كَٱلْمَيْسِرِ، أَوِ ٱلرِّبَا، أَوِ ٱلْإِبَاحِيَّةِ)، فَتُطَبَّقُ مَبَادِئُ أُخْرَى تُقَيِّدُهُ. وَعَلَى هٰذَا، يَدْعُو ٱلْمَبْدَأُ إِلَى ٱلِٱفْتِرَاضِ ٱلْأَوَّلِيِّ بِٱلْخَيْرِ وَٱلْإِبَاحَةِ فِي تِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، مَعَ ٱلِٱسْتِعْدَادِ لِفَرْضِ ٱلْقُيُودِ عِنْدَ ٱلثُّبُوتِ بِٱلضَّرَرِ أَوِ ٱلْمُخَالَفَةِ لِلشَّرْعِ.

وَفِي ٱلْمَنَاهِجِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ يُعْمَلُ فِي ٱلْعَادَةِ بِمِثْلِ هٰذِهِ ٱلْقَاعِدَةِ: فَٱلْحَلُّ ٱلتِّقْنِيُّ ٱلْجَدِيدُ يُعْتَبَرُ مَشْرُوعًا بِٱلْقَانُونِ مَا لَمْ تُكْشَفْ مَخَاطِرُ جَسِيمَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُدَوَّنَاتُ أَخْلَقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لَا تُصَرِّحُ بِذٰلِكَ عَلَى نَحْوٍ جَلِيٍّ. وَأَمَّا ٱلْمَنْهَجُ ٱلْإِسْلَامِيُّ فَيُؤَكِّدُ هٰذِهِ ٱلْحُرِّيَّةَ ٱلْأَصْلِيَّةَ فِي ٱلِٱبْتِكَارِ لِلْخَيْرِ، مَعَ ٱلتَّكْلِيفِ فِي ٱلْوَقْتِ ذَاتِهِ بِمُرَاجَعَةِ مَا إِذَا كَانَ ٱلْمُسْتَحْدَثُ يُنَاقِضُ ٱلْمَحْظُورَاتِ ٱلْأَصِيلَةَ.

مَبْدَأُ ٱلْيَقِينِ (ٱلْيَقِينُ لَا يُزَالُ بِٱلشَّكِّ). يَقْضِي هٰذَا ٱلْقَاعِدَةُ بِأَنَّ «ٱلْحَقِيقَةَ ٱلثَّابِتَةَ لَا تُزَالُ بِٱلرَّيْبِ». وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ شَيْءٌ بِيَقِينٍ فَلَا يَجُوزُ لِلشُّكُوكِ أَوِ ٱلظُّنُونِ ٱلْحَادِثَةِ بَعْدَهُ أَنْ تُبْطِلَ ذٰلِكَ ٱلْعِلْمَ ٱلْمُتَيَقَّنَ. وَفِي ٱلْفِقْهِ ٱلْحَنَفِيِّ تَعْنِي هٰذِهِ ٱلْقَاعِدَةُ أَنَّ ٱلْحَالَةَ أَوِ ٱلْوَاقِعَةَ ٱلسَّابِقَةَ تَبْقَى عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ حَتَّى يَرِدَ نَقْضٌ مِثْلُهُ فِي ٱلثُّبُوتِ وَٱلْقُوَّةِ.

وَعِنْدَ تَطْبِيقِهِ عَلَى ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، فَإِنَّ مَبْدَأَ ٱلْيَقِينِ يَسْتَلْزِمُ أَخْذَ ٱلْقَرَارَاتِ عَلَى أَسَاسِ بَيَانَاتٍ مُتَحَقَّقَةٍ وَمَعَارِفَ مَوْثُوقَةٍ، لَا عَلَى تَخْمِينَاتٍ غَيْرِ مُحَدَّدَةٍ. فِي مَرْحَلَتَيِ ٱلتَّطْوِيرِ وَٱلِٱخْتِبَارِ لِأَنْظِمَةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَعْنِي ذٰلِكَ أَنَّ ٱلْخَصَائِصَ ٱلْمُوَثَّقَةَ وَصِحَّةَ ٱلْخَوَارِزْمِيَّةِ ٱلَّتِي تَمَّ تَحْقِيقُهَا سَلَفًا تُعْتَبَرُ نَافِذَةً حَتَّى يَظْهَرَ دَلِيلٌ قَاطِعٌ يُنَاقِضُهَا. فَمَثَلًا، إِذَا أَظْهَرَ ٱلْمُودِيلُ ٱلذَّكِيُّ فِي ٱلِٱخْتِبَارَاتِ سَلَامَةً وَدِقَّةً، فَلَا يُتْرَكُ ٱلِٱسْتِفَادَةُ مِنْهُ لِمَخَاوِفَ مُجَرَّدَةٍ لَا تُسْنِدُهَا ٱلْوَقَائِعُ. وَعَلَى ٱلْعَكْسِ، إِذَا تَحَقَّقَ كَشْفُ مُشْكِلَةٍ مَوْثُوقَةٍ (كَٱكْتِشَافِ ثُغْرَةٍ خَطِيرَةٍ مَثَلًا) فَلَا يَحِلُّ إِغْفَالُهَا بِحُجَّةِ ٱلشُّبُهَاتِ؛ بَلْ تُعْتَبَرُ خَطَرًا حَقِيقِيًّا وَيَجِبُ مُعَالَجَتُهَا. كَمَا يُحَفِّزُ هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ ٱلْوَقَائِعِ وَٱلِٱحْتِمَالَاتِ فِي عَمَلِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ: فَٱلْقَرَارَاتُ ٱلصَّادِرَةُ عَنِ ٱلْخَوَارِزْمِيَّةِ يَجِبُ تَحْقِيقُهَا فِي مِيزَانِ ٱلثِّقَةِ، خُصُوصًا إِذَا خَالَفَتْ مَا ثَبَتَ بِيَقِينٍ. وَعِنْدَ تَشْغِيلِ ٱلنِّظَامِ لَا يَنْبَغِي لِلْمُشَغِّلِينَ تَغْيِيرُ ٱلْوَضْعِ ٱلتَّشْغِيلِيِّ ٱلْمُقَرَّرِ عَلَى أَسَاسِ شَائِعَاتٍ أَوْ حَوَادِثَ فَرْدِيَّةٍ غَيْرِ مُمَثِّلَةٍ إِحْصَائِيًّا، حَتَّى يُؤَكِّدَ ٱلتَّحْلِيلُ وُجُودَ ٱلْمُشْكِلَةِ.

وَفِي ٱلْمُقَارَبَاتِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ قَلَّمَا يُصَرَّحُ بِهٰذَا ٱلْمَبْدَإِ بِنَصٍّ مُبَاشِرٍ، إِلَّا أَنَّ رُوحَهُ ظَاهِرَةٌ فِي مَطَالِبِ ٱلتَّسْوِيغِ وَٱلِٱسْتِنَادِ إِلَى ٱلْبُرْهَانِ؛ مِثْلَ ٱلْمَنْهَجِ evidence-based (ٱلْمُقَامِ عَلَى ٱلْأَدِلَّةِ) فِي تَقْيِيمِ مَخَاطِرِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ. كَذٰلِكَ تُشَاكِلُهُ قَاعِدَةٌ قَانُونِيَّةٌ هِيَ أَصَالَةُ ٱلْبَرَاءَةِ: فَمَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَاتٌ قَاطِعَةٌ عَلَى ٱلْإِدَانَةِ (أَوِ ٱلضَّرَرِ)، يَبْقَى ٱلْحُكْمُ ٱلسَّابِقُ (ٱلْإِبَاحَةُ وَٱلسَّلَامَةُ). وَعَلَى ذٰلِكَ، فَإِنَّ ٱلْمَبْدَأَ ٱلْإِسْلَامِيَّ لِلْيَقِينِ يُشَجِّعُ نَهْجًا رَصِينًا قَائِمًا عَلَى ٱلْوَقَائِعِ فِي تَنْظِيمِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، وَيُجَنِّبُ ٱلْقَرَارَاتِ ٱلْمُتَعَجِّلَةَ ٱلْمَبْنِيَّةَ عَلَى ٱلِٱفْتِرَاضَاتِ فَقَطْ.

مَبْدَأُ إِزَالَةِ ٱلضَّرَرِ (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ / ٱلضَّرَرُ يُزَالُ). يُعْلِنُ ٱلْفِقْهُ ٱلْإِسْلَامِيُّ حَظْرًا قَاطِعًا لِإِيقَاعِ ٱلضَّرَرِ غَيْرِ ٱلْمُسَوَّغِ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (حَدِيثٌ) – فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُؤْذِيَ نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ عَمْدًا. وَمِنْ هٰذَا تُسْتَنْبَطُ ٱلْقَاعِدَةُ ٱلْعَامَّةُ: كُلُّ ضُرٍّ أَوْ أَذًى مُتَحَقَّقٍ يَجِبُ إِزَالَتُهُ. وَفِي ٱلْفِقْهِ ٱلْحَنَفِيِّ تَعْنِي هٰذِهِ ٱلْقَاعِدَةُ وُجُوبَ دَفْعِ ٱلضَّرَرِ أَوْ تَقْلِيلِهِ عِنْدَ وُجُودِهِ، وَتَحْرِيمَ ٱلْأَفْعَالِ ٱلَّتِي تَؤُولُ إِلَى ٱلْأَذَى دُونَ عِلَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ. فَإِذَا كَانَ مَبْدَأُ ٱلْإِبَاحَةِ (فَقْرَةٌ ٢) يُقَرِّرُ حُرِّيَّةَ ٱلتَّصَرُّفِ، فَإِنَّ مَبْدَأَ «لَا ضَرَرَ» يَرْسُمُ حُدُودَ هٰذِهِ ٱلْحُرِّيَّةِ: فَهِيَ تَنْتَهِي عِنْدَ بُدُوءِ ٱلضَّرَرِ ٱلْمُعْتَبَرِ لِلْفَرْدِ أَوِ ٱلْمُجْتَمَعِ. وَقَدْ بَسَطَتْ ٱلْمَصَادِرُ ٱلْكَلَامَ فِي قَاعِدَةٍ فِقْهِيَّةٍ: «ٱلضَّرَرُ يُزَالُ» – أَيْ يَجِبُ دَفْعُ ٱلضَّرَرِ، وَلَوْ بِتَضْيِيقِ بَعْضِ ٱلْحُرِّيَّاتِ أَوِ ٱلْمَنَافِعِ.

وَفِي مَجَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، يُلْزِمُ هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ بِٱسْتِكْشَافِ ٱلْعَوَاقِبِ ٱلسَّلْبِيَّةِ ٱلْمُحْتَمَلَةِ فِي جَمِيعِ مَرَاحِلِ دَوْرَةِ ٱلْحَيَاةِ، وَٱلْعَمَلِ عَلَى وِقَايَتِهَا. فِي مَرْحَلَةِ ٱلتَّصْمِيمِ، عَلَى ٱلْمُطَوِّرِينَ وُضْعُ أُسُسِ ٱلسَّلَامَةِ فِي ٱلنِّظَامِ، لِكَيْ لَا تُؤَدِّيَ وَظَائِفُهُ إِلَى ٱلْأَذَى بِٱلْأَشْخَاصِ – صِحَّةً جَسَدِيَّةً، أَوْ نَفْسِيَّةً، أَوْ أَمْوَالًا، أَوْ حُقُوقًا. وَفِي مَرْحَلَةِ ٱلتَّدْرِيبِ يَجِبُ عَلَى ٱلتَّدْقِيقِ ٱلْأَخْلَاقِيِّ (Ethical Audit) أَنْ يَتَحَقَّقَ مِنْ خُلُوِّ مَجْمُوعَاتِ ٱلْبَيَانَاتِ ٱلتَّدْرِيبِيَّةِ مِنَ ٱلِٱنْحِيَازِ أَوْ مَا يُفْضِي إِلَى ٱلتَّمْيِيزِ أَوْ ضَرَرٍ يَلْحَقُ فِئَاتٍ مُعَيَّنَةً. وَفِي مَرْحَلَتَيِ ٱلْإِدْمَاجِ وَٱلتَّشْغِيلِ يَفْرِضُ ٱلْمَنْهَجُ ٱلْإِسْلَامِيُّ ٱلْمُرَاقَبَةَ ٱلدَّائِمَةَ: فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ ٱسْتِعْمَالَ ٱلْخَوَارِزْمِيَّةِ يُسَبِّبُ ضَرَرًا – مِثْلَ حَوَادِثِ ٱلسَّيَّارَاتِ ٱلذَّاتِيَّةِ، أَوْ تَسَرُّبِ ٱلْبَيَانَاتِ ٱلشَّخْصِيَّةِ، أَوْ فَصْلِ ٱلْمُوَظَّفِينَ بِغَيْرِ حَقٍّ بِسَبَبِ أَخْطَاءٍ خَوَارِزْمِيَّةٍ – وَجَبَ إِمَّا تَصْحِيحُ إِعْدَادَاتِ ٱلنِّظَامِ أَوْ تَوْقِيفُهُ كُلِّيًّا. وَلَا يَحِلُّ ٱلِٱسْتِمْرَارُ فِي تَشْغِيلِ نِظَامٍ ذَكِيٍّ يَصْدُرُ عَنْهُ ضَرَرٌ بَالِغٌ، بِحُجَّةِ مَنْفَعَتِهِ أَوِ ٱلِٱسْتِثْمَارِ فِيهِ.

وَتَتَّفِقُ كَثِيرٌ مِنَ ٱلْمَبَادِئِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ لِأَخْلَقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ مَعَ هٰذَا ٱلِٱلْزَامِ: فَتُذْكَرُ فِي ٱلْمِيثَاقَاتِ ٱلْمُخْتَلِفَةِ مَبَادِئُ ٱلسَّلَامَةِ (ٱلسَّلَامَةُ)، وَمَبْدَأُ non-maleficence (عَدَمُ إِيقَاعِ ٱلضَّرَرِ)، وَحِفْظُ رَفَاهِ ٱلْإِنْسَانِ. وَعَلَى هٰذَا، فَإِنَّ دَفْعَ ٱلضَّرَرِ أَوْ وَقَايَتَهُ يُعَدُّ مِنْ أُسُسِ كِلَا ٱلْمَنْهَجَيْنِ: ٱلْإِسْلَامِيِّ وَٱلدُّنْيَوِيِّ، غَيْرَ أَنَّ ٱلْمِيثَاقَ ٱلْإِسْلَامِيَّ يَجْعَلُ هٰذَا ٱلْمَبْدَأَ مُطْلَقًا، مُسْتَنِدًا إِلَى وَاجِبٍ دِينِيٍّ وَأَخْلَاقِيٍّ قَاطِعٍ.

مَبْدَأُ ٱلتَّيْسِيرِ عِنْدَ ٱلْمَشَقَّةِ (ٱلْمَشَقَّةُ تَجْلِبُ ٱلتَّيْسِيرَ). يَقْتَضِي هٰذَا ٱلْأَصْلُ ٱلْفِقْهِيُّ أَنَّ «ٱلْمَشَقَّةَ تُفْضِي إِلَى ٱلتَّيْسِيرِ». وَمَبَاعِثُهُ أَنَّ ٱلشَّرِيعَةَ لَمْ تُشْرَعْ لِلتَّعْسِيرِ عَلَى ٱلنَّاسِ، بَلْ إِذَا نَزَلَتْ شِدَّةٌ فَإِنَّ ٱلْأَحْكَامَ تُيَسَّرُ. وَتُقِرُّ ٱلْمَدَارِسُ ٱلْفِقْهِيَّةُ – وَمِنْهَا ٱلْحَنَفِيَّةُ – أَنَّهُ إِذَا اقْتَرَنَ ٱلِٱمْتِثَالُ لِلنَّصِّ بِصُعُوبَةٍ عَمَلِيَّةٍ بَالِغَةٍ أَوْ ضَرَرٍ عَلَى ٱلْمُكَلَّفِ، سَرَتِ ٱلرُّخَصُ. وَٱلْمُهِمُّ أَنْ تُعْطَى ٱلرُّخْصَةُ لِعِلَّةِ ٱلْمَشَقَّةِ ٱلْمُتَحَقِّقَةِ لَا لِٱلْهَوَى؛ فَهٰذَا ٱلْمَبْدَأُ لَا يَنْسَخُ ٱلْمَحْظُورَاتِ، وَلَكِنَّهُ يُخَفِّفُ ٱلتَّكْلِيفَ مُؤَقَّتًا دَفْعًا لِمَا هُوَ أَعْظَمُ ضَرَرًا.

وَفِي مَجَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَتَمَثَّلُ هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ فِي قَابِلِيَّةِ ٱلْمُتَطَلَّبَاتِ وَٱلتَّشْرِيعَاتِ لِلتَّكْيِيفِ. فَمِنْ مَنْظُورٍ إِسْلَامِيٍّ، لَا يَنْبَغِي لِتَنْظِيمِ ٱلتِّقْنِيَاتِ أَنْ يَضَعَ حَوَاجِزَ زَائِدَةً تُعَرْقِلُ ٱلتَّطَوُّرَ إِذَا كَانَ ٱلِٱمْتِثَالُ ٱلْفَوْرِيُّ لِكُلِّ ٱلْمُتَطَلَّبَاتِ ٱلْمِثَالِيَّةِ مُتَعَذِّرًا أَوْ مُجْحِفًا. فَيُمْكِنُ – دُونَ إِخْلَالٍ بِأُصُولِ ٱلسَّلَامَةِ – أَنْ يُمْنَحَتِ ٱلشَّرِكَاتُ ٱلنَّاشِئَةُ ٱلصَّغِيرَةُ أَوِ ٱلدُّوَلُ ذَاتُ ٱلْمَوَارِدِ ٱلْمَحْدُودَةِ مَسَارًا مُيَسَّرًا لِلتَّوَافُقِ مَعَ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، عَلَى مِثَالِ مَا تَعْتَبِرُهُ ٱلشَّرِيعَةُ مِنْ أَحْوَالِ ٱلْمُكَلَّفِ وَطَاقَتِهِ. وَإِذَا اقْتَرَنَ تَطْبِيقُ قَاعِدَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي نِظَامٍ ذَكِيٍّ بِمَشَقَّاتٍ وَتَكَالِيفَ فَادِحَةٍ فِي وَاقِعٍ خَاصٍّ، جَازَ ٱلتَّبْسِيطُ ٱلْمُؤَقَّتُ – عَلَى أَنْ لَا يُعَرِّضَ ٱلْقِيَمَ ٱلْأَسَاسِيَّةَ لِلْخَطَرِ. بَلْ يُسْتَحَبُّ ٱسْتِثْمَارُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي رَفْعِ ٱلْحَرَجِ عَنِ ٱلنَّاسِ: كَتَطْوِيرِ تِقْنِيَاتٍ مُسَاعِدَةٍ لِذَوِي ٱلْإِعَاقَةِ، وَأَتْمَتَةِ ٱلْأَعْمَالِ ٱلشَّاقَّةِ، وَتَحْلِيلِ ٱلْمَعْلُومَاتِ لِدَعْمِ ٱلْقَرَارِ؛ فَهٰذَا كُلُّهُ مِنْ رُوحِ ٱلشَّرِيعَةِ ٱلسَّاعِيَةِ إِلَى ٱلتَّيْسِيرِ فِي ٱلْمَنَافِعِ.

وَإِنْ لَمْ تُصَغْ هٰذِهِ ٱلْقَاعِدَةُ نَصًّا فِي ٱلْمِيثَاقَاتِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ، فَإِنَّ مَبَادِئَ ٱلتَّنَاسُبِ فِي ٱلتَّنْظِيمِ وَإِتَاحَةِ ٱلتِّقْنِيَةِ تُجَانِسُهَا فِي ٱلْمَعْنَى. وَتَكْمُنُ فَرَادَةُ مَنْهَجِ ٱلشَّرِيعَةِ فِي أَنَّ ٱلتَّيْسِيرَ مَبْدَأٌ قَانُونِيٌّ مُعْتَبَرٌ: عِنْدَ تَحَقُّقِ ٱلْمَشَقَّةِ ٱلْعَامَّةِ يَتَّخِذُ ٱلْغَرَضُ وَجْهَةَ ٱلدَّعْمِ وَتَذْلِيلِ ٱلصِّعَابِ، مَعَ صَوْنِ ٱلْأُصُولِ وَٱلثَّوَابِتِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ.

مَبْدَأُ ٱلضَّرُورَةِ (ٱلضَّرُورَةُ تُبِيحُ ٱلْمَحْظُورَاتِ). تَقْضِي هٰذِهِ ٱلْقَاعِدَةُ بِأَنَّ «ٱلضَّرُورَةَ تُبِيحُ ٱلْمَحْظُورَاتِ». فَفِي ٱلْفِقْهِ ٱلْإِسْلَامِيِّ يُعْتَبَرُ مَفْهُومُ «ٱلضَّرُورَةِ» (حَاجَةٌ قُصْوَى تَمَسُّ ٱلْمَصَالِحَ ٱلْحَيَوِيَّةَ) أَسَاسًا لِرَفْعِ بَعْضِ ٱلْمَنَاعِ ٱلْمُعْتَادَةِ مُؤَقَّتًا، بِقَدْرِ مَا يَلْزَمُ لِإِنْقَاذِ ٱلْحَيَاةِ أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ فَادِحٍ. وَمِنْ أَمْثِلَتِهَا ٱلتَّرَاثِيَّةِ جَوَازُ أَكْلِ ٱلطَّعَامِ ٱلْمُحَرَّمِ دَفْعًا لِلْمَوْتِ جُوعًا.

وَفِي مَجَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، يَعْنِي مَبْدَأُ ٱلضَّرُورَةِ أَنَّهُ فِي ٱلظُّرُوفِ ٱلِٱسْتِثْنَائِيَّةِ يُمْكِنُ ٱلتَّرَاخِي عَنْ بَعْضِ ٱلْقُيُودِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ أَوِ ٱلتَّشْرِيعِيَّةِ صَوْنًا لِلْقِيَمِ ٱلْأَسَاسِيَّةِ ٱلْأَعْلَى. فَمَثَلًا: إِذَا كَانَ ٱسْتِعْمَالُ تِقْنِيَةٍ ذَكِيَّةٍ مَحْدُودًا عَادَةً لِأَسْبَابٍ مُتَّصِلَةٍ بِٱلْخُصُوصِيَّةِ أَوِ ٱلْأَخْلَاقِ، ثُمَّ وَقَعَتْ حَالَةُ خَطَرٍ عَلَى ٱلْأَرْوَاحِ (كَٱلْهُجُومِ ٱلْإِرْهَابِيِّ أَوِ ٱلْكَارِثَةِ ٱلطَّبِيعِيَّةِ)، فَيُبِيحُ ٱلْمَنْهَجُ ٱلْإِسْلَامِيُّ ٱلِٱسْتِعْمَالَ ٱلْمُؤَقَّتَ لِهٰذِهِ ٱلتِّقْنِيَةِ – وَلَوْ تَعَدَّى ذٰلِكَ إِلَى ٱنْتِهَاكِ ٱلْخُصُوصِيَّةِ – مَا دَامَ ذٰلِكَ ضَرُورِيًّا لِإِنْقَاذِ ٱلْأَرْوَاحِ وَلَا بَدِيلَ لَهُ. وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذٰلِكَ أَيْضًا: إِذَا ٱقْتَضَى تَدْرِيبُ نَمُوذَجٍ طِبِّيٍّ بَيَانَاتٍ يَصْعُبُ ٱلْحُصُولُ عَلَيْهَا بِٱلْوَجْهِ ٱلْمُعْتَادِ لِقُيُودِ ٱلْخُصُوصِيَّةِ، فَيَجُوزُ فِي حَالِ ٱلْوَبَاءِ ٱلِٱسْتِثْنَاءُ لِتَطْوِيرِ حَلٍّ يُنْقِذُ ٱلْأَرْوَاحَ. وَمِنَ ٱلْمُهِمِّ ٱلتَّنْبِيهُ أَنَّ هٰذِهِ ٱلتَّرْخِيصَاتِ مَحْدُودَةٌ بِحُدُودِ ٱلضَّرُورَةِ: فَمَا إِنْ تَزُولَ ٱلْأَزْمَةُ حَتَّى تَعُودَ ٱلْمَحَاظِيرُ إِلَى نِطَاقِهَا ٱلْكَامِلِ. فَيَكْفُلُ مَبْدَأُ «ٱلضَّرُورَةِ» ٱتِّقَاءَ ٱلتَّشَدُّدِ ٱلْمُفْرِطِ ٱلَّذِي قَدْ يُؤَدِّي إِلَى ٱلْهَلَاكِ أَوِ ٱلضَّرَرِ ٱلْجَسِيمِ، دُونَ أَنْ يُلْغِيَ ٱلْقِيَمَ ٱلْأَخْلَاقِيَّةَ نَفْسَهَا، بَلْ يُعَلِّقُ تَطْبِيقَهَا مُؤَقَّتًا فِي وَقْتِ ٱلْأَزْمَةِ.

وَفِي ٱلْمَنَاهِجِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ تَظْهَرُ أَفْكَارٌ مُشَابِهَةٌ فِي مَفَاهِيمِ «ٱلْحَالَةِ ٱلطَّارِئَةِ» وَ«ٱلدِّفَاعِ ٱلضَّرُورِيِّ»: فَتُجِيزُ ٱلْقَوَانِينُ خِرَاقَ بَعْضِ ٱلْحُقُوقِ أَوِ ٱلْإِجْرَاءَاتِ لِلْمَصْلَحَةِ ٱلْعَامَّةِ عِنْدَ ٱلظُّرُوفِ ٱلِٱسْتِثْنَائِيَّةِ. وَإِنْ كَانَتْ هٰذِهِ ٱلْحَالَاتُ تُفَصَّلُ عَلَى حِدَةٍ، فَإِنَّ ٱلْأَصْلَ وَاحِدٌ: ٱلضَّرُورَةُ تُبِيحُ ٱلتَّرَاخِيَ ٱلْمُؤَقَّتَ عَنِ ٱلْقَوَاعِدِ. وَيَمْتَازُ ٱلْمِيثَاقُ ٱلْإِسْلَامِيُّ بِإِدْرَاجِ هٰذَا ٱلْمَبْدَإِ صَرَاحَةً، مَعَ تَحْدِيدِ مَعَالِمَ أَخْلَاقِيَّةٍ جَلِيَّةٍ لِمَتَى وَكَيْفَ يُسْتَثْنَى لِحِفْظِ أَعْلَى ٱلْقِيَمِ – كَٱلْحَيَاةِ، وَٱلصِّحَّةِ، وَأَمْنِ ٱلْمُجْتَمَعِ.

مَبْدَأُ ٱلْعَفْوِ عَنِ ٱلْخَطَإِ وَٱلنِّسْيَانِ وَٱلْإِكْرَاهِ (رَفْعُ ٱلْخَطَإِ وَٱلنِّسْيَانِ وَٱلْإِكْرَاهِ)

يُقِرُّ ٱلْإِسْلَامُ بِنَفْيِ ٱلْإِثْمِ عَنِ ٱلْفِعْلِ ٱلَّذِي وَقَعَ خَطَأً أَوْ نِسْيَانًا أَوْ تَحْتَ إِكْرَاهٍ خَارِجِيٍّ. وَقَدْ وَرَدَ فِي ٱلْحَدِيثِ: «إِنَّ ٱللّٰهَ تَجَاوَزَ لِهٰذِهِ ٱلْأُمَّةِ عَنِ ٱلْخَطَإِ وَٱلنِّسْيَانِ وَمَا ٱسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ». وَفِي ٱلْفِقْهِ ٱلْحَنَفِيِّ وَٱلْفِقْهِ ٱلْإِسْلَامِيِّ عَامَّةً يُفْهَمُ مِنْ ذٰلِكَ أَنَّ ٱلْمَرْءَ لَا يَتَحَمَّلُ وِزْرًا وَلَا عُقُوبَةً عَلَى ٱلْمُخَالَفَةِ غَيْرِ ٱلْمُتَعَمَّدَةِ، أَوْ عَلَى مَا صَدَرَ مِنْهُ دُونَ ٱخْتِيَارٍ وَعِيٍّ (فِي حَالِ ٱلنِّسْيَانِ)، أَوْ تَحْتَ تَهْدِيدٍ وَقَهْرٍ. وَيَعْكِسُ هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ رَحْمَةَ ٱلشَّرِيعَةِ وَعَدْلَهَا: فَلَا يُنْسَبُ إِلَى ٱلْمُكَلَّفِ مَا لَا سَيْطَرَةَ لَهُ عَلَيْهِ.

فِي سِيَاقِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَسْتَلْزِمُ هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ مُقَارَبَةً أَلْيَنَ لِلْأَخْطَاءِ وَٱلْأَعْطَالِ ٱلَّتِي لَمْ تَنْجُمِ عَنْ سُوءِ نِيَّةٍ بَلْ عَنْ تَسَاوُقِ ٱلظُّرُوفِ. فَإِذَا أَخْطَأَ مُطَوِّرٌ فِي ٱلْبَرْمَجَةِ دُونَ تَوَقُّعٍ لِآثَارِهَا ٱلضَّارَّةِ، فَٱلْأَخْلَاقِيَّةُ ٱلْإِسْلَامِيَّةُ لَا تُسَاوِيهِ بِٱلْمُسِيءِ عَمْدًا – عَلَى أَنْ يُبَادِرَ بَعْدَ ٱكْتِشَافِ ٱلْمُشْكِلَةِ إِلَى بَذْلِ ٱلْوُسْعِ فِي إِصْلَاحِهَا (وَإِلَّا جَرَى مَبْدَأُ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ). وَكَذٰلِكَ ٱلْمُشَغِّلُ لِنِظَامِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلَّذِي ٱسْتَعْمَلَ ٱلْبَيَانَاتِ خِلَافًا لِلصَّوَابِ دُونَ عَمْدٍ، أَوْ نَسِيَ تَحْدِيثَ ٱلْمُودِيلِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِٱلْعُذْرِ وَفُرْصَةِ ٱلتَّصْوِيبِ وَلَا يُعَاجَلُ بِٱلْعُقُوبَةِ – خُصُوصًا إِذَا بَادَرَ هُوَ نَفْسُهُ بِإِبْلَاغِ ٱلْخَلَلِ. وَتَبْرُزُ صِلَةُ ٱلْمَبْدَإِ أَيْضًا حِينَ يَعْمَلُ ٱلْمُخْتَصُّونَ تَحْتَ ضَغْطِ ٱلْإِدَارَةِ أَوِ ٱلسُّلُطَاتِ: فَإِذَا اطُّرُّوا إِلَى تَنْفِيذِ وَظِيفَةٍ ذَكِيَّةٍ وَهُمْ يُدْرِكُونَ شُبْهَتَهَا ٱلْأَخْلَاقِيَّةَ، خَفَّتْ مَسْؤُولِيَّتُهُمُ ٱلشَّخْصِيَّةُ بِقَدْرِ مَا تَحَقَّقَ مِنْ إِكْرَاهٍ – وَإِنْ لَمْ يُبَرِّرْ ذٰلِكَ نَفْسَ ٱلضَّرَرِ، بَلْ يَتَوَجَّهُ ٱلْإِنْكَارُ أَشَدُّهُ إِلَى ٱلْمُبَادِرِ ٱلْحَقِيقِيِّ.

وَفِي ٱلْقَوَانِينِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ تَظْهَرُ مَعَانٍ قَرِيبَةٌ بِمَفَاهِيمِ «قَصْدِ ٱلْجِنَايَةِ» (mens rea) وَٱلتَّفْرِيقِ بَيْنَ ٱلْأَفْعَالِ ٱلْمُتَعَمَّدَةِ وَغَيْرِ ٱلْمُتَعَمَّدَةِ. كَمَا أَنَّ أَخْلَقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلْمُجْتَمَعِ ٱلتِّقْنِيِّ تَتَّجِهُ مُتَزَايِدًا نَحْوَ ثَقَافَةِ «just culture»، حَيْثُ تُتَّخَذُ ٱلْأَخْطَاءُ سَبِيلًا لِلتَّعَلُّمِ وَتَحْسِينِ ٱلنِّظَامِ، لَا مَظِنَّةً لِلْعُقُوبَةِ إِذَا عُدِمَ ٱلسُّوءُ ٱلْمَقْصُودُ. وَعَلَى ذٰلِكَ يُلْهِمُ ٱلْمَبْدَأُ ٱلْإِسْلَامِيُّ نِظَامَ ٱلتَّنْظِيمِ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لِيَكُونَ مُنْصِفًا فِي ٱعْتِبَارِ ٱلْعَامِلِ ٱلْبَشَرِيِّ: فَلَا يُعَاقَبُ غَيْرُ ٱلْمُتَجَرِّمِ، بَلْ تُصَحَّحُ ٱلْأَخْطَاءُ وَتُسَدُّ ذَرَائِعُهَا، وَتُحْمَلُ ٱلْمَسْؤُولِيَّةُ ٱلْأَسَاسِيَّةُ عَلَى ٱلْقَرَارَاتِ ٱلْمُتَعَمَّدَةِ لَا عَلَى ٱلْهَفَوَاتِ غَيْرِ ٱلْمَقْصُودَةِ.

مَبْدَأُ ٱلْعَدْلِ. إِنَّ ٱلْعَدْلَ هُوَ ٱلرُّكْنُ ٱلرَّاسِخُ فِي ٱلرُّؤْيَةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ وَٱلْفِقْهِ. وَقَدْ أَمَرَ ٱللّٰهُ تَعَالَى فِي ٱلْقُرْآنِ مَرَّاتٍ عِدَّةً بِإِقَامَةِ ٱلْعَدْلِ (مَثَلًا: ٱلْقُرْآنُ ١٦:٩٠)، وَنَهَى ٱلنَّبِيُّ ﷺ فِي ٱلْأَحَادِيثِ عَن كُلِّ مَظَاهِرِ ٱلظُّلْمِ. وَمِنَ ٱلْمَعْنَى ٱلْفِقْهِيِّ، فَإِنَّ مَبْدَأَ ٱلْعَدْلِ يَقْتَضِي ٱلْمُعَامَلَةَ ٱلْمُنْصِفَةَ وَٱلْمُسَاوِيَةَ بَيْنَ ٱلْجَمِيعِ، وَإِعْطَاءَ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَصَوْنَ ٱلْحُقُوقِ دُونَ مَيْلٍ أَوْ إِجْحَافٍ.

وَعِنْدَ تَطْبِيقِ هٰذَا ٱلْمَبْدَإِ عَلَى ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، يَتَطَلَّبُ أَنْ تُطَوَّرَ وَتُسْتَعْمَلَ ٱلتِّقْنِيَاتُ دُونَ إِيقَاعِ ضَرَرٍ أَوْ تَفْضِيلٍ غَيْرِ مُبَرَّرٍ لِفِئَةٍ عَلَى أُخْرَى. فَيَجِبُ إِخْضَاعُ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ لِٱلْفَحْصِ لِلتَّأَكُّدِ مِنْ خُلُوِّهَا مِنَ ٱلِٱنْحِيَازِ: فَمَثَلًا، فِي أَنْظِمَةِ ٱلتَّرْتِيبِ أَوِ ٱلتَّوْظِيفِ أَوِ ٱلْقَضَاءِ، يَلْزَمُ تَدْرِيبُهَا عَلَى مَجْمُوعَاتِ بَيَانَاتٍ مُتَوَازِنَةٍ لِكَيْ لَا تُحَابِيَ أَوْ تُمَيِّزَ عَلَى أَسَاسِ ٱلْعِرْقِ أَوِ ٱلْجِنْسِ أَوِ ٱلدِّينِ أَوِ ٱلْمَنْزِلَةِ ٱلِٱجْتِمَاعِيَّةِ. كَمَا أَنَّ إِدْمَاجَ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْضِيَ إِلَى زِيَادَةِ ٱلَّاِمْتِيَازَاتِ أَوِ ٱلْفَوَارِقِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ – مِنْ مَنْظُورٍ إِسْلَامِيٍّ – أَنْ تَتَوَزَّعَ مَنَافِعُ ٱلتِّقْنِيَاتِ ٱلْجَدِيدَةِ بِٱلْعَدَالَةِ بَيْنَ فِئَاتِ ٱلْمُجْتَمَعِ، وَلَا تَنْحَصِرَ فِي يَدِ نُخْبَةٍ ضَيِّقَةٍ. كَمَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ ٱلْحَوْكَمَةُ (AI governance) عَادِلَةً: فَجَمِيعُ ٱلْأَطْرَافِ ٱلْمَعْنِيَّةِ – مِنَ ٱلْمُطَوِّرِينَ إِلَى ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ – يَنْبَغِي أَنْ يُتَاحَ لَهُمْ ٱلتَّعْبِيرُ عَنْ مَخَاوِفِهِمْ، وَأَنْ تُصَانَ حُقُوقُهُمْ. وَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ نِظَامًا ذَكِيًّا سَبَّبَ ضَرَرًا، فَإِنَّ مَبْدَأَ ٱلْعَدْلِ يُوجِبُ تَعْوِيضَ ٱلْمُتَضَرِّرِينَ وَمُحَاسَبَةَ ٱلْمُتَسَبِّبِينَ (فِي إِطَارِ مَبْدَإِ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ).

وَفِي ٱلْمِيثَاقَاتِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ لِأَخْلَقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، يُعْطَى لِمَبْدَإِ ٱلْعَدَالَةِ (fairness → ٱلْعَدَالَةُ) مَكَانَةٌ مَرْكَزِيَّةٌ مَعَ ٱلتَّرْكِيزِ عَلَى ٱلْمُسَاوَاةِ وَعَدَمِ ٱلتَّمْيِيزِ، إِلَى جَانِبِ قِيَمٍ أُخْرَى كَٱلشَّفَافِيَّةِ وَٱلْمَسْؤُولِيَّةِ. وَعَلَى ٱلرَّغْمِ مِنَ ٱلتَّوَافُقِ ٱلْوَاضِحِ فِي ٱلْمُضْمُونِ، فَإِنَّ ٱلْمَنْهَجَ ٱلْإِسْلَامِيَّ يَمْتَازُ بِجَعْلِ ٱلْعَدَالَةِ أَمْرًا إِلٰهِيًّا مُلْزِمًا، يُضْفِي عَلَيْهَا طَابِعًا رُوحِيًّا وَأَخْلَاقِيًّا فَرِيدًا.

مَبْدَأُ ٱلضَّمَانِ / ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ

فِي ٱلْفِقْهِ ٱلْإِسْلَامِيِّ يَتَحَمَّلُ كُلُّ ذِي صِفَةٍ ٱلْمَسْؤُولِيَّةَ عَنْ عَوَاقِبِ أَفْعَالِهِ. فَمَصْطَلَحُ «ٱلدَّمَانِ» يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ تَحَمُّلِ ٱلتَّعْوِيضِ عَنِ ٱلضَّرَرِ ٱلَّذِي أَحْدَثَهُ ٱلشَّخْصُ: فَإِنْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ أَوْ أَصَابَ صِحَّتَهُ بِأَذًى، وُجِبَ عَلَيْهِ جَبْرُ ٱلضَّرَرِ. وَمَفْهُومُ «ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ» أَوْسَعُ، إِذْ يَشْمَلُ ٱلْمُسَاءَلَةَ ٱلْأَخْلَاقِيَّةَ وَٱلْقَانُونِيَّةَ عَنْ ٱلْقَرَارَاتِ.

وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، فَإِنَّ مَبْدَأَ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ يَقْتَضِي أَنْ يُعَرَّفَ تَعْرِيفًا وَاضِحًا ٱلْمُطَوِّرُونَ وَمُلَّاكُ ٱلْأَنْظِمَةِ وَمُشَغِّلُوهَا كَأَطْرَافٍ مُسْؤُولَةٍ عَنْ أَدَاءِ هٰذِهِ ٱلْأَنْظِمَةِ. إِنَّ ٱلْمِيثَاقَ ٱلْإِسْلَامِيَّ لَا يَقْبَلُ فِكْرَةَ «رَفْعِ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ» عَنِ ٱلْإِنْسَانِ وَإِلْقَائِهَا عَلَى ٱلْآلَةِ: وَإِنْ كَانَ ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ قَدْ يَعْمَلُ بِشَكْلٍ مُسْتَقِلٍّ، فَإِنَّ ٱلْمَسْؤُولِيَّةَ ٱلْأَخْلَاقِيَّةَ وَٱلْقَانُونِيَّةَ عَنْ قَرَارَاتِهِ تَقَعُ عَلَى مَنْ صَمَّمَهُ وَأَطْلَقَهُ. فَإِذَا أَحْدَثَ ٱلْخَوَارِزْمُ ضَرَرًا – كَحَادِثَةِ سَيَّارَةٍ ذَاتِيَّةِ ٱلْقِيَادَةِ، أَوْ تَشْخِيصٍ طِبِّيٍّ خَاطِئٍ صَادِرٍ عَنْ نِظَامٍ ذَكِيٍّ، أَوْ تَسَرُّبِ بَيَانَاتٍ – وُجِبَ عَلَى ٱلْفَوَاعِلِ ٱلْبَشَرِيَّةِ ٱلْمُدِيرَةِ أَنْ تَتَحَمَّلَ ٱلْمَسْؤُولِيَّةَ: بِإِظْهَارِ سَبَبِ ٱلْخَلَلِ، وَمُعَالَجَةِ ٱلْمُشْكِلَةِ، وَتَعْوِيضِ ٱلْمُتَضَرِّرِينَ. وَهٰذَا مُتَّسِقٌ مَعَ مَبْدَإِ مُشَارَكَةِ ٱلْإِنْسَانِ فِي ٱلدَّوْرَةِ (human-in-the-loop)، ٱلْمُقْتَضِي لِٱلرِّقَابَةِ وَٱلتَّدَخُّلِ ٱلْبَشَرِيَّيْنِ. وَعِنْدَ إِدْمَاجِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ تَحْمِلُ ٱلشَّرِكَةُ أَوِ ٱلْجِهَازُ ٱلْحُكُومِيُّ «أَمَانَةً» – أَيْ مَسْؤُولِيَّةً أَمَامَ ٱللّٰهِ وَٱلْمُجْتَمَعِ عَنْ حُسْنِ تَطْبِيقِ ٱلتِّقْنِيَةِ.

وَفِي ٱلْخِطَابِ ٱلدُّنْيَوِيِّ ٱلْمُعَاصِرِ تُعْرَضُ مَطَالِبُ قَرِيبَةٌ تَحْتَ مُصْطَلَحِ «ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ» (accountability): إِذْ تُؤَكِّدُ قَوَائِمُ مَبَادِئِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ عَلَى ضَرُورَةِ وُجُودِ أَشْخَاصٍ مَسْؤُولِينَ وَآلِيَّاتِ مُسَاءَلَةٍ. وَٱلْفَارِقُ أَنَّ ٱلْمَنْظُورَ ٱلْإِسْلَامِيَّ يُضِيفُ بُعْدًا دِينِيًّا: فَٱلْمَسْؤُولِيَّةُ لَيْسَتْ نِظَامًا قَانُونِيًّا فَقَطْ، بَلْ هِيَ كَذٰلِكَ وَاجِبٌ أَخْلَاقِيٌّ أَمَامَ ٱللّٰهِ، وَخُصُوصًا عِنْدَ تَسْخِيرِ تِقْنِيَاتٍ قَوِيَّةٍ قَادِرَةٍ عَلَى ٱلتَّأْثِيرِ فِي مَصَائِرِ ٱلنَّاسِ.

مَبْدَأُ مُطَابَقَةِ ٱلْوَسَائِلِ لِلْمَقَاصِدِ (ٱلْوَسَائِلُ لَهَا أَحْكَامُ ٱلْمَقَاصِدِ). يُقَرِّرُ هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ أَنَّ ٱلْوَسِيلَةَ فِي حُكْمِهَا ٱلشَّرْعِيِّ تَتَبَعُ ٱلْغَايَةَ ٱلَّتِي تَخْدِمُهَا. وَمَعْنَاهُ أَنَّ ٱلْغَرَضَ هُوَ ٱلَّذِي يُلْقِي بِلَوْنِهِ عَلَى ٱلْوَسِيلَةِ: فَإِنْ كَانَتِ ٱلْغَايَةُ وَاجِبَةً أَوْ مَحْمُودَةً، كَانَتِ ٱلْأَفْعَالُ ٱلْمُفْضِيَةُ إِلَيْهَا عَلَى قَدْرِهَا، وَإِنْ كَانَتِ ٱلْغَايَةُ مُحَرَّمَةً أَوْ مَذْمُومَةً، صَارَتِ ٱلْخُطُوَاتُ إِلَيْهَا مَذْمُومَةً، وَلَوْ بَدَتْ فِي ذَوَاتِهَا مُبَاحَةً. وَهُوَ مَبْدَأٌ مُرْتَبِطٌ بِٱلنِّيَّةِ (ٱلْمَبْدَأُ ٱلْأَوَّلُ): فَٱلْعِبْرَةُ لَيْسَتْ بِٱلشَّكْلِ ٱلظَّاهِرِيِّ، بَلْ بِٱلْغَايَةِ ٱلْمَقْصُودَةِ. فَقَدْ بَيَّنَ ٱلْفُقَهَاءُ ٱلْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فَصْلُ ٱلْوَسَائِلِ عَنْ مَقَاصِدِهَا. فَمَثَلًا: إِذَا كَانَ إِعَانَةُ ٱلْفُقَرَاءِ غَايَةً وَاجِبَةً، فَإِنَّ جَمْعَ ٱلْمَالِ وَٱلْخُطُوَاتِ ٱلتَّنْظِيمِيَّةَ لِذٰلِكَ تَصِيرُ وَاجِبَةً بِقَدْرِهَا. وَإِنْ أَرَادَ شَخْصٌ شِرَاءَ عِنَبٍ بِنِيَّةِ صُنْعِ ٱلْخَمْرِ، كَانَ فِعْلُهُ مُحَرَّمًا لِأَجْلِ غَايَتِهِ، وَلَوْ أَنَّ شِرَاءَ ٱلْعِنَبِ فِي ذَاتِهِ مُبَاحٌ. فَٱلْحُكْمُ ٱلْأَخْلَاقِيُّ وَٱلْفِقْهِيُّ لِـ «ٱلطُّرُقِ» مَرْهُونٌ بِوُجْهَتِهَا.

وَفِي تَطْبِيقِ ذٰلِكَ عَلَى ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، يَتَطَلَّبُ ٱلْمَبْدَأُ تَقْيِيمَ تَطْوِيرِ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ وَٱسْتِعْمَالِهَا فِي ضَوْءِ غَايَتِهَا ٱلنِّهَائِيَّةِ. فَإِنَّ إِنْشَاءَ نِظَامٍ ذَكِيٍّ لَيْسَ مُحَايِدًا: بَلْ يَكْتَسِبُ مَوْقِفَهُ ٱلْأَخْلَاقِيَّ مِمَّا يُرَادُ بِهِ. فَإِذَا كَانَتِ ٱلْغَايَةُ نَبِيلَةً – كَتَطْوِيرِ ٱلطِّبِّ، أَوِ ٱلتَّعْلِيمِ، أَوْ تَخْفِيفِ مَشَقَّةِ ٱلْعَمَلِ – فَإِنَّ إِنْشَاءَ مِثْلِ هٰذَا ٱلنِّظَامِ يُعَدُّ مَحْمُودًا، وَقَدْ يَصِلُ إِلَى دَرَجَةِ ٱلْوُجُوبِ (فِي إِطَارِ فَرْضِ ٱلْكِفَايَةِ لِكُلِّ ٱكْتِشَافٍ نَافِعٍ لِلْمُجْتَمَعِ). أَمَّا إِذَا كَانَتِ ٱلْغَايَةُ مَذْمُومَةً – كَٱلِٱنْتِهَاكِ ٱلْجَمَاعِيِّ لِلْخُصُوصِيَّةِ، أَوْ نَشْرِ ٱلرَّذِيلَةِ، أَوْ تَطْوِيرِ سِلَاحٍ لِعُدْوَانٍ غَيْرِ عَادِلٍ – فَإِنَّ ٱلِٱنْخِرَاطَ فِي هٰذِهِ ٱلْمَشَارِيعِ يَكُونُ إِثْمًا فِي ذَاتِهِ، وَلَوْ بَدَا عَمَلُ ٱلْمُهَنْدِسِ «فَنِّيًّا مُحَايِدًا». وَيَفْرِضُ ٱلْمَنْظُورُ ٱلْإِسْلَامِيُّ عَلَى ٱلْمُتَخَصِّصِينَ أَنْ يَسْأَلُوا أَنْفُسَهُمْ: «إِلَى أَيِّ غَايَةٍ تَخْدِمُ تِقْنِيَتِي؟» وَأَنْ يُوَائِمُوا أَعْمَالَهُمْ مَعَ ٱلتَّقْيِيمِ ٱلْأَخْلَاقِيِّ لِهٰذِهِ ٱلْغَايَةِ. وَفِي تَنْظِيمِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَتَجَلَّى ذٰلِكَ فِي أَنَّ ٱلْإِبَاحَةَ أَوِ ٱلْمَنْعَ لَا يُحَدَّدَانِ فِي ضَوْءِ صِفَاتِ ٱلتِّقْنِيَةِ فَقَطْ، بَلْ بِسِيَاقِهَا وَنِيَّةِ ٱسْتِعْمَالِهَا.

وَفِي ٱلْأَخْلَقِيَّاتِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ، يُعْلَنُ كَثِيرًا مَبْدَأُ «ٱلْغَايَاتُ ٱلْحَسَنَةُ لَا تُبَرِّرُ ٱلْوَسَائِلَ غَيْرَ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ»، وَهُوَ ٱلْجَانِبُ ٱلْمُقَابِلُ لِقَاعِدَتِنَا. وَتَشْتَرِطُ ٱلْمِيثَاقَاتُ ٱلْمُعَاصِرَةُ أَنْ لَا يُخَالَفَتِ ٱلْمَبَادِئُ ٱلْأَسَاسِيَّةُ فِي سَبِيلِ غَايَةٍ نَافِعَةٍ. وَهُنَا يَبْرُزُ ٱلتَّقَاطُعُ: فَٱلْعَمَلِيَّةُ وَٱلنَّتِيجَةُ لَا يُفْصَلُ بَيْنَهُمَا. غَيْرَ أَنَّ ٱلْمَنْظُورَ ٱلْإِسْلَامِيَّ يَتَعَامَلُ مَعَ ذٰلِكَ كَقَاعِدَةٍ فِقْهِيَّةٍ: فَتَنْتَقِلُ قِيمَةُ ٱلْغَايَةِ مُبَاشَرَةً إِلَى ٱلْوَسِيلَةِ. وَبِذٰلِكَ يَصِيرُ تَنْظِيمُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلشَّرِيعَةِ أَكْثَرَ غَايَاتِيًّا: فَٱلْأَدَاةُ ٱلْوَاحِدَةُ قَدْ تَكُونُ مَشْرُوعَةً أَوْ مَمْنُوعَةً بِٱخْتِلَافِ غَايَةِ ٱسْتِعْمَالِهَا.

مَبْدَأُ سَدِّ ٱلذَّرَائِعِ. يُكْمِلُ هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ ٱلسَّابِقَ: فَإِذَا كَانَ فِعْلٌ مَا مُبَاحًا فِي ٱلظَّاهِرِ لٰكِنَّهُ يَكُونُ «بَابًا» يُفْضِي إِلَى ٱلْمَحْظُورِ، وَجَبَ إِغْلَاقُ هٰذَا ٱلْبَابِ. وَمَعْنَى سَدِّ ٱلذَّرَائِعِ هُوَ «مَنْعُ ٱلطُّرُقِ (إِلَى ٱلِٱسْتِغْلَالِ ٱلْمُحَرَّمِ)». وَفِي ٱلْفِقْهِ ٱلْإِسْلَامِيِّ – وَإِنْ كَانَ قَدِ ٱشْتُهِرَ عِنْدَ ٱلْمَالِكِيَّةِ وَٱلْحَنْبَلِيَّةِ – إِلَّا أَنَّ ٱلْحَنَفِيَّةَ تَعْتَبِرُهُ أَيْضًا فِي صُوَرٍ مُعَيَّنَةٍ: فَيُنْهَى عَنِ ٱلْأَفْعَالِ أَوِ ٱلْوَسَائِلِ ٱلَّتِي يَغْلِبُ عَلَى ٱلظَّنِّ أَنَّهَا تُفْضِي إِلَى ٱلْحَرَامِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مُحَرَّمَةً فِي ذَوَاتِهَا.

وَفِي مَجَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَدْعُو مَبْدَأُ سَدِّ ٱلذَّرَائِعِ ٱلْمُشَرِّعِينَ وَٱلْمُطَوِّرِينَ إِلَى ٱلِٱسْتِبَاقِ فِي تَعَرُّفِ ٱلِٱسْتِخْدَامَاتِ ٱلْخَطِرَةِ وَوَضْعِ ٱلْقُيُودِ قَبْلَ تَفَاقُمِهَا، لِكَيْ لَا يَصِيرَ ٱلِٱنْحِرَافُ مُنْتَشِرًا. فَإِذَا كَانَتْ نَمُوذَجَاتٌ أَوْ بَرَامِجُ مُعَيَّنَةٌ مُحَايِدَةً فِي ذَوَاتِهَا، وَلٰكِنْ مَعْرُوفَةً بِصَلَاحِيَّتِهَا لِغَايَاتٍ مَحْظُورَةٍ، فَإِنَّ ٱلْمَنْهَجَ ٱلْإِسْلَامِيَّ يَمِيلُ إِلَى مَنْعِهَا أَوْ تَشْدِيدِ ٱلرِّقَابَةِ عَلَيْهَا. وَمِنْ ذٰلِكَ تِقْنِيَّةُ «ٱلتَّزْيِيفِ ٱلْعَمِيقِ» (Deepfake) ٱلَّتِي تُمْكِنُ ٱلِٱنْتِفَاعُ بِهَا فِي ٱلتَّرْفِيهِ، وَلٰكِنَّهَا تُوَفِّرُ أَيْضًا أَدَوَاتٍ لِٱلْخِدَاعِ ٱلْجَمَاعِيِّ وَٱلْقَذْفِ وَٱلْإِبَاحِيَّةِ؛ فَيَقْتَضِي ٱلْمَبْدَأُ تَقْيِيدَ إِتَاحَتِهَا وَٱسْتِعْمَالِهَا مُبَكِّرًا، حَتَّى إِلَى حَدِّ تَجْرِيمِ ٱلِٱسْتِخْدَامِ ٱلسَّيِّئِ لَهَا. وَعَلَى ٱلْمِنْوَالِ نَفْسِهِ، قَدْ تُعَدُّ مَسَارَاتٌ بَحْثِيَّةٌ كَٱلْأَسْلِحَةِ ٱلذَّاتِيَّةِ ٱلْقَتْلِ أَوِ ٱلرَّقَابَةِ ٱلشَّامِلَةِ خَطِرَةً فِي مَآلَاتِهَا، فَيَضَعُ لَهَا ٱلشَّرْعُ «حَاجِزًا» يَمْنَعُ ٱلتَّسْوِيغَ لِسُلُوكِهَا.

وَفِي ٱلِٱسْتِرَاتِيجِيَّاتِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ مَا يُشَاكِلُ ذٰلِكَ: فَقَدْ تُحَدَّدُ تَطْبِيقَاتٌ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لِلْمَنْعِ ٱلْمُسْبَقِ لِأَنَّهَا تُخَالِفُ ٱلْحُقُوقَ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ – كَٱلتَّصْنِيفِ ٱلِٱجْتِمَاعِيِّ ٱلشَّامِلِ لِلْمُواطِنِينَ، أَوِ ٱلتَّعَرُّفِ عَلَى ٱلْوُجُوهِ فِي ٱلزَّمَنِ ٱلْحَقِيقِيِّ بِدُونِ مُوَافَقَةٍ. غَيْرَ أَنَّ ٱلْمَنْهَجَ ٱلْإِسْلَامِيَّ يُؤَسْسُ هٰذِهِ ٱلْفِكْرَةَ كَوَاجِبٍ مُؤَسَّسِيٍّ: ٱلِٱسْتِبَاقُ لِمَنْعِ ٱلْحَرَامِ بِسَدِّ طُرُقِهِ مُنْذُ مَرْحَلَةِ ٱلْوَسِيلَةِ، لِتَكُونَ حَوْكَمَةُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ (ٱلْحَوْكَمَةُ) قَائِمَةً عَلَى دَفْعِ ٱلضَّرَرِ قَبْلَ حُدُوثِه.

مَبْدَأُ تَقْدِيمِ ٱلْمَصْلَحَةِ (ٱلْمَصْلَحَةُ) عَلَى ٱلْمَفْسَدَةِ (ٱلْمَفْسَدَةُ). غَايَةُ ٱلشَّرِيعَةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ تَحْقِيقُ أَعْظَمِ نَفْعٍ لِلنَّاسِ وَتَقْلِيلُ ٱلشَّرِّ إِلَى أَدْنَى حَدٍّ. وَهٰذَا ٱلْمَبْدَأُ يُقَرِّرُ أَنَّهُ عِنْدَ تَقْوِيمِ ٱلْأَفْعَالِ يُنْظَرُ إِلَى مَجْمُوعِ مِيزَانِ ٱلْمَنَافِعِ وَٱلْمَضَارِّ، مَعَ ٱلسَّعْيِ لِتَكْثِيرِ ٱلْأُولَى وَتَقْلِيلِ ٱلْأُخْرَى. فَإِذَا ٱشْتَمَلَ ٱلْفِعْلُ عَلَى مَصْلَحَةٍ وَمَفْسَدَةٍ، وُزِنَتَا: فَإِنْ غَلَبَتِ ٱلْمَصْلَحَةُ قُدِّمَ ٱلْإِبَاحَةُ، لِأَنَّ ٱلْخَيْرَ ٱلْغَالِبَ يَرْجَحُ عَلَى ٱلشَّرِّ ٱلْأَدْنَى، وَإِنْ غَلَبَتِ ٱلْمَفْسَدَةُ مُنِعَ ٱلْفِعْلُ. وَفِي ٱلْفِقْهِ ٱلْحَنَفِيِّ تَتَجَلَّى هٰذِهِ ٱلْفِكْرَةُ فِي ٱلِٱعْتِمَادِ عَلَى ٱلْمَصْلَحَةِ ٱلْعَامَّةِ عِنْدَ ٱلِٱسْتِنْبَاطِ: فَكُلُّ مَا يَحْفَظُ ٱلْقِيَمَ ٱلْخَمْسَ ٱلْأَسَاسِيَّةَ – ٱلدِّينَ، وَٱلْحَيَاةَ، وَٱلْعَقْلَ، وَٱلْمَالَ، وَٱلنَّسْلَ – وَلَا يُنَاقِضُ نُصُوصَ ٱلْوَحْيِ، فَهُوَ خَيْرٌ يُطْلَبُ دَعْمُهُ وَتَعْزِيزُهُ.

وَفِي شَأْنِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَعْنِي مَبْدَأُ تَقْدِيمِ ٱلْمَصْلَحَةِ أَنَّ تَقْيِيمَ ٱلتِّقْنِيَاتِ يَجِبُ أَنْ يَدُورَ عَلَى مِقْدَارِ مَا تُحَسِّنُهُ مِنْ رَفَاهِ ٱلنَّاسِ وَقَضَاءِ حَاجَاتِهِمْ مُقَابِلَ مَا قَدْ تَجْلِبُهُ مِنْ مَضَارَّ. فَإِذَا وَعَدَ تَطْبِيقٌ مُعَيَّنٌ مِنْ تَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ بِمَنَافِعَ بَالِغَةٍ – كَإِنْقَاذِ ٱلْأَرْوَاحِ فِي تَشْخِيصِ ٱلْأَمْرَاضِ، أَوْ تَرْشِيدِ ٱلْمَوَارِدِ، أَوْ رَفْعِ سَوِيَّةِ ٱلتَّعْلِيمِ – وَكَانَتْ مَخَاطِرُهُ مَعْقُولَةً مَقْدُورًا عَلَى إِدَارَتِهَا، مَالَ ٱلْحُكْمُ ٱلشَّرْعِيُّ إِلَى ٱلْإِقْرَارِ بَلِ ٱلِاسْتِحْبَابِ، إِذْ تُعْتَبَرُ ٱلْمَصْلَحَةُ ٱلرَّاجِحَةُ مُسَوِّغًا كَافِيًا. وَهٰذَا يَحُثُّ عَلَى تَسْخِيرِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لِبُلُوغِ مَقَاصِدِ ٱلشَّرِيعَةِ – حِفْظِ ٱلْحَيَاةِ وَٱلْعَقْلِ وَٱلْعَدْلِ فِي ٱلْمُجْتَمَعِ – مَا لَمْ يَقُمْ نَصٌّ عَلَى ٱلْمَنْعِ. وَعَلَى ٱلْعَكْسِ، إِذَا غَلَبَتِ ٱلْمَفَاسِدُ فِي تِقْنِيَةٍ مُسْتَجَدَّةٍ عَلَى مَنَافِعِهَا، وَجَبَ إِعَادَةُ ٱلنَّظَرِ فِيهَا أَوْ مَنْعُهَا. فَمَثَلًا، إِنْ كَانَ ٱلتَّعْمِيمُ ٱلْوَاسِعُ لِخَوَارِزْمِيَّةٍ مَا يُحَسِّنُ خِدْمَةً وَلٰكِنَّهُ يُفْضِي إِلَى تَعْطِيلِ أَرْزَاقِ جُمُوعٍ كَبِيرَةٍ دُونَ تَعْوِيضٍ أَوْ تَأْهِيلٍ، فَهٰذَا ٱلنَّوْعُ مِنَ «ٱلتَّقَدُّمِ» يُنَاقِضُ مَعْنَى ٱلْخَيْرِ فِي ٱلْمَنْظُورِ ٱلْإِسْلَامِيِّ.

وَفِي ٱلْمَقَارَبَاتِ ٱلْأَخْلَقِيَّةِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ تُعْرَضُ مَعَانٍ قَرِيبَةٌ – كَمَبْدَإِ ٱلتَّحْسِينِ (Beneficence) وَمُفَاضَلَةِ ٱلْمَنْفَعَةِ وَٱلْمَخَاطِرِ عِنْدَ ٱلْإِدْمَاجِ. إِلَّا أَنَّ ٱلْمَنْظُورَ ٱلْإِسْلَامِيَّ يُثَبِّتُ هٰذِهِ ٱلرُّؤْيَةَ فِي إِطَارٍ نِظَامِيٍّ مَعَ أَوْلَوِيَّاتٍ قِيمِيَّةٍ شَرْعِيَّةٍ. وَعُمُومًا، فَإِنَّ ٱلتَّوَجُّهَ نَحْوَ ٱلْخَيْرِ ٱلْعَامِّ نُقْطَةُ ٱلِٱلْتِقَاءِ: كِلَا ٱلنِّظَامَيْنِ – ٱلْإِسْلَامِيِّ وَٱلدُّنْيَوِيِّ – يَقْصِدَانِ أَنْ يَكُونَ ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ سَبِيلًا إِلَى تَحْسِينِ ٱلْحَيَاةِ لَا إِلَى ٱلْإِفْسَادِ.

مَبْدَأُ ٱلِسْتِحْسَانِ. يُتَرْجَمُ «ٱلِسْتِحْسَانُ» إِلَى «ٱلِٱفْضَالُ» أَوْ «ٱلِٱخْتِيَارُ لِلْأَفْضَلِ». وَفِي مَنْهَجِيَّةِ ٱلْفِقْهِ ٱلْحَنَفِيِّ يَعْنِي ٱلْعُدُولَ عَنِ ٱلتَّطْبِيقِ ٱلْحَرْفِيِّ لِلْقَاعِدَةِ ٱلْعَامَّةِ أَوِ ٱلْقِيَاسِ إِلَى حُكْمٍ أَرْفَقَ وَأَنْصَفَ فِي حَالَةٍ مُعَيَّنَةٍ. فَيَسْتَعْمِلُ ٱلْفُقَهَاءُ ٱلْإِسْتِحْسَانَ عِنْدَمَا يَرَوْنَ أَنَّ ٱلِٱلْتِزَامَ بِٱلْقِيَاسِ يُفْضِي إِلَى تَشَدُّدٍ مُبَالَغٍ فِيهِ أَوْ يُنَاقِضُ ٱلْمَقْصِدَ ٱلْخَفِيَّ لِلشَّرْعِ، فَيَخْتَارُونَ مَسْلَكًا آخَرَ أَكْثَرَ مُوَافَقَةً لِرُوحِ ٱلشَّرِيعَةِ.

وَفِي تَنْظِيمِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَدُلُّ مَبْدَأُ ٱلِسْتِحْسَانِ عَلَى ٱلْمَرُونَةِ وَٱلِٱسْتِعْدَادِ لِصُنْعِ ٱسْتِثْنَاءَاتٍ مِنَ ٱلْقَوَاعِدِ ٱلْعَامَّةِ عِنْدَمَا يَتَطَلَّبُ ٱلْخَيْرُ ذٰلِكَ. فَٱلْمُشَرِّعُ ٱلْمُسْتَلْهِمُ مِنَ ٱلْمَنْهَجِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لَا يَتَّبِعُ ٱلْمَبَادِئَ ٱلْمُجَرَّدَةَ بِطَرِيقَةٍ عَمْيَاءَ، بَلْ يَنْظُرُ إِلَى ظُرُوفِ كُلِّ وَاقِعَةٍ. فَمَثَلًا، قَدْ يَقْضِي ٱلْقَاعِدَةُ ٱلْعَامَّةُ بِمَنْعِ ٱلِٱسْتِخْدَامِ ٱلْكُلِّيِّ لِمَجْمُوعَةِ بَيَانَاتٍ تَدْرِيبِيَّةٍ (dataset) لِمُخَالَفَتِهَا لِلْخُصُوصِيَّةِ، وَلٰكِنْ فِي حَالَةٍ فَرِيدَةٍ قَدْ يَكُونُ ٱلِٱسْتِعْمَالُ ٱلْمَحْدُودُ لَهَا كَفِيلًا بِإِنْقَاذِ أَرْوَاحٍ، وَيَجْرِي ذٰلِكَ بِمُوَافَقَةِ ٱلْأَطْرَافِ ٱلْمَعْنِيَّةِ، فَيُسْتَخْدَمُ مَبْدَأُ ٱلِسْتِحْسَانِ لِلسَّمَاحِ ٱلْمُؤَقَّتِ بِذٰلِكَ تَحْتَ شُرُوطٍ مُشَدَّدَةٍ. وَعَلَى ٱلْعَكْسِ، قَدْ تَكُونُ ٱلْقَاعِدَةُ ٱلْعَامَّةُ مُجِيزَةً لِخَوَارِزْمِيَّةٍ مَا، وَلٰكِنْ إِذَا كَانَ تَطْبِيقُهَا فِي سِيَاقٍ مُجْتَمَعِيٍّ خَاصٍّ سَيُفْضِي إِلَى ٱلظُّلْمِ، جَازَ لِلْمُنَظِّمِ تَضْيِيقُهَا خِلَافًا لِلْأَصْلِ، تَطْبِيقًا لِمَبْدَإِ ٱلِسْتِحْسَانِ.

وَبِذٰلِكَ يَكُونُ ٱلْمِيثَاقُ ٱلْإِسْلَامِيُّ لِأَخْلَقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لَيْسَ نَصًّا جَامِدًا، بَلْ يَشْتَمِلُ عَلَى آلِيَّةِ ٱلِٱسْتِثْنَاءِ فِي سَبِيلِ حِفْظِ ٱلْقِيَمِ ٱلْعُلْيَا – عَلَى أَنْ يَصْدُرَ ٱلْقَرَارُ فِي ذٰلِكَ عَنْ جِهَةٍ جَمَاعِيَّةٍ مُخْتَصَّةٍ، مِثْلَ مَجْلِسِ ٱلشُّورَى، وَلَيْسَ عَنْ تَصَرُّفٍ فَرْدِيٍّ.

وَفِي ٱلْمُمَارَسَةِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ يُمْكِنُ ٱعْتِبَارُ مَبْدَإِ «equity» أَوْ نُظُمِ «ٱلصُّنْدُوقِ ٱلتَّشْرِيعِيِّ ٱلتَّجْرِيبِيِّ» (regulatory sandboxes) مَعَادِلًا وَظِيفِيًّا، حَيْثُ يُسْمَحُ بِٱلْخُرُوجِ ٱلْمُؤَقَّتِ مِنَ ٱلْقَوَاعِدِ لِخِدْمَةِ ٱلصَّالِحِ ٱلْعَامِّ. وَمَعَ أَنَّ ٱصْطِلَاحَ ٱلِسْتِحْسَانِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي ٱلْمِيثَاقَاتِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ، فَإِنَّ ٱلْفِكْرَةَ ٱلْعَمَلِيَّةَ – أَيْ تَحْقِيقُ مَرُونَةٍ عَاقِلَةٍ حَيْثُ لَا يُفْضِي ٱلتَّطْبِيقُ ٱلْحَرْفِيُّ إِلَى ٱلْخَيْرِ ٱلْمَنْشُودِ – فَهِيَ ذَاتُ قِيمَةٍ كَوْنِيَّةٍ.

مَبْدَأُ ٱلْقِيَاسِ (ٱلْقِيَاسُ)

ٱلْقِيَاسُ هُوَ طَرِيقَةٌ تَشْرِيعِيَّةٌ قَائِمَةٌ عَلَى ٱلْأَنَالُوجِيَا فِي ٱلْفِقْهِ ٱلْإِسْلَامِيِّ، وَمُفَادُهَا إِلْحَاقُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ مُقَرَّرٍ فِي مَسْأَلَةٍ مَعْرُوفَةٍ بِمَسْأَلَةٍ مُسْتَجَدَّةٍ تُشَاكِلُهَا فِي ٱلْعِلَّةِ ٱلْمُؤَثِّرَةِ. وَتَعْتَبِرُ ٱلْمَدْرَسَةُ ٱلْحَنَفِيَّةُ ٱلْقِيَاسَ أَحَدَ ٱلْأُصُولِ ٱلرَّئِيسَةِ (بَعْدَ ٱلْقُرْآنِ وَٱلسُّنَّةِ وَٱلْإِجْمَاعِ) فِي ٱسْتِنْبَاطِ ٱلْأَحْكَامِ.

وَعِنْدَ تَطْبِيقِهِ عَلَى ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، فَإِنَّ مَبْدَأَ ٱلْقِيَاسِ يَقْتَضِي أَنْ يَرْتَكِزَ تَنْظِيمُ ٱلتِّقْنِيَاتِ ٱلْجَدِيدَةِ عَلَى ٱلْمُمَاثَلَاتِ مَعَ ٱلْوَاقِعَاتِ ٱلْمَعْرُوفَةِ فِي ٱلْفِقْهِ. وَإِذْ لَا وُرُودَ نُصُوصٍ صَرِيحَةٍ فِي ٱلْمَتُونِ ٱلتُّرَاثِيَّةِ عَنِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، فَإِنَّ ٱلْفُقَهَاءَ يَسْأَلُونَ: «بِمَاذَا يُشْبِهُ هٰذَا؟». فَمَثَلًا، قَدْ تُقَاسُ مَسْؤُولِيَّةُ صَاحِبِ ٱلرُّوبُوتِ ٱلذَّاتِيِّ عَلَى مَسْؤُولِيَّةِ صَاحِبِ ٱلْحَيَوَانِ أَوِ ٱلْأَدَاةِ، إِذِ ٱلْفِعْلُ لَيْسَ صَادِرًا عَنْ إِرَادَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ لِلْآلَةِ بَلْ عَنْ بَرْمَجَةٍ مَوْضُوعَةٍ – كَمَا يَنْدَفِعُ ٱلْحَيَوَانُ بِغَرِيزَتِهِ. وَيُمْكِنُ بَحْثُ ٱلْحُكْمِ ٱلشَّرْعِيِّ لِلْبَيَانَاتِ مِنْ خِلَالِ قِيَاسِهَا عَلَى حَقِّ ٱلْمَعْلُومَةِ فِي ٱلْفِقْهِ ٱلتُّرَاثِيِّ أَوْ عَلَى مَفْهُومِ ٱلْمَالِ. وَحَتَّى تَعْرِيفُ نِظَامِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ نَفْسِهِ – أَهَلْ هُوَ «ذَاتٌ مُعْتَبَرَةٌ» أَمْ مَحْضُ مِلْكٍ لِصَاحِبِهِ؟ – يُنَاقَشُ بِٱلْقِيَاسِ: فِي ٱلشَّرِيعَةِ أَصْنَافٌ لِغَيْرِ ٱلْكَامِلِي ٱلْأَهْلِيَّةِ (كَٱلصِّغَارِ فِيمَا مَضَى، أَوِ ٱلرَّقِ فِي ٱلتَّارِيخِ) وَأَشْيَاءُ مَأْمُونَةٌ مُخْتَصَّةٌ، يَلْزَمُ فِيهَا ضَمَانُ ٱلصَّاحِبِ لِآثَارِهَا. وَمِثْلُ هٰذِهِ ٱلْأَمْثِلَةِ تُعِينُ عَلَى تَقْرِيرِ كَيْفَ تُنْسَبُ أَفْعَالُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ: أَإِلَى صَاحِبِهِ، أَمْ تُعَامَلُ كَحَادِثٍ طَارِئٍ، أَمْ غَيْرِ ذٰلِكَ. وَهٰكَذَا لَا يُنْشَأُ مِيثَاقُ أَخْلَقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ مِنْ صِفْرٍ، بَلْ يُسْتَنْبَطُ مِنْ سَوَابِقَ مُقَارَنَةٍ – فَيَكْفُلُ ٱلْقِيَاسُ ٱلِٱسْتِمْرَارِيَّةَ وَمَتَانَةَ ٱلْأَحْكَامِ.

وَكَذٰلِكَ يَعْتَمِدُ ٱلْقَانُونُ ٱلدُّنْيَوِيُّ فِي كَثِيرٍ مِنَ ٱلْأَحْوَالِ عَلَى ٱلسَّوَابِقِ وَٱلتَّمْثِيلَاتِ: فَيُقَارَنُ ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ أَحْيَانًا بِٱلشَّخْصِيَّةِ ٱلِٱعْتِبَارِيَّةِ أَوْ بِٱلْمُنْتَجِ، لِأَجْلِ رَسْمِ مَعَالِمِ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ وَٱلتَّنْظِيمِ. وَإِنْ لَمْ تُصَغْ هٰذِهِ ٱلْمَنَاهِجُ ٱلْمَنْطِقِيَّةُ نَصًّا فِي ٱلْمَوَاثِيقِ ٱلْأَخْلَقِيَّةِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ، فَٱلْوَاقِعُ أَنَّ ٱلْمُخْتَصِّينَ – إِسْلَامِيًّا وَدُنْيَوِيًّا – يَسْتَعْمِلُونَ ٱلْقِيَاسَ لِفَهْمِ ٱلظَّوَاهِرِ ٱلتِّقْنِيَّةِ ٱلْمَسْبُوقَةِ بِنَظِيرٍ.

مَبْدَأُ وُجُوبِ ٱلْوَسَائِلِ ٱلضَّرُورِيَّةِ (مَا لَا يَتِمُّ ٱلْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ). يُصَاغُ هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ بِٱلتَّعْبِيرِ ٱلتَّالِي: «مَا لَا يَتِمُّ ٱلْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ». وَهُوَ يَنْبَثِقُ مَنْطِقِيًّا مِنْ مَبْدَإِ ٱلْغَايَةِ وَٱلْوَسِيلَةِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَرْكُزُ عَلَى مَجَالِ ٱلْوَاجِبَاتِ: فَإِذَا أَوْجَبَ ٱلشَّرْعُ فِعْلًا مَا كَٱلْوَاجِبِ، صَارَ كُلُّ مَا لَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُ هٰذَا ٱلْوَاجِبِ إِلَّا بِهِ ذَاتَ مَرْتَبَةِ ٱلْوُجُوبِ.

وَفِي سِيَاقِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَدُلُّ هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا وُضِعَتْ مِنْ جَانِبِ ٱلشَّرِيعَةِ أَوِ ٱلْمُجْتَمَعِ مَطَالِبُ مُحَدَّدَةٌ وَاجِبَةٌ تَخُصُّ ٱلتِّقْنِيَاتِ، فَإِنَّ كُلَّ خُطُوَةٍ لَا يُمْكِنُ بُلُوغُ تِلْكَ ٱلْمَطَالِبِ دُونَهَا تَكُونُ وَاجِبَةً هِيَ ٱلْأُخْرَى. فَمَثَلًا، إِذَا كَانَ ٱلْإِسْلَامُ يُوجِبُ حِفْظَ ٱلْحَيَاةِ وَٱلْعَدَالَةَ، فَيَجِبُ عَلَى ٱلْمُطَوِّرِينَ وَٱلْمُشَغِّلِينَ لِٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ إِدْمَاجُ أَنْظِمَةِ ٱلسَّلَامَةِ (ٱلسَّلَامَةُ) وَتَدْقِيقِ (تَدْقِيقٌ) ٱلْعَدَالَةِ (ٱلْعَدَالَةُ) فِي ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ، إِذْ لَا يُمْكِنُ ضَمَانُ أَنْ لَا يُخِلَّ ٱلنِّظَامُ بِٱلْحَيَاةِ أَوِ ٱلْحُقُوقِ إِلَّا بِذٰلِكَ. وَإِذَا أَوْجَبَتِ ٱلْقَوَانِينُ أَوِ ٱلْمِيثَاقَاتُ (ٱلْمِيثَاقُ) ٱلِٱمْتِثَالَ (ٱلِٱمْتِثَالُ) لِمَبْدَإِ تَجَنُّبِ ٱلِٱنْحِيَازِ (ٱلِٱنْحِيَازُ) فِي ٱلنَّمُوذَجِ، فَإِنَّ ٱلْوَاجِبَ يُمْلِي عَلَى ٱلْمُطَوِّرِينَ إِجْرَاءَ ٱلتَّدْقِيقِ وَتَدْرِيبِ (تَدْرِيبٌ) ٱلْمُخْتَصِّينَ عَلَى مَجْمُوعَاتِ بَيَانَاتٍ تَدْرِيبِيَّةٍ مُمَثِّلَةٍ.

وَعَلَى مُسْتَوَى ٱلْمُجْتَمَعِ: إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ فَرْضِ ٱلْكِفَايَةِ (فَرْضٌ كِفَايَةٌ) تَطْوِيرُ مَعَايِيرَ (ٱلْمَعَايِيرُ) إِسْلَامِيَّةٍ خَاصَّةٍ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ أَوْ تَأْهِيلُ خُبَرَاءَ مُسْلِمِينَ فِي هٰذَا ٱلْمَجَالِ، فَإِنَّ كُلَّ ٱلْإِجْرَاءَاتِ ٱللَّازِمَةِ – كَتَمْوِيلِ ٱلْبَرَامِجِ وَإِنْشَاءِ ٱلدَّوْرَاتِ ٱلتَّعْلِيمِيَّةِ – تَكْتَسِبُ حُكْمَ ٱلْوُجُوبِ عَلَى ٱلْأُمَّةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ. فَيَمْنَعُ هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ وُقُوعَ تَنَاقُضٍ حَيْثُ تُعْلَنُ ٱلْغَايَةُ وَلٰكِنْ لَا يَتَحَمَّلُ أَحَدٌ ٱلْمَسْؤُولِيَّةَ عَنِ ٱلْخَطَوَاتِ ٱلتَّحْضِيرِيَّةِ.

وَفِي ٱلْمُمَارَسَةِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ، هٰذِهِ ٱلْفِكْرَةُ مَوْجُودَةٌ ضِمْنًا: فَٱلتَّشْرِيعَاتُ تَعْتَبِرُ أَنَّ ٱلشَّرِكَةَ مُلْزَمَةٌ بِٱتِّخَاذِ كُلِّ ٱلْإِجْرَاءَاتِ ٱللَّازِمَةِ لِلِٱمْتِثَالِ (ٱلِٱمْتِثَالُ). وَفِي أَخْلَقِيَّاتِ ٱلْهَنْدَسَةِ يُقَالُ: «إِذَا كُنْتَ مُلْزَمًا بِضَمَانِ ٱلسَّلَامَةِ (ٱلسَّلَامَةُ)، فَإِنَّكَ مُلْزَمٌ بِٱلِٱخْتِبَارِ (مِعْيَارُ ٱلِخْتِبَارِ) وَبِتَطْبِيقِ ٱلْبُرُوتُوكُولَاتِ». وَمِنْ ثَمَّ، يَبْقَى ٱلْمَنْهَجُ ٱلْإِسْلَامِيُّ مُتَّسِقًا: فَعِنْدَمَا يُعْلَنُ مَبَادِئُ وَاجِبَةٌ – كَٱلسَّلَامَةِ وَٱلْعَدَالَةِ – يُصْبِحُ كُلُّ مَا لَا يَتَحَقَّقُ هٰذَا ٱلْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ وَاجِبًا هُوَ ٱلْآخَرُ.

مَبْدَأُ «ٱلْخَرَاجُ بِٱلضَّمَانِ». هٰذِهِ ٱلْقَاعِدَةُ مُرْتَبِطَةٌ وَثِيقًا بِمَبْدَإِ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ (فَقْرَةٌ ٩) وَتُفَصِّلُهُ فِي ٱلصِّيغَةِ ٱلتِّجَارِيَّةِ ٱلْقَانُونِيَّةِ: «لَا تَصِحُّ ٱلرِّبْحِيَّةُ إِلَّا مَعَ تَحَمُّلِ ٱلضَّمَانِ (ٱلْمَخَاطِرِ)». وَبِعِبَارَةٍ أَبْسَطَ: لَا يَسْتَحِقُّ ٱلْإِنْسَانُ ٱلْعَائِدَ إِلَّا إِذَا تَحَمَّلَ مَعَهُ إِمْكَانَ ٱلْخَسَارَةِ أَوِ ٱلضَّرَرِ فِي ٱلْمَوْضُوعِ نَفْسِهِ. وَتَرْجِعُ هٰذِهِ ٱلْقَاعِدَةُ إِلَى حَدِيثٍ، وَتُصَاغُ أَيْضًا بِصِيغَةِ «ٱلْغُنْمُ بِٱلْغُرْمِ». وَعَلَى أَسَاسِ هٰذَا ٱلْمَبْدَإِ تُبْنَى فِي ٱلْفِقْهِ ٱلْحَنَفِيِّ عُلَاقَاتٌ مَالِيَّةٌ مُنْصِفَةٌ: فَلَا يَجُوزُ طَلَبُ رِبْحٍ حَيْثُ لَا تَتَحَقَّقُ مَعَهُ مَسْؤُولِيَّةٌ.

وَفِي سِيَاقِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَعْنِي مَبْدَأُ «ٱلْخَرَاجُ بِٱلضَّمَانِ» أَنَّ مَنْ يَسْتَخْرِجُ ٱلْمَنْفَعَةَ مِنَ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَحَمَّلَ مَخَاطِرَهَا أَيْضًا. فَٱلشَّرِكَةُ ٱلَّتِي تُدْمِجُ ٱلذَّكَاءَ ٱلِصْطِنَاعِيَّ وَتُخَفِّضُ ٱلتَّكْلِفَةَ بِٱلْأَتْمَتَةِ لَا يَحِقُّ لَهَا أَنْ تَدَّعِيَ أَنَّهَا غَيْرُ مَسْؤُولَةٍ عَنْ أَخْطَائِهِ؛ بَلْ مَا دَامَتْ قَدْ حَصَدَتْ «غِلَّةَ» ٱلرِّبْحِ فَعَلَيْهَا ٱلتَّحَمُّلُ ٱلْقَانُونِيُّ وَٱلْمَالِيُّ عِنْدَ ٱلْخَلَلِ. وَإِذَا بَاعَ ٱلْمُطَوِّرُ مُنْتَجًا ذَكِيًّا وَٱسْتَفَادَ رِبْحًا، وُجِبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ جَوْدَتِهِ وَتَبِعَةُ عُيُوبِهِ. وَيَمْنَعُ هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ نَمُوذَجَ «ٱلرِّبْحُ لِي وَٱلْمُشْكِلَاتُ لِلْمُجْتَمَعِ»: فَمَنْ يَمْلِكُ وَيُدِيرُ نِظَامَ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ (وَيَجْنِي مِنْهُ ٱلْفَائِدَةَ وَٱلدَّخْلَ وَٱلتَّوْفِيرَ) مُلْزَمٌ بِتَحَمُّلِ آثَارِ أَخْطَائِهِ ٱلْمُحْتَمَلَةِ أَوْ سُوءَ ٱسْتِخْدَامِهِ.

وَفِي ٱلْقَوَانِينِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ تَظْهَرُ أَفْكَارٌ مُشَابِهَةٌ فِي أُسُسِ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ ٱلمَدَنِيَّةِ لِلْمُنْتِجِ وَنِظَامِ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ ٱلصَّارِمَةِ عَنْ ضَرَرِ ٱلْمُنْتَجِ: فَٱلْمُصَنِّعُ لِلسَّيَّارَةِ – مَثَلًا – يُسْأَلُ عَنِ ٱلْعَيْبِ لِأَنَّهُ بَاعَ بِرِبْحٍ. وَفِي مَجَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يُنَاقَشُ ٱلْيَوْمَ أَيْضًا أُطُرُ مَسْؤُولِيَّةِ ٱلْمُطَوِّرِينَ. فَيُعَزِّزُ مَبْدَأُ «ٱلْخَرَاجُ بِٱلضَّمَانِ» هٰذِهِ ٱلِٱتِّجَاهَاتِ بِقَاعِدَةٍ أَخْلَاقِيَّةٍ: لَا رِبْحَ دُونَ مَسْؤُولِيَّةٍ مُقَابِلَهُ. وَهٰذَا يَحُثُّ عَلَى إِدْمَاجِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ مَعَ تَأْمِينِ ٱلْمَخَاطِرِ وَرِعَايَةِ ٱلسَّلَامَةِ، لِأَنَّهَا شُرُوطٌ لِمَشْرُوعِيَّةِ ٱلرِّبْحِ.

مَبْدَأُ ٱلْمُرَاقَبَةِ (ٱلْمُرَاقَبَةُ). فِي ٱلرُّؤْيَةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ، تَعْنِي ٱلْمُرَاقَبَةُ كِلَا ٱلرَّصْدِ ٱلْخَارِجِيِّ وَٱلرَّقَابَةِ ٱلذَّاتِيَّةِ: فَٱلْمُؤْمِنُ يُدْرِكُ أَنَّ ٱللَّهَ تَعَالَى يُطَّلِعُ دَائِمًا عَلَى أَعْمَالِ ٱلنَّاسِ، وَلِذٰلِكَ يُحَاسِبُ نَفْسَهُ وَيُرَاقِبُ سُلُوكَهُ. وَإِذَا نُقِلَ هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ إِلَى ٱلْمَجَالِ ٱلْقَانُونِيِّ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي ٱلْمُتَابَعَةَ ٱلدَّائِمَةَ لِمَجْرَى ٱلْأَعْمَالِ لِمَنْعِ ٱلِٱنْحِرَافَاتِ وَٱلتَّجَاوُزَاتِ. وَقَدْ شَرَعَ ٱلْإِسْلَامُ فِي ٱلْإِدَارَةِ مُتَابَعَةً مُسْتَمِرَّةً لِلْأُمُورِ: سَوَاءٌ فِي ٱلسُّوقِ (مُرَاقَبَةُ ٱلصِّدْقِ فِي ٱلْمُعَامَلَةِ)، أَوْ فِي ٱلْقَضَاءِ أَوْ فِي غَيْرِهَا. فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُسَنَّ ٱلْحُكْمُ ثُمَّ يُهْمَلَ، بَلْ يَجِبُ تَتَبُّعُ تَنْفِيذِهِ دَائِمًا.

وَفِي مَجَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، تَتَجَلَّى ٱلْمُرَاقَبَةُ فِي ٱلِٱلْتِزَامِ بِٱلرَّصْدِ ٱلْمُسْتَمِرِّ وَتَتَبُّعِ أَدَاءِ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ فِي جَمِيعِ ٱلْمَرَاحِلِ. فَيُؤَكِّدُ ٱلْمِيثَاقُ ٱلْإِسْلَامِيُّ لِأَخْلَقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ أَنَّ تَطْبِيقَ ٱلنِّظَامِ لَيْسَ نِهَايَةَ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ بَلْ بَدَايَةَ ٱلْمُتَابَعَةِ ٱلدَّائِمَةِ. فَيَلْزَمُ عَلَى ٱلْمُطَوِّرِينَ مُوَاكَبَةُ مُنْتَجَاتِهِمْ بِتَحْدِيثَاتٍ وَتَرْقِيعَاتٍ تُصَحِّحُ ٱلْعُيُوبَ ٱلْمُكْتَشَفَةَ. وَتَلْزَمُ عَلَى ٱلْجِهَاتِ ٱلْمُسْتَخْدِمَةِ أَنْ تُقِيمَ أَنْظِمَةَ مُرَاقَبَةٍ لِمُؤَشِّرَاتِ ٱلْأَدَاءِ: كَٱلدِّقَّةِ، وَٱلْأَخْطَاءِ، وَتَأْثِيرِ ٱلنِّظَامِ عَلَى ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ. وَإِذَا ٱسْتُخْدِمَ ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ فِي ٱلْقَرَارَاتِ، وَجَبَ أَنْ يُتَاحَ ٱلْفَحْصُ ٱلدَّوْرِيُّ لِنَتَائِجِهِ بِوَاسِطَةِ ٱلْإِنْسَانِ أَوْ لَجْنَةٍ مُخْتَصَّةٍ. وَتَشْمَلُ ٱلْمُرَاقَبَةُ كَذٰلِكَ ٱلشَّفَافِيَّةَ (ٱلشَّفَافِيَّةُ): جَمْعَ سِجِلَّاتٍ (لُوغَاتٍ) وَتَسْجِيلَ أَعْمَالِ ٱلنِّظَامِ، لِكَيْ يُمْكِنَ فِي أَيِّ وَقْتٍ تَحْلِيلُ مَا يَجْرِي فِي «ٱلصُّنْدُوقِ ٱلْأَسْوَدِ».

وَفِي ٱلْمَنَاهِجِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ نَجِدُ نَفْسَ ٱلِٱسْتِنْتَاجِ: فَمَفْهُومُ «ٱلرَّصْدِ ٱلْمُسْتَمِرِّ» (continuous monitoring) وَتَدْقِيقُ (تَدْقِيقٌ) ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ بَعْدَ ٱلتَّطْبِيقِ يُعْتَبَرُ مِنْ أَفْضَلِ ٱلْمُمَارَسَاتِ فِي إِدَارَةِ ٱلْمَخَاطِرِ (إِدَارَةُ ٱلْمَخَاطِرِ). وَتَفْرِضُ ٱلْمَشَارِيعُ ٱلتَّشْرِيعِيَّةُ – مِثْلَ «قَانُونُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لِلِٱتِّحَادِ ٱلْأُورُوبِيِّ (EU AI Act)» – عَلَى ٱلْمُنْتِجِينَ إِجْرَاءَ رِقَابَةٍ بَعْدَ ٱلتَّسْوِيقِ لِأَنْظِمَتِهِمْ. وَبِذٰلِكَ يَتَّفِقُ مَبْدَأُ ٱلْمُرَاقَبَةِ فِي ٱلشَّرِيعَةِ مَعَ ٱلْحَاجَةِ ٱلتِّقْنِيَّةِ: فَإِنَّ نُظُمَ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ دَائِمَةُ ٱلتَّغَيُّرِ، وَلَا يَكْفُلُ ٱلِٱلْتِزَامَ بِٱلْمَعَايِيرِ (ٱلْمَعَايِيرُ) إِلَّا ٱلْمُتَابَعَةُ ٱلدَّائِمَةُ.

مَبْدَأُ تَقْدِيمِ دَرْءِ ٱلْمَفَاسِدِ عَلَى جَلْبِ ٱلْمَصَالِحِ. يُكَمِّلُ هٰذَا ٱلْحُكْمُ مَبْدَأَ ٱلْمَصْلَحَةِ (فَقْرَةٌ ١٢) بِتَوْضِيحٍ مُهِمٍّ: عِنْدَمَا يَتَعَارَضُ دَفْعُ ٱلضَّرَرِ مَعَ تَحْصِيلِ ٱلْمَنْفَعَةِ، فَٱلْأَوْلَوِيَّةُ لِدَفْعِ ٱلضَّرَرِ. وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُسْتَحْسَنُ تَرْكُ مَنْفَعَةٍ مَا إِذَا كَانَ ٱلْحُصُولُ عَلَيْهَا مَشْرُوطًا بِٱلْقَبُولِ بِفَسَادٍ جَسِيمٍ. وَفِي تَصْوِيرِ ٱلشَّرِيعَةِ، يُمْنَعُ مَا تَسَاوَتْ فِيهِ ٱلْمَفْسَدَةُ مَعَ ٱلْمَصْلَحَةِ أَوْ رَجَحَتْ عَلَيْهَا، «لِأَنَّ دَرْءَ ٱلْفَسَادِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ ٱلصَّلَاحِ». وَتَحُولُ هٰذِهِ ٱلْقَاعِدَةُ دُونَ تَسْوِيغِ ٱلْوَسَائِلِ ٱلْمُضِرَّةِ بِغَايَاتٍ حَسَنَةٍ: فَإِذَا لَمْ تَرْجُحِ ٱلْمَصْلَحَةُ، لَا يَجُوزُ إِقْرَارُ ٱلْفِعْلِ.

وَعِنْدَ تَطْبِيقِهِ عَلَى ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، يَقْتَضِي هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ مُرَاجَعَةَ أَوْ مَنْعَ ٱلْمَشَارِيعِ ٱلَّتِي تَعِدُ بِمَنْفَعَةٍ مَّا وَلٰكِنْ تُقْرَنُ بِمَخَاطِرَ كَبِيرَةٍ وَأَضْرَارٍ فَادِحَةٍ. فَإِذَا بَشَّرَتْ تِقْنِيَةٌ جَدِيدَةٌ بِٱلرَّاحَةِ أَوِ ٱلرِّبْحِ وَلٰكِنَّهَا تَحْمِلُ ٱحْتِمَالًا عَالِيًا لِٱلْمَسَاسِ بِٱلْقِيَمِ ٱلْأَصِيلَةِ (كَٱلْحَيَاةِ، وَٱلْكَرَامَةِ، وَدِينِ ٱلنَّاسِ)، فَٱلْمَنْهَجُ ٱلْإِسْلَامِيُّ يُقَدِّمُ تَرْكَ ٱلْمُخَاطَرَةِ. فَمَثَلًا، قَدْ تُسَاعِدُ أَنْظِمَةُ ٱلتَّعَرُّفِ عَلَى ٱلْوُجُوهِ ٱلْجَمَاعِيَّةُ فِي ٱلْأَمْنِ (مَنْفَعَةٌ)، وَلٰكِنَّ قَابِلِيَّتَهَا لِٱلرِّقَابَةِ ٱلشَّامِلَةِ وَظُلْمِ ٱلْأَبْرِيَاءِ (مَفَاسِدُ) أَرْجَحُ – فَعَلَى هٰذَا ٱلْأَسَاسِ لَا يُعْتَمَدُهَا. وَكَذٰلِكَ «ٱلْأَسْلِحَةُ ٱلذَّاتِيَّةُ ٱلْقَتْلِ»: مَنْفَعَتُهَا ٱلتَّكْتِيكِيَّةُ لِطَرَفٍ وَاحِدٍ لَا تُوَازِنُ مَخَاطِرَ ٱلِٱزْدِيَادِ فِي ٱلْقَتْلِ غَيْرِ ٱلْمَشْرُوعِ وَتَصْعِيدِ ٱلْعُنْفِ؛ فَيَقْتَضِي ٱلشَّرْعُ إِيقَافَهَا رَغْمَ ٱلْمَنْفَعَةِ ٱلْمُدَّعَاةِ. وَهٰذَا ٱلتَّقْدِيمُ مُرْتَبِطٌ بِحَظْرِ ٱلضَّرَرِ (فَقْرَةٌ ٤) وَسَدِّ ٱلذَّرَائِعِ (فَقْرَةٌ ١١)، فَيُشَكِّلُ مَعَهُمَا مَوْقِفًا وِقَائِيًّا مُتَمَاسِكًا.

وَفِي ٱلْحِوَارَاتِ ٱلْأَخْلَقِيَّةِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ يُكَرَّرُ أَيْضًا أَنَّ ٱلسَّلَامَةَ وَٱلِٱمْتِثَالَ ٱلْأَخْلَقِيَّ مُقَدَّمَانِ عَلَى ٱلْمَنْفَعَةِ. وَتَظْهَرُ صِيغَتُهُ ٱلرَّسْمِيَّةُ فِي مَبْدَإِ ٱلِٱحْتِرَازِ (precautionary principle)، ٱلَّذِي يَقْتَضِي ٱلِٱمْتِنَاعَ عَنْ تَبَنِّي ٱلتِّقْنِيَاتِ عِنْدَ ٱلشُّكُوكِ فِي سَلَامَتِهَا. غَيْرَ أَنَّ ٱلصِّيَاغَةَ ٱلْإِسْلَامِيَّةَ أَحْسَمُ: إِذَا تَقَابَلَ ٱلضَّرَرُ وَٱلْمَنْفَعَةُ، فَٱلْبَدَاءَةُ بِإِزَالَةِ ٱلضَّرَرِ، لِأَنَّ مُجَرَّدَ إِغْفَالِ ٱلْخَطَرِ إِكْرَامًا لِلْمَنْفَعَةِ مَذْمُومٌ. وَبِذٰلِكَ يَتَأَكَّدُ اَلطَّابِعُ «ٱلْحِمَائِيُّ» لِلشَّرِيعَةِ، ٱلَّذِي يُقَدِّمُ صَوْنَ ٱلْمَصَالِحِ ٱلْأَصِيلَةِ وَمَنْعَ ٱلْفَسَادِ فِي كُلِّ مُبَادَرَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ.

مَبْدَأُ ٱلْفَرْضِ ٱلْكِفَائِيِّ (فَرْضُ ٱلْكِفَايَةِ). يُعَدُّ فَرْضُ ٱلْكِفَايَةِ مِنْ أَنْوَاعِ ٱلْوَاجِبَاتِ فِي ٱلْإِسْلَامِ، وَهُوَ مَا تُخَاطَبُ بِهِ ٱلْأُمَّةُ ٱلْإِسْلَامِيَّةُ كَكُلٍّ: فَإِذَا قَامَتْ بِهِ طَائِفَةٌ كَافِيَةٌ سَقَطَ ٱلْإِثْمُ عَنِ ٱلْبَاقِينَ، وَإِذَا أَهْمَلَهُ ٱلْجَمِيعُ أَثِمُوا جَمِيعًا مَعَ ٱلْقُدْرَةِ عَلَى ٱلْقِيَامِ بِهِ. وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ ٱلتَّقْلِيدِيَّةِ: ٱلتَّعْلِيمُ، وَٱلطِّبُّ، وَٱلدِّفَاعُ، حَيْثُ لَا يَلْزَمُ كُلَّ فَرْدٍ بِذَاتِهِ، وَلٰكِنْ يَلْزَمُ ٱلْمَجْمُوعَ أَنْ يُوَفِّرُوهُ.

وَفِي مَجَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَعْنِي هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ أَنَّ ٱلْأُمَّةَ ٱلْإِسْلَامِيَّةَ مُلْزَمَةٌ بِتَخْصِيصِ مَا يَكْفِي مِنَ ٱلْمُخْتَصِّينَ وَٱلْمَوَارِدِ لِلتَّعَامُلِ مَعَ هٰذِهِ ٱلتِّقْنِيَةِ بِشَكْلٍ آمِنٍ وَأَخْلَاقِيٍّ، لِحِفْظِ مَصَالِحِهَا وَلِجَلْبِ ٱلْمَنْفَعَةِ لِلنَّاسِ. فَتَطْوِيرُ «ٱلْمِيثَاقِ» ٱلْإِسْلَامِيِّ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يُعْتَبَرُ فَرْضَ كِفَايَةٍ عَلَى ٱلْعُلَمَاءِ وَٱلْمُخْتَصِّينَ: فَإِذَا قَامَتْ بِهِ جَمَاعَةٌ مُؤَهَّلَةٌ سَارَ عَلَيْهَا ٱلْبَاقُونَ، فَسَقَطَ ٱلْإِثْمُ؛ وَإِنْ تَرَكَهُ ٱلْجَمِيعُ تَحَمَّلَتِ ٱلْأُمَّةُ كُلُّهَا وَزْرَ ٱلتَّقْصِيرِ. وَكَذٰلِكَ تَأْهِيلُ ٱلْكَوَادِرِ ٱلْمُسْلِمَةِ فِي مَجَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يُعَدُّ مِنْ فُرُوضِ ٱلْكِفَايَةِ: فَيَجِبُ أَنْ يَتَوَفَّرَ عَدَدٌ كَافٍ مِنَ ٱلْمُخْتَصِّينَ ٱلَّذِينَ يَضْمَنُونَ تَطْبِيقَ ٱلتِّقْنِيَةِ وَمُرَاقَبَتَهَا وَفْقًا لِلْمَعَايِيرِ ٱلشَّرْعِيَّةِ. وَإِلَّا فَإِنَّ ٱلِٱعْتِمَادَ عَلَى مَصَادِرَ خَارِجِيَّةٍ لَا تَعْتَدُّ بِقِيَمِ ٱلْإِسْلَامِ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى ضَرَرٍ بِٱلْأُمَّةِ. وَعَلَى مُسْتَوَى ٱلدَّوْلَةِ وَٱلْمُنَظَّمَاتِ ٱلْكُبْرَى: إِذَا أَصْبَحَ ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ ضَرُورَةً فِي ٱلِٱقْتِصَادِ أَوِ ٱلدِّفَاعِ، وُجِبَ عَلَى ٱلْمُدِيرِينَ ضَمَانُ تَطْبِيقِهِ بِصُورَةٍ أَخْلَاقِيَّةٍ.

وَيُعَزِّزُ هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ رُوحَ ٱلتَّعَاوُنِ وَٱلتَّخْطِيطِ ٱلْجَمَاعِيِّ: فَلَيْسَ كُلُّ فَرْدٍ مُلْزَمًا أَنْ يَكُونَ مُخْتَصًّا فِي تِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، وَلٰكِنْ عَلَى مَنْ يَمْلِكُونَ ٱلْقُدْرَةَ أَنْ يَقُومُوا بِذٰلِكَ نِيَابَةً عَنِ ٱلْأُمَّةِ كُلِّهَا.

وَفِي ٱلْمَنْظُومَةِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ لَا يُوجَدُ نَظِيرٌ مُبَاشِرٌ لِهٰذَا ٱلْمَفْهُومِ؛ بَلْ يُحَالُ ٱلْأَمْرُ إِلَى مَسْؤُولِيَّةِ ٱلدَّوْلَةِ أَوِ ٱلسُّوقِ. غَيْرَ أَنَّ ٱلْمُؤْتَمَرَاتِ ٱلدُّوَلِيَّةَ تُرَدِّدُ أَيْضًا أَنَّ «خِيَارَ ٱلْعُقُولِ يَجِبُ أَنْ تَعْمَلَ لِمَنْفَعَةِ ٱلْجَمِيعِ فِي مَجَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ». وَٱلْمَنْهَجُ ٱلْإِسْلَامِيُّ يَصُبُّ فِي هٰذَا ٱلِٱطَارِ وَلٰكِنْ يُضْفِي عَلَيْهِ طَابِعَ ٱلْوُجُوبِ ٱلدِّينِيِّ: فَٱلْإِهْمَالُ فِي مَوَاكَبَةِ ٱلتَّقَدُّمِ ٱلتِّقْنِيِّ أَوْ عَدَمُ ضَمَانِ ٱلْبُعْدِ ٱلْأَخْلَاقِيِّ يُعْتَبَرُ تَقْصِيرًا جَمَاعِيًّا مَذْمُومًا. وَبِذٰلِكَ يُعِيدُ ٱلْمَنْهَجُ ٱلْإِسْلَامِيُّ تَوْزِيعَ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ: فَفَرِيقٌ يَتَحَمَّلُ ٱلْعَمَلَ فِي مَجَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، وَآخَرُونَ يُسَانِدُونَهُمْ، وَبِذٰلِكَ تُؤَدِّي ٱلْأُمَّةُ كَكُلٍّ فَرْضَهَا أَمَامَ ٱللَّهِ فِي عَصْرِ ٱلتِّقْنِيَاتِ ٱلْجَدِيدَةِ.

مَبْدَأُ ٱلِٱحْتِيَاطِ فِي ٱلشُّبُهَاتِ (ٱلِاحْتِيَاطُ فِي ٱلشُّبُهَاتِ). تَنْصَحُ ٱلْأَخْلَاقُ ٱلْإِسْلَامِيَّةُ بِٱلِٱجْتِنَابِ عَمَّا يَقَعُ فِيهِ ٱلِاشْتِبَاهُ مِنْ جِهَةِ ٱلْإِبَاحَةِ. وَقَدْ قَالَ ٱلنَّبِيُّ ﷺ: «ٱلْحَلَالُ بَيِّنٌ وَٱلْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ ٱلنَّاسِ، فَمَنِ ٱتَّقَى ٱلشُّبُهَاتِ ٱسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ…». وَعَلَى أَسَاسِ هٰذَا ٱلتَّعْلِيمِ تَكَوَّنَ مَبْدَأُ ٱلِٱحْتِيَاطِ (ٱلِٱحْتِيَاطُ) فِي ٱلْأُمُورِ ذَاتِ ٱلطَّبِيعَةِ ٱلْمُشْتَبِهَةِ: فَإِذَا عَدِمَ ٱلْفَرْدُ أَوِ ٱلْمُجْتَمَعُ ٱلْيَقِينَ فِي إِبَاحَةِ فِعْلٍ مَا، فَٱلْأَفْضَلُ ٱلِٱمْتِنَاعُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ ٱلْحُكْمُ.

وَفِي سِيَاقِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَعْنِي مَبْدَأُ ٱلِٱحْتِيَاطِ فِي ٱلشُّبُهَاتِ أَنَّهُ عِنْدَ ظُهُورِ تِقْنِيَّاتٍ أَوْ طُرُقِ ٱسْتِعْمَالٍ جَدِيدَةٍ لَا يَتَّضِحُ مَوْقِفُهَا ٱلْأَخْلَاقِيُّ، يَجِبُ ٱلتَّحَلِّي بِٱلْحَذَرِ. فَإِذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ هَلْ يُخَالِفُ ٱسْتِعْمَالٌ مُعَيَّنٌ لِٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمَعَايِيرَ ٱلْإِسْلَامِيَّةَ – مِثْلَ ٱلِٱعْتِمَادِ ٱلذَّاتِيِّ عَلَى ٱلْقَرَارِ فِي ٱلْأَنْظِمَةِ ٱلْقِتَالِيَّةِ ٱلْمُهْلِكَةِ، أَوْ تَوْلِيدِ صُوَرٍ تَقْتَرِبُ مِنْ إِهَانَةِ ٱلْمَشَاعِرِ ٱلدِّينِيَّةِ، أَوْ جَمْعِ بَيَانَاتٍ عَنِ ٱلْأَشْخَاصِ – فَإِنَّ ٱلْمُجْتَمَعَ ٱلْإِسْلَامِيَّ يَمِيلُ إِلَى ٱلتَّوَقُّفِ أَوِ ٱلتَّقْيِيدِ حَتَّى يَصْدُرَ حُكْمٌ جَلِيٌّ عَنْ أَهْلِ ٱلِٱخْتِصَاصِ مِنَ ٱلْعُلَمَاءِ. وَيَمْنَعُ هٰذَا ٱلتَّوَقِّي أَنْ تَجُرَّ ٱلْمُوَاكَبَةُ ٱلْعَمْيَاءُ لِلتِّقْنِيَاتِ ٱلْمُسْتَحْدَثَةِ إِلَى مَجَالَاتٍ ذَاتِ مَخَاطِرَ رُوحِيَّةٍ. كَمَا يَلْزَمُ ٱلْمُطَوِّرِينَ ثَقَافَةُ ٱلِٱحْتِيَاطِ: فَإِذَا تَدَرَّبَ ٱلْخَوَارِزْمُ عَلَى مُحْتَوًى غَيْرِ أَخْلَاقِيٍّ فَٱلْأَوْلَى أَلَّا يُطْلَقَ ٱلنِّظَامُ حَتَّى تَتِمَّ تَنْقِيَةُ ٱلْعَنَاصِرِ ٱلْمُشْتَبِهَةِ.

وَفِي ٱلْخِطَابِ ٱلدُّنْيَوِيِّ يُمَاثِلُ هٰذَا ٱلتَّوَجُّهَ مَبْدَأُ “better safe than sorry” وَمَنْهَجُ ٱلتَّحْلِيلِ ٱلْوِقَائِيِّ لِلْمَخَاطِرِ. فَمِثْلُ مَجَالِ ٱلْأَحْيَاءِ ٱلتِّقْنِيَّةِ وَٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَقْتَضِي تَقْيِيمًا أَخْلَاقِيًّا قَبْلَ ٱلتَّطْبِيقِ، وَهُوَ مَا يَتَّسِقُ مَعَ مَطْلَبِ ٱلْوُضُوحِ فِي ٱلْإِبَاحَةِ حَسَبَ ٱلْمَنْهَجِ ٱلْإِسْلَامِيِّ. وَتَكْمُنُ فَرَادَةُ ٱلْمَنْظُورِ ٱلْإِسْلَامِيِّ فِي أَنَّهُ مَدْفُوعٌ لَيْسَ فَقَطْ بِهَاجِسِ ٱلْفَشَلِ ٱلتِّقْنِيِّ، بَلْ بِحِرْصٍ عَلَى ٱلطَّهَارَةِ ٱلرُّوحِيَّةِ: فَتَرْكُ بَعْضِ ٱلْمَنَافِعِ خَيْرٌ مِنَ ٱلِٱنْخِرَاطِ غَيْرِ ٱلْمَلْحُوظِ فِي ٱلْمُحَرَّمِ. لِذٰلِكَ يَدْعُو ٱلْمِيثَاقُ ٱلْإِسْلَامِيُّ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ: عِنْدَ أَدْنَى رِيبَةٍ فِي ٱلْحِلِّيَّةِ أَوِ ٱلسَّلَامَةِ – تَوَقَّفْ، وَتَثَبَّتْ، وَٱسْتَفْتِ، ثُمَّ ٱمْضِ بَعْدَ تَحَقُّقِ ٱلْيَقِينِ.

مَبْدَأُ ٱلتَّكَيُّفِ مَعَ ٱلزَّمَانِ وَٱلْمَكَانِ (تَغَيُّرُ ٱلْأَحْكَامِ بِتَغَيُّرِ ٱلزَّمَانِ وَٱلْمَكَانِ). فِي ٱلْفِقْهِ ٱلْإِسْلَامِيِّ هُنَاكَ قَاعِدَةٌ حَكِيمَةٌ تُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُسْتَنْكَرُ تَغَيُّرُ ٱلْأَحْكَامِ عِنْدَ تَغَيُّرِ ٱلزَّمَانِ، وَٱلْمَكَانِ، وَٱلظُّرُوفِ، وَٱلْأَعْرَافِ. وَيَتَعَلَّقُ ذٰلِكَ فِي ٱلْأَغْلَبِ بِمَجَالِ ٱلْقَوَاعِدِ ٱلِاجْتِمَاعِيَّةِ وَٱلْقَانُونِيَّةِ (ٱلْمُعَامَلَاتِ) دُونَ ٱلْعِبَادَاتِ ٱلثَّابِتَةِ، غَيْرَ أَنَّ ٱلْفُقَهَاءَ يُقِرُّونَ أَنَّ ٱلزَّمَانَ ٱلْجَدِيدَ قَدْ يَسْتَوْجِبُ أَحْكَامًا جَدِيدَةً فِي تِلْكَ ٱلْمَجَالَاتِ ٱلْمَرِنَةِ. وَهٰذَا ٱلْمَبْدَأُ مُدَعَّمٌ بِٱلْاِعْتِبَارِ لِلْعُرْفِ (ٱلْعَادَةِ ٱلْمَحَلِّيَّةِ) وَبِٱلرُّوحِ ٱلْعَامَّةِ لِلْإِسْلَامِ ٱلَّتِي لَا تُرِيدُ إِدْخَالَ ٱلنَّاسِ فِي حَرَجٍ بِسَبَبِ أَحْكَامٍ قَدِيمَةٍ. غَيْرَ أَنَّ هٰذَا ٱلتَّغْيِيرَ يَقْتَصِرُ عَلَى ٱلْأَحْكَامِ ٱلْفَرْعِيَّةِ وَتَطْبِيقَاتِهَا، أَمَّا أُصُولُ ٱلْعَقِيدَةِ وَٱلْمَنَاهِي ٱلْوَاضِحَةُ فَهِيَ ثَابِتَةٌ لَا تَتَغَيَّرُ.

وَتَطْبِيقًا عَلَى ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، فَإِنَّ مَبْدَأَ تَغَيُّرِ ٱلْأَحْكَامِ مَعَ تَغَيُّرِ ٱلظُّرُوفِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ٱلْمِيثَاقَ ٱلْأَخْلَاقِيَّ وَٱللَّوَائِحَ فِي هٰذَا ٱلْمَجَالِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَظَلَّ جَامِدَةً. فَمَعَ تَطَوُّرِ تِقْنِيَةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ نَفْسِهَا، وَظُهُورِ سِينارِيُوهَاتٍ جَدِيدَةٍ لِلتَّطْبِيقِ، وَٱكْتِسَابِ ٱلْمُجْتَمَعِ لِلْخِبْرَةِ، يَسْمَحُ ٱلْمَنْهَجُ ٱلْإِسْلَامِيُّ بَلْ وَيُوجِبُ تَجْدِيدَ ٱلْأَحْكَامِ وَإِعَادَةَ تَفْكِيرِهَا. فَمَا كَانَ فِي بَدْءِ ٱلتِّقْنِيَاتِ مَقْبُولًا قَدْ يَكْشِفُ عَنْ مَضَارٍّ خَفِيَّةٍ، وَحِينَئِذٍ يُعَادُ تَقْيِيمُهُ بِٱلِاتِّجَاهِ إِلَى ٱلتَّشْدِيدِ. وَعَلَى ٱلْعَكْسِ، فَقَدْ تُخَفَّفُ قُيُودٌ سَابِقَةٌ إِذَا تَغَيَّرَتِ ٱلظُّرُوفُ ٱلِاجْتِمَاعِيَّةُ أَوْ ظَهَرَتْ أَدَوَاتُ رَقَابَةٍ جَدِيدَةٌ تُزِيلُ ٱلْمَخَاطِرَ ٱلْمَاضِيَةَ. فَعَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ، بَعْدَ عَشَرِ سِنِينَ قَدْ تَنْشَأُ أَنْوَاعٌ جَدِيدَةٌ مِنَ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لَا يَتَضَمَّنُ ٱلْمِيثَاقُ ٱلْحَالِيُّ شَيْئًا عَنْهَا، وَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي لِلْفُقَهَاءِ أَنْ يُصْدِرُوا فَتَاوَى جَدِيدَةً تَسْتَوْعِبُ وَاقِعَ ذٰلِكَ ٱلْمُسْتَقْبَلِ. وَيَتَطَلَّبُ ٱلْمَنْهَجُ ٱلْإِسْلَامِيُّ مُرَاعَاةَ «ٱلْمَآلَاتِ» أَيْ ٱلْعَوَاقِبَ ٱلْمُسْتَقْبَلِيَّةَ، وَعِنْدَ تَغَيُّرِ ٱلْعُصُورِ يُعَادُ تَقْيِيمُ ٱلْقَوَاعِدِ لِتَبْقَى مُوَافِقَةً لِمَقَاصِدِ ٱلشَّرِيعَةِ فِي كُلِّ زَمَانٍ. فَفِي جَوْهَرِهِ هُوَ دَعْوَةٌ إِلَى حُكْمٍ دِينَامِيكِيٍّ وَتَدَرُّجِيٍّ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ.

وَبِٱلْمِثْلِ فَإِنَّ ٱلْمُنَظِّمِينَ ٱلسِّيَاسِيِّينَ ٱلْمَدَنِيِّينَ يَضَعُونَ آليَّاتٍ لِتَجْدِيدِ ٱلْقَوَاعِدِ: فَٱلتَّشْرِيعَاتُ تَشْتَمِلُ غَالِبًا عَلَى مُرَاجَعَةٍ بَعْدَ سِنِينَ مُعَيَّنَةٍ، وَٱلْعُلَمَاءُ يَنْشُرُونَ إِصْدَارَاتٍ جَدِيدَةً مِنَ ٱلدَّلَائِلِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ مَعَ تَقَدُّمِ ٱلتِّقْنِيَةِ. وَتَفَاوُتُ ٱلْمَنَاهِجِ ٱلْمُعَاصِرَةِ كَمِثْلِ مَا يُعْرَفُ بِـ agile-دَوْلَةٍ، يَقْتَضِي تَعْدِيلًا مُسْتَمِرًّا لِلسِّيَاسَاتِ. وَهُنَا يَتَطَابَقُ ٱلْمَنْهَجُ ٱلْإِسْلَامِيُّ وَٱلْمَدَنِيُّ فِي ٱلْوَسِيلَةِ: فَٱلْقَوَاعِدُ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ «وَثِيقَةٌ حَيَّةٌ» يَنْبَغِي أَنْ تَتَفَاعَلَ مَعَ تَغَيُّرِ ٱلزَّمَانِ وَٱلْمَكَانِ. وَإِنَّمَا ٱلِاخْتِلَافُ فِي ٱلدَّافِعِ: فَٱلْإِسْلَامُ يَفْعَلُ ذٰلِكَ لِحِفْظِ ٱلِٱلْتِزَامِ بِٱلْمَبَادِئِ ٱلْأَبَدِيَّةِ لِلْعَدَالَةِ وَٱلرَّحْمَةِ فِي صُوَرٍ مُسْتَجَدَّةٍ، فِيمَا ٱلْمَدَنِيُّ يَفْعَلُهُ بِدَافِعٍ بَرَاغْمَاتِيٍّ. وَلٰكِنَّ ٱلنَّتِيجَةَ وَاحِدَةٌ: ٱلْمَرُونَةُ وَٱلْمُوَاصَلَةُ فِي صِلَاحِيَّةِ تَنْظِيمِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ مَعَ تَقَادُمِ ٱلزَّمَانِ.

II. مَقَاصِدُ ٱلشَّرِيعَةِ: ٱلْمَبَادِئُ ٢٢–٢٦

حِفْظُ ٱلدِّينِ. يَعْنِي هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ حِمَايَةَ ٱلْإِيمَانِ ٱلْإِسْلَامِيِّ وَتَعْزِيزَهُ فِي ٱلْمُجْتَمَعِ. وَفِي ٱلْفِقْهِ ٱلْكَلَاسِيكِيِّ (بِمَا فِيهِ ٱلْمَذْهَبُ ٱلْحَنَفِيُّ) يُعْتَبَرُ حِفْظُ ٱلدِّينِ ضَرُورَةً أُولَى مِنَ ٱلضَّرُورَاتِ ٱلْخَمْسِ ٱلْعُلْيَا لِلشَّرِيعَةِ. وَيَفْرِضُ ٱلْقَانُونُ ٱلْإِسْلَامِيُّ حِمَايَةَ ٱلْإِيمَانِ – مَثَلًا عَنْ طَرِيقِ ٱلْعُقُوبَةِ عَلَى ٱلرِّدَّةِ وَوُجُوبِ ٱلْجِهَادِ عِنْدَ ٱلْخَطَرِ – وَلَوْ عَلَى حِسَابِ ٱلْحَيَاةِ وَٱلْمَالِ، لِأَنَّ ٱلرَّفَاهَ ٱلرُّوحِيَّ يُقَدَّمُ عَلَى ٱلدُّنْيَوِيِّ. وَإِنَّ كَامِلَ ٱلنِّظَامِ ٱلْفِقْهِيِّ مُوَجَّهٌ لِضَمَانِ حُرِّيَّةِ ٱلِاعْتِقَادِ، وَمَنْعِ ٱلِارْتِدَادِ عَنْ مَبَادِئِ ٱلْإِسْلَامِ، وَٱسْتِئْصَالِ مَا يُقَوِّضُ عَقِيدَةَ ٱلْمُجْتَمَعِ.

وَفِي مَجَالِ ٱلتِّقْنِيَاتِ ٱلذَّكَائِيَّةِ، يَطْلُبُ مَبْدَأُ حِفْظِ ٱلدِّينِ أَلَّا تَكْتَفِيَ ٱلْأَنْظِمَةُ ٱلذَّكَائِيَّةُ بِتَجَنُّبِ تَقْوِيضِ ٱلْإِيمَانِ، بَلْ أَنْ تَقُومَ أَيْضًا بِحِمَايَةِ ٱلْقِيَمِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ وَٱلرُّوحِيَّةِ. فِي مَرْحَلَةِ ٱلتَّصْمِيمِ يَعْنِي ذٰلِكَ أَلَّا تَتَضَمَّنَ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتُ مُعْتَقَدَاتٍ مُعَادِيَةً لِلْإِسْلَامِ أَوْ تَشْجِيعًا عَلَى ٱلْإِلْحَادِ. وَفِي مَرْحَلَةِ تَدْرِيبِ ٱلنَّمَاذِجِ يَجِبُ ٱسْتِبْعَادُ ٱلْمُحْتَوَى ٱلْمُجَدِّفِ أَوِ ٱلْمُعَادِي لِلدِّينِ، ٱلَّذِي قَدْ يُؤَثِّرُ سَلْبًا عَلَى عَقَائِدِ ٱلْمُسْلِمِينَ. أَمَّا فِي مَرْحَلَةِ ٱلتَّطْبِيقِ – مَثَلًا فِي حَالَةِ ٱلْأَئِمَّةِ ٱلْاِفْتِرَاضِيِّينَ أَوْ تَطْبِيقَاتِ ٱلْفَتَاوَى – فَإِنَّهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ أَنْ يُحَرِّفَ ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ ٱلْعَقَائِدَ ٱلْعَقَدِيَّةَ أَوْ أَنْ يُقَدِّمَ أَحْكَامًا شَرْعِيَّةً خَاطِئَةً. وَإِنَّ ٱلْأَتْمَتَةَ ٱلْكَامِلَةَ لِلْأَحْكَامِ ٱلشَّرْعِيَّةِ مَمْنُوعَةٌ، لِأَنَّ ٱلتَّقْلِيدَ ٱلْإِسْلَامِيَّ يُؤَكِّدُ أَنَّ ٱلْمُجْتَهِدَ ٱلْبَشَرِيَّ وَحْدَهُ يَمْلِكُ ٱلْمُسْتَوَى ٱلْمَطْلُوبَ مِنَ ٱلْفَهْمِ ٱلْعِلْمِيِّ وَٱلْمَسْؤُولِيَّةِ أَمَامَ ٱللَّهِ. وَإِنَّ نِظَامَ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لَيْسَ مُكَلَّفًا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ «يَلْعَبَ دَوْرَ ٱللَّهِ» أَوْ أَنْ يُحِلَّ مَحَلَّ ٱلْإِنْسَانِ فِي إِصْدَارِ ٱلْأَحْكَامِ ٱلشَّرْعِيَّةِ ٱلْأَخِيرَةِ. بَلْ دَوْرُهُ مُسَاعِدٌ: فَٱلْخِدْمَاتُ ٱلْمُؤَتْمَتَةُ يُمْكِنُهَا نَشْرُ ٱلْمَعْرِفَةِ (مِثْلَ ٱلْبَحْثِ عَنْ ٱلْأَحَادِيثِ أَوِ ٱلْآيَاتِ عِنْدَ ٱلطَّلَبِ)، غَيْرَ أَنَّ ٱلتَّقْيِيمَ ٱلنِّهَائِيَّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ فَقِيهٍ مُؤَهَّلٍ.

أَمَّا ٱلْمِيثَاقَاتُ ٱلْمَدَنِيَّةُ لِأَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فَإِنَّهَا لَا تَتَنَاوَلُ مُبَاشَرَةً مَبْدَأَ حِفْظِ ٱلدِّينِ، لِأَنَّ ٱلْأَخْلَاقَ ٱلْعِلْمَانِيَّةَ مُحَايِدَةٌ تُجَاهَ قَضَايَا ٱلْإِيمَانِ. وَفِي بَعْضِ ٱلْمَبَادِئِ ٱلدَّوْلِيَّةِ يُذْكَرُ ٱلِاحْتِرَامُ لِلتَّنَوُّعِ ٱلثَّقَافِيِّ وَٱلدِّينِيِّ لِلْمُسْتَخْدِمِينَ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا وُجُودَ لِوَاجِبٍ بِحِفْظِ ٱلْإِيمَانِ. وَهٰذَا يُبْرِزُ فَرَادَةَ ٱلْمَنْهَجِ ٱلْإِسْلَامِيِّ: فَهُوَ لَا يَرْكُزُ فَقَطْ عَلَى ٱلْقِيَمِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ وَٱلْحُقُوقِ، بَلْ يَضَعُ فِي ٱلصَّدَارَةِ حِمَايَةَ ٱلرَّفَاهِ ٱلرُّوحِيِّ لِلْأُمَّةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ.

حِفْظُ ٱلنَّفْسِ. يُقْصَدُ بِحِفْظِ ٱلنَّفْسِ صِيَانَةُ ٱلْحَيَاةِ ٱلْبَشَرِيَّةِ، وَٱلصِّحَّةِ، وَٱلْحُرْمَةِ ٱلْجَسَدِيَّةِ. وَفِي ٱلْقَانُونِ ٱلْإِسْلَامِيِّ تُعْتَبَرُ ٱلْحَيَاةُ عَطَاءً مُقَدَّسًا، وَحِمَايَتُهَا هِيَ ٱلْغَايَةُ ٱلثَّانِيَةُ فِي ٱلْأَهَمِّيَّةِ مِنْ مَقَاصِدِ ٱلشَّرِيعَةِ بَعْدَ ٱلدِّينِ.

وَأَمَّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِتِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فَإِنَّ ذٰلِكَ يَعْنِي أَنْ تُضْمَنَ سَلَامَةُ ٱلْإِنْسَانِ فِي جَمِيعِ مَرَاحِلِ دَوْرَةِ حَيَاةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ. فِي تَطْوِيرِ ٱلْأَنْظِمَةِ تُدْمَجُ قُيُودٌ تَمْنَعُ إِحْدَاثَ ٱلْأَذَى ٱلْجَسَدِيِّ: فَمَثَلًا يَجِبُ عَلَى خَوَارِزْمِيَّاتِ قِيَادَةِ ٱلنَّقْلِ بِدُونِ سَائِقٍ أَوِ ٱلْأَنْظِمَةِ ٱلطِّبِّيَّةِ ٱلذَّكَائِيَّةِ أَنْ تَجْعَلَ حِفْظَ حَيَاةِ ٱلْمُسْتَخْدِمِ وَمَنْ حَوْلَهُ فِي قِمَّةِ ٱلْأَوْلَوِيَّاتِ. وَفِي تَدْرِيبِ ٱلنَّمَاذِجِ يَجِبُ مُرَاعَاةُ سِينارِيُوهَاتِ أَسْوَإِ ٱلِاحْتِمَالَاتِ لِكَيْ لَا يُفْضِيَ ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ إِلَى ٱلْهَلَاكِ خَطَأً (مِثْلَ وُجُوبِ تَجَنُّبِ أَعْظَمِ قَدْرٍ مُمْكِنٍ مِنَ ٱلْحَوَادِثِ فِي ٱلْقِيَادَةِ ٱلْمُؤَتْمَتَةِ). وَعِنْدَ ٱلتَّطْبِيقِ، خُصُوصًا فِي ٱلْقِطَاعَاتِ ٱلْحَرِجَةِ (ٱلنَّقْلُ، وَٱلطِّبُّ، وَٱلتَّصْنِيعُ)، لَابُدَّ مِنْ آليَّاتِ إِيقَافٍ طَارِئٍ وَرِقَابَةٍ بَشَرِيَّةٍ تَمْنَعُ ٱلْإِخْفَاقَاتِ ٱلْكَارِثِيَّةِ. وَيَجِبُ أَنْ تُضْمَنَ ٱلسَّلَامَةُ لِلْمُسْتَخْدِمِينَ ٱلنِّهَائِيِّينَ: فَلَا يَجُوزُ لِلرُّبُوتَاتِ ٱلْمُسَاعِدَةِ أَنْ تُشَكِّلَ خَطَرًا عَلَى ٱلنَّاسِ، كَمَا لَا يَحِلُّ – بِحَسَبِ ٱلْقَوَاعِدِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ – أَنْ تُسْتَعْمَلَ أَنْظِمَةُ ٱلْأَسْلِحَةِ ٱلْمُعْتَمِدَةِ عَلَى ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ضِدَّ ٱلْمَدَنِيِّينَ. وَتَقْتَضِي أُصُولُ ٱلْحَنَفِيَّةِ فِي تَحْرِيمِ ٱلْغُلُوِّ وَوُجُوبِ إِزَالَةِ ٱلضَّرَرِ أَنْ تَخْضَعَ أَنْظِمَةُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لِتَحَقُّقٍ صَارِمٍ مِنْ عَدَمِ ٱلْمَخَاطِرِ عَلَى ٱلْحَيَاةِ. وَيُقَدِّمُ بَعْضُ ٱلْبَاحِثِينَ ٱلْمُسْلِمِينَ مِعْيَارَ «ٱلْفَلَاحِ» لِتَقْيِيمِ ٱلتِّقْنِيَاتِ ٱلْجَدِيدَةِ: هَلْ تُسَاعِدُ عَلَى ٱلْخَيْرِ ٱلْحَقِيقِيِّ وَلَا تَجْلِبُ شَرًّا؟ فَإِذَا حَمَلَ ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ تَهْدِيدًا مُحْتَمَلًا لِلْحَيَاةِ أَوِ ٱلصِّحَّةِ فَإِنَّ تَطْوِيرَهُ وَتَطْبِيقَهُ يُخَالِفَانِ ٱلْمَعَايِيرَ ٱلشَّرْعِيَّةَ.

وَقَدْ تَتَّفِقُ كَثِيرٌ مِنَ ٱلْمِيثَاقَاتِ ٱلْمَدَنِيَّةِ ٱلْمُعَاصِرَةِ مَعَ هٰذَا ٱلْمَبْدَإِ: فَمِنْ أَسَاسِيَّاتِ ٱلْمُتَطَلَّبَاتِ لِأَنْظِمَةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ مَبْدَأُ «do no harm» – أَيْ عَدَمُ إِيقَاعِ ٱلضَّرَرِ بِٱلْإِنْسَانِ. وَفِي ٱلتَّوْصِيَاتِ ٱلدَّوْلِيَّةِ (مِثْلَ ٱلْيُونِسْكُو (UNESCO)) تُعْلَنُ أَوْلَوِيَّاتُ ٱلسَّلَامَةِ، وَٱلشَّفَافِيَّةِ، وَرَفَاهِ ٱلْإِنْسَانِ عِنْدَ ٱسْتِعْمَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ. غَيْرَ أَنَّ ٱلْمَنْهَجَ ٱلْإِسْلَامِيَّ يَتَجَاوَزُ «ٱلْأَمْنَ» ٱلْبَرَاغْمَاتِيَّ: فَإِنَّ حِفْظَ كُلِّ نَفْسٍ بَرِيئَةٍ وَاجِبٌ دِينِيٌّ لَهُ قِيمَةٌ مُقَدَّسَةٌ، وَلَيْسَ مُجَرَّدَ مَسْأَلَةِ مَسْؤُولِيَّةٍ شَرِكَاتِيَّةٍ. وَعَلَى خِلَافِ ٱلنَّظْرِ ٱلْمَدَنِيِّ ٱلصِّرْفِ ٱلَّذِي يَسْمَحُ بِحِسَابَاتِ ٱلْمَخَاطِرِ وَٱلْمَنَافِعِ، يُشَدِّدُ ٱلشَّرْعُ عَلَى ٱلْقِيمَةِ ٱلْمُطْلَقَةِ لِلْحَيَاةِ وَوُجُوبِ حِمَايَتِهَا، وَقَدْ يَسْتَلْزِمُ ذٰلِكَ ٱلِامْتِنَاعَ عَنْ تِقْنِيَاتٍ تَحْمِلُ مَخَاطِرَ مُهْلِكَةً وَلَوْ كَانَتْ مُجْدِيَةً ٱقْتِصَادِيًّا.

حِفْظُ ٱلْعَقْلِ. يَهْدِفُ هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ إِلَى حِمَايَةِ ٱلْفِكْرِ، وَٱلصِّحَّةِ ٱلنَّفْسِيَّةِ، وَٱلسَّلَامَةِ ٱلْعَقْلِيَّةِ لِلْإِنْسَانِ. وَفِي ٱلْفِقْهِ ٱلتَّقْلِيدِيِّ يُقْصَدُ بِحِفْظِ ٱلْعَقْلِ أَوَّلًا تَحْرِيمُ كُلِّ مَا يُتْلِفُ أَوْ يُشَوِّهُ ٱلْعَقْلَ تَشْوِيهًا جَسِيمًا (مِثْلَ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمُخَدِّرَاتِ ٱلَّتِي فُرِضَ عَلَيْهَا عُقُوبَاتُ ٱلْحَدِّ). وَثَانِيًا تَشْجِيعُ ٱلتَّعْلِيمِ وَتَنْمِيَةِ ٱلْمَعْرِفَةِ، لِأَنَّ ٱلْعَقْلَ ٱلسَّلِيمَ شَرْطٌ لِأَدَاءِ ٱلْوَاجِبَاتِ ٱلدِّينِيَّةِ.

وَفِي تَطْبِيقِ هٰذَا ٱلْمَبْدَإِ عَلَى ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَتَطَلَّبُ ٱلْأَمْرُ أَلَّا تُؤَدِّيَ تِقْنِيَاتُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ إِلَى تَدَهْوُرِ ٱلْعَقْلِ ٱلْبَشَرِيِّ وَلَا أَنْ تَتَلَاعَبَ بِوَعْيِ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ. فِي مَرْحَلَةِ ٱلتَّصْمِيمِ يَعْنِي ذٰلِكَ وَضْعَ قُيُودٍ أَخْلَاقِيَّةٍ عَلَى ٱلْمُبَادَرَاتِ ٱلَّتِي قَدْ تُسَبِّبُ إِدْمَانًا نَفْسِيًّا أَوْ تَخْدِيرًا مَعْلُومَاتِيًّا. فَمَثَلًا، لَا يَنْبَغِي لِخَوَارِزْمِيَّاتِ ٱلتَّوَاصُلِ ٱلِاجْتِمَاعِيِّ أَوْ أَنْظِمَةِ ٱلتَّوْصِيَةِ أَنْ تَسْتَغِلَّ ٱلضَّعْفَ ٱلْإِدْرَاكِيَّ لِلْمُسْتَخْدِمِينَ، بِطَرِيقَةٍ تُغْرِيهِمْ بِٱلِٱنْغِمَاسِ فِي تَمْرِيرٍ لَا مُتَنَاهٍ لِلْمُحْتَوَى عَلَى حِسَابِ تَرْكِيزِهِمْ وَتَفْكِيرِهِمُ ٱلنَّقْدِيِّ. وَفِي مَرْحَلَةِ تَدْرِيبِ ٱلنَّمَاذِجِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ «حَلَالًا» فِي بَيَانَاتِهَا – بِلَا مَعْلُومَاتٍ كَاذِبَةٍ أَوْ فَاسِدَةٍ – لِكَيْ لَا يُنْتِجَ ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ «سُمًّا عَقْلِيًّا». وَفِي مَرْحَلَةِ ٱلتَّطْبِيقِ يَجِبُ تَوْفِيرُ ٱلشَّفَافِيَّةِ فِي أَعْمَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، لِيَفْهَمَ ٱلْمُسْتَخْدِمُونَ مَنْطِقَ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ وَلِكَيْ لَا يَقَعُوا فِي «ٱلْغَرَرِ» (ٱلْغُمُوضِ وَٱلْعَدَمِ) ٱلَّذِي يُقَوِّضُ ثِقَتَهُمْ بِعُقُولِهِمْ. وَيَجِبُ أَنْ يَحْفَظَ ٱلْمُسْتَخْدِمُونَ حُرِّيَّةَ ٱلْإِرَادَةِ وَٱلْقُدْرَةَ عَلَى ٱلِٱخْتِيَارِ ٱلْمُدْرَكِ عِنْدَ ٱلتَّعَامُلِ مَعَ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ – وَلِذٰلِكَ يَحْرُمُ ٱلِٱعْتِمَادُ ٱلْأَعْمَى عَلَى ٱلْآلَةِ فِيمَا يَحْتَاجُ إِلَى قَرَارٍ بَشَرِيٍّ مُسْتَنِيرٍ. فَإِذَا أَعْطَتْ مِثْلًا نِظَامَاتُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ نَصِيحَةً فِي ٱلْمَجَالِ ٱلطِّبِّيِّ أَوِ ٱلدِّينِيِّ، فَلِلْمُسْتَخْدِمِ حَقٌّ شَرْعِيٌّ فِي ٱلِاطِّلَاعِ عَلَى ٱلْأَسَاسِ ٱلَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ ٱلرَّأْيُ، وَفِي حَالِ ٱلِاعْتِرَاضِ ٱلرُّجُوعُ إِلَى ٱلْمُخْتَصِّ ٱلْبَشَرِيِّ. وَمِنْ ثَمَّ، لَا يَجُوزُ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ أَنْ يَتَحَوَّلَ إِلَى أَدَاةٍ لِلتَّلَاعُبِ ٱلْجَمَاعِيِّ أَوْ لِتَجْرِيدِ ٱلنَّاسِ مِنَ ٱلْفِكْرِ ٱلْمُسْتَقِلِّ.

وَفِي ضَوْءِ ٱلْمِيثَاقَاتِ ٱلْمَدَنِيَّةِ لِلْأَخْلَاقِيَّاتِ، فَإِنَّ بَعْضَ هٰذِهِ ٱلْأَفْكَارِ تَظْهَرُ فِي ٱلْمَبَادِئِ ٱلْمُرْتَبِطَةِ بِٱلسَّلَامَةِ ٱلنَّفْسِيَّةِ وَٱلتَّصْمِيمِ ٱلْمَسْؤُولِ. فَمَثَلًا، يُمْنَحُ مَزِيدٌ مِنَ ٱلِاهْتِمَامِ لِمَشْكِلَةِ «ٱلرَّفَاهِ ٱلرَّقْمِيِّ (digital well-being)» – أَيْ عَدَمُ تَسْبِيبِ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ ضَرَرًا لِلصِّحَّةِ ٱلنَّفْسِيَّةِ (مِنْ خِلَالِ إِدْمَانِ ٱلْخِدْمَاتِ أَوْ نَشْرِ ٱلْمَعْلُومَاتِ ٱلْمُضَلِّلَةِ وَنَحْوِ ذٰلِكَ). وَتَسْعَى ٱلْقَوَانِينُ ٱلْمُتَعَلِّقَةُ بِحِمَايَةِ ٱلْبَيَانَاتِ وَمُكَافَحَةِ ٱلْمُعْلُومَاتِ ٱلْمُضَلِّلَةِ إِلَى حِمَايَةِ وَعْيِ ٱلْمُجْتَمَعِ مِنَ «تَلَوُّثِ» ٱلْأَكَاذِيبِ. غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ نَظِيرٌ مُبَاشِرٌ لِمَبْدَإِ حِفْظِ ٱلْعَقْلِ فِي ٱلْوَثَائِقِ ٱلْعِلْمَانِيَّةِ: فَإِنَّ ٱلْمَنْهَجَ ٱلْإِسْلَامِيَّ يَمْتَازُ بِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ ٱلْعَقْلَ مَوْضُوعًا لِلْحِمَايَةِ ٱلتَّشْرِيعِيَّةِ فِي ٱلْبُعْدِ ٱلْأَخْلَاقِيِّ وَٱلرُّوحِيِّ. فَفِيمَا تَتَكَلَّمُ ٱلْمَوَاثِيقُ ٱلْمَدَنِيَّةُ عَنِ «ٱلْخُصُوصِيَّةِ (privacy)» وَ«ٱلصِّحَّةِ ٱلنَّفْسِيَّةِ (mental health)»، فَإِنَّ ٱلشَّرِيعَةَ تَضُمُّ فِي حِفْظِ ٱلْعَقْلِ أَيْضًا ٱلْوِقَايَةَ مِنَ ٱلْجَهْلِ ٱلْإِثْمِيِّ، وَوَاجِبَ ٱلتَّعَلُّمِ لِلْحَقِّ. وَهٰذَا يُجَسِّدُ طَابِعَ ٱلشَّرِيعَةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ ٱلتَّكَامُلِيَّ ٱلَّذِي يَرْبِطُ ٱلرَّفَاهَ ٱلْعَقْلِيَّ بِٱلْبُعْدِ ٱلدِّينِيِّ.

حِفْظُ ٱلْمَالِ. يُقْصَدُ بِحِفْظِ ٱلْمَالِ حِمَايَةُ ٱلْمِلْكِيَّةِ ٱلْخَاصَّةِ وَٱلْعَامَّةِ، وَٱلرَّفَاهِ ٱلِقْتِصَادِيِّ، وَحُقُوقِ ٱلْمَالِكِينَ. وَفِي ٱلْفِقْهِ يُعَدُّ ٱلْمَالُ إِحْدَى ٱلْقِيَمِ ٱلْخَمْسِ ٱلْأَصِيلَةِ ٱلَّتِي تَجِبُ صِيَانَتُهَا. وَتَشْتَدُّ ٱلْمَدْرَسَةُ ٱلْحَنَفِيَّةُ فِي حِفْظِ حُقُوقِ ٱلْمِلْكِيَّةِ: فَٱلسَّرِقَةُ وَٱلْاِغْتِصَابُ وَٱلِٱحْتِيَالُ مُحَرَّمَاتٌ قَطْعًا، وَقَدْ شُرِعَ حَدٌّ لِلسَّرِقَةِ – قَطْعُ ٱلْيَدِ عِنْدَ تَحَقُّقِ شُرُوطِهِ. وَلِكُلِّ إِنْسَانٍ حَقٌّ فِي حُرْمَةِ مَالِهِ، وَلَا تَصِحُّ ٱلْمُعَامَلَاتُ إِلَّا بِرِضًا طَوْعِيًّا بَيْنَ ٱلطَّرَفَيْنِ.

وَأَمَّا فِي سِيَاقِ أَنْظِمَةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فَيَتَجَسَّدُ هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ فِي مَجَالَاتٍ عِدَّةٍ. فِي مَرْحَلَتَيِ ٱلتَّطْوِيرِ وَٱلتَّدْرِيبِ يَجِبُ مُرَاعَاةُ «حَلَالِيَّةِ» مَصَادِرِ ٱلْبَيَانَاتِ: أَيْ ٱسْتِعْمَالُ مَجْمُوعَاتِ بَيَانَاتٍ مُسْتَجْلَبَةٍ بِطَرِيقٍ مَشْرُوعٍ مَعَ حِفْظِ حُقُوقِ أَصْحَابِهَا. وَلَا يَحِلُّ «سَرِقَةُ» بَيَانَاتِ ٱلْآخَرِينَ لِتَدْرِيبِ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ – فَهٰذَا يُشَاكِلُ ٱلِاسْتِلَابَ أَوِ ٱلِٱسْتِيلَاءَ عَلَى ٱلْمَالِ دُونَ رِضًا. وَعَلَى ٱلْمُطَوِّرِينَ أَنْ يَمْنَعُوا ٱلْحَالَاتِ ٱلَّتِي فِيهَا يَقُومُ ٱلْخَوَارِزْمُ نَفْسُهُ بِمُعَامَلَاتٍ غَيْرِ مَشْرُوعَةٍ أَوْ بِتَوْصِيَاتٍ تُفْضِي إِلَى خَسَائِرَ مَالِيَّةٍ لِلْآخَرِينَ. وَفِي مَرْحَلَةِ ٱلتَّطْبِيقِ تَتَأَكَّدُ أَهَمِّيَّةُ ٱلشَّفَافِيَّةِ ٱلتَّعَاقُدِيَّةِ: فَإِذَا قَدَّمَتِ ٱلشَّرِكَةُ خِدْمَةَ ذَكَاءٍ ٱصْطِنَاعِيٍّ وَجَبَ أَنْ تُبَيِّنَ بُيُوعُ ٱلِاسْتِخْدَامِ جَمِيعَ ٱلْجَوَانِبِ ٱلْمَالِيَّةِ – مَنْ يَمْلِكُ نَتَائِجَ عَمَلِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، وَكَيْفَ تُصَانُ حُقُوقُ ٱلْمُصَنِّفِ عَلَى ٱلْبَيَانَاتِ وَٱلْمُحْتَوَى ٱلْمُنْتَجِ، وَغَيْرُ ذٰلِكَ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُسْتَغَلَّ أَنْظِمَةٌ وَلِيدَةٌ لِٱنْتِهَاكِ حُقُوقِ ٱلْمِلْكِيَّةِ ٱلْفِكْرِيَّةِ: فَلَا يَصِحُّ لِنَمُوذَجٍ تَوْلِيدِيٍّ أَنْ يُعِيدَ إِنْتَاجَ مَوَادَّ مَحْمِيَّةٍ بِحُقُوقِ ٱلنَّشْرِ دُونَ إِذْنٍ. وَيَجِبُ أَنْ يَحْصُلَ ٱلْمُسْتَخْدِمُونَ ٱلنِّهَائِيُّونَ، عِنْدَ ٱلِاسْتِفَادَةِ مِنَ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، عَلَى ضَمَانَاتٍ لِحِمَايَةِ أَمْوَالِهِمْ: فَلَا تَحِقُّ تَوْصِيَاتٌ مَالِيَّةٌ تُغْرِي بِمُخَاطَرَاتٍ قِمَارِيَّةٍ أَوْ مُضَارَبَاتٍ مُفْرِطَةٍ (مَيْسِرٌ)، وَيَتَعَيَّنُ عَلَى ٱلْمُسْتَشَارِينَ ٱلْآلِيِّينَ ٱلِالْتِزَامُ بِمَبَادِئِ ٱلْأَمَانَةِ وَٱلِٱحْتِرَازِ لِعَدَمِ تَعْرِيضِ مَدَّخَرَاتِ ٱلْعُمَلَاءِ لِلْمَخَاطِرِ. بَلْ وَيَنْبَغِي لِلْخَوَارِزْمِيَّاتِ ٱلْمَعْنِيَّةِ بِإِدَارَةِ ٱلْأَمْوَالِ (فِي ٱلْمَصَارِفِ وَٱلِٱسْتِثْمَارِ) فِي ٱلسِّيَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ أَنْ تَخْضَعَ لِتَدْقِيقٍ شَرْعِيٍّ لِلتَّأَكُّدِ مِنَ ٱلِالْتِزَامِ بِتَحْرِيمِ ٱلرِّبَا وَٱلْغَرَرِ.

وَفِي ٱلْمِيثَاقَاتِ ٱلْمَدَنِيَّةِ تُعَدُّ حِمَايَةُ حُقُوقِ ٱلْمِلْكِيَّةِ وَٱلْوَفَاءُ بِٱلْاِلْتِزَامَاتِ ٱلتَّعَاقُدِيَّةِ مَطَالِبَ قَانُونِيَّةً أَسَاسِيَّةً. وَيَقْتَرِبُ مِنْ رُوحِ ذٰلِكَ مَبْدَأُ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ (Accountability) فِي مَجَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ: إِذْ يَجِبُ عَلَى ٱلْمُطَوِّرِينَ تَحَمُّلُ تَبِعَةِ ٱلضَّرَرِ ٱلنَّاشِئِ عَنْ ٱلنِّظَامِ، وَمِنْهُ ٱلضَّرَرُ ٱلْمَادِّيُّ. وَغَيْرَ أَنَّ ٱلْمَنْظُورَ ٱلْإِسْلَامِيَّ يَنْظُرُ إِلَى ٱحْتِرَامِ ٱلْمِلْكِيَّةِ لَا عَلَى أَنَّهُ مُجَرَّدُ وَاجِبٍ قَانُونِيٍّ، بَلْ عَلَى أَنَّهُ تَكْلِيفٌ أَخْلَاقِيٌّ أَمَامَ ٱللَّهِ. فَإِنَّ ٱنْتِهَاكَ حَقِّ ٱلْمَالِ مَعْصِيَةٌ وَلَوْ فِي غَيْبَةِ ٱلْعُقُوبَةِ. وَفِيمَا تَرْكَنُ ٱلْمِيثَاقَاتُ ٱلْمَدَنِيَّةُ إِلَى قُوَّةِ ٱلْقَانُونِ ٱلْإِلْزَامِيَّةِ، يُضِيفُ ٱلْمَنْهَجُ ٱلْإِسْلَامِيُّ بُعْدَ ٱلتَّقْوَى ٱلدَّاخِلِيَّةِ، فَيُرَبِّي ٱلذِّمَّةَ وَٱلْأَمَانَةَ فِي تَطْوِيرِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ وَتَطْبِيقِهِ حَتَّى فِي مَوَاطِنِ غِيَابِ ٱلرَّقَابَةِ ٱلْخَارِجِيَّةِ.

حِفْظُ ٱلنَّسْلِ / حِفْظُ ٱلْعِرْضِ. يَجْمَعُ هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ بَيْنَ غَايَتَيْنِ مُتَقَارِبَتَيْنِ: حِمَايَةُ ٱلْأُصُولِ ٱلْأُسَرِيَّةِ (ٱلنَّسَبِ) وَحِفْظُ ٱلشَّرَفِ وَكَرَامَةِ ٱلْإِنْسَانِ. وَفِي ٱلتَّقْلِيدِ ٱلْفِقْهِيِّ، يَذْكُرُ بَعْضُهُم مَقْصَدَ «حِفْظِ ٱلنَّسْلِ» فَقَطْ، وَبَعْضُهُم «حِفْظَ ٱلْعِرْضِ»، وَلٰكِنْ بِحَسَبِ تَفْسِيرِ ٱلْحَنَفِيَّةِ هُمَا مُتَلَازِمَانِ وَمُهِمَّانِ مَعًا.

وَفِي عَصْرِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، تَأْخُذُ حِمَايَةُ ٱلنَّسْلِ وَٱلْعِرْضِ أَبْعَادًا جَدِيدَةً. فَأَوَّلًا، يَجِبُ أَلَّا تُؤَدِّيَ ٱلتِّقْنِيَاتُ إِلَى تَقْوِيضِ نِظَامِ ٱلْأُسْرَةِ أَوْ إِلَى إِهَانَةِ كَرَامَةِ ٱلْإِنْسَانِ. فِي مَرْحَلَةِ ٱلتَّطْوِيرِ يَعْنِي هٰذَا رَفْضَ ٱلْمَشَارِيعِ ٱلَّتِي تَهْدِمُ ٱلْقِيَمَ ٱلْأُسَرِيَّةَ – فَلَا يَجُوزُ لِلْمَنَصَّاتِ ٱلذَّكَائِيَّةِ أَنْ تُشَجِّعَ عَلَى ٱلْفَسَادِ أَوْ تَرْوِيجِ أَنْمَاطٍ سُلُوكِيَّةٍ تُفْضِي إِلَى تَفْكِيكِ ٱلْعَلَائِقِ ٱلْأُسَرِيَّةِ. وَفِي مَرْحَلَةِ تَدْرِيبِ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ يَجِبُ تَنْقِيَةُ ٱلْمُحْتَوَى: فَلَا يَجُوزُ إِدْخَالُ بَيَانَاتٍ إِبَاحِيَّةٍ أَوْ فَاحِشَةٍ أَوْ مَوَادَّ تُهِينُ جَمَاعَةً دِينِيَّةً أَوْ عِرْقِيَّةً، لِأَنَّهَا تُعْتَبَرُ ضَرْبًا لِـ«حِفْظِ ٱلْعِرْضِ» ٱلْجَمَاعِيِّ. وَتَحْظَى ٱلنَّمَاذِجُ ٱلتَّوْلِيدِيَّةُ بِخُصُوصِيَّةٍ: فَإِنَّ حَظْرَ ٱلصُّوَرِ ٱلْفُوتُورِيَالِيَّةِ ٱلْمُصْطَنَعَةِ بِٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَرْتَبِطُ جُزْئِيًّا بِمَخَاطِرِ ٱلِافْتِرَاءِ وَٱلتَّزْيِيفِ ٱلْمُشِينِ. فَإِنَّ ٱلذَّكَاءَ ٱلِصْطِنَاعِيَّ الْمُعَاصِرَ قَادِرٌ عَلَى إِنْتَاجِ «تَزْيِيفَاتٍ عَمِيقَةً (Deepfakes)» تُظْهِرُ شَخْصًا فِي أَفْعَالٍ فَاضِحَةٍ زُورًا. وَمِنْ مَنْظُورِ ٱلشَّرِيعَةِ، فَإِنَّ نَشْرَ صُوَرٍ أَوْ أَفْلَامٍ مُزَيَّفَةٍ لِلتَّشْهِيرِ يُعَدُّ إِثْمًا عَظِيمًا مِنْ «ٱلْبُهْتَانِ» ٱلَّذِي يَهْدِمُ حِفْظَ ٱلْعِرْضِ. وَلِذٰلِكَ يَفْرِضُ ٱلْمِيثَاقُ ٱلْإِسْلَامِيُّ فِي مَرْحَلَةِ ٱلتَّطْبِيقِ إِدْخَالَ إِجْرَاءَاتٍ لِمُنَاهَضَةِ سُوءِ ٱلِاسْتِعْمَالِ: مِثْلَ آليَّاتِ تَحْقِيقِ أَصَالَةِ ٱلْوَسَائِطِ، وَٱلْمَسْؤُولِيَّةِ ٱلْقَانُونِيَّةِ عَلَى إِنْتَاجِ «تَزْيِيفَاتٍ عَمِيقَةٍ» بُغْيَةَ تَشْوِيهِ ٱلشَّرَفِ. وَيَجِبُ أَنْ يُصَانَ ٱلْمُسْتَخْدِمُونَ مِنَ ٱلْإِهَانَةِ وَٱلْمُضَايَقَةِ ٱلصَّادِرَةِ عَنْ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ: فَلَا يَحِلُّ لِـ(شات-بوت) أَنْ يُنْتِجَ رُدُودًا مُهِينَةً أَوْ تَمْيِيزِيَّةً، لِأَنَّ ذٰلِكَ يُنَاقِضُ قَاعِدَةَ ٱحْتِرَامِ «ٱلْعِرْضِ» لِكُلِّ إِنْسَانٍ. وَفِي مَجَالِ ٱلْبَيُوتِكْنُولُوجْيَا، يَجِبُ عَلَى تَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ (كَمَا فِي ٱلْفُحُوصَاتِ ٱلْأُنْسَابِيَّةِ أَوْ تَعْدِيلِ ٱلْجِينُومِ) أَنْ تَرَاعِيَ ٱلضَّوَابِطَ ٱلشَّرْعِيَّةَ ٱلْمُتَّصِلَةَ بِٱلنَّسَبِ: كَحَظْرِ ٱلتَّبَرُّعِ بِشَكْلٍ مُجْهُولٍ، أَوِ ٱلْأُمُومَةِ ٱلْبَدِيلَةِ خَارِجَ ٱلزَّوَاجِ، لِأَنَّهَا تُفْضِي إِلَى تَشْوِيشِ ٱلْأَنْسَابِ.

وَأَمَّا فِي ٱلْمِيثَاقَاتِ ٱلْمَدَنِيَّةِ فَلَا يُوجَدُ نَظِيرٌ مُبَاشِرٌ لِهٰذَا ٱلْمَبْدَإِ ٱلْمُرَكَّبِ – فَإِنَّهُمْ غَالِبًا يُفْرِدُونَ بَحْثَ مَسَائِلِ عَدَمِ ٱلتَّمْيِيزِ وَحُرْمَةِ ٱلْبَيَانَاتِ. وَحِفْظُ ٱلنَّسْلِ بِذَاتِهِ لَا يَرِدُ فِي ٱلْمَنْظُورِ ٱلْعِلْمَانِيِّ – إِلَّا فِي نِقَاشَاتٍ بَيُوأَخْلَاقِيَّةٍ حَوْلَ ٱلتِّقْنِيَاتِ ٱلتَّنَاسُلِيَّةِ. وَيُمْكِنُ ٱلْقَوْلُ إِنَّ ٱلْأَخْلَاقَ ٱلْمَدَنِيَّةَ تَتَنَاوَلُ بَعْضَ جَوَانِبِ «حِفْظِ ٱلنَّسْلِ» وَ«حِفْظِ ٱلْعِرْضِ» بِطَرِيقٍ غَيْرِ مُبَاشِرٍ (مِثْلَ حُقُوقِ ٱلْإِنْسَانِ، وَمَنْعِ ٱلتَّمْيِيزِ، وَحُرْمَةِ ٱلْبَيَانَاتِ)، وَلَكِنَّهَا لَا تَجْمَعُهُمَا فِي مَبْدَإٍ وَاحِدٍ. وَيَبْرُزُ ٱلْمَنْهَجُ ٱلْإِسْلَامِيُّ بِخُصُوصِيَّتِهِ: فَهُوَ يَرْبِطُ مُنْذُ ٱلْبِدَايَةِ بَيْنَ قِيَمِ ٱلْأُسْرَةِ وَحِفْظِ ٱلشَّرَفِ كَأُمُورٍ تَسْتَحِقُّ ٱلْحِمَايَةَ ٱلتَّشْرِيعِيَّةَ حَتَّى عِنْدَ تَطْوِيرِ وَٱسْتِعْمَالِ أَحْدَثِ تِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ.

III. قَوَاعِدُ ٱلْفِقْهِ وَأَحْكَامٌ لِمَرَاحِلِ دَوْرَةِ ٱلْحَيَاةِ ٱلْمُخْتَلِفَةِ:

صِحَّةُ وَحِلُّ ٱلْمَصَادِرِ. يَقْضِي هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ بِأَنْ تَكُونَ ٱلْبَيَانَاتُ ٱلْأَصْلِيَّةُ ٱلْمُسْتَعْمَلَةُ فِي عَمَلِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ مَسْتَجْلَبَةً بِطَرِيقٍ مَشْرُوعٍ وَمُتَّصِفَةً بِٱلْمِصْدَاقِيَّةِ. وَيُشِيرُ مَفْهُومُ «حِلِّيَّةِ ٱلْمَصَادِرِ» قِيَاسًا عَلَى ٱلْغِذَاءِ ٱلْحَلَالِ إِلَى نَقَاوَةِ ٱلْمَعْلُومَاتِ أَخْلَاقِيًّا وَقَانُونِيًّا. وَإِنْ لَمْ يَرِدْ فِي ٱلْفِقْهِ ٱلْإِسْلَامِيِّ نَصٌّ مُبَاشِرٌ فِي مَوَاضِيعِ مَجْمُوعَاتِ ٱلْبَيَانَاتِ، فَقَدْ قَرَّرَ قَوَاعِدَ قَرِيبَةً: كَتَحْرِيمِ ٱسْتِلَابِ أَمْوَالِ ٱلْآخَرِينَ (وَيَدْخُلُ فِيهَا ٱلْمَعْلُومَاتُ) دُونَ رِضًا، وَوُجُوبِ قَوْلِ ٱلْحَقِّ وَتَثَبُّتِ ٱلْخَبَرِ قَبْلَ نَشْرِهِ. وَبِنَاءً عَلَى ذٰلِكَ يُسْتَنْبَطُ لِفَهْمِنَا ٱلْمُعَاصِرِ أَنَّ بَيَانَاتِ تَدْرِيبِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ وَٱلتَّقَاوِيمِ ٱلْقَرَارِيَّةِ لَهُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ «صَادِقَةً» – أَيْ غَيْرَ مُحَرَّفَةٍ وَمَأْخُوذَةً بِغَيْرِ مُخَالَفَةٍ لِحُقُوقِ أَحَدٍ.

وَعَلَى ٱلْمُسْتَوَى ٱلْعَمَلِيِّ يَنْعَكِسُ ذٰلِكَ فِي قَوَاعِدَ عِدَّةٍ: أَوَّلًا، مَنْعُ ٱلِاسْتِخْدَامِ لِبَيَانَاتٍ مَسْرُوقَةٍ أَوْ مَجْمُوعَةٍ بِطَرِيقٍ غَيْرِ قَانُونِيٍّ؛ فَٱلْمُطَوِّرُ ٱلْمُسْلِمُ لَا يَتَحَايَلُ عَلَى قُيُودِ ٱلْخُصُوصِيَّةِ وَلَا يَسْتَخْدِمُ parsing‏[٧٤] لِبَيَانَاتٍ شَخْصِيَّةٍ سِرًّا، لِأَنَّ ذٰلِكَ يَكُونُ سَرِقَةً/تَجَسُّسًا (تَحَسُّس) مُحَرَّمًا شَرْعًا. وَيَجِبُ أَنْ تُجْمَعَ كُلُّ مَجْمُوعَاتِ ٱلْبَيَانَاتِ بِمُوَافَقَةٍ صَرِيحَةٍ (رِضًا) مِنْ أَصْحَابِهَا. ثَانِيًا، يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ ٱلْبَيَانَاتُ «حَلَالًا» فِي مُحْتَوَاهَا؛ فَلَا يُدَرَّبُ ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ عَلَى مَوَادَّ مُحَرَّمَةٍ أَصْلًا: كَٱلإِبَاحِيَّةِ، وَٱلدَّعْوَةِ إِلَى ٱلْحَرَامِ، وَٱلْقَذْفِ، وَٱلْمَعْلُومَاتِ ٱلْمَعْلُومِ كَذِبُهَا؛ فَهٰذِهِ «مَصَادِرُ نَجِسَةٌ» مِنْ مَنْظُورِ ٱلشَّرْعِ، وَإِدْخَالُهَا فِي ٱلنَّمُوذَجِ لَا يَقِفُ عِنْدَ حُدُودِ ٱلْإِثْمِ بَلْ يُخَاطِرُ بِأَنْ يَسْتَنْسِخَ ٱلنِّظَامُ ذٰلِكَ ٱلْمُحْتَوَى ٱلْإِثْمِيَّ. ثَالِثًا، ضَرُورَةُ تَأْمِينِ ٱلدِّقَّةِ وَٱلْمَوْثُوقِيَّةِ فِي ٱلْبَيَانَاتِ؛ فَٱلتَّبْدِيلُ ٱلْمُتَعَمَّدُ لِلْبَيَانَاتِ أَوِ ٱلِاسْتِخْدَامُ ٱلْمُتَعَمَّدُ لِعَيِّنَاتِ تَدْرِيبٍ مُعْوَجَّةٍ لِلتَّلَاعُبِ بِٱلْنَّتَائِجِ يُخَالِفُ أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلْمِهْنَةِ وَيَقَعُ تَحْتَ نَهْيِ ٱلشَّرْعِ عَنِ ٱلْغِشِّ. فَإِنْ دُرِّبَ – مَثَلًا – خَوَارِزْمُ تَوْصِيَةٍ عَلَى بَيَانَاتٍ مَائِلَةٍ مَقْصُودًا لِصَالِحِ طَرَفٍ مَا، فَذٰلِكَ يُشَاكِلُ شَهَادَةَ ٱلزُّورِ أَوْ خِدَاعَ ٱلْمُشْتَرِي فِي ٱلسُّوقِ، وَهُوَ مِمَّا يُشَدِّدُ ٱلشَّرْعُ فِي ذَمِّهِ. وَلِهٰذَا يُوجِبُ هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ عَلَى ٱلْمُطَوِّرِينَ ٱلْمُسْلِمِينَ إِجْرَاءَ تَدْقِيقٍ وَتَنْقِيَةٍ لِلْبَيَانَاتِ (تَدْقِيقُ ٱلْبَيَانَاتِ – Data Auditing) لِإِثْبَاتِ صَلَاحِيَّتِهَا مِنْ جِهَةٍ أَخْلَاقِيَّةٍ.

وَفِي ٱلْمَبَادِئِ ٱلْمَدَنِيَّةِ ٱلْمُعَاصِرَةِ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يُولَى ٱهْتِمَامٌ لِجَوْدَةِ ٱلْبَيَانَاتِ أَيْضًا – خَاصَّةً فِي إِطَارِ مُكَافَحَةِ «ٱلِٱنْحِيَازِ (Bias)» وَٱلتَّمْيِيزِ. وَتَقْتَضِي مُمَارَسَاتُ «حَوْكَمةِ ٱلْبَيَانَاتِ (Data Governance)» ٱلتَّثَبُّتَ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ ٱسْتِجْلَابِ ٱلْمَصَادِرِ (مُطَابَقَةُ قَوَانِينِ ٱلْبَيَانَاتِ ٱلشَّخْصِيَّةِ) وَمِنْ تَمْثِيلِيَّتِهَا‏[٧٦]. غَيْرَ أَنَّ ٱلْتَّرْكِيزَ يَنْصَبُّ كَثِيرًا عَلَى ٱلْجَوَانِبِ ٱلْقَانُونِيَّةِ (مُوَافَقَةُ ٱلْمُسْتَخْدِمِ بِحَسَبِ ‏GDPR) وَٱلتِّقْنِيَّةِ (عَدَمُ ٱلْخَطَإِ ٱلنِّظَامِيِّ) أَكْثَرَ مِنَ «نَقَاوَةِ» ٱلْمُحْتَوَى أَخْلَاقِيًّا. عَلَى خِلَافِ ذٰلِكَ، يُضِيفُ ٱلْمَنْهَجُ ٱلْإِسْلَامِيُّ مُرَشِّحًا رُوحِيًّا أَخْلَاقِيًّا: فَبِجَانِبِ ٱلْمَشْرُوعِيَّةِ يَجِبُ أَلَّا تُنَاقِضَ ٱلْبَيَانَاتُ قِيَمَ ٱلشَّرِيعَةِ. وَلَا نَظِيرَ لِهٰذَا فِي ٱلْمِيثَاقَاتِ ٱلْعِلْمَانِيَّةِ – حَيْثُ يَكُونُ ٱلْمُهِمُّ عَدَمَ مُخَالَفَةِ ٱلْقَوَانِينِ وَتَجَنُّبَ ٱلْفَضَائِحِ – فِيمَا يَرْفَعُ ٱلْإِسْلَامُ ٱلسَّقْفَ إِلَى ٱسْتِعْمَالٍ لِلْمَعْلُومَاتِ يُرْضِي ٱللَّهَ تَعَالَى. وَمَعَ ذٰلِكَ، يَلْتَقِي ٱلْمَنْهَجَانِ فِي أَصْلٍ مُشْتَرَكٍ: وَهُوَ أَنَّ جَوْدَةَ ٱلْبَيَانَاتِ وَمَنْشَأَهَا عُنْصُرَانِ حَاسِمَانِ فِي أَخْلَقَةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ. غَيْرَ أَنَّ ٱلْإِسْلَامَ يَطْلُبُ ٱلِاعْتِبَارَ لِلصَّالِحِ ٱلْبَشَرِيِّ مَعَ ٱلتَّقَيُّدِ بِٱلتَّشْرِيعِ ٱلْإِلٰهِيِّ عِنْدَ ٱنْتِقَاءِ ٱلْبَيَانَاتِ.

تَصْوِيرُ ذَوَاتِ ٱلْأَرْوَاحِ. يَرْجِعُ هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ إِلَى ٱلْقَوَاعِدِ ٱلْكَلَاسِيكِيَّةِ فِي ٱلْفِقْهِ، ٱلَّتِي تَحْظُرُ إِنْشَاءَ صُوَرٍ لِلْمَخْلُوقَاتِ ذَوَاتِ ٱلرُّوحِ – مِنْ إِنْسٍ أَوْ حَيَوَانٍ – فِي حَالَةِ كَمَالِ ٱلتَّصْوِيرِ. وَفِي ٱلْمَذْهَبِ ٱلْحَنَفِيِّ، وَٱسْتِنَادًا إِلَى ٱلْأَحَادِيثِ، تَقَرَّرَ أَنَّ كُلَّ تَصْوِيرٍ عَمْدِيٍّ لِذَاتِ رُوحٍ (رَسْمًا كَانَ أَوْ نَحْتًا) هُوَ مَذْمُومٌ وَقَدْ يَكُونُ إِثْمًا. وَبِٱلْإِجْمَالِ، يَتَبَنَّى ٱلْحَنَفِيَّةُ مَوْقِفًا حَذِرًا جِدًّا: فَٱلتَّصْوِيرُ مَجَالٌ يُسْتَحَبُّ فِيهِ ٱلِٱحْتِرَازُ إِلَّا عِنْدَ ضَرُورَةٍ.

وَفِي سِيَاقِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ تُصْبِحُ هٰذِهِ ٱلْقَاعِدَةُ ذَاتَ أَهَمِّيَّةٍ فِي مَجَالِ تِقْنِيَاتِ ٱلرُّسُومِ ٱلْحَاسُوبِيَّةِ، وَٱلشَّبَكَاتِ ٱلتَّوْلِيدِيَّةِ، وَٱلْوَاقِعِ ٱلْمُعَزَّزِ. فَعِنْدَ تَصْمِيمِ وَتَدْرِيبِ ٱلْأَنْظِمَةِ ٱلْقَادِرَةِ عَلَى إِنْشَاءِ صُوَرٍ لِلْإِنْسَانِ أَوِ ٱلْحَيَوَانِ، يَجِبُ ٱلِٱلْتِفَاتُ إِلَى ٱلْمَحَاذِيرِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ. فَمَثَلًا، يُمْكِنُ لِلْمُطَوِّرِ ٱلْمُسْلِمِ أَنْ يَضَعَ مُرَشِّحَاتٍ تَمْنَعُ ٱلتَّصْوِيرَ ٱلْكَامِلَ لِلْوُجُوهِ أَوِ ٱلْأَجْسَادِ. وَإِذَا كَانَتِ ٱلْمَنَصَّةُ ٱلتِّقْنِيَّةُ تُقَدِّمُ أَدَوَاتٍ لِلرَّسْمِ أَوِ ٱلنَّمْذَجَةِ ٱلثُّلاثِيَّةِ ٱلْأَبْعَادِ، فَيَنْبَغِي عَلَيْهَا عَلَى ٱلْأَقَلِّ أَنْ تُنَبِّهَ ٱلْمُسْلِمِينَ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ بِٱلْحُكْمِ ٱلْفِقْهِيِّ ٱلْكَلَاسِيكِيِّ فِي ٱلتَّصْوِيرِ – كَمَا تُوضَعُ تَحْذِيرَاتٌ عَنْ ٱلْحَلَالِ وَٱلْحَرَامِ فِي مَجَالَاتٍ أُخْرَى. وَعِنْدَ تَطْبِيقِ مِثْلِ هٰذِهِ ٱلْأَنْظِمَةِ فِي بِلَادٍ إِسْلَامِيَّةٍ قَدْ تُرَافِقُهَا تَدَابِيرُ رَقَابِيَّةٌ: مِثْلَ حَظْرِ ٱلْإِنْتَاجِ ٱلْآلِيِّ لِصُوَرِ ٱلْأَنْبِيَاءِ وَٱلصَّحَابَةِ أَوْ لِأَيِّ أَشْخَاصٍ فِي ٱلسِّيَاقِ ٱلدِّينِيِّ، دَرْءًا لِلشِّرْكِ أَوْ ٱلْاِسْتِخْفَافِ. أَمَّا ٱلِاسْتِعْمَالُ ٱلنِّهَائِيُّ لِلرَّسُومِ ٱلْمُوَلَّدَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى ٱلْحَاجَاتِ ٱلْمُبَاحَةِ وَٱلْمَصَالِحِ ٱلظَّاهِرَةِ: كَٱلتَّعْلِيمِ (كَرُسُومٍ طِبِّيَّةٍ لِلْكُتُبِ ٱلدِّرَاسِيَّةِ)، أَوِ ٱلْبَحْثِ ٱلْعِلْمِيِّ، أَوِ ٱلتَّحْقِيقَاتِ – أَيْ فِيمَا يَكُونُ لِلرَّسْمِ مَنْفَعَةٌ وَاضِحَةٌ وَلَا يُرَادُ بِهِ ٱلْفَنُّ لِلْفَنِّ. وَيُقِرُّ بَعْضُ ٱلْعُلَمَاءِ ٱلْمُعَاصِرِينَ بِٱلِاسْتِثْنَاءِ لِلصُّوَرِ وَٱلْفِيدْيُو كَـ«عَكْسٍ لِلْوَاقِعِ»، وَلٰكِنَّ ٱلذَّكَاءَ ٱلِصْطِنَاعِيَّ ٱلتَّوْلِيدِيَّ حَالَةٌ خَاصَّةٌ، لِأَنَّهُ يُنْشِئُ ٱلصُّوَرَ مِنَ ٱلْعَدَمِ. وَمِنْ ثَمَّ، فَبِحَسَبِ رَأْيِ ٱلْحَنَفِيَّةِ ٱلْمُتَشَدِّدِ، فَإِنَّ ٱسْتِعْمَالَ مِثْلِ هٰذِهِ ٱلْأَدَوَاتِ دُونَ ضَرُورَةٍ يُعَدُّ مَكْرُوهًا. وَبِذٰلِكَ يَضَعُ هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ قُيُودًا كَبِيرَةً عَلَى وَظَائِفِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلرُّسُومِ: فَلَا يَحِلُّ لِلْخَوَارِزْمِيَّةِ أَنْ تُنْتِجَ صُوَرًا وَاقِعِيَّةً لِلْأَحْيَاءِ إِلَّا بِحُجَّةٍ قَطْعِيَّةٍ.

وَمِنَ ٱلْبَيِّنِ أَنَّهُ لَا نَظِيرَ لِهٰذَا ٱلْمَبْدَإِ فِي ٱلْمِيثَاقَاتِ ٱلْمَدَنِيَّةِ ٱلْحَدِيثَةِ. فَٱلِاخْتِلَافُ ٱلْجَذْرِيُّ هُنَا هُوَ أَنَّ صِنَاعَةَ ٱلتَّرْفِيهِ تَسْتَعْمِلُ بِفُعَّالِيَّةٍ تَزْيِيفَاتٍ عَمِيقَةً (تَزْيِيفٌ عَمِيقٌ) وَأَفَاتَارَاتٍ فُوتُورِيَالِيَّةً وَنَحْوَهَا، بَيْنَمَا يَنْظُرُ ٱلْمِيثَاقُ ٱلْإِسْلَامِيُّ إِلَيْهَا بِٱلِاحْتِرَازِ. وَوَجْهُ ٱلتَّقَاطُعِ ٱلْوَحِيدِ هُوَ فِي قَضَايَا سُوءِ ٱلِاسْتِعْمَالِ – كَـ«ٱلتَّزْيِيفَاتِ ٱلْعَمِيقَةِ» لِلتَّضْلِيلِ أَوِ ٱلْفَوَاحِشِ – حَيْثُ يَقْلَقُ ٱلْمُخْتَصُّونَ ٱلْمَدَنِيُّونَ أَيْضًا. غَيْرَ أَنَّهُمْ يَسْتَدْعُونَ مَبَادِئَ حُقُوقِ ٱلْإِنْسَانِ وَٱلْخُصُوصِيَّةِ وَٱلصِّدْقِ، وَلَا يَعْتَمِدُونَ عَلَى مَنْطِقِ ٱلْحَظْرِ ٱلْمُقَدَّسِ. وَأَمَّا ٱلْمُسْلِمُ فَيَنْظُرُ إِلَى ٱلِٱمْتِنَاعِ عَنْ «ٱلتَّصْوِيرِ» كَفِعْلِ عِبَادَةٍ وَخُضُوعٍ لِلَّهِ – إِذْ ٱلِٱمْتِنَاعُ عَنِ ٱلرَّسْمِ يَعْنِي ٱلِاعْتِرَافَ بِٱلْحَدِّ بَيْنَ ٱلْخَالِقِ وَٱلْمَخْلُوقِ. وَبِذٰلِكَ يَبْقَى ٱلْمَنْهَجُ ٱلْإِسْلَامِيُّ مُتَفَرِّدًا: فَهُوَ يُدْخِلُ ٱلدَّافِعَ ٱلرُّوحِيَّ حَيْثُ تَرَى ٱلْأَخْلَاقُ ٱلْعِلْمَانِيَّةُ جَانِبًا جَمَالِيًّا أَوْ إِبْدَاعِيًّا. وَمَعَ ذٰلِكَ، فَإِنَّ ٱلْجَمِيعَ – إِسْلَامِيِّينَ وَغَيْرَ إِسْلَامِيِّينَ – يَتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ ٱلتِّقْنِيَاتِ ٱلْقَادِرَةَ عَلَى إِنْتَاجِ صُوَرِ ٱلْأَحْيَاءِ يَجِبُ أَنْ تُسْتَعْمَلَ بِمَسْؤُولِيَّةٍ كَبِيرَةٍ مَعَ ٱلِٱلْتِفَاتِ لِمَفَاسِدِهَا وَمَخَاطِرِ ٱلِٱسْتِغْلَالِ.

حُقُوقُ ٱلْمِلْكِيَّةِ. يُعَدُّ هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ تَطْوِيرًا لِمَقْصَدِ حِفْظِ ٱلْمَالِ، وَيَقْتَضِي أَنْ تَحْتَرِمَ أَنْظِمَةُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْعُهُودَ وَحُقُوقَ ٱلْمِلْكِيَّةِ فِي جَمِيعِ جَوَانِبِ عَمَلِهَا. وَفِي ٱلْفِقْهِ ٱلْإِسْلَامِيِّ فَإِنَّ ٱلْوَفَاءَ بِٱلْعَهْدِ أَمْرٌ إِلٰهِيٌّ صَرِيحٌ: «يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِٱلْعُقُودِ»‏[٧٧]. وَتُعَلِّمُ ٱلْمَدْرَسَةُ ٱلْحَنَفِيَّةُ – كَغَيْرِهَا – أَنَّ ٱلْعُقُودَ مُقَدَّسَةٌ مَا لَمْ تُخَالِفِ ٱلشَّرِيعَةَ، وَأَنَّ نَقْضَ ٱلْعَهْدِ إِثْمٌ وَظُلْمٌ. وَقَالَ ٱلنَّبِيُّ ﷺ: «ٱلْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ». وَفِي ٱلْعَصْرِ ٱلْجَدِيدِ قَرَّرَ أَئِمَّةٌ فُقَهَاءُ مُعْتَمَدُونَ، اِسْتِنَادًا إِلَى أُصُولِ ٱلْمَذْهَبِ، مَشْرُوعِيَّةَ «ٱلْحُقُوقِ ٱلْمَعْنَوِيَّةِ» (كَلْحُقُوقِ ٱلتَّأْلِيفِ وَٱلْبَرَاءَاتِ)، عَلَى أَنَّهَا مِلْكٌ مُعْتَبَرٌ لَا يَحِلُّ ٱلِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهِ دُونَ إِذْنٍ.

وَعَمَلِيًّا يَسْتَلْزِمُ ٱلِالْتِزَامُ بِهٰذَا ٱلْمَبْدَإِ مَا يَلِي: أَوَّلًا، يَجِبُ عَلَى أَنْظِمَةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي ٱلْبَيَانَاتِ وَفْقَ حُقُوقِ صَاحِبِهَا؛ فَإِذَا كَانَتِ ٱلْمَعْلُومَاتُ مُرَخَّصَةً فَلَا يَجُوزُ لِلْخَوَارِزْمِيَّةِ تَجَاوُزُ نِطَاقِ ٱلتُّرْخِيصِ. فَمِثْلًا، إِذَا دُرِّبَتْ شَبَكَةٌ عَصَبِيَّةٌ عَلَى مَجْمُوعَةِ بَيَانَاتٍ بِشَرْطِ عَدَمِ ٱلِاسْتِغْلَالِ ٱلتِّجَارِيِّ لِلنَّتَائِجِ، فَلَا يَحِلُّ بَعْدَ ذٰلِكَ ٱسْتِعْمَالُهَا فِي مُنْتَجٍ تِجَارِيٍّ يُخَالِفُ ٱلشُّرُوطَ. ثَانِيًا، لَا يَجِبُ لِلْقَرَارَاتِ ٱلْآلِيَّةِ أَنْ تُفْضِيَ إِلَى نَقْضِ ٱلْعُقُودِ؛ فَٱلرُّبُوتُ ٱلتِّجَارِيُّ ٱلَّذِي يُجْرِي صَفَقَاتٍ مُلْزَمٌ بِٱلتَّقَيُّدِ بِجَمِيعِ ٱلْقُيُودِ ٱلَّتِي فَرَضَهَا صَاحِبُهُ، فَإِنْ تَعَمَّدَ تَجَاوُزَ حُدُودِ ٱلْمُخَاطَرَةِ وَنَحْوِهَا كَانَ ذٰلِكَ غَيْرَ مَقْبُولٍ أَخْلَاقِيًّا. ثَالِثًا، يَلْزَمُ عِنْدَ تَطْوِيرِ مُنْتَجَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلِالْتِزَامُ بِقَوَانِينِ ٱلْمِلْكِيَّةِ ٱلْفِكْرِيَّةِ: فَلَا يَحِلُّ نَسْخُ شِفْرَاتِ ٱلْآخَرِينَ أَوِ ٱلنَّمَاذِجِ بِطَرِيقٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ، وَلَا مُخَالَفَةُ ٱلْبَرَاءَاتِ. وَحَتَّى إِذَا أَتَاحَ ٱلنِّظَامُ ٱلذَّكَائِيُّ تَجَاوُزَ ٱلْوَسَائِلِ ٱلْفَنِّيَّةِ لِلْحِمَايَةِ (كِإِنْتَاجِ مُوسِيقَى مُشَابِهَةٍ لِمَحْمِيَّةٍ)، وَجَبَ عَلَى ٱلْمُطَوِّرِ أَنْ يَبْنِيَ قُيُودًا تَمْنَعُ ذٰلِكَ، مُظْهِرًا حُسْنَ ٱلذِّمَّةِ. رَابِعًا، رِضَا ٱلْأَطْرَافِ: فَإِذَا كَانَ ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ وَسِيطًا فِي صَفْقَةٍ (مَثَلًا: مَنْصَّةٌ مُجَمِّعَةٌ بِمُوَاءَمَةٍ بِٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ (AI-matching)) وَجَبَ أَنْ يُؤَمِّنَ إِعْلَامَ ٱلطَّرَفَيْنِ بِالشُّرُوطِ وَتَحْصِيلَ ٱلْمُوَافَقَةِ. وَلَا يَحِلُّ لِلْخَوَارِزْمِيَّةِ إِخْفَاءُ شُرُوطٍ جَوْهَرِيَّةٍ (كَٱلِاشْتِرَاكِ فِي خِدْمَةٍ دُونَ عَرْضِ إِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَاضِحَيْنِ)، لِأَنَّ ذٰلِكَ يُخَالِفُ مَبْدَأَ وُضُوحِ ٱلْعَقْدِ وَقَدْ يَكُونُ عَقْدًا بَاطِلًا. خَامِسًا، ٱلْمُسَاءَلَةُ وَجَبْرُ ٱلضَّرَرِ: يُوجِبُ ٱلْإِسْلَامُ تَعْوِيضَ ٱلِانْتِهَاكِ إِذَا وَقَعَ بِسَبَبِ ٱلْخَوَارِزْمِ؛ وَإِذْ لَا يَتَحَمَّلُ ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ ٱلْمَسْؤُولِيَّةَ نَفْسُهُ، تَقَعُ عَلَى ٱلْمُطَوِّرِينَ/ٱلْمُلَّاكِ. وَلِذٰلِكَ يَنْبَغِي تَقْسِيمُ ٱلْمَسْؤُولِيَّاتِ مُسْبَقًا فِي عُقُودِ تَنْفِيذِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، وَيَجِبُ عَلَى ٱلْمُسْلِمِ أَنْ يَعْتَرِفَ بِخَطَئِهِ صِدْقًا إِذَا سَبَّبَ خَسَارَةً لِمَالِ غَيْرِهِ.

وَفِي ٱلْمَنْظُورِ ٱلْمَدَنِيِّ تُعَدُّ حُرْمَةُ ٱلْعُقُودِ وَحُقُوقِ ٱلْمِلْكِيَّةِ قَاعِدَةً قَانُونِيَّةً بَدِيهِيَّةً، غَيْرَ أَنَّ مَفَاهِيمَ «ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمَوْثُوقِ» (Trustworthy AI) تَشْمَلُ أَيْضًا مُتَطَلَّبَ ٱلْمُطَابَقَةِ لِلْقَوَانِينِ – وَمِنْهَا قَوَاعِدُ ٱلْعُقُودِ. إِلَّا أَنَّ ٱلِاخْتِلَافَ هُنَا فِي أَنَّ ٱلْمِيثَاقَ ٱلْإِسْلَامِيَّ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ ٱلْقَاعِدَةِ ٱلْقَانُونِيَّةِ وَٱلْقِيمَةِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ؛ فَٱلْوَفَاءُ بِٱلْعَهْدِ عِنْدَ ٱلْمُسْلِمِ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى خَوْفِ عُقُوبَةِ ٱلدَّوْلَةِ فَقَطْ، بَلْ عَلَى مَخَافَةِ ٱللَّهِ وَوَاجِبِ أَدَاءِ ٱلْأَمَانَةِ. وَلِذٰلِكَ، فَإِنَّ ٱلْمُطَوِّرَ ٱلْمُسْلِمَ يَلْتَزِمُ حُقُوقَ ٱلْأَطْرَافِ وَلَوْ حَيْثُ قَدْ يَبْحَثُ ٱلْمُحْتَرِفُ ٱلْمَدَنِيُّ عَنْ مَخَارِجَ قَانُونِيَّةٍ. وَٱلْخُلَاصَةُ أَنَّ ٱلْمَبَادِئَ ٱلْمَدَنِيَّةَ وَٱلْإِسْلَامِيَّةَ تَتَوَافَقُ فِي ٱلْجُمْلَةِ فِي ٱلْمُتَطَلَّبَاتِ، غَيْرَ أَنَّ ٱلثَّانِيَ يَتَمَيَّزُ بِمُسْتَوًى أَعْمَقَ مِنَ ٱلِالْتِزَامِ مَدْعُومٍ بِقِيَمٍ رُوحِيَّةٍ.

ٱلشَّفَافِيَّةُ، وَعَدَمُ ٱلْغَرَرِ. يَدُلُّ مَفْهُومُ ٱلْغَرَرِ فِي ٱلْفِقْهِ ٱلْإِسْلَامِيِّ عَلَى ٱلْغُمُوضِ ٱلْمَحْظُورِ، أَوِ ٱلْمَخَاطِرِ أَوِ ٱلْخِدَاعِ فِي ٱلْمُعَامَلَاتِ، مِمَّا يُفْضِي إِلَى ضَرَرٍ مُحْتَمَلٍ. وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ ٱلتَّرَاثِيَّةِ بَيْعُ «سَّمَكٍ فِي ٱلْمَاءِ»، إِذْ يَجْهَلُ أَحَدُ ٱلطَّرَفَيْنِ مَا سَيَنَالُهُ. وَقَدْ حَرَّمَ ٱلشَّرْعُ ٱلْمُعَامَلَاتِ ذَاتَ ٱلْغَرَرِ ٱلْمُفْرِطِ لِأَنَّهَا تُؤَدِّي إِلَى ٱلنِّزَاعِ وَٱلِٱنْتِفَاعِ غَيْرِ ٱلْمُسْتَحَقِّ وَٱلْخَسَارَاتِ. وَأَكَّدَ ٱلْحَنَفِيَّةُ خَاصَّةً عَلَى ٱلصِّدْقِ فِي ٱلتِّجَارَةِ: فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ٱلْعَقْدُ وَاضِحًا وَٱلْمَعْلُومَاتُ مُفْصَحًا عَنْهَا، وَإِلَّا كَانَ بَاطِلًا أَوْ فَاسِدًا. كَمَا يَحْظُرُ ٱلْإِسْلَامُ ٱلْخِدَاعَ ٱلْمُتَعَمَّدَ: كَٱلْإِعْلَانِ ٱلْكَاذِبِ، أَوْ إِخْفَاءِ عُيُوبِ ٱلْمَبِيعِ؛ وَهُوَ صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ ٱلْغَرَرِ عَنْ طَرِيقِ كَتْمِ ٱلْحَقِيقَةِ. فَبِذٰلِكَ، يَتَّسِعُ مَبْدَأُ ٱلشَّفَافِيَّةِ فِي ٱلشَّرِيعَةِ لِيَشْمَلَ وُجُوبَ ٱلْوُضُوحِ وَٱلْجَلَاءِ فِي ٱلْمُعَامَلَاتِ.

وَفِي مَجَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَتَجَسَّدُ هٰذَا ٱلْمَطْلَبُ فِي مَبْدَإِ «ٱلشَّفَافِيَّةِ وَقَابِلِيَّةِ ٱلشَّرْحِ» (Transparency & Explainability)‏[٧٩]، وَلٰكِنْ بِمَعْنًى دِينِيٍّ أَعْمَقَ. فَفِي مَرْحَلَةِ ٱلتَّصْمِيمِ يَجِبُ عَلَى ٱلْمُطَوِّرِ ٱلْمُسْلِمِ أَنْ يَسْعَى إِلَى إِنْشَاءِ نَمَاذِجَ يُمْكِنُ شَرْحُهَا وَٱلتَّحَقُّقُ مِنْهَا. فَـ«ٱلصُّنْدُوقُ ٱلأَسْوَدُ» ٱلَّذِي يُصْدِرُ قَرَارَاتٍ مَصِيرِيَّةً دُونَ مَنْطِقٍ مَعْلُومٍ يُشَاكِلُ عَقْدًا فِيهِ غَرَرٌ، حَيْثُ يَجْهَلُ ٱلْإِنْسَانُ أَسَاسَ ٱلْحُكْمِ. وَذٰلِكَ يُنَاقِضُ مَقْصِدَ ٱلْوُضُوحِ. وَلِهٰذَا يَجِبُ تَوْثِيقُ بَيَانَاتِ ٱلتَّدْرِيبِ وَٱفْتِرَاضَاتِ ٱلنَّمُوذَجِ وَإِتَاحَتُهَا.

وَفِي مَرْحَلَةِ ٱلتَّطْبِيقِ يُلْزَمُ ٱلْمُطَوِّرُونَ وَصَاحِبُو ٱلنِّظَامِ بِإِعْلَامِ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ صِدْقًا بِٱلْقُدْرَاتِ وَٱلْحُدُودِ. فَمَثَلًا، إِذَا كَانَ شَات-بُوت لَا يَمِيزُ بَيْنَ ٱلْمَعْلُومَاتِ ٱلْمُوَثُوقَةِ وَغَيْرِهَا، وَجَبَ تَحْذِيرُ ٱلْمُسْتَخْدِمِ لِكَيْ لَا يَتَلَقَّى جَوَابًا خَاطِئًا عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ (وَإِلَّا كَانَ إِخْفَاءَ عَيْبٍ فِي ٱلنِّظَامِ). وَإِذَا ٱسْتُعْمِلَ ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ فِي ٱلطِّبِّ أَوِ ٱلْمَالِيَّاتِ فَيَجِبُ شَرْحُ أُسُسِ ٱلْقَرَارِ لِلْعَمِيلِ، فَٱلشَّرِيعَةُ لَا تَسْمَحُ بِفَرْضِ نَتِيجَةٍ عَلَى شَخْصٍ دُونَ بَيَانِ شُرُوطِهَا. وَفِي ٱلِاسْتِعْمَالِ ٱلنِّهَائِيِّ يَتَجَلَّى ذٰلِكَ فِي «حَقِّ ٱلشَّرْحِ وَٱلرَّفْضِ»: فَلِلْمُسْتَخْدِمِ حَقٌّ أَنْ يَعْرِفَ سَبَبَ ٱلْقَرَارِ وَأَنْ يُعَارِضَهُ. فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ وَاضِحًا وَمُتَوَقَّعًا بِقَدْرِ ٱلْمُسْتَطَاعِ، لِتَقْلِيلِ ٱلْمَجْهُولِ وَٱلْمُخَاطَرَةِ – أَيْ ٱلْغَرَرِ. وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، يُلْزِمُ ٱلْإِسْلَامُ بِقَوْلِ ٱلْحَقِّ، فَلَا يَحِلُّ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ أَنْ يُنْتِجَ ٱلْكَذِبَ عَمْدًا. فَٱلْخَوَارِزْمِيَّاتُ ٱلْمُوَلِّدَةُ لِلْأَخْبَارِ ٱلْمُزَيَّفَةِ وَٱلتَّزْيِيفَاتِ ٱلْعَمِيقَةِ تُخَالِفُ نَصًّا مَبْدَأَ ٱلشَّفَافِيَّةِ، لِأَنَّهَا تَتَعَمَّدُ تَشْوِيهَ ٱلْحَقِيقَةِ وَإِضْلَالَ ٱلنَّاسِ، وَهُوَ حَرَامٌ. وَلِذٰلِكَ يَجِبُ عَلَى ٱلْمُطَوِّرِينَ ٱلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُضَمِّنُوا فِي ٱلْأَنْظِمَةِ فَوَاصِلَ تَمْنَعُ ٱلْمُحْتَوَى ٱلْكَاذِبَ أَوْ ٱلْيَقِينِيَّةَ ٱلزَّائِفَةَ فِي ٱلْمَعْلُومَاتِ غَيْرِ ٱلْمُثْبَتَةِ.

وَفِي ٱلْمَبَادِئِ ٱلدُّوَلِيَّةِ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ تَظْهَرُ ٱلشَّفَافِيَّةُ وَقَابِلِيَّةُ ٱلشَّرْحِ ضِمْنَ أَهَمِّ ٱلْمُتَطَلَّبَاتِ. فَٱلْمَبَادِئُ ٱلْأُورُوبِّيَّةُ لِلذَّكَاءِ ٱلْمَوْثُوقِ تَتَضَمَّنُ «ٱلْقَابِلِيَّةَ لِلشَّرْحِ» كَعَمُودٍ فِقْرِيٍّ، وَكَذٰلِكَ تَضَعُ ٱلْيُونِسْكُو (UNESCO) فِي تَوْصِيَاتِهَا حَوْلَ أَخْلَقَةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ أَوْلُوِيَّةَ ٱلْمِصْدَاقِيَّةِ وَٱلْإِفْصَاحِ عَنْ ٱلْقَرَارَاتِ ٱلْخَوَارِزْمِيَّةِ وَإِمْكَانِيَّةَ ٱلْمُرَاجَعَةِ. وَهٰذَا مُتَّفِقٌ مَعَ مَطْلُوبِ ٱلشَّرِيعَةِ فِي إِزَالَةِ ٱلْغَرَرِ. غَيْرَ أَنَّ ٱلِاخْتِلَافَ فِي ٱلْمَنْطِقِ: فَفِي ٱلْأَخْلَاقِ ٱلْمَدَنِيَّةِ تُعْتَبَرُ ٱلشَّفَافِيَّةُ أَدَاةً لِبِنَاءِ ٱلثِّقَةِ وَتَقْلِيلِ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ ٱلْقَانُونِيَّةِ، أَمَّا فِي ٱلْإِسْلَامِ فَهِيَ تَجْسِيدٌ لِلْأَخْلَاقِ، إِذْ ٱلْكَتْمُ فِي ٱلْأُمُورِ ٱلْمُهِمَّةِ يُعْتَبَرُ ظُلْمًا مُحْتَمَلًا. كَمَا يُرَجِّحُ ٱلْمَنْهَجُ ٱلْإِسْلَامِيُّ كِفَّةَ ٱلْإِنْسَانِ: فَإِذَا عَجَزَ ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ عَنْ تَوْفِيرِ ٱلْوُضُوحِ ٱلْكَافِي، فَٱلْأَوْلَى أَنْ يُسْنَدَ ٱلْقَرَارُ إِلَى ٱلْبَشَرِ، بَدَلًا مِنْ فَرْضِ «قِطَّةٍ فِي كِيسٍ» عَلَى ٱلْمُجْتَمَعِ. وَٱلْمَنْهَجُ ٱلْمَدَنِيُّ قَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ بَرَاغْمَاتِيَّةً («وَاضِحٌ بِقَدْرِ مَا لَا يُقَلِّلُ ٱلْفَعَّالِيَّةَ»)، بَيْنَمَا ٱلْإِسْلَامِيُّ أَصْلِيٌّ وَمَبْدَئِيٌّ: فَلَا مَكْسَبَ فِي ٱلدِّقَّةِ أَوِ ٱلرِّبْحِ يُبَرِّرُ غِيَابَ ٱلصِّدْقِ وَٱلْوُضُوحِ. وَبِٱلْخِتَامِ، يُمْكِنُ ٱلْقَوْلُ إِنَّ مَبْدَأَ عَدَمِ ٱلْغَرَرِ يُقَدِّمُ أَسَاسًا أَخْلَاقِيًّا لِمَطَالِبِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلَّتِي يَعْتَرِفُ بِهَا ٱلْمُخْتَصُّونَ ٱلْمَدَنِيُّونَ، غَيْرَ أَنَّهُ فِي ٱلْإِسْلَامِ مُسْنَدٌ إِلَى أَمْرٍ رَبَّانِيٍّ بِقَوْلِ ٱلْحَقِّ وَٱلصِّدْقِ فِي ٱلْمُعَامَلَاتِ.

ٱلْمَسْؤُولِيَّةُ ٱلتَّبَعِيَّةُ. فِي ٱلْفِقْهِ ٱلْإِسْلَامِيِّ ٱلْكَلَاسِيكِيِّ قَدْ تَمَّ تَطْوِيرُ مَفْهُومِ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ عَنِ ٱلْأَفْعَالِ تَطْوِيرًا جَيِّدًا، وَخُصُوصًا ٱلتَّفْرِيقُ بَيْنَ ٱلْفَاعِلِ ٱلْمُبَاشِرِ (مُبَاشِر) وَٱلسَّبَبِيِّ (مُتَسَبِّب). وَقَدْ قَرَّرَ فُقَهَاءُ ٱلْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ إِذَا وَقَعَ ٱلضَّرَرُ بِفِعْلٍ مُبَاشِرٍ مِنْ شَخْصٍ مَا فَإِنَّ ٱلْمَسْؤُولِيَّةَ (ضَمَانُ ٱلتَّعْوِيضِ، أَوِ ٱلدَّمَانُ) تَقَعُ عَلَيْهِ؛ أَمَّا مَنْ أَحْدَثَ أَسْبَابًا فَقَطْ فَإِنَّهُ يَتَحَمَّلُ ٱلْمَسْؤُولِيَّةَ إِنْ لَمْ يُوجَدْ فَاعِلٌ مُبَاشِرٌ، أَوْ عِنْدَ تَحَقُّقِ ٱلْقَصْدِ مِنْ جَانِبِهِ. وَبِتَطْبِيقِ هٰذِهِ ٱلْمَنْطِقِيَّةِ يَكُونُ ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ أَدَاةً (سَبَبًا) وَلَيْسَ ذَاتًا مُسْتَقِلَّةً مُؤَهَّلَةً لِٱلْمَسْؤُولِيَّةِ ٱلشَّرْعِيَّةِ؛ فَٱلْآلَةُ لَا تَنْدَرِجُ تَحْتَ قَوَاسِمِ ٱلتَّكْلِيفِ، لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ نَفْسًا وَلَا عَقْلًا وَلَا تَكْلِيفًا أَمَامَ ٱللَّهِ. وَمِنْ ثَمَّ، فَكُلُّ مَا يَصْدُرُ عَنِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ تَقَعُ مَسْؤُولِيَّتُهُ عَلَى ٱلْبَشَرِ «ٱلْقَائِمِينَ عَلَيْهِ» – ٱلْمُطَوِّرُونَ وَٱلْمُشَغِّلُونَ وَٱلْمُلَّاكُ. وَمَعْنَى ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ ٱلتَّبَعِيَّةِ أَنَّ تَبِعَةَ عَوَاقِبِ أَفْعَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ مُفَوَّضَةٌ: فَخَالِقُ ٱلْخَوَارِزْمِ وَمَنْ شَغَّلَهُ يَحْمِلَانِ ٱلْوِزْرَ ٱلْأَخْلَاقِيَّ وَٱلْقَانُونِيَّ، عَلَى نَحْوٍ يُشَاكِلُ مَسْؤُولِيَّةَ ٱلصَّاحِبِ عَمَّا يُحْدِثُهُ حَيَوَانُهُ ٱلْمُدَجَّنُ مِنْ ضَرَرٍ، أَوْ مَسْؤُولِيَّةَ ٱلْمُسْتَخْدِمِ عَنْ عَمَلِ ٱلْأَجِيرِ. وَفِي تَارِيخِ ٱلْفِقْهِ أَمْثِلَةٌ نَظِيرَةٌ: فَمَنْ حَفَرَ حُفْرَةً ثُمَّ ٱنْصَرَفَ، فَوَقَعَ فِيهَا آخَرُ، كَانَ ٱلْحَافِرُ مُتَسَبِّبًا مُلْزَمًا بِٱلتَّعْوِيضِ. وَعَلَى ٱلْقِيَاسِ، يَتَحَمَّلُ صَانِعُ ذَكَاءٍ ٱصْطِنَاعِيٍّ خَطِرٍ مَسْؤُولِيَّةَ «ٱلْحُفْرَةِ» ٱلَّتِي «حَفَرَهَا» فِي ٱلْفَضَاءِ ٱلرَّقْمِيِّ.

وَعَمَلِيًّا يَقْتَضِي هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ تَوْزِيعٌ وَاضِحٌ لِلْمَسْؤُولِيَّاتِ ٱلْبَشَرِيَّةِ عَنْ سُلُوكِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي جَمِيعِ ٱلْمَرَاحِلِ – مِنَ ٱلتَّصْمِيمِ إِلَى ٱلتَّشْغِيلِ. فِي مَرْحَلَةِ ٱلتَّصْمِيمِ يَجِبُ عَلَى ٱلْمُطَوِّرِ ٱلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَذَكَّرَ أَنَّ ٱلْأَتْمَتَةَ لَا تَرْفَعُ عَنْهُ وِزْرَ ٱلْأَمَانَةِ؛ فَلَا مَحِلَّ لِٱلِاحْتِجَاجِ بِعِبَارَةِ «هٰذَا خَطَأُ ٱلْخَوَارِزْمِ»، فَفِي يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ سَيُسْأَلُ ٱلنَّاسُ أَهْلُ ٱلْقَرَارِ لَا ٱلْكَوْدُ ٱلْخَالِي مِنَ ٱلرُّوحِ. وَلِذٰلِكَ يَجِبُ بِنَاءُ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ عَلَى تَقْلِيلِ مَخَاطِرِ ٱلضَّرَرِ غَيْرِ ٱلْمَقْصُودِ، وَتَدْعِيمُهَا بِآلِيَّاتِ رَقَابَةٍ. وَفِي مَرْحَلَةِ ٱلتَّطْبِيقِ يَنْبَغِي عَلَى ٱلشَّرِكَاتِ إِبْرَامُ عُقُودٍ تُحَدِّدُ مَنْ يَتَحَمَّلُ ٱلْمَسْؤُولِيَّةَ عِنْدَ خَطَإِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ؛ فَلَا يَصِحُّ شَرْعًا مَحْوُ مَوْضُوعِ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ بِٱحْتِجَاجِ «لَا مُلُومَ، فَٱلْحَاسُوبُ ٱلْمُتَّسِبُ». فَإِنْ أَحْدَثَ طَائِرٌ مُسَيَّرٌ مُسْتَقِلٌّ ضَرَرًا فَٱلْمَسْؤُولُ – فِقْهًا – هُوَ ٱلْمُشَغِّلُ (إِنْ وُجِدَ)، أَوْ ٱلْمُصَمِّمُ/ٱلْمُصَنِّعُ. وَهٰذَا يُشَجِّعُ عَلَى إِدْخَالِ «شَخْصٍ فِي ٱلدَّوْرَةِ (human-in-the-loop)» أَوْ عَلَى ٱلْأَقَلِّ «إِشْرَافٍ بَشَرِيٍّ فَوْقِيٍّ (oversight)» عِنْدَ قَرَارَاتٍ حَرِجَةٍ. وَفِي مَرْحَلَةِ ٱلِاسْتِخْدَامِ ٱلْفِعْلِيِّ يَحْمِلُ ٱلْمُسْتَخْدِمُونَ أَيْضًا شِقًّا مِنَ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ عَنْ تَسْخِيرِهِمْ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ؛ فَمَنْ ٱسْتَعَانَ بِهِ عَلَى صِنَاعَةِ ٱلْقَذْفِ، فَٱلْإِثْمُ وَٱلْعُقُوبَةُ عَلَيْهِ هُوَ، لَا عَلَى ٱلْبَرَامِجِ. فَلَا تَنْتَقِلُ ٱللَّوْمَةُ إِلَى ٱلْأَدَاةِ، كَمَا هُوَ ٱلشَّأْنُ فِي كُلِّ آلَةٍ؛ فَسُوءُ ٱلِاسْتِعْمَالِ يُؤَاخَذُ بِهِ ٱلْمُسِيءُ. وَٱلْإِسْلَامُ يُرَبِّي عَلَى ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ ٱلشَّخْصِيَّةِ (ٱلتَّكْلِيفِ) لِكُلِّ مُكَلَّفٍ؛ وَإِذْ لَيْسَ ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ مُكَلَّفًا، فَسَوْفَ يُوجَدُ دَوْمًا مُكَلَّفٌ بَشَرِيٌّ مُعَيَّنٌ عَنْ كُلِّ فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِهِ. وَمُهِمَّةُ ٱلْمِيثَاقِ أَنْ يُبَيِّنَ هٰذِهِ ٱلْعَلَاقَةَ وَيُخَطِّطَ لَهَا: مَنْ ٱلَّذِي سَيَتَحَمَّلُ ٱلْمَسْؤُولِيَّةَ عَنْ كُلِّ مَآلٍ مُحْتَمَلٍ لِعَمَلِ ٱلنِّظَامِ.

وَفِي ٱلْمَنَاهِجِ ٱلْمَدَنِيَّةِ لِأَخْلَقَةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَظْهَرُ مَطْلَبٌ نَظِيرٌ بِـمَبْدَإِ «ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ (Accountability)»؛ فَٱلْمَعَايِيرُ ٱلدُّوَلِيَّةُ – وَمِنْهَا مَا تَذْكُرُهُ ٱلْيُونِسْكُو (UNESCO) وَٱلتَّوْجِيهَاتُ ٱلْأُورُوبِّيَّةُ – تُقِرُّ أَنَّهُ «يَجِبُ أَنْ تَبْقَى ٱلْمَسْؤُولِيَّةُ ٱلْأَخِيرَةُ بَشَرِيَّةً» فِي ٱلْعَمَلِ بِٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، وَأَلَّا يَتَمَتَّعَ أَيُّ وَكِيلٍ صِنَاعِيٍّ بِحَصَانَةٍ قَانُونِيَّةٍ أَوْ مَرْكَزٍ يَرْفَعُهُ عَنِ ٱلْمُسَاءَلَةِ. وَهٰذَا يُوَافِقُ ٱلرُّؤْيَةَ ٱلْإِسْلَامِيَّةَ تَمَامًا. بَلْ يُمْكِنُ ٱلْقَوْلُ بِوُجُودِ تَطَابُقٍ: فَكِلَا ٱلْمَنْهَجَيْنِ يَرَيَانِ أَنَّ ٱلذَّكَاءَ ٱلِصْطِنَاعِيَّ مَوْضُوعٌ لِلْأَخْلَاقِ لَا صَاحِبًا لَهَا. وَإِنَّمَا يَتَمَيَّزُ ٱلْإِسْلَامُ بِأَنَّهُ يُسَنِّدُ هٰذَا ٱلْأَصْلَ إِلَى ٱلْعَقِيدَةِ: فَٱلْإِنْسَانُ وَحْدَهُ ذُو إِرَادَةٍ حُرَّةٍ وَمَسْؤُولٌ أَمَامَ ٱللَّهِ، وَٱلْآلَةُ لَا. وَمِنْ هٰذَا يَنْبَثِقُ فِي ٱلْفِكْرِ ٱلْإِسْلَامِيِّ مَنْعُ، مَثَلًا، تَفْوِيضِ ٱلْقَضَاءِ كُلِّيًّا أَوِ ٱلْفُتْيَا دُونَ بَشَرٍ؛ لِأَنَّهُ إِذَا عَدِمَ ٱلْإِنْسَانُ ٱلْمُقَرِّرُ عُدِمَتِ ٱلْمَسْؤُولِيَّةُ، وَهٰذَا يُنَافِي ٱلشَّرْعَ. وَإِنْ كَانَ ٱلْخِطَابُ ٱلْمَدَنِيُّ يَمِيلُ أَيْضًا إِلَى عَدَمِ «إِطْلَاقِ» ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ مِنْ غَيْرِ رَقَابَةٍ، فَمِنْ دَوَافِعِهِ خَوْفُ ٱلْفَرَاغَاتِ ٱلْقَانُونِيَّةِ. أَمَّا ٱلْإِسْلَامُ فَيَنْطَلِقُ مِنْ تَصُوُّرٍ أَعْمَقَ لِلنِّظَامِ ٱلْأَخْلَاقِيِّ. وَٱلْقَاعِدَةُ ٱلْخِتَامِيَّةُ وَاحِدَةٌ: يَلْزَمُ ٱلْمُطَوِّرُونَ وَٱلْمُلَّاكُ أَنْ يَتَحَمَّلُوا مَسْؤُولِيَّةَ صَنِيعِهِمْ، وَيَلْزَمُ ٱلْمُسْتَخْدِمُ أَنْ يَتَحَمَّلَ مَسْؤُولِيَّةَ ٱسْتِعْمَالِهِ، وَلَا شَيْءَ مِمَّا يُسَمَّى «ٱلْخَوَارِزْمُ ٱلذَّكِيُّ» يُغَيِّرُ هٰذِهِ ٱلْحَقِيقَةَ.

قَصْرُ ٱلْإِحْكَامِ عَلَى ٱلْإِنْسَانِ. يُرَادُ بِٱلْأَحْكَامِ هُنَا ٱلْقَرَارَاتُ ٱلنِّظَامِيَّةُ وَخُصُوصًا ٱلْأَحْكَامُ ٱلشَّرْعِيَّةُ. وَيُقَرِّرُ هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ أَنَّ ٱلْقَضَاءَ ٱلنِّهَائِيَّ فِي مَسَائِلِ ٱلْحُقُوقِ وَٱلْوَاجِبَاتِ يَجِبُ أَنْ يَبْقَى بِيَدِ ٱلْإِنْسَانِ، لَا ٱلْآلَةِ. وَذٰلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَسَاسَيْنِ: أَوَّلُهُمَا مَسْأَلَةُ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ، وَٱلثَّانِي خُصُوصِيَّةُ ٱلْحُكْمِ ٱلشَّرْعِيِّ كَعَمَلِيَّةِ ٱلِاجْتِهَادِ (ٱلِجْتِهَادُ) ٱلْمُرْتَبِطَةِ بِنِيَّةٍ وَمَقَاصِدَ وَإِدْرَاكٍ عَدْلِيٍّ أَمَامَ ٱللَّهِ. فِي ٱلْمَذْهَبِ ٱلْحَنَفِيِّ – كَمَا فِي سَائِرِ ٱلتُّرَاثِ – لَا يَصِحُّ أَنْ يُصْدِرَ ٱلْفَتْوَى أَوِ ٱلْقَضَاءَ إِلَّا عَالِمٌ حَيٌّ أَوْ قَاضٍ، لِأَنَّ ذٰلِكَ يَفْتَقِرُ إِلَى فَهْمٍ وَنِيَّةٍ وَقُدْرَةٍ عَلَى ٱلرَّحْمَةِ وَٱلِاسْتِحْسَانِ. أَمَّا ٱلْآلَةُ فَتُعَالِجُ ٱلْمَعْطَيَاتِ حِسَابِيًّا دُونَ فَهْمٍ، فَلَا يُعْتَرَفُ بِحُكْمِهَا ٱلذَّاتِيِّ فِي ٱلشَّرْعِ.

عَمَلِيًّا يَعْنِي ذٰلِكَ أَنَّهُ فِي ٱلْقَضَايَا ٱلْحَرِجَةِ لِلْحَيَاةِ وَٱلدِّينِ وَحُقُوقِ ٱلنَّاسِ لَا يَجُوزُ تَفْوِيضُ ٱلِاسْتِقْلَالِيَّةِ ٱلْكَامِلَةِ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ. فَفِي مَرْحَلَةِ ٱلتَّصْمِيمِ لِلْأَنْظِمَةِ ٱلْقَضَائِيَّةِ أَوِ ٱلشُّرْطِيَّةِ أَوْ ٱلْعَسْكَرِيَّةِ، يَضَعُ ٱلْمُسْلِمُونَ مُسْتَوًى إِلْزَامِيًّا لِلرِّقَابَةِ ٱلْبَشَرِيَّةِ. فَمِثْلًا، إِذَا ٱسْتُخْدِمَ بَرَامِجُ فِي تَقْدِيرِ ٱلْعُقُوبَةِ، فَٱلْكَلِمَةُ ٱلْفَاصِلَةُ لِلْقَاضِي ٱلْبَشَرِيِّ ٱلَّذِي يَجُوزُ لَهُ ٱلِانْحِرَافُ عَنِ ٱلْخَوَارِزْمِ رَحْمَةً وَٱسْتِحْسَانًا. وَفِي مَجَالِ ٱلْفَتَاوَى، فَـ«ٱلرُّوبُوتُ ٱلْمُفْتِي» (شات-بوت شَرْعِيّ) يُسْتَعْمَلُ فَقَطْ كَمَرْجِعٍ بَحْثِيٍّ، وَلَكِنْ لَا يُمْكِنُ ٱلِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ كَمَصْدَرٍ نِهَائِيٍّ. وَيُسْتَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ وَرَاءَهُ فَقِيهٌ يُرَاجِعُ ٱلْأَجْوِبَةَ، أَوْ عَلَى ٱلْأَقَلِّ أَنْ يُرْفَقَ كُلُّ جَوَابٍ بِتَنْبِيهٍ: «لَيْسَ فَتْوَى نِهَائِيَّةً، ٱرْجِعْ إِلَى عَالِمٍ». كَذٰلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَنْظِمَةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ أَنْ تُصْدِرَ حُكْمًا شَرْعِيًّا فِي ٱلنِّكَاحِ أَوِ ٱلطَّلَاقِ أَوْ فِي ٱلْمُعَامَلَاتِ ٱلْمَالِيَّةِ دُونَ مَجَالِسِ ٱلْعُلَمَاءِ.

وَفِي مَرْحَلَةِ ٱلِاسْتِعْمَالِ يَتَضَمَّنُ هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ حَقَّ ٱلْإِنْسَانِ فِي ٱلتَّدَخُّلِ وَٱلِاسْتِئْنَافِ فِي كُلِّ قَرَارٍ آليٍّ يُمَسُّ حُقُوقَهُ. فَيَجِبُ إِتَاحَةُ ٱلْمُرَاجَعَةِ ٱلْبَشَرِيَّةِ فِي ٱلْفَصْلِ ٱلْقَضَائِيِّ، أَوْ ٱلتَّشْخِيصِ ٱلطِّبِّيِّ، أَوْ ٱلْقَرَارَاتِ ٱلْوَظِيفِيَّةِ، لِأَنَّ ٱلْإِنْسَانَ وَحْدَهُ قَادِرٌ عَلَى ٱلْأَخْذِ بِٱلْمَقَاصِدِ ٱلشَّرْعِيَّةِ كَٱلرَّحْمَةِ وَٱلتَّوْبَةِ وَمُرَاعَاةِ ٱلظُّرُوفِ ٱلْخَاصَّةِ.

أَمَّا فِي ٱلْمَقَارِبِ ٱلْمَدَنِيَّةِ فَقَدْ تَعَالَى ٱلصَّوْتُ أَيْضًا لِوُجُوبِ «ٱلرِّقَابَةِ ٱلْبَشَرِيَّةِ ٱلْمَعْنَوِيَّةِ» (Meaningful Human Control)‏، خَاصَّةً فِي ٱلْأَسْلِحَةِ ٱلْمُسْتَقِلَّةِ. فَٱلْمُجْتَمَعُ ٱلدَّوْلِيُّ يَخْشَى «رُوبُوتَاتٍ قَاتِلَةً» تَتَّخِذُ قَرَارَ «إِطْلَاقِ ٱلنَّارِ» دُونَ إِنْسَانٍ فِي ٱلدَّوْرَةِ. وَكَذٰلِكَ أَقَرَّ ٱلِٱتِّحَادُ ٱلْأُورُوبِيُّ فِي ٱللَّائِحَةِ ٱلْعَامَّةِ لِحِمَايَةِ ٱلْبَيَانَاتِ (GDPR، ٱلْمَادَّةُ ٢٢) أَنَّهُ يُمْنَعُ ٱلِٱعْتِمَادُ عَلَى ٱلْقَرَارَاتِ ٱلْمُؤَتْمَتَةِ ٱلْكُلِّيَّةِ ٱلَّتِي تَمَسُّ ٱلْحُقُوقَ دُونَ مُرَاجَعَةٍ بَشَرِيَّةٍ. وَبِذٰلِكَ يَتَّفِقُ ٱلْمَنْهَجُ ٱلْمَدَنِيُّ وَٱلْإِسْلَامِيُّ فِي ٱلْهَدَفِ، مَعَ ٱلِاخْتِلَافِ فِي ٱلدَّوَافِعِ: فَٱلْإِسْلَامُ يُضْفِي عَلَى ٱلْأَمْرِ بُعْدًا رُوحِيًّا أَسَاسِيًّا، إِذْ يَرْفُضُ مَبْدَئِيًّا أَنْ يَكُونَ ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ مُفْتِيًا أَوْ قَاضِيًا مُسْتَقِلًّا. وَأَمَّا ٱلْمَدَنِيُّ فَيُرَكِّزُ عَلَى مَخَاوِفِ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ وَٱلْمَخَاطِرِ ٱلْقَانُونِيَّةِ. غَيْرَ أَنَّ ٱلْخَلَاصَةَ وَاحِدَةٌ: «لَا يَجِبُ لِلْخَوَارِزْمِيَّاتِ أَنْ تَلْعَبَ دَوْرَ ٱللَّهِ».

حَقُّ ٱلِاخْتِيَارِ وَٱلِاسْتِئْنَافِ. يُقِرُّ ٱلْفِقْهُ ٱلْإِسْلَامِيُّ مُنْذُ ٱلْقِدَمِ بِحَقِّ ٱلْإِنْسَانِ فِي ٱلِاخْتِيَارِ ٱلْمُسْتَنِيرِ وَحَقِّ ٱلِاعْتِرَاضِ فِي ٱلْأُمُورِ ٱلَّتِي تَمَسُّ مَصِيرَهُ. وَيَنْبَثِقُ ذٰلِكَ مِنْ مَبَادِئِ رِضَا ٱلْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَنَفْيِ ٱلْإِكْرَاهِ فِي ٱلدِّينِ («لَا إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ»، ٱلْبَقَرَةُ ٢:٢٥٦)، وَمِنْ إِجْرَاءَاتٍ مَعْرُوفَةٍ لِمُرَاجَعَةِ ٱلْمَظَالِمِ عِنْدَ ٱلْأَحْكَامِ ٱلْجَائِرَةِ. وَفِي ٱلْمَذْهَبِ ٱلْحَنَفِيِّ مَفْهُومُ «ٱلْخِيَارِ» – حَقٌّ فِي تَصْحِيحِ أَوْ فَسْخِ ٱلْعَقْدِ عِنْدَ تَحَقُّقِ شُرُوطٍ مُعَيَّنَةٍ (مِثْلُ «خِيَارِ ٱلرُّشْدِ» لِلصَّبِيِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ). وَمَعَ أَنَّ ٱلْقَضَاءَ ٱلتُّرَاثِيَّ لَمْ يَعْرِفْ نِظَامًا تَدَرُّجِيًّا مُعَاصِرًا لِلاِسْتِئْنَافِ، إِلَّا أَنَّ آليَّاتِ نَقْضِ ٱلْحُكْمِ كَانَتْ قَائِمَةً بِمُرَاجَعَةِ قَاضٍ أَعْلَى أَوِ ٱلْخَلِيفَةِ عِنْدَ ظُهُورِ خَطَإٍ أَوْ تَعَمُّدٍ. فَٱلشَّرْعُ لَيْسَ قَدَرِيًّا فِي ٱلْمُعَامَلَاتِ؛ بَلْ يُمَكِّنُ ٱلْفَرْدَ مِنْ طَلَبِ ٱلْعَدْلِ وَتَصْحِيحِ قَرَارٍ اتُّخِذَ تَحْتَ ضَغْطٍ أَوْ جَهْلٍ. وَعِنْدَ تَرْجَمَتِهِ إِلَى مَجَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ نَصِلُ إِلَى مُتَطَلَّبٍ صَرِيحٍ: كُلُّ مَنْ مَسَّهُ قَرَارٌ مُؤَتْمَتٌ لَهُ حَقٌّ فِي ٱلطَّعْنِ فِيهِ أَوْ طَلَبِ بَدِيلٍ بَشَرِيٍّ.

وَعَمَلِيًّا يَقْتَضِي ذٰلِكَ عِنْدَ مَرْحَلَةِ إِدْمَاجِ ٱلْخِدْمَاتِ أَنْ تُصَمَّمَ قَنَوَاتٌ لِلتَّغْذِيَةِ ٱلرَّاجِعَةِ وَٱلِاسْتِئْنَافِ. فَإِذَا رَفَضَتْ مَنْصَّةٌ مُؤَتْمَتَةٌ (مِثْلُ مُقَابَلَةٍ وَظِيفِيَّةٍ بِٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ) مُتَقَدِّمًا لِلْعَمَلِ، وَجَبَ إِتَاحَةُ ٱلِاسْتِئْنَافِ لَدَى لَجْنَةٍ بَشَرِيَّةٍ. وَيَدْخُلُ فِي «حَقِّ ٱلِاخْتِيَارِ» إِمْكَانُ ٱلِاعْتِذَارِ عَنْ ٱلنِّظَامِ ٱلْمُؤَتْمَتِ كُلِّيًّا؛ فَٱلْمُسْتَخْدِمُ ٱلْمُسْلِمُ – لِعِلْمِهِ بِمَخَاطِرِ أَخْطَاءِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ – قَدْ يُفَضِّلُ خِدْمَةً بَشَرِيَّةً صِرْفًا، وَمِنْ أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلشَّرِكَاتِ تَوْفِيرُ هٰذِهِ ٱلْخِيَارِيَّةِ لَا سِيَّمَا فِي ٱلْقَضَايَا ٱلْحَرِجَةِ. وَفِي ٱلتَّصْمِيمِ ٱلتَّجْرِبِيِّ لِلْوَاجِهَاتِ (UI/UX) يَتَمَثَّلُ ذٰلِكَ فِي زِرٍّ لِـ«ٱسْتِدْعَاءِ ٱلْمُدِيرِ» أَوْ «إِحَالَةِ ٱلْحَالَةِ إِلَى بَشَرٍ». وَفِي ٱلتَّشْغِيلِ يَجِبُ أَنْ تُضْبَطَ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتُ عَلَى أَلَّا تَكُونَ «حُكَّامًا لَا بَدِيلَ لَهُمْ»، بَلْ أَدَوَاتِ مَعُونَةٍ لِلْإِنْسَانِ. وَمِنْ حُسْنِ ٱلْمُرَاعَاةِ أَنْ تُضِيفَ ٱلْأَنْظِمَةُ عِنْدَ كُلِّ تَوْصِيَةٍ تَنْبِيهًا: «يُمْكِنُكَ ٱلْمُوَافَقَةُ أَوْ طَلَبُ مُرَاجَعَةٍ بَشَرِيَّةٍ». وَيَتَأَكَّدُ ذٰلِكَ فِي ٱلشُّؤُونِ ٱلدِّينِيَّةِ: فَلِلْمُسْلِمِ دَائِمًا أَنْ يُشَكِّكَ فِي جَوَابِ «عَالِمٍ مُؤَتْمَتٍ» وَيَرْجِعَ إِلَى إِمَامٍ حَيٍّ لِنَيْلِ رَأْيٍ ثَانٍ؛ وَيَجِبُ عَلَى مُطَوِّرِي ٱلتَّطْبِيقَاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ تَصْرِيحُ هٰذَا ٱلْحَقِّ، لَا غَرْسُ ثِقَةٍ عَمْيَاءَ فِي ٱلْبَرَامِجِ.

وَفِي ٱلْمَنْظُورِ ٱلتَّشْرِيعِيِّ ٱلْمُعَاصِرِ تُثْبِتُ ٱللَّوَائِحُ ٱلْحَقَّ نَفْسَهُ. فَٱللَّائِحَةُ ٱلْعَامَّةُ لِحِمَايَةِ ٱلْبَيَانَاتِ فِي أُورُوبَّا (GDPR) – فِي ٱلْمَادَّةِ ٢٢ – تُقِرُّ حَقَّ ٱلشَّخْصِ فِي أَلَّا يَخْضَعَ لِقَرَارٍ مَبْنِيٍّ حَصْرًا عَلَى ٱلْمُعَالَجَةِ ٱلْمُؤَتْمَتَةِ إِذَا أَثَّرَ ذٰلِكَ فِيهِ أَثَرًا مُعْتَبَرًا؛ وَلَهُ حَقٌّ فِي طَلَبِ تَدَخُّلٍ بَشَرِيٍّ وَعَرْضِ مَوْقِفِهِ. وَهٰذَا يُطَابِقُ – مَعْنًى – مُتَطَلَّبَ ٱلشَّرِيعَةِ فِي مَرْجِعِيَّةِ ٱلْقَاضِي ٱلْبَشَرِيِّ. كَمَا أَنَّ مَشَارِيعَ ٱلتَّنْظِيمِ كَـقَانُونِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لِلِٱتِّحَادِ ٱلْأُورُوبِيِّ (EU AI Act) تُلْزِمُ بِآلِيَّاتِ رِقَابَةٍ بَشَرِيَّةٍ فِي «ٱلْأَنْظِمَةِ ٱلْمُخَاطِرَةِ جِدًّا» وَتُمَكِّنُ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ مِنْ صِيَانَةِ حُقُوقِهِمْ. وَٱلِاخْتِلَافُ أَنَّ ٱلدَّافِعَ ٱلسَّيْكُولُوجِيَّ وَٱلْقَانُونِيَّ فِي ٱلنِّظَامِ ٱلْمَدَنِيِّ يَنْحَازُ إِلَى «حُقُوقِ ٱلْإِنْسَانِ» وَحُقُوقِ ٱلْمُسْتَهْلِكِ، بَيْنَمَا يَنْضَافُ فِي ٱلْإِسْلَامِ بُعْدٌ أَخْلَاقِيٌّ رُوحِيٌّ: فَطَلَبُ مُرَاجَعَةِ ٱلْحُكْمِ ٱلظَّالِمِ (أَوِ ٱلْمُبْهَمِ) لَيْسَ حَقًّا فَقَطْ، بَلْ هُوَ مِنَ «ٱلْأَمْرِ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّهْيِ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ»، وَسَعْيٌ لِإِقَامَةِ ٱلْعَدْلِ ٱلَّذِي شَرَعَهُ ٱللَّهُ. وَمِنْ ثَمَّ، فَٱلْمِيثَاقُ ٱلْإِسْلَامِيُّ لِأَخْلَقَةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ سَيُصِرُّ عَلَى أَوْسَعِ ضَمَانٍ لِحُقُوقِ ٱلِاخْتِيَارِ وَٱلِاسْتِئْنَافِ – وَقَدْ يَفُوقُ ذٰلِكَ بَعْضَ ٱلتَّشْرِيعَاتِ ٱلْمَدَنِيَّةِ – مَعَ أَنَّ ٱلِاتِّجَاهَ ٱلْعَامَّ مُشْتَرَكٌ: «يَجِبُ أَنْ يَبْقَى لِلْإِنْسَانِ صَوْتٌ يُوَاجِهُ ٱلْآلَةَ»، وَلَا يَحِقُّ لِأَيِّ نِظَامٍ ذَكِيٍّ أَنْ يُحَوِّلَ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ إِلَى أَشْخَاصٍ بِلَا حُقُوقٍ مَفْرُوضٍ عَلَيْهِمُ ٱلِانْقِيَادُ لِلْخَوَارِزْمِ.

ٱلْعُرْفُ. فِي ٱلْفِقْهِ ٱلْإِسْلَامِيِّ يُطْلَقُ «ٱلْعُرْفُ» عَلَى ٱلْعَادَةِ ٱلْمَحَلِّيَّةِ أَوِ ٱلْمُمَارَسَةِ ٱلْمُسْتَقِرَّةِ، وَيُقِرُّهُ ٱلشَّرْعُ مَا لَمْ يُخَالِفِ ٱلنُّصُوصَ ٱلصَّرِيحَةَ. وَتُعْرَفُ ٱلْمَدْرَسَةُ ٱلْحَنَفِيَّةُ بِٱلِٱعْتِدَادِ بِٱلْعُرْفِ خَاصَّةً؛ فَقَدْ صُحِّحَ كَثِيرٌ مِنَ ٱلْأَحْكَامِ ٱلتَّنْظِيمِيَّةِ تَحْتَ تَأْثِيرِ ٱلْعَادَاتِ، مِثْلَ أَعْرَافِ ٱلتِّجَارَةِ ٱلَّتِي أَثَّرَتْ فِي تَفْصِيلِ ٱلْعُقُودِ. وَقَاعِدَةُ ٱلْفِقْهِ ٱلْكَلَاسِيكِيَّةُ ٱلْمَشْهُورَةُ تَقُولُ: «ٱلْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ» فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ.

وَفِي أَخْلَقَةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَعْنِي ذٰلِكَ أَنَّهُ عِنْدَ تَطْوِيرِ وَتَنْظِيمِ تِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلْمُجْتَمَعَاتِ ٱلْمُسْلِمَةِ يَجِبُ مُرَاعَاةُ ٱلْقِيَمِ ٱلْمَحَلِّيَّةِ وَٱللُّغَةِ وَأَعْرَافِ ٱلتَّعَامُلِ، لِتَكُونَ ٱلْحُلُولُ مُنَاسِبَةً وَعَادِلَةً بِمِقْيَاسِ تِلْكَ ٱلْجَمَاعَةِ. وَعَمَلِيًّا يَتَجَلَّى ٱلِاعْتِبَارُ لِلْعُرْفِ فِي تَصْمِيمٍ حَسَّاسٍ لِلثَّقَافَةِ. فِي مَرْحَلَةِ بِنَاءِ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ يَجِبُ ٱلِاسْتِعَانَةُ بِمَعْرِفَةِ ٱلسِّيَاقِ ٱلْمَحَلِّيِّ: فَعِنْدَ إِنْشَاءِ (شات-بوت) لِلْخِدْمَةِ فِي بِلَادٍ مُسْلِمَةٍ يُرَاعَى ٱلْأَدَبُ ٱللُّغَوِيُّ فِي ٱلتَّخَاطُبِ، وَٱلْمَنَاسِبَاتُ ٱلدِّينِيَّةُ، وَخُصُوصِيَّاتُ ٱلْمَوَاعِيدِ (كَٱلْجُمُعَةِ). وَلَا يَجُوزُ ٱلتَّمْيِيزُ عَلَى أَسَاسٍ ثَقَافِيٍّ، بَلْ إِنَّ ٱلتَّعَدُّدَ ٱللُّغَوِيَّ وَتَكْيِيفَ ٱلْوَاجِهَاتِ يَعْكِسَانِ ٱلِاحْتِرَامَ ٱلْإِسْلَامِيَّ لِتَنَوُّعِ ٱلْأُمَمِ. وَفِي تَدْرِيبِ ٱلنَّمَاذِجِ يَلْزَمُ ٱلِٱنْتِبَاهُ لِئَلَّا يَفْرِضَ ٱلْمَجْمُوعُ ٱلتَّدْرِيبِيُّ مِعْيَارًا ثَقَافِيًّا وَاحِدًا عَلَى جَمِيعِ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ؛ فَإِنَّ نَقْلَ نَمَاذِجَ مُدَرَّبَةٍ فِي سِيَاقٍ غَرْبِيٍّ أَنْجْلِيزِيِّ ٱللِّسَانِ إِلَى بِيئَاتٍ أُخْرَى دُونَ تَكْيِيفٍ قَدْ يُفْضِي إِلَى نَتَائِجَ غَيْرِ لَائِقَةٍ أَوْ مُهِينَةٍ. لِذٰلِكَ يَقْتَضِي ٱلْمَبْدَأُ «مَحْلْيَةَ» ٱلْأَنْظِمَةِ: بِإِدْخَالِ بَيَانَاتٍ مِنَ ٱلثَّقَافَةِ ٱلْمَحَلِّيَّةِ، وَٱلِاسْتِعَانَةِ بِخُبَرَاءِ – هُمْ أَهْلُ ٱلْعُرْفِ – فِي ٱلضَّبْطِ وَٱلِاخْتِبَارِ. وَفِي مَرْحَلَةِ ٱلْإِطْلَاقِ قَدْ يَظْهَرُ ذٰلِكَ فِي تَفَاوُتِ قَوَاعِدِ ٱلِاسْتِعْمَالِ وَحَتَّى ضَوَابِطِ ٱلتَّدْقِيقِ ٱلشَّرْعِيِّ بِحَسَبِ ٱلْبِلَادِ وَٱلْمَذْهَبِ. فَرُبَّ مُجْتَمَعٍ مُحَافِظٍ يُعَطِّلُ تَوْلِيدَ ٱلصُّوَرِ كُلِّيًّا (ٱتِّبَاعًا لِعُرْفٍ شَدِيدٍ)، وَآخَرُ يَسْمَحُ بِهِ لِغَايَاتٍ عِلْمِيَّةٍ. وَكِلَا ٱلْخِيَارَيْنِ مَقْبُولَانِ مَا دَامَا يَسْتَنِدَانِ إِلَى عُرْفٍ مُعْتَبَرٍ. وَفِي ٱلتَّشْغِيلِ يَلْزَمُ ٱلتَّحَسُّسُ ٱلْأَخْلَاقِيُّ: فَأَنْظِمَةُ ٱلتَّوْصِيَةِ وَمُرَاجَعَةُ ٱلْمُحْتَوَى وَغَيْرُهَا تَجِبُ أَنْ تُرَاعِيَ ٱلْمَقَايِيسَ ٱلْمَحَلِّيَّةَ لِلْآدَابِ؛ فَمَا يُعَدُّ غَيْرَ مَقْبُولٍ فِي مُجْتَمَعٍ يَجِبُ ٱلِامْتِنَاعُ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ مَقْبُولًا فِي ٱلْمِقْيَاسِ ٱلْعَالَمِيِّ. فَإِنَّ تِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لَا يَجِبُ أَنْ تَكْسِرَ أَعْمِدَةَ ٱلْمُجْتَمَعِ، وَإِلَّا جَلَبَتْ مَضَرَّةً وَلَمْ تُحَقِّقْ مَصْلَحَةً.

وَفِي أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلتَّصْمِيمِ ٱلتِّقْنِيِّ ٱلْمَدَنِيَّةِ تَرِدُ أَيْضًا دَعَوَاتٌ لِلشُّمُولِيَّةِ وَمُرَاعَاةِ ٱلتَّنَوُّعِ. فَمَفَاهِيمُ «AI for All» تَقْتَضِي تَهْيِئَةَ ٱلْحُلُولِ لِمَجْمُوعَاتٍ ثَقَافِيَّةٍ وَٱجْتِمَاعِيَّةٍ مُخْتَلِفَةٍ، لَا صَبَّهَا فِي قَالِبٍ وَاحِدٍ. وَتَعُدُّ ٱلْيُونِسْكُو (UNESCO) فِي وَثَائِقِهَا «ٱحْتِرَامَ ٱلتَّنَوُّعِ ٱلثَّقَافِيِّ وَٱلشُّمُولِيَّةِ» مِنَ ٱلْقِيَمِ ٱلْمِحْوَرِيَّةِ. وَهٰذَا فِي ٱلْحَقِيقَةِ قَرِيبٌ مِنْ مَبْدَإِ ٱلْعُرْفِ: إِذْ يُقَرُّ بِٱخْتِلَافِ ٱلْأَوْلَوِيَّاتِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ، وَبِأَنَّ ٱلذَّكَاءَ ٱلِصْطِنَاعِيَّ يَجِبُ أَنْ يُصْمَمَ بِمُشَارَكَةِ مُمَثِّلِينَ عَنْ تَقَالِيدَ مُتَعَدِّدَةٍ. وَٱلْفَارِقُ أَنَّ ٱلْإِسْلَامَ يَجْعَلُ ذٰلِكَ وَاجِبًا أَصِيلًا فِي ٱلِابْتِدَاءِ – فَٱلْعُلَمَاءُ يُفَحِّصُونَ دَوْمًا وُجُودَ عُرْفٍ مُسْتَقِرٍّ فِي ٱلْمَجَالِ، فَإِنْ ثَبَتَ أُدْرِجَ فِي ٱلتَّشْرِيعِ. أَمَّا ٱلنِّظَامُ ٱلْمَدَنِيُّ فَقَدْ سَادَتْ فِيهِ طَوِيلًا مُقَارَبَةُ «one-size-fits-all»‏[٨٤]، وَلَمَّا ٱنْكَشَفَتْ مُشْكِلَةُ «algorithmic bias»‏[٨٥] – أَنَّ ٱلنَّمَاذِجَ ٱلْمُوَحَّدَةَ أَضْعَفُ فِي خِدْمَةِ ٱلْأَقَلِّيَّاتِ – بَدَؤُوا يُدْرِجُونَ مَبْدَأَ «عَدَمِ ٱلْإِضْرَارِ بِٱلتَّنَوُّعِ». أَمَّا ٱلْمِيثَاقُ ٱلْإِسْلَامِيُّ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، فَبِنَاءً عَلَى فِقْهِ ٱلْعُرْفِ ٱلْعَرِيضِ، سَيُقَامُ مُنْذُ ٱلْبِدَايَةِ عَلَى ٱلتَّعَدُّدِ: مِثْلُ تَقْدِيمِ مُسْتَوَيَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ لِتَرْشِيحِ ٱلْمُحْتَوَى بِحَسَبِ طَلَبِ ٱلْجَمَاعَةِ، أَوْ نَمَاطَاتٍ مُتَبَايِنَةٍ لِسُلُوكِ ٱلنِّظَامِ بِحَسَبِ ٱلدَّوْلَةِ (فَمَا يُقْبَلُ فِي مَالِيزْيَا قَدْ لَا يَصْلُحُ فِي ٱلسُّعُودِيَّةِ وَٱلْعَكْسُ). وَهٰذَا لَيْسَ «مِكْيَالَيْنِ» بَلْ حِكْمَةُ ٱلشَّرِيعَةِ ٱلَّتِي تُرَاعِي ٱلْمَصْلَحَةَ ٱلْمَحَلِّيَّةَ. وَفِي ٱلْخِتَامِ يَبْلُغُ ٱلْفِكْرُ ٱلْغَرْبِيُّ إِلَى ضَرُورَةِ «ٱلْمَحْلْيَةِ»، غَيْرَ أَنَّ ٱلْمَنْهَجَ ٱلْإِسْلَامِيَّ يَمْتَازُ بِأَسَاسٍ نَظَرِيٍّ أَوْضَحَ مُتَجَسِّدٍ فِي دُسْتُورِ «ٱلْعُرْفِ».

ٱلتَّثَبُّتُ مِنَ ٱلْمَعْلُومَاتِ ٱلدِّينِيَّةِ. هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ فَرْعٌ خَاصٌّ مِنْ مَبْدَإِ صِحَّةِ ٱلْمَعْلُومَاتِ، أُفْرِدَ بِٱلذِّكْرِ لِشِدَّةِ أَهَمِّيَّةِ ٱلْمَعْرِفَةِ ٱلدِّينِيَّةِ. فِي ٱلتُّرَاثِ ٱلْإِسْلَامِيِّ تُوجَدُ فَرِيضَةُ «ٱلتَّثَبُّتِ» – أَيْ ٱلتَّحَقُّقُ مِنْ صِحَّةِ ٱلْمَعْلُومَاتِ قَبْلَ ٱلْعَمَلِ بِهَا أَوْ نَقْلِهَا.

وَفِي مَجَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَبْلُغُ هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ أَوْجَهُ خَاصَّةً فِي ٱلْأَنْظِمَةِ ٱلْمُرْتَبِطَةِ بِٱلتَّعْلِيمِ ٱلْإِسْلَامِيِّ، أَوِ ٱلْإِجَابَةِ عَنِ ٱلْفَتَاوَى، أَوْ تَطْبِيقَاتِ ٱلْقُرْآنِ وَٱلْحَدِيثِ. فِي مَرْحَلَةِ ٱلتَّطْوِيرِ يَجِبُ ٱلِاسْتِعَانَةُ بِٱلْمُخْتَصِّينَ ٱلشَّرْعِيِّينَ لِٱنْتِقَاءِ وَتَحْقِيقِ ٱلْمَعْلُومَاتِ. فَإِذَا كَانَ ٱلْخَوَارِزْمِيُّ مُهَيَّأً لِلْإِجَابَةِ عَنِ ٱلْمَسَائِلِ ٱلدِّينِيَّةِ، فَإِنَّ مَجْمُوعَةَ بَيَانَاتِهِ ٱلتَّدْرِيبِيَّةَ (dataset) يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُنْحَصِرَةً فِي ٱلْمَصَادِرِ ٱلْمُعْتَبَرَةِ: ٱلتَّفَاسِيرِ ٱلْمُعْتَمَدَةِ، كُتُبِ ٱلْحَدِيثِ ٱلصَّحِيحَةِ، وَفَتَاوَى ٱلْعُلَمَاءِ ٱلْمُعْتَبَرِينَ. وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ «يُغَذَّى» ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ بِمُحْتَوًى مُتَنَاثِرٍ مِنَ ٱلْإِنْتِرْنِتِ، لِكَثْرَةِ ٱلْبِدَعِ وَٱلْأَحَادِيثِ ٱلضَّعِيفَةِ أَوِ ٱلْمَوْضُوعَةِ، وَٱلْمَفَاهِيمِ ٱلْخَاطِئَةِ. وَعَلَى ٱلْمُطَوِّرِينَ ٱلْمُسْلِمِينَ وَاجِبُ ٱلتَّنْقِيَةِ وَٱلْفِلْتَرَةِ: مَثَلًا، بِإِنْشَاءِ قَاعِدَةِ مَعْرِفَةٍ تَشْتَمِلُ عَلَى ٱلْأَحَادِيثِ ٱلصَّحِيحَةِ وَٱلْحَسَنَةِ، مَعَ تَعْلِيمِ ٱلنِّظَامِ أَلَّا يَذْكُرَ ٱلضَّعِيفَ أَوِ ٱلْمَوْضُوعَ إِلَّا مَعَ تَنْبِيهٍ.

فِي مَرْحَلَةِ ٱلتَّطْبِيقِ يَلْزَمُ وُجُودُ آلِيَّاتٍ لِتَصْدِيقِ ٱلْأَجْوِبَةِ مِنْ قِبَلِ مُفْتٍ أَوْ مُحَرِّرٍ بَشَرِيٍّ. مَثَلًا، يُرْسِلُ ٱلْمَوْقِعُ ٱلْإِجَابَةَ ٱلْمُوَلَّدَةَ إِلَى عَالِمٍ قَبْلَ عَرْضِهَا لِلْجُمْهُورِ؛ وَإِنْ لَمْ يُتَحْ قِيَامُ ذٰلِكَ، فَيَجِبُ عَلَى ٱلْأَقَلِّ تَضْمِينُ تَحْذِيرٍ وَاضِحٍ: «لَيْسَتْ فَتْوَى نِهَائِيَّةً، فَٱرْجِعْ إِلَى ٱلْعَالِمِ». أَمَّا فِي مَرْحَلَةِ ٱلِاسْتِعْمَالِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُرْفَقَ كُلُّ إِجَابَةٍ بِمَرَاجِعَ مَصْدَرِيَّةٍ (مِصْدَاقِيَّةُ ٱلْأَجْوِبَةِ ٱلدِّينِيَّةِ)، لِيَتَأَكَّدَ ٱلْمُسْتَخْدِمُ نَفْسُهُ مِنْ صِحَّتِهَا. وَمِنَ ٱلْمُسْتَحْسَنِ أَنْ يَتَعَلَّمَ ٱلنِّظَامُ أَنْ يَقُولَ: «لَا أَدْرِي» فِي حَالَاتِ ٱلشَّكِّ، فَهٰذَا أَيْضًا أَدَبٌ إِسْلَامِيٌّ مَعْرُوفٌ فِي ٱلْعِلْمِ لِئَلَّا يَقَعَ فِي ٱلِافْتِرَاءِ.

وَبِذٰلِكَ يَضْمَنُ هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ أَلَّا تَتَحَوَّلَ أَنْظِمَةُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ إِلَى «أَئِمَّةٍ وَهْمِيَّةٍ» تُرَوِّجُ لِٱلْأَخْطَاءِ بِٱسْمِ ٱلْإِسْلَامِ.

وَفِي ٱلسِّيَاقِ ٱلدُّنْيَوِيِّ لِمُكَافَحَةِ ٱلْمَعْلُومَاتِ ٱلْمُضَلِّلَةِ، تَبَنَّتْ كَبِيرُ ٱلْمَنَصَّاتِ نُظُمًا تَعْتَمِدُ عَلَى ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لِوَسْمِ ٱلْأَخْبَارِ ٱلْمَشْكُوكِ فِيهَا لِلْمُرَاجَعَةِ (fact-checking). غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ نِظَامٌ خَاصٌّ بِحِمَايَةِ ٱلْمَعْلُومَاتِ ٱلدِّينِيَّةِ، فَهٰذَا مَوْكُولٌ إِلَى ٱلْمُؤَسَّسَاتِ ٱلدِّينِيَّةِ. وَبِذٰلِكَ يَتَمَيَّزُ ٱلْمَنْهَجُ ٱلْإِسْلَامِيُّ: إِذْ يَعْتَبِرُ تَحْقِيقَ ٱلْمَعْلُومَاتِ ٱلدِّينِيَّةِ أَمْرًا وَاجِبًا شَرْعًا، وَيَعُدُّ نَقْلَ ٱلْأَحَادِيثِ ٱلضَّعِيفَةِ أَوْ ٱلتَّفْسِيرَاتِ ٱلْخَاطِئَةِ لَيْسَ خَطَأً فَقَطْ، بَلْ إِثْمًا. لِذٰلِكَ فَٱلْمِيثَاقُ ٱلْإِسْلَامِيُّ لِأَخْلَقَةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَرْفَعُ «مِصْدَاقِيَّةَ ٱلْمُحْتَوَى ٱلدِّينِيِّ» إِلَى أَوْلَوِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ، وَلَوْ عَلَى حِسَابِ تَقْلِيصِ بَعْضِ ٱلْوَظَائِفِ. فَٱلْأَفْضَلُ أَنْ يَقُولَ ٱلْمُسَاعِدُ ٱلذَّكِيُّ: «آسِفٌ، لَا أَسْتَطِيعُ ٱلْمُسَاعَدَةَ فِي هٰذَا»، عَلَى أَنْ يَخْتَلِقَ فِي مَسَائِلِ ٱلشَّرِيعَةِ. أَمَّا فِي ٱلسِّيَاقِ ٱلْمَدَنِيِّ فَتُعْتَبَرُ «تَهْيُؤَاتٌ نَصِّيَّةٌ»مُشْكِلَةً تَقَنِيَّةً، وَلٰكِنَّهَا لَا تُعَامَلُ بِصِفَتِهَا مَعْصِيَةً. أَمَّا فِي ٱلنَّظَرِ ٱلْإِسْلَامِيِّ فَهِيَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ إِطْلَاقًا فِي ٱلْقُرْآنِ وَٱلْفَتَاوَى.

IV. ٱلْمُؤَشِّرَاتُ ٱلْعَمَلِيَّةُ لِلتَّطْبِيقِ وَٱلتَّشْغِيلِ

تَرْشِيحُ ٱلْمُحَرَّمَاتِ. فِي ٱلْفِقْهِ ٱلْحَنَفِيِّ يَقُومُ تَرْشِيحُ ٱلْمُحْتَوَى ٱلْمُحَرَّمِ (ٱلْمُحْتَوَى ٱلْمَمْنُوعُ) عَلَى قَاعِدَةِ ٱلْقَطْعِ مَعَ ٱلْإِثْمِ وَسُدُودِ ٱلذَّرَائِعِ ٱلْمُفْضِيَةِ إِلَيْهِ (سَدُّ ٱلذَّرَائِعِ). وَقَدْ حَذَّرَ ٱلْقُرْآنُ وَٱلسُّنَّةُ مِرَارًا مِنَ ٱلتَّعَاوُنِ عَلَى ٱلْمَعْصِيَةِ: «… وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى ٱلْإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ …» (ٱلْمَائِدَةُ ٥:٢)‏[٨٨].
عِنْدَ مَرْحَلَةِ ٱلتَّصْمِيمِ يَجِبُ أَنْ تَتَضَمَّنَ ٱلْمُرَشِّحَاتُ ٱلْمَبْنِيَّةُ مَنْعَ إِنْتَاجِ أَوْ مُعَالَجَةِ أَوْ نَشْرِ كُلِّ مُحْتَوًى مُحَرَّمٍ: كَٱلْإِبَاحِيَّةِ، وَٱلِإِسَاءَةِ إِلَى ٱلدِّينِ، وَٱلْقِمَارِ، وَٱلْمَعْلُومَاتِ ٱلْمُفْضِيَةِ إِلَى ٱلْإِثْمِ (مِثْلَ تَعْلِيمِ ٱلْمَخَاطِيطِ ٱلْجُنَائِيَّةِ)، وَٱلْمَوَادِّ ٱلْمُوسِيقِيَّةِ أَوِ ٱلْمَرْئِيَّةِ ٱلصَّوْتِيَّةِ ٱلْمَمْنُوعَةِ. وَيَجِبُ أَنْ تَخْضَعَ مَجْمُوعَاتُ ٱلْبَيَانَاتِ لِلتَّطْهِيرِ وَٱلدِّقَّةِ قَبْلَ ٱلتَّدْرِيبِ لِكَيْلَا «يَتَعَلَّمَ» ٱلنِّظَامُ عَلَى أَمْثِلَةٍ مَحْظُورَةٍ. وَفِي مَرْحَلَةِ ٱلْإِطْلَاقِ يَتَوَجَّبُ ٱلرَّقَابَةُ ٱلتِّقْنِيَّةُ ٱلْمُسْتَمِرَّةُ: حَظْرٌ آليٌّ أَوْ حَذْفٌ لِلْمَوَادِّ ٱلْمُحَرَّمَةِ، وَمَنْعُ ٱلْبَحْثِ وَٱلْعَرْضِ فِي ٱلْمَوْضُوعَاتِ ٱلدِّينِيَّةِ ٱلْمَمْنُوعَةِ. وَمِنَ ٱلْأَمْثِلَةِ ٱلْمُعَاصِرَةِ مُتَصَفِّحَاتٌ وَمَنَصَّاتٌ إِسْلَامِيَّةٌ (‎https://halalgoogling.com‏، SalamWeb) تَسْتَعْمِلُ أَنْظِمَةَ تَرْشِيحٍ وَمُرَاجَعَةٍ مُسْتَخْدِمِيَّةٍ لِمَنْعِ ٱلْحَرَامِ. وَفِي مَرْحَلَةِ ٱلتَّشْغِيلِ يَجِبُ تَحْدِيثُ قَوَائِمِ ٱلْمَمْنُوعَاتِ، وَتَلَقِّي شَكَاوَى ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ، وَٱلتَّعَامُلُ مَعَ ٱلْأَنْوَاعِ ٱلْجَدِيدَةِ مِنَ ٱلْمُحْتَوَى ٱلْمَذْمُومِ (مِثْلُ إِبَاحِيَّةِ «ٱلتَّزْيِيفِ ٱلْعَمِيقِ»، أَوِ ٱلدِّعَايَةِ ٱلْمُتَخَفِّيَةِ لِلْقِمَارِ). وَيَجِبُ أَنْ يُبْنَى وَظِيفُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ عَلَى عَدَمِ ٱلِاسْتِدْرَاجِ إِلَى ٱلْمَعْصِيَةِ، بَلْ عَلَى ٱلْحَثِّ عَلَى ٱلْبَدَائِلِ ٱلْمُبَاحَةِ ٱلنَّافِعَةِ.

وَفِي ٱلْمِيثَاقَاتِ ٱلْمَدَنِيَّةِ لِأَخْلَقَةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ تُحْصَرُ قَضَايَا ٱلتَّرْشِيحِ فِي ٱلْمُحَظُورَاتِ ٱلْقَانُونِيَّةِ (كَٱلتَّطَرُّفِ وَٱلْعُنْفِ وَإِبَاحِيَّةِ ٱلْأَطْفَالِ) وَلَا تَمْتَدُّ إِلَى ٱلْمُحْتَوَى ٱلْمَمْنُوعِ دِينِيًّا. وَإِقْصَاءُ ٱلْحَرَامِ عَنِ ٱلْفَضَاءِ ٱلرَّقْمِيِّ مُتَطَلَّبٌ خَاصٌّ بِٱلتَّنْظِيمِ ٱلْإِسْلَامِيِّ وَيُعْتَبَرُ وَاجِبًا دِينِيًّا، لَا مُبَادَرَةً شَرِكَاتِيَّةً أَوْ تَوْجِيهًا ٱجْتِمَاعِيًّا.

تَوْثِيقُ ٱلْقُيُودِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ وَٱلشَّرْعِيَّةِ. يُعْطِي ٱلْفِقْهُ ٱلْإِسْلَامِيُّ عِنَايَةً كَبِيرَةً لِوُضُوحِ ٱلشُّرُوطِ وَتَثْبِيتِ ٱلتَّوَافُقَاتِ (ٱلْبَقَرَةُ ٢:٢٨٢). وَيُوجِبُ مَبْدَأُ «ٱلْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» لَا مُجَرَّدَ إِبْرَامِ صَفْقَاتٍ وَاضِحَةٍ، بَلْ إِظْهَارَ ٱلْقُيُودِ لِلْأَطْرَافِ. وَفِي تِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَعْنِي ذٰلِكَ تَأْطِيرَ كُلِّ ٱلْحُدُودِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ وَٱلدِّينِيَّةِ لِلْمُنْتَجِ وَتَبْيِينَهَا صَرَاحَةً.
يَجِبُ أَنْ تَشْتَمِلَ كُلُّ ٱلْوَثَائِقِ فِي مَرْحَلَةِ ٱلتَّصْمِيمِ – مِنَ ٱلْمُخَطَّطِ ٱلتِّقْنِيِّ إِلَى سِيَاسَاتِ ٱلشَّرِكَةِ – عَلَى وَصْفٍ مُفَصَّلٍ لِلْقُيُودِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ، وَٱلْوَظَائِفِ ٱلْمُبَاحَةِ وَٱلْمَمْنُوعَةِ، مَعَ ٱلْإِحَالَةِ إِلَى ٱلنُّصُوصِ ٱلشَّرْعِيَّةِ ٱلْمُنَاسِبَةِ. وَفِي مَرْحَلَةِ ٱلْإِطْلَاقِ يَجِبُ أَنْ تَتَضَمَّنَ كُتُبُ ٱلِاسْتِعْمَالِ، وَٱتِّفَاقِيَّاتُ ٱلتَّرْخِيصِ، وَأَقْسَامُ ٱلْمُسَاعَدَةِ شُرُوحًا وَاضِحَةً: مَا ٱلْإِمْكَانَاتُ ٱلْمُتَاحَةُ وَمَا ٱلْمَحْظُورُ (مِثْلُ عَدَمِ وُجُودِ وَظِيفَةِ تَوْلِيدِ ٱلصُّوَرِ ٱلْمُخِلَّةِ، وَحَظْرِ ٱلْمُحْتَوَى ٱلْمُحَرَّمِ، وَٱسْتِحَالَةِ ٱسْتِعْمَالِ ٱلنِّظَامِ فِي مُعَامَلَاتِ ٱلرِّبَا). وَمِنَ ٱلْأَهَمِّيَّةِ أَنْ يُثْبَتَ ٱلتَّطَابُقُ مَعَ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلشَّرْعِيَّةِ بِتَقْرِيرٍ أَوْ تَزْكِيَةٍ مِنْ فُقَهَاءَ مُخْتَصِّينَ؛ فَهٰذَا يَرْفَعُ مَنْسُوبَ ٱلثِّقَةِ لَدَى ٱلْمُسْتَخْدِمِ ٱلْمُسْلِمِ وَيُيَسِّرُ ٱلرِّقَابَةَ مِنْ قِبَلِ ٱلْمُؤَسَّسَاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ. وَخِلَالَ ٱلتَّشْغِيلِ فَإِنَّ كُلَّ تَعْدِيلٍ يَمَسُّ ٱلْقُيُودَ ٱلدِّينِيَّةَ يَجِبُ أَنْ يُقَابِلَهُ تَحْدِيثٌ فِي ٱلتَّوْثِيقِ وَإِعْلَامٌ وَاضِحٌ لِلْمُسْتَخْدِمِينَ.

وَفِي أَخْلَقَةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمَدَنِيَّةِ يَرِدُ أَيْضًا مَبْدَأُ ٱلشَّفَافِيَّةِ، وَنَشْرُ ٱلتَّعْلِيمَاتِ، وَكَشْفُ قُدُرَاتِ ٱلنِّظَامِ وَحُدُودِهِ. وَلٰكِنَّ ٱلتُّرَاثَ ٱلْإِسْلَامِيَّ يَتَجَاوَزُ ذٰلِكَ: فَإِنَّ تَوْثِيقَ ٱلْقُيُودِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ يُعَدُّ جُزْءًا مِنْ وَاجِبٍ دِينِيٍّ، وَيَجِبُ أَنْ يَتَضَمَّنَ إِشَارَاتٍ صَرِيحَةً إِلَى ٱلْمَصَادِرِ ٱلشَّرْعِيَّةِ، لَا إِلَى ٱلْحُجَجِ ٱلْقَانُونِيَّةِ أَوِ ٱلْاِجْتِمَاعِيَّةِ فَقَطْ. وَهٰذَا يُشَكِّلُ إِطَارًا أَوْضَحَ وَأَشَدَّ ٱلْزَامًا مِمَّا فِي كَثِيرٍ مِنَ ٱلْمِيثَاقَاتِ ٱلْمَدَنِيَّةِ.

ٱلرِّقَابَةُ ٱلشَّرْعِيَّةُ. يَفْتَرِضُ ٱلْمِيثَاقُ وُجُودَ آلِيَّةٍ دَائِمَةٍ لِمُرَاقَبَةِ مُطَابَقَةِ ٱلتِّقْنِيَاتِ لِمُتَطَلَّبَاتِ ٱلشَّرِيعَةِ. وَنَظِيرُ هٰذِهِ ٱلْآلِيَّةِ مَوْجُودٌ مُنْذُ مُدَّةٍ فِي مَجَالِ ٱلْمَالِيَّاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ: فَهُنَاكَ مَجَالِسُ شَرْعِيَّةٌ فِي ٱلْمَصَارِفِ تُرَاجِعُ بِٱنْتِظَامٍ ٱلْمُنْتَجَاتِ وَٱلْعَمَلِيَّاتِ لِلتَّأَكُّدِ مِنْ مُوَافَقَتِهَا لِلْأَحْكَامِ (مَا يُعْرَفُ بِٱلتَّدْقِيقِ ٱلشَّرْعِيِّ). وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فَٱلْمُقْتَرَحُ هُوَ نَمُوذَجٌ مُشَابِهٌ. فَٱلْمَبْدَأُ يَطْلُبُ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْأَنْظِمَةِ أَلَّا يَكْتَفُوا بَعْدَ إِطْلَاقِ ٱلنِّظَامِ، بَلْ أَنْ يَسْتَدْعُوا بِٱلِانْتِظَامِ خُبَرَاءَ شَرْعِيِّينَ مُسْتَقِلِّينَ لِمُرَاجَعَةِ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ، وَٱلْبَيَانَاتِ، وَٱلْآثَارِ ٱلْمُتَرَتِّبَةِ.

عَمَلِيًّا، يُمْكِنُ أَنْ يَتَجَسَّدَ هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ فِي إِنْشَاءِ وَظِيفَةٍ أَوْ قِسْمٍ لِـ «ٱلِٱمْتِثَالِ ٱلشَّرْعِيِّ» خَاصٍّ بِٱلتِّقْنِيَاتِ دَاخِلَ ٱلْمُنَظَّمَةِ ٱلْمُسْتَخْدِمَةِ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ. وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَعْضَاؤُهُ ذَوِي كِفَايَةٍ مُزْدَوَجَةٍ: إِحَاطَةٌ بِٱلتِّقْنِيَاتِ وَتَمَكُّنٌ مِنَ ٱلْفِقْهِ. وَمِنْ مَهَامِّهِمْ مُرَاقَبَةُ ٱلتَّطْوِيرِ وَٱلتَّحْدِيثَاتِ لِلتَّأَكُّدِ مِنَ ٱلِٱمْتِثَالِ لِلْمَبَادِئِ ٱلْمَذْكُورَةِ فِي ٱلْمِيثَاقِ. فَإِذَا بَدَأَ ٱلْخَوَارِزْمِيُّ يُنْتِجُ مُحْتَوًى يُسِيءُ إِلَى ٱلْمَقَادِيرِ ٱلدِّينِيَّةِ، فَإِنَّ ٱلْقِسْمَ يُلْزِمُ بِإِصْلَاحِهِ.

وَيُمْكِنُ أَنْ تَنْشَأَ شَرِكَاتٌ مُسْتَقِلَّةٌ أَوْ هَيْئَاتٌ تَابِعَةٌ لِإِدَارَاتٍ دِينِيَّةٍ تُقَدِّمُ خِدْمَةَ «ٱلشَّهَادَةِ ٱلْمِعْيَارِيَّةِ ٱلشَّرْعِيَّةِ» لِلْمُنْتَجَاتِ ٱلذَّكَائِيَّةِ – عَلَى غِرَارِ شَهَادَةِ ٱلْحَلَالِ فِي ٱلطَّعَامِ. فَتُجْرِي ٱلْمُرَاجَعَةَ وَتُصْدِرُ حُكْمَهَا، مِمَّا يُزِيدُ ثِقَةَ ٱلْمُسْتَهْلِكِ ٱلْمُسْلِمِ. كَمَا يُمْكِنُ لِلدَّوْلَةِ فِي ٱلْبِلَادِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ أَنْ تَتَدَخَّلَ، كَمَا فِي دُوَلٍ تَضُمُّ إِدَارَةً لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ (مِثْلَ ٱلْإِمَارَاتِ)، وَيَكُونُ تَابِعًا لَهَا لَجْنَةٌ شَرْعِيَّةٌ تُرَاقِبُ ٱلْمَشَارِيعَ ٱلرَّسْمِيَّةَ. وَهٰذَا ٱلرِّقَابَةُ لَا تُعْتَبَرُ عَائِقًا لِلتَّقَدُّمِ، بَلْ مِصْبَاحًا يَدُلُّ عَلَى مَكَامِنِ ٱلْمَخَاطِرِ مِنْ مَنْظُورِ ٱلشَّرْعِ.

وَفِي ٱلْمُقَابِلِ، يَزْدَادُ فِي ٱلْإِطَارِ ٱلْمَدَنِيِّ ٱهْتِمَامٌ بِـ «ٱلتَّدْقِيقِ» وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْمِعْيَارِيَّةِ. فَقَدْ وُضِعَتْ مَعَايِيرُ لِمُرَاجَعَةِ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ مِنْ جِهَاتٍ مُسْتَقِلَّةٍ لِلتَّأَكُّدِ مِنْ عَدَمِ ٱلِٱنْحِيَازِ وَضَمَانِ ٱلسَّلَامَةِ وَٱلْإِمْتِثَالِ لِلْمَبَادِئِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ. وَقَدْ نَصَّ مَشْرُوعُ «قَانُونُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لِلِٱتِّحَادِ ٱلْأُورُوبِيِّ (EU AI Act)» عَلَى أَنَّ ٱلْأَنْظِمَةَ ٱلْعَالِيَةَ ٱلْمَخَاطِرِ يَجِبُ أَنْ تَخْضَعَ لِتَقْيِيمِ ٱلتَّوَافُقِ قَبْلَ ٱلْإِطْلَاقِ. كَمَا تَطَبِّقُ شَرِكَاتٌ كُبْرَى مِثْلُ Google مُرَاجَعَاتٍ أَخْلَاقِيَّةً دَاخِلِيَّةً لِلْوَظَائِفِ ٱلْجَدِيدَةِ.

وَيَتَنَاسَبُ ٱلْمَنْهَجُ ٱلْإِسْلَامِيُّ مَعَ هٰذِهِ ٱلْفِكْرَةِ، غَيْرَ أَنَّهُ يُضِيفُ مُعْطًى دِينِيًّا خَاصًّا: فَٱلْمِعْيَارُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى ٱلْمَخَاطِرِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ ٱلْعَامَّةِ، بَلْ يَتَضَمَّنُ قَوَاعِدَ ٱلْحَلَالِ وَٱلْحَرَامِ. فَٱلتَّدْقِيقُ ٱلشَّرْعِيُّ يَتَوَلَّى مَا لَا يَتَنَاوَلُهُ ٱلتَّدْقِيقُ ٱلْمَدَنِيُّ – كَتَتَبُّعِ ٱلصُّوَرِ ٱلْمُحَرَّمَةِ أَوْ ٱلْإِسَاءَةِ لِلْأَنْبِيَاءِ – وَمِنْ ثَمَّ يُضِيفُ طَبَقَةً مِنَ ٱلْجَوْدَةِ وَٱلْمَسْؤُولِيَّةِ. وَبِهٰذَا يُخْتَمُ ٱلْمَبْدَأُ ٱلْأَرْبَعُونَ ٱلنِّظَامَ: فَإِنْ كَانَتِ ٱلْمَبَادِئُ ٱلسَّابِقَةُ تَضَعُ ٱلشُّرُوطَ، فَٱلرِّقَابَةُ ٱلشَّرْعِيَّةُ تُؤَمِّنُ تَطْبِيقَهَا وَٱسْتِمْرَارَهَا، وَتُوَفِّقُ بَيْنَ سُرْعَةِ تَغَيُّرِ ٱلْوَاقِعِ ٱلتِّقْنِيِّ وَثُبُوتِ قِيَمِ ٱلتَّعَالِيمِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ.

ٱلْخُلَاصَةُ عَلَى ٱلْقِسْمِ ٢٫٢

تُشَكِّلُ ٱلْمَبَادِئُ ٱلْمَدْرُوسَةُ فِي فِقْهِ ٱلْحَنَفِيَّةِ مَنْظُومَةً مُتَكَامِلَةً مِنَ ٱلْقِيَمِ وَٱلْإِطَارَاتِ ٱلنِّظَامِيَّةِ لِتَنْظِيمِ تِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ. فَهِيَ تَسْتَوْعِبُ مَقَاصِدَ ٱلشَّرِيعَةِ ٱلْعُلْيَا (حِفْظُ ٱلدِّينِ، وَٱلْحَيَاةِ، وَٱلْعَقْلِ، وَٱلْمَالِ، وَٱلنَّسْلِ/ٱلْعِرْضِ) وَقَوَاعِدَ تَطْبِيقِيَّةً تَتَّصِلُ بِمَرَاحِلِ دَوْرَةِ ٱلْحَيَاةِ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ – مِنْ صِدْقِ ٱلْبَيَانَاتِ وَشَفَافِيَّةِ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ إِلَى مَسْؤُولِيَّةِ ٱلْمُطَوِّرِينَ وَضَرُورَةِ ٱلرِّقَابَةِ ٱلشَّرْعِيَّةِ. وَفِي كُلِّ خُطْوَةٍ يَتَبَيَّنُ أَنَّ ٱلْفِكْرَ ٱلْفِقْهِيَّ ٱلْإِسْلَامِيَّ – عَلَى رَغْمِ تَشَكُّلِهِ فِي ٱلْعُصُورِ ٱلْوُسْطَى – يَمْلِكُ دَرَجَةً مُدْهِشَةً مِنَ ٱلْمُعَاصَرَةِ وَٱلْمَرُونَةِ لِمُجَابَهَةِ تَحَدِّيَاتِ ٱلْيَوْمِ. وَتَتَنَاغَمُ كَثِيرٌ مِنْ أَحْكَامِهِ مَعَ ٱلْمَبَادِئِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ ٱلْعَالَمِيَّةِ (كَعَدَمِ ٱلْإِضْرَارِ، وَٱلتَّرَاشُفِ، وَٱلْمَسْؤُولِيَّةِ)، مِمَّا يُبْرِزُ كَوْنَ ٱلْقِيَمِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ ذَاتَ طَابِعٍ كُلِّيٍّ. وَمَعَ ذٰلِكَ، فَإِنَّ جُمْلَةً مِنَ ٱلْجَوَانِبِ تَبْقَى مُتَفَرِّدَةً – كَحَظْرِ ٱلتَّصْوِيرِ أَوْ وُجُوبِ تَثَبُّتِ ٱلْمَعْلُومَاتِ ٱلدِّينِيَّةِ – إِذْ تَعْكِسُ ٱلْمَنْظُورَ ٱلرُّوحِيَّ وَٱلْأَخْلَاقِيَّ ٱلْخَاصَّ لِلْإِسْلَامِ تُجَاهَ طَبِيعَةِ ٱلتِّقْنِيَاتِ.

وَيُظْهِرُ ٱلتَّقَابُلُ مَعَ ٱلْمِيثَاقَاتِ ٱلْعِلْمَانِيَّةِ لِأَخْلَقَةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ تَوَافُقًا فِي ٱلْغَايَاتِ – تَأْمِينُ ذَكَاءٍ عَادِلٍ وَآمِنٍ وَمَرْكُوزٍ عَلَى ٱلْإِنْسَانِ – مَعَ ٱخْتِلَافِ ٱلْوُجْهَاتِ. فَٱلْإِسْلَامُ يُقَدِّمُ حُقُوقَ ٱلْخَالِقِ إِلَى جَانِبِ حُقُوقِ ٱلْمَخْلُوقِ: فَيَنْبَغِي لِلتِّقْنِيَاتِ أَلَّا تُضَادَّ ٱلدِّينَ، بَلْ ٱلْأَفْضَلُ أَنْ تَنْفَعَهُ. وَهٰذِهِ ٱلْمَقَاصِدُ لَا تَرِدُ فِي ٱلْوَثَائِقِ ٱلْعِلْمَانِيَّةِ. وَفَضْلًا عَنْ ذٰلِكَ، يَسْعَى ٱلْمَنْهَجُ ٱلْإِسْلَامِيُّ إِلَى تَنْظِيمِ ٱلْجُزْئِيَّاتِ ٱلْخُلُقِيَّةِ ٱلدَّقِيقَةِ ٱلَّتِي قَدْ تَبْقَى «مِنْطِقَةً رَمَادِيَّةً» خَارِجَ ٱلدِّينِ (كَمَشْرُوعِيَّةِ أَنْوَاعٍ مُعَيَّنَةٍ مِنَ ٱلْمُحْتَوَى ٱلَّذِي لَا يَحْظُرُهُ ٱلْقَانُونُ وَلٰكِنْ يُذَمُّهُ ٱلشَّرْعُ). وَعَلَى ذٰلِكَ، فَإِنَّ «ٱلْمِيثَاقَ ٱلْإِسْلَامِيَّ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ: ٱلْمَبَادِئُ، ٱلْقَوَاعِدُ، وَٱلتَّطْبِيقُ ٱلْعَمَلِيُّ» يُثْرِي ٱلْأَجِنْدَةَ ٱلْأَخْلَاقِيَّةَ ٱلْعَالَمِيَّةَ بِعُمْقٍ مَبْنِيٍّ عَلَى مَبَادِئَ عَتِيدَةٍ. وَسَيَتَطَلَّبُ تَنْفِيذُهُ ٱلْعَمَلِيُّ جُهُودًا فِي تَطْبِيقِ ٱلْفِقْهِ عَلَى ٱلتِّقْنِيَاتِ ٱلْمُعَيَّنَةِ وَتَعَاوُنًا لَصِيقًا بَيْنَ ٱلْعُلَمَاءِ وَٱلْمُهَنْدِسِينَ. وَمَعَ ذٰلِكَ، فَقَدْ بَانَ جَلِيًّا أَنَّ ٱلِارْتِكَازَ إِلَى هٰذِهِ ٱلْمَبَادِئِ يُمَكِّنُ ٱلْعَالَمَ ٱلْإِسْلَامِيَّ مِنَ ٱلتَّقَدُّمِ ٱلْوَاثِقِ فِي عَصْرِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ دُونَ ٱلتَّنَازُلِ عَنْ قِيَمِهِ ٱلْأَصِيلَةِ، وَمَعَ تَحْقِيقِ ٱلْمَصْلَحَةِ لِلْأُمَّةِ وَلِلْإِنْسَانِيَّةِ كَافَّةً.

٢٫٣. مَبَادِئُ ٱلْأَخْلَاقِ ٱلْمُنْطَبِقَةُ عَلَى تَنْظِيمِ تِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ

فِي ٱلتَّقْلِيدِ ٱلْأَخْلَاقِيِّ ٱلْإِسْلَامِيِّ، يَشْغَلُ ٱلْأَخْلَاقُ (ٱلْأَخْلَاقُ) مَرْكَزًا أَسَاسِيًّا، إِذْ يُشَكِّلُ ٱلْعِمَادَ ٱلدَّاخِلِيَّ لِأَيِّ نَوْعٍ مِنَ ٱلنَّشَاطِ، وَمِنْهُ تَطْوِيرُ وَتَطْبِيقُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ. فَإِنَّ فَضَائِلَ ٱلتَّصَوُّفِ تُضْفِي عَلَى تَنْظِيمِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ أُسُسًا أَخْلَاقِيَّةً وَرُوحِيَّةً عَمِيقَةً، وَهِيَ مَفْقُودَةٌ فِي غَالِبِيَّةِ ٱلْمِيثَاقَاتِ ٱلْعِلْمَانِيَّةِ ٱلْمُعَاصِرَةِ.

١. ٱلصَّبْرُ — ٱلصُّمُودُ وَٱلثَّبَاتُ.

فِي ٱلتُّرَاثِ ٱلرُّوحِيِّ ٱلْإِسْلَامِيِّ يُعْتَبَرُ ٱلصَّبْرُ فَضِيلَةً أَسَاسِيَّةً، يَكْسِبُ بِهَا ٱلْمَرْءُ ٱلثَّبَاتَ ٱلدَّاخِلِيَّ وَٱلْقُدْرَةَ عَلَى مُوَاجَهَةِ ٱلِٱبْتِلَاءَاتِ وَٱلصِّعَابِ بِكَرَامَةٍ. وَلَيْسَ ٱلصَّبْرُ ٱسْتِسْلَامًا سَلْبِيًّا لِلظُّرُوفِ، بَلْ هُوَ مُوَاصَلَةٌ فَاعِلَةٌ وَمُوَجَّهَةٌ لِٱحْتِمَالِ ٱلِٱخْتِبَارَاتِ، وَضَبْطُ ٱلنَّفْسِ، وَعَدَمُ ٱلِٱنْسِيَاقِ وَرَاءَ ٱلْغَضَبِ أَوِ ٱلْيَأْسِ أَوِ ٱلْقَرَارَاتِ ٱلْمُتَعَجِّلَةِ. وَيَرَى ٱلْمُرْشِدُونَ ٱلصُّوفِيُّونَ أَنَّهُ دُونَ ٱلصَّبْرِ لَا يُمْكِنُ بُلُوغُ كَمَالِ ٱلْإِيمَانِ وَلَا أَرْفَعِ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ. وَيَشْمَلُ ٱلصَّبْرُ ثَلَاثَةَ أَبْعَادٍ: ٱلصَّبْرُ عِنْدَ ٱلْمَصَائِبِ، وَعِنْدَ أَدَاءِ ٱلْوَاجِبَاتِ، وَعِنْدَ ٱلِٱمْتِنَاعِ عَنِ ٱلْمُحَرَّمَاتِ.

فِي مَجَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَظْهَرُ مَبْدَأُ ٱلصَّبْرِ فِي عِدَّةِ جَوَانِبَ. فَفِي مَرْحَلَةِ تَصْمِيمِ ٱلْأَنْظِمَةِ وَتَدْرِيبِهَا يَتَطَلَّبُ ٱلْأَمْرُ نَهْجًا مُتَأَنِّيًا: فَٱلْمُطَوِّرُ يُوَاجِهُ كَثِيرًا مِنَ ٱلصُّعُوبَاتِ ٱلتِّقْنِيَّةِ وَيَحْتَاجُ إِلَى ٱلِٱخْتِبَارَاتِ ٱلْمُتَكَرِّرَةِ وَٱكْتِشَافِ ٱلْأَخْطَاءِ وَإِصْلَاحِهَا. وَيَطْلُبُ ٱلصَّبْرُ أَلَّا نُسَارِعَ فِي طَرْحِ نِظَامٍ غَيْرِ مُكْتَمِلٍ أَوْ غَيْرِ مُتْقَنٍ لِغَرَضٍ تِجَارِيٍّ، بَلْ تَحْسِينُ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ بِتَأَنٍّ وَمُوَاصَلَةٌ دَائِمَةٌ دُونَ إِحْبَاطٍ عِنْدَ ٱلْفَشَلِ. كَمَا يَجِبُ عَلَى ٱلْمُشَغِّلِينَ وَصَاحِبِي ٱلنِّظَامِ أَنْ يُدْرِكُوا أَنَّ تَطْوِيرَ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ مَسِيرَةٌ طَوِيلَةٌ، لَيْسَتْ مَهَمَّةً آنِيَّةً؛ وَٱلْأَعْطَالُ وَٱلْقُيُودُ لَا مَفَرَّ مِنْهَا، وَإِنَّمَا ٱلتَّحْسِينُ ٱلْمُتَدَرِّجُ هُوَ ٱلطَّرِيقُ إِلَى ٱلِٱسْتِقْرَارِ وَٱلسَّلَامَةِ. وَحَتَّى ٱلْمُسْتَخْدِمُونَ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَحْتَاجُونَ إِلَى ٱلصَّبْرِ فِي تَعَلُّمِ ٱلتِّقْنِيَاتِ ٱلْجَدِيدَةِ، وَٱلتَّكَيُّفِ مَعَ ٱلتَّحْدِيثَاتِ، وَٱلِٱعْتِيَادِ عَلَى ٱلْوَاجِهَاتِ ٱلْمُسْتَحْدَثَةِ.

فِي ٱلْمِيثَاقَاتِ ٱلْعِلْمَانِيَّةِ لَا يُذْكَرُ فِكْرَةُ ٱلصَّبْرِ كَفَضِيلَةٍ أَوْ كَمَطْلَبٍ لِلْمُطَوِّرِينَ وَٱلْمُسْتَخْدِمِينَ. فَٱلصَّبْرُ يُعْتَبَرُ فِي ٱلْغَالِبِ خَاصِّيَّةً شَخْصِيَّةً لَا مِعْيَارًا مِهْنِيًّا. أَمَّا فِي ٱلتَّرَاثِ ٱلْإِسْلَامِيِّ، فَٱلصَّبْرُ قِيمَةٌ فَاعِلَةٌ لِمَنْعِ ٱلضَّرَرِ وَٱلْقَرَارَاتِ ٱلْمُتَعَجِّلَةِ وَٱلِٱنْفِعَالِيَّةِ، وَهٰذَا أَمْرٌ جَوْهَرِيٌّ عِنْدَ تَطْوِيرِ وَٱسْتِعْمَالِ ٱلتِّقْنِيَاتِ ذَاتِ ٱلْمَخَاطِرِ ٱلْعَالِيَةِ.

٢. ٱلشُّكْرُ — ٱلِٱمْتِنَانُ.

ٱلشُّكْرُ (ٱلِٱمْتِنَانُ) هُوَ ٱلْإِدْرَاكُ ٱلدَّائِمُ وَٱلْإِقْرَارُ بِأَنَّ جَمِيعَ ٱلنِّعَمِ وَٱلْمَعَارِفِ وَٱلْإِمْكَانَاتِ صَادِرَةٌ عَنِ ٱلْعَلِيِّ ٱلْقَدِيرِ. وَفِي ٱلتَّصَوُّفِ يَكُونُ ٱلشُّكْرُ لَيْسَ مَجَرَّدَ شُعُورٍ، بَلْ حَالًا نَفْسِيًّا يُشَكِّلُ ٱلتَّوَاضُعَ، وَٱلِٱحْتِرَامَ لِلْآخَرِينَ، وَٱلْقُدْرَةَ عَلَى تَقْدِيرِ ٱلْقَلِيلِ قَبْلَ ٱلْكَثِيرِ. وَٱلشُّكْرُ ٱلْحَقِيقِيُّ مُرْتَبِطٌ لَا ٱنْفِصَامَ فِيهِ بِٱلْخِدْمَةِ ٱلْعَمَلِيَّةِ: فَإِنَّ ٱلْإِقْرَارَ بِٱلنِّعْمَةِ يَتَجَلَّى فِي أَفْعَالٍ مَوْجَّهَةٍ لِخَيْرِ ٱلنَّاسِ.

وَفِي سِيَاقِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَتَجَسَّدُ ٱلشُّكْرُ فِي جُمْلَةٍ مِنَ ٱلضَّوَابِطِ ٱلْمِهْنِيَّةِ وَٱلْأَخْلَاقِيَّةِ. فَٱلْمُطَوِّرُ ٱلَّذِي يُدْرِكُ أَنَّ ٱلْعِلْمَ وَٱلْمَهَارَةَ عَطَايَا لَا تَتَجَزَّأُ، يُظْهِرُ ٱلِٱحْتِرَامَ لِجُهُودِ ٱلزُّمَلَاءِ، وَيُثْبِتُ صَاحِبَ ٱلْحَقِّ فِي ٱلْحُلُولِ، وَلَا يَسْتَأْثِرُ بِمَحَاسِنِ غَيْرِهِ. وَتَدْفَعُهُ نِعْمَةُ ٱلِٱمْتِنَانِ إِلَى تَقَاسُمِ نَتَائِجِ ٱلْبُحُوثِ، وَنَشْرِ ٱلْبَيَانَاتِ، وَإِنْشَاءِ مُنْتَجَاتٍ بَرْمَجِيَّةٍ مَفْتُوحَةٍ (open-source) تَنْفَعُ ٱلْمُجْتَمَعَ ٱلْعِلْمِيَّ كُلَّهُ. وَيُبْدِي ٱلْمُشَغِّلُ أَوْ صَاحِبُ ٱلنِّظَامِ ٱلشُّكْرَ بِٱلْعَدْلِ مَعَ ٱلْفَرِيقِ، وَٱلِٱحْتِرَامِ لِلْمُسْتَخْدِمِينَ، وَبِٱلْإِدَارَةِ ٱلْمَسْؤُولَةِ لِسُلْطَةِ ٱلنُّفُوذِ عَلَى ٱلنِّظَامِ. وَيُظْهِرُ ٱلْمُسْتَخْدِمُ ٱلشُّكْرَ بِٱلِٱسْتِعْمَالِ ٱلْمُنْضَبِطِ لِلْإِمْكَانَاتِ، دُونَ إِسَاءَةٍ أَوْ تَعَدٍّ، وَدُونَ ٱلِٱسْتِخْفَافِ بِهَا كَأَنَّهَا أُمُورٌ مُسَلَّمَةٌ. فَيُسْهِمُ ٱلشُّكْرُ فِي بِنَاءِ ثَقَافَةِ تَوَاضُعٍ وَتَرَاحُمٍ فِي ٱلْبِيئَةِ ٱلْمِهْنِيَّةِ.

وَفِي غَالِبِ ٱلْمِيثَاقَاتِ ٱلْعِلْمَانِيَّةِ لَا يُصَاغُ مَبْدَأُ ٱلشُّكْرِ كَمُتَطَلَّبٍ لَازِمٍ. وَحَيْثُمَا وُجِدَ ٱلدَّعْوُ إِلَى ٱلِٱحْتِرَامِ وَتَقْدِيرِ ٱلْإِسْهَامَاتِ، فَإِنَّهُ يَرْتَبِطُ أَكْثَرَ بِٱعْتِبَارَاتٍ قَانُونِيَّةٍ أَوْ تِجَارِيَّةٍ (كَحُقُوقِ ٱلْمُؤَلِّفِ)، لَا بِمَوْقِفٍ بَاطِنِيٍّ لِلْفَرْدِ. أَمَّا ٱلْمَنْهَجُ ٱلْإِسْلَامِيُّ فَيُقَرِّرُ أَخْلَقِيَّةً «شَاكِرَةً» فِي ٱلْعَمَلِ، مِمَّا يُضْفِي عَلَى ٱلْعَمَلِيَّاتِ ٱلْجَمَاعِيَّةِ وَٱلتِّقْنِيَّةِ مَزِيدًا مِنَ ٱلِٱنْسِجَامِ وَٱلْعَدْلِ.

٣. ٱلتَّوَكُّلُ ـ ٱلِٱعْتِمَادُ عَلَى ٱللَّهِ.

ٱلتَّوَكُّلُ هُوَ ٱلثِّقَةُ بِٱللَّهِ مَعَ بَذْلِ جَمِيعِ ٱلْجُهُودِ ٱلْمُمْكِنَةِ لِتَحْقِيقِ ٱلنَّتِيجَةِ. وَلَيْسَ هُوَ ٱلْقَدَرِيَّةُ أَوِ ٱلسَّلْبِيَّةُ، بَلْ هُوَ ٱلثِّقَةُ ٱلْمُدْرَكَةُ بِأَنَّ بَعْدَ بَذْلِ ٱلْجُهْدِ يُحَدِّدُ مَصِيرَ ٱلْأَمْرِ ٱلْإِرَادَةُ ٱلْإِلٰهِيَّةُ. يُعَلِّمُنَا ٱلتَّوَكُّلُ ٱلتَّخَلُّصَ مِنَ ٱلْقَلَقِ ٱلزَّائِدِ وَٱلْكِبْرِ أَوِ ٱلْهَلَعِ أَمَامَ ٱلْإِخْفَاقَاتِ ٱلْمُحْتَمَلَةِ.

إِنَّ تَطْوِيرَ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ وَتَطْبِيقَهُ يَقْتَرِنَانِ دَائِمًا بِمُسْتَوًى عَالٍ مِنَ ٱلْغُمُوضِ وَٱلْمَخَاطِرِ. وَيَتَطَلَّبُ مَبْدَأُ ٱلتَّوَكُّلِ مِنَ ٱلْمُتَخَصِّصِينَ لَا فَقَطِ ٱلْعَمَلَ ٱلدَّقِيقَ وَٱلِٱلْتِزَامَ بِٱلْمَعَايِيرِ وَٱلْإِجْرَاءَاتِ، بَلْ أَيْضًا ٱلِٱسْتِسْلَامَ أَمَامَ تِلْكَ ٱلنَّتَائِجِ ٱلَّتِي تَخْرُجُ عَنْ نِطَاقِ ٱلسَّيْطَرَةِ ٱلْبَشَرِيَّةِ. وَهٰذَا يُسَاعِدُ عَلَى كَبْحِ أُوهَامِ قُدْرَةِ ٱلتِّكْنُولُوجِيَا ٱلْمُطْلَقَةِ، وَيَمْنَعُ تَحْوِيلَ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ إِلَى مَوْضُوعٍ جَدِيدٍ لِلْعِبَادَةِ، وَيُحَافِظُ عَلَى ٱلتَّوَازُنِ ٱلْأَخْلَاقِيِّ بَيْنَ ٱلتَّفَاؤُلِ وَٱلتَّرَوِّي. كَمَا يُسَاهِمُ ٱلتَّوَكُّلُ فِي تَخْفِيفِ ٱلضَّغْطِ ٱلنَّفْسِيِّ فِي فِرَقِ ٱلْعَمَلِ ٱلْمُنْشَغِلَةِ بِٱلتِّكْنُولُوجِيَاتِ عَالِيَةِ ٱلْمَخَاطِرِ، وَيُكَوِّنُ نَظْرَةً نَاضِجَةً إِلَى ٱلْأَخْطَاءِ وَٱلْأَعْطَالِ، وَيُلْزِمُ بِٱلْإِخْبَارِ ٱلْمَسْؤُولِ لِلْمُسْتَخْدِمِينَ عَنِ ٱلْمَخَاطِرِ ٱلْمُحْتَمَلَةِ.

إِنَّ ٱلْمِيثَاقَاتِ ٱلدُّنْيَوِيَّةَ تُبْنَى عَلَى فِكْرَةِ ٱلسَّيْطَرَةِ ٱلْبَشَرِيَّةِ ٱلْمُطْلَقَةِ وَنَادِرًا مَا تُنَاقِشُ ٱلْجَوَانِبَ ٱلنَّفْسِيَّةَ لِتَقَبُّلِ ٱلنَّتَائِجِ غَيْرِ ٱلْمُتَوَقَّعَةِ. أَمَّا مَبْدَأُ ٱلتَّوَكُّلِ فَيُسَاعِدُ عَلَى إِيجَادِ مُنَاخٍ نَفْسِيٍّ صَحِيٍّ وَتَوَاضُعٍ أَمَامَ حُدُودِ ٱلتَّقَدُّمِ ٱلتِّكْنُولُوجِيِّ.

٤. ٱلْقَنَاعَةُ ـ ٱلرِّضَا وَتَرْكُ ٱلِٱسْرَافِ.

ٱلْقَنَاعَةُ هِيَ ٱلرِّضَا بِمَا هُوَ مَوْجُودٌ وَٱلِٱمْتِنَاعُ ٱلْمُدْرَكُ عَنِ ٱلطُّمُوحَاتِ ٱلْمَادِّيَّةِ ٱلزَّائِدَةِ وَٱلسَّيْطَرَةِ. وَفِي ٱلتَّقْلِيدِ ٱلتَّصَوُّفِيِّ هِيَ طَرِيقٌ إِلَى ٱلسَّكِينَةِ ٱلدَّاخِلِيَّةِ وَٱلتَّحَرُّرِ مِنَ ٱلشَّهَوَاتِ ٱلَّتِي كَثِيرًا مَا تَكُونُ سَبَبًا فِي ٱلظُّلْمِ وَٱلْأَنَانِيَّةِ ٱلتِّكْنُولُوجِيَّةِ.

وَفِي تَنْظِيمِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ تَظْهَرُ ٱلْقَنَاعَةُ كَمَوْقِفٍ يُرَكِّزُ عَلَى ٱلِٱكْتِفَاءِ وَٱلتَّوْزِيعِ ٱلْأَخْلَاقِيِّ لِلْمَوَارِدِ. فَٱلْمُطَوِّرُونَ وَٱلْمُنَظَّمَاتُ ٱلْمُرْتَكِزَةُ عَلَى هٰذَا ٱلْمَبْدَأِ لَنْ يَسْتَخْدِمُوا ٱلذَّكَاءَ ٱلِصْطِنَاعِيَّ لِأَجْلِ ٱلرِّبْحِ ٱلِٱحْتِكَارِيِّ أَوْ لِلتَّلَاعُبِ بِٱلنَّاسِ، بَلْ سَيَكُونُ ٱلِٱهْتِمَامُ مُنْصَبًّا عَلَى ٱلْفَائِدَةِ وَٱلسَّلَامَةِ وَٱلْمَنْفَعَةِ ٱلْعَامَّةِ ٱلْحَقِيقِيَّةِ. كَمَا يَتَجَنَّبُ مُشَغِّلُو ٱلْأَنْظِمَةِ ٱلِٱسْتِغْلَالِيَّ لِبَيَانَاتِ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ، وَلَا يُحَوِّلُونَ ٱلذَّكَاءَ ٱلِصْطِنَاعِيَّ إِلَى أَدَاةٍ لِلسَّيْطَرَةِ ٱلشَّامِلَةِ. وَيَحْتَرِمُ ٱلْمُسْتَخْدِمُونَ فِي ٱلْمُقَابِلِ ٱلْحُدُودَ فِي طَلَبَاتِهِمْ، فَلَا يَطْلُبُونَ ٱلْمُسْتَحِيلَ وَلَا يَعْتَدُونَ عَلَى حُقُوقِ ٱلْآخَرِينَ بِسَبَبِ ٱلْجَشَعِ ٱلتِّكْنُولُوجِيِّ.

وَفِي غَالِبِ ٱلْمِيثَاقَاتِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ يَغِيبُ ٱلْقَيْدُ عَلَى «ٱلْجَشَعِ ٱلتِّكْنُولُوجِيِّ»، بَلْ يُشَجَّعُ عَلَى تَعْظِيمِ ٱلرِّبْحِ وَٱلنُّمُوِّ. أَمَّا ٱلْمَنْهَجُ ٱلْإِسْلَامِيُّ فِي ٱلرِّضَا فَيَضَعُ حُدُودًا أَخْلَاقِيَّةً، وَيَكْبَحُ ٱلْأَنَانِيَّةَ ٱلتِّكْنُولُوجِيَّةَ، وَيَضْمَنُ ٱلْعَدَالَةَ فِي تَوْزِيعِ ٱلْمَنْفَعَةِ.

٥. ٱلتَّقْوَى ـ خَشْيَةُ ٱللَّهِ.

ٱلتَّقْوَى هِيَ أَرْفَعُ صُوَرِ ٱلِٱحْتِرَازِ ٱلْأَخْلَاقِيِّ وَٱسْتِحْضَارِ ٱلْعَلِيِّ سُبْحَانَهُ فِي كُلِّ جُزْئِيَّاتِ ٱلْحَيَاةِ. وَفِي ٱلتَّقْلِيدِ ٱلتَّصَوُّفِيِّ، تُعَدُّ ٱلتَّقْوَى أَسَاسَ سَائِرِ ٱلْفَضَائِلِ: إِذْ يَسْتَشْعِرُ ٱلْإِنْسَانُ دَوْمًا مَسْؤُولِيَّتَهُ لَيْسَ فَقَطْ أَمَامَ ٱلنَّاسِ، بَلْ قَبْلَ ذٰلِكَ وَأَوَّلًا أَمَامَ ٱللَّهِ.

تَكْفُلُ ٱلتَّقْوَى ٱلِٱمْتِثَالَ ٱلْمُطْلَقَ لِلنُّظُمِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ حَتَّى فِي ٱلْحَالَاتِ ٱلَّتِي يَغِيبُ فِيهَا ٱلرَّقَابَةُ ٱلْخَارِجِيَّةُ. وَعِنْدَ تَصْمِيمِ أَنْظِمَةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ وَتَشْغِيلِهَا، يَفْرِضُ هٰذَا ٱلْمَبْدَأُ أَقْصَى دَرَجَاتِ ٱلصِّدْقِ، وَٱلشَّفَافِيَّةِ، وَٱحْتِرَامَ ٱلْخُصُوصِيَّةِ، وَتَرْكَ ٱلتَّلَاعُبَاتِ ٱلْخَفِيَّةِ. وَتُوَلِّدُ خَشْيَةُ ٱللَّهِ آلِيَّةً دَاخِلِيَّةً لِلسَّيْطَرَةِ عَلَى ٱلنَّفْسِ، فَتَمْنَعُ سُوءَ ٱسْتِعْمَالِ ٱلْبَيَانَاتِ، وَنَشْرَ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ ٱلضَّارَّةِ، وَتَجَاهُلَ ٱلتَّبِعَاتِ بَعِيدَةِ ٱلْمَدَى.

وَلَا يُمْكِنُ لِأَيِّ مِيثَاقٍ دُنْيَوِيٍّ أَنْ يُغْنِيَ عَنِ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ ٱلرُّوحِيَّةِ ٱلْعَمِيقَةِ أَمَامَ ٱلْمَرْجِعِيَّةِ ٱلْعُلْيَا. فَمَبْدَأُ ٱلتَّقْوَى يُمِدُّ بِدَافِعٍ رَاسِخٍ لِلِٱلْتِزَامِ بِٱلْمَعَايِيرِ حَتَّى فِي ٱلْحَالَةِ ٱلَّتِي لَا يُرَاقِبُ فِيهَا أَحَدٌ أَعْمَالَ ٱلْفَرْدِ أَوِ ٱلْمُنَظَّمَةِ.

٦. ٱلتَّوَاضُعُ ـ ٱلسَّمَاحَةُ وَٱلْحِلْمُ.

ٱلتَّوَاضُعُ هُوَ إِدْرَاكُ ٱلْإِنْسَانِ حُدُودَهُ، وَٱعْتِرَافُهُ بِٱفْتِقَارِهِ إِلَى ٱللَّهِ، وَٱحْتِرَامُهُ لِلنَّاسِ. وَيُعَدُّ ٱلتَّوَاضُعُ فِي ٱلتَّصَوُّفِ مِفْتَاحًا لِلنُّمُوِّ ٱلشَّخْصِيِّ وَٱلْقُدْرَةِ عَلَى قَبُولِ ٱلنَّصِيحَةِ وَٱلنَّقْدِ.

وَٱلتَّوَاضُعُ ضَرُورِيٌّ فِي جَمِيعِ مَرَاحِلِ دَوْرَةِ حَيَاةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ. فَٱلْمُطَوِّرُ ٱلَّذِي يُمَارِسُ ٱلتَّوَاضُعَ يَعْتَرِفُ دَائِمًا بِحُدُودِ مَعْرِفَتِهِ، وَيَرْجِعُ إِلَى آراءِ زُمَلَائِهِ وَٱلْخُبَرَاءِ فِي ٱلْمَجَالَاتِ ٱلْأُخْرَى، وَيُطَبِّقُ فِعْلِيًّا إِجْرَاءَاتِ ٱلتَّقْيِيمِ ٱلْجَمَاعِيِّ لِلْقَرَارَاتِ (ٱلشُّورَى). وَيَسْتَعِدُّ ٱلْمُشَغِّلُونَ لِلتَّعَلُّمِ وَتَحْسِينِ كَفَاءَاتِهِمْ، وَلَا يُخْفُونَ أَخْطَاءَهُمْ وَنَقَائِصَهُمْ. أَمَّا ٱلْمُسْتَخْدِمُ فَيَتَعَامَلُ مَعَ ٱلنِّظَامِ بِٱلِٱحْتِرَامِ، مُدْرِكًا أَنَّ ٱلتِّكْنُولُوجْيَا غَيْرُ كَامِلَةٍ وَتَحْتَاجُ دَائِمًا إِلَى ٱلتَّصْحِيحِ. وَيُعِينُ ٱلتَّوَاضُعُ ٱلْفَرَقَ عَلَى تَجَاوُزِ ٱلْخِلَافَاتِ، وَيُسَاعِدُ عَلَى ٱلصِّدْقِ فِي ٱلتَّقَارِيرِ وَٱلِٱنْفِتَاحِ أَمَامَ ٱلْمُجْتَمَعِ.

وَقَدْ تُصِيغُ ٱلْوَثَائِقُ ٱلْأَخْلَاقِيَّةُ ٱلدُّنْيَوِيَّةُ مُتَطَلَّبَاتٍ لِلْعَمَلِ ٱلْفَرِيقِيِّ، وَلَكِنَّهَا نَادِرًا مَا تُرَكِّزُ عَلَى ٱلتَّوَاضُعِ كَالْتِزَامٍ أَخْلَاقِيٍّ. أَمَّا فِي ٱلتُّرَاثِ ٱلْإِسْلَامِيِّ فَٱلتَّوَاضُعُ جُزْءٌ لَا يَتَجَزَّأُ مِنَ ٱلِٱحْتِرَافِيَّةِ.

٧. ٱلْإِخْلَاصُ ـ ٱلصِّدْقُ وَنَقَاءُ ٱلدَّوَافِعِ.

ٱلْإِخْلَاصُ هُوَ ٱلسَّعْيُ إِلَى نَقَاءِ ٱلنَّوَايَا وَخُلُوِّهَا مِنَ ٱلْأَهْدَافِ ٱلْخَفِيَّةِ وَٱلْمَصَالِحِ ٱلشَّخْصِيَّةِ. وَفِي ٱلتَّصَوُّفِ تُعَدُّ ٱلْإِخْلَاصُ عَلَامَةَ نُضْجِ ٱلنَّفْسِ ٱلَّتِي تَقْدِرُ عَلَى تَكْرِيسِ ذَاتِهَا لِخِدْمَةِ ٱلْمُجْتَمَعِ وَٱللَّهِ.

وَيَقْتَضِي ٱلْإِخْلَاصُ مُطَابَقَةَ ٱلْأَهْدَافِ ٱلْمُعْلَنَةِ لِعَمَلِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ مَعَ ٱلدَّوَافِعِ ٱلْحَقِيقِيَّةِ. فَعَلَى ٱلْمُطَوِّرِينَ أَلَّا يَقْتَصِرُوا عَلَى ٱلدَّعْوَى بِٱلْمَنْفَعَةِ لِلْمُجْتَمَعِ، بَلْ أَنْ يُحَقِّقُوا تِلْكَ ٱلْغَايَاتِ فِعْلًا: فَلَا يَسْتَعْمِلُونَ ٱلذَّكَاءَ ٱلِصْطِنَاعِيَّ لِلتَّلَاعُبِ، وَلَا يُخْفُونَ ٱلْآثَارَ ٱلْجَانِبِيَّةَ، وَلَا يُسِيئُونَ ٱسْتِغْلَالَ مَنَاصِبِهِمْ. وَيَتَجَلَّى ٱلْإِخْلَاصُ أَيْضًا فِي ٱلتَّدْقِيقِ ٱلذَّاتِيِّ ٱلْمُسْتَمِرِّ: بِٱلِٱعْتِرَافِ ٱلصَّادِقِ بِٱلْأَخْطَاءِ ٱلشَّخْصِيَّةِ، وَٱلشَّفَافِيَّةِ فِي ٱلتَّقَارِيرِ أَمَامَ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ وَٱلزُّمَلَاءِ وَٱلْجِهَاتِ ٱلتَّنْظِيمِيَّةِ.

وَفِي ٱلْمِيثَاقَاتِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ لَا تُفْحَصُ ٱلدَّوَافِعُ إِلَّا نَادِرًا، وَيُرَكَّزُ عَلَى ٱلنَّتَائِجِ. أَمَّا فِي ٱلتُّرَاثِ ٱلْإِسْلَامِيِّ فَإِنَّ ٱلْأَخْلَاقَ ٱلْحَقِيقِيَّةَ تَبْدَأُ مِنْ نَقَاءِ ٱلْبَوَاعِثِ ٱلدَّاخِلِيَّةِ، وَهٰذَا مَا يَكْفَلُ ٱلاِسْتِدَامَةَ عَلَى ٱلْمَدَى ٱلطَّوِيلِ وَٱلسَّلَامَةَ ٱلتِّكْنُولُوجِيَّةَ.

٨. ٱلْأَمَانَةُ ـ ٱلْمَسْؤُولِيَّةُ وَٱلثِّقَةُ.

ٱلْأَمَانَةُ هِيَ ٱلثِّقَةُ وَتَحَمُّلُ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ عَنِ ٱلْبَيَانَاتِ وَٱلْمَعْرِفَةِ وَٱلْإِمْكَانَاتِ. وَفِي ٱلْأَخْلَاقِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ تُعْتَبَرُ ٱلْأَمَانَةُ تَكْلِيفًا مُقَدَّسًا لَيْسَ فَقَطْ أَمَامَ ٱلْمُجْتَمَعِ بَلْ أَيْضًا أَمَامَ ٱللَّهِ.

فَٱلْبَيَانَاتُ وَٱلْقُدُرَاتُ ٱلْحِسَابِيَّةُ وَٱلْخَوَارِزْمِيَّاتُ كُلُّهَا مُودَعَةٌ لَدَى ٱلْمُخْتَصِّينَ لِحِفْظِهَا وَٱسْتِعْمَالِهَا فِيمَا يَنْفَعُ. وَيَجِبُ عَلَى صُنَّاعِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ مُرَاعَاةُ ٱلْخُصُوصِيَّةِ، وَحِمَايَةُ بَيَانَاتِ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ، وَأَلَّا تُسْتَعْمَلَ ٱلتِّكْنُولُوجْيَا عَلَى نَحْوٍ يُلْحِقُ ضَرَرًا بِٱلْمُجْتَمَعِ أَوْ بِٱلْأَطْرَافِ ٱلثَّالِثَةِ. وَتُوجِبُ ٱلْأَمَانَةُ ٱلِٱلْتِزَامَ بِجَمِيعِ ٱلتَّعَهُّدَاتِ وَٱلِٱلْتِزَامَاتِ ٱلْمِهْنِيَّةِ، وَٱلِٱمْتِثَالَ لِلْمَعَايِيرِ، وَضَمَانَ سَلَامَةِ ٱلنِّظَامِ، وَمَنْعَ كُلِّ صُوَرِ ٱلْإِهْمَالِ. وَيَتَحَمَّلُ ٱلْمُشَغِّلُونَ ٱلْمَسْؤُولِيَّةَ ٱلتَّامَّةَ عَنِ ٱلتَّشْغِيلِ ٱلصَّحِيحِ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونُوا مُسْتَعِدِّينَ لِلتَّدْقِيقَاتِ وَٱلتَّقَارِيرِ ٱلشَّفَّافَةِ.

وَإِنْ كَانَتِ ٱلْمِيثَاقَاتُ ٱلدُّنْيَوِيَّةُ تُضَيِّقُ مَدَى ٱلْأَمَانَةِ فِي إِطَارِ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ ٱلْقَانُونِيَّةِ، فَإِنَّ ٱلتُّرَاثَ ٱلْإِسْلَامِيَّ يُوَسِّعُهُ لِيَشْمَلَ ٱلْمَسْؤُولِيَّةَ ٱلرُّوحِيَّةَ وَٱلْأَخْلَاقِيَّةَ وَٱلِٱجْتِمَاعِيَّةَ.

٩. ٱلْعَدْلُ ـ ٱلْعَدَالَةُ.

ٱلْعَدْلُ (ٱلْعَدَالَةُ) هُوَ ٱشْتِرَاطُ ٱلْمُسَاوَاةِ وَٱنْتِفَاءِ ٱلِٱنْحِيَازِ، وَإِزَالَةُ ٱلتَّمْيِيزِ، وَتَحْقِيقُ تَوَازُنِ ٱلْمَصَالِحِ. وَفِي ٱلتَّصَوُّفِ تُعْتَبَرُ ٱلْعَدَالَةُ أَحَدَ أَرْقَى ٱلْمَبَادِئِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ.

فِي مَرْحَلَةِ ٱلتَّصْمِيمِ: تَوْزِيعٌ عَادِلٌ لِلْمَوَارِدِ، وَتَجَنُّبُ إِدْخَالِ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ ٱلْمُنْحَازَةِ (ٱلِٱنْحِيَازُ ‎(bias[93]))، وَمُرَاعَاةُ مَصَالِحِ ٱلْفِئَاتِ ٱلضَّعِيفَةِ. وَفِي مَرْحَلَةِ ٱلتَّطْبِيقِ: ضَمَانُ ٱلشَّفَافِيَّةِ فِي صُنْعِ ٱلْقَرَارِ، وَوُجُودُ آلِيَّاتٍ لِلتَّظَلُّمِ وَٱلتَّعْوِيضِ فِي حَالِ وُقُوعِ ٱلْخَطَإِ. وَخِلَالَ مَرْحَلَةِ ٱلتَّشْغِيلِ: مُرَاقَبَةٌ دَائِمَةٌ لِرَصْدِ أَيِّ تَمْيِيزٍ، وَضَمَانُ ٱلْوُصُولِ ٱلْمُتَكَافِئِ إِلَى ٱلتِّكْنُولُوجْيَا لِجَمِيعِ فِئَاتِ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ. وَتَقْتَضِي ٱلْعَدَالَةُ رِقَابَةً عَامَّةً وَإِنْشَاءَ مُؤَسَّسَاتِ تَدْقِيقٍ مُسْتَقِلَّةٍ.

وَعَلَى رَغْمِ حُضُورِ مَبْدَإِ ٱلْعَدَالَةِ صُورِيًّا فِي مُعْظَمِ ٱلْمِيثَاقَاتِ ٱلْمُعَاصِرَةِ، فَإِنَّ ٱلتَّصَوُّرَ ٱلْإِسْلَامِيَّ يَضُمُّ بُعْدًا رُوحِيًّا عَمِيقًا: أَيْ مَسْؤُولِيَّةً لَيْسَتْ قِبَلَ ٱلْمُجْتَمَعِ فَحَسْبُ، بَلْ قِبَلَ ٱللَّهِ أَيْضًا.

١٠. ٱلصِّدْقُ ـ ٱلصِّدْقُ وَٱلْأَمَانَةُ.

ٱلصِّدْقُ هُوَ ٱلِٱلْتِزَامُ ٱلدَّائِمُ بِٱلْحَقِّ، وَتَرْكُ ٱلْكَذِبِ وَٱلتَّلَاعُبِ وَتَحْرِيفِ ٱلْوَاقِعِ. وَفِي أَخْلَاقِ ٱلتَّصَوُّفِ يُعْتَبَرُ ٱلصِّدْقُ أَسَاسَ كُلِّ «أَخْلَاقٍ».

فِي مَرْحَلَةِ ٱلتَّصْمِيمِ: إِخْبَارٌ صَادِقٌ عَنِ إِمْكَانَاتِ ٱلنِّظَامِ وَحُدُودِهِ. وَفِي مَرْحَلَةِ ٱلتَّطْبِيقِ: ٱلِٱعْتِرَافُ ٱلْمَفْتُوحُ بِٱلْأَخْطَاءِ وَٱلْأَعْطَالِ (bugs[94])، وَتَرْكُ طَمْسِ ٱلتَّأْثِيرَاتِ ٱلسَّلْبِيَّةِ. وَفِي مَرْحَلَةِ ٱلتَّشْغِيلِ: تَقْدِيمُ بَيَانَاتٍ مُوَثَّقَةٍ، وَٱلشَّفَافِيَّةُ أَمَامَ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ وَٱلرُّقَبَاءِ، وَتَرْكُ ٱلتَّلَاعُبِ ٱلْخَفِيِّ أَوِ ٱسْتِبْدَالِ ٱلْمَفَاهِيمِ. فَٱلصِّدْقُ يُنْشِئُ ثِقَةَ ٱلْمُجْتَمَعِ بِٱلتِّكْنُولُوجْيَا وَصُنَّاعِهَا.

وَفِي ٱلْمِيثَاقَاتِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ تُنَاقَشُ ٱلصِّدْقِيَّةُ غَالِبًا فِي سِيَاقِ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ ٱلْقَانُونِيَّةِ أَوِ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلْجَوْدَوِيَّةِ، وَلَيْسَتْ كَوَاجِبٍ أَخْلَاقِيٍّ شَخْصِيٍّ عَمِيقٍ.

١١. ٱلْإِحْسَانُ ـ ٱلْإِفَادَةُ وَٱلسَّعْيُ إِلَى ٱلتَّكْمِيلِ.

ٱلْإِحْسَانُ هُوَ إِتْقَانُ كُلِّ عَمَلٍ غَايَةَ ٱلْإِتْقَانِ، مَعَ ٱلِٱعْتِنَاءِ بِٱلْآخَرِينَ، وَتَجَاوُزُ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلدُّنْيَا ٱلدُّنْيَا ٱلْحَدِّيَّةِ ٱلْمُقَرَّرَةِ. وَفِي ٱلْمُمَارَسَةِ ٱلتَّصَوُّفِيَّةِ لَيْسَ ٱلْإِحْسَانُ جَوْدَةَ ٱلْأَدَاءِ فَقَطْ، بَلْ هُوَ ٱلسَّعْيُ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَٱلتَّكْمِيلِ.

وَيَجِبُ أَنْ يَتَوَجَّهَ تَصْمِيمُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ وَتَنْفِيذُهُ لَا إِلَى مُجَرَّدِ ٱلِٱلْتِزَامِ بِٱلْمُتَطَلَّبَاتِ ٱلرَّسْمِيَّةِ، بَلْ إِلَى أَقْصَى مَا يُمْكِنُ مِنْ مَنْفَعَةٍ لِلْمُجْتَمَعِ. فَمَبْدَأُ ٱلْإِحْسَانِ يُلْزِمُ بِتَطْوِيرِ حُلُولٍ أَكْثَرَ فَاعِلِيَّةً، وَشَامِلَةً وَإِدْمَاجِيَّةً، وَمُتَاحَةً، وَآمِنَةً. وَيَتَجَسَّدُ ٱلْإِحْسَانُ ـ عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ ـ فِي ٱلدَّعْمِ ٱلِٱسْتِبَاقِيِّ لِلْمُسْتَخْدِمِينَ، وَٱلتَّحْدِيثَاتِ ٱلدَّوْرِيَّةِ لِلْأَنْظِمَةِ لِزِيَادَةِ نَفْعِهَا، لَا لِأَجْلِ ٱلرِّبْحِ فَحَسْبُ.

وَإِنْ كَانَتِ ٱلْمِيثَاقَاتُ ٱلدُّنْيَوِيَّةُ تَقْتَصِرُ عَلَى ٱلْمَعَايِيرِ ٱلدُّنْيَا ٱلضَّرُورِيَّةِ، فَإِنَّ ٱلْإِحْسَانَ يُلْزِمُ بِٱلسَّعْيِ دَائِمًا إِلَى ٱلْأَفْضَلِ، وَبِإِبْدَاءِ ٱلْمُبَادَرَةِ وَٱلرَّحْمَةِ.

١٢. ٱلرَّحْمَةُ ـ ٱلرِّفْقُ وَٱلْإِنْسَانِيَّةُ.

ٱلرَّحْمَةُ هِيَ ٱلْعَطْفُ ٱلشَّامِلُ، وَٱلْعِنَايَةُ، وَٱلتَّعَاطُفُ مَعَ جَمِيعِ ٱلْمَخْلُوقَاتِ. وَفِي ٱلتَّصَوُّفِ تُعَدُّ ٱلرَّحْمَةُ مِنْ أَسْمَى غَايَاتِ ٱلسُّلُوكِ ٱلرُّوحِيِّ.

وَتَتَجَلَّى ٱلرَّحْمَةُ عِنْدَ تَصْمِيمِ ٱلْأَنْظِمَةِ ٱلْقَادِرَةِ عَلَى مُسَاعَدَةِ ٱلْمُحْتَاجِينَ، وَتَقْدِيمِ ٱلدَّعْمِ لِلْفِئَاتِ ٱلضَّعِيفَةِ، وَتَقْلِيلِ ٱلْآثَارِ ٱلسَّلْبِيَّةِ إِلَى ٱلْحَدِّ ٱلْأَدْنَى. وَتَقْتَضِي ٱلرَّحْمَةُ مُرَاعَاةَ لَا ٱلْكِفَايَةِ ٱلتَّشْغِيلِيَّةِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا ٱلْحَالَةَ ٱلْوِجْدَانِيَّةَ لِلْمُسْتَخْدِمِينَ، وَمَنْعَ ٱلْأَذَى ٱلنَّفْسِيِّ وَٱلِٱجْتِمَاعِيِّ، وَأَنْ يُسْتَخْدَمَ ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ أَغْلَبَ ٱلْأَحْيَانِ فِي مَجَالَاتِ ٱلْخَيْرِيَّةِ وَٱلرِّعَايَةِ ٱلصِّحِّيَّةِ وَٱلتَّعْلِيمِ.

وَفِي ٱلْمِيثَاقَاتِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ تُذْكَرُ ٱلْإِنْسَانِيَّةُ بِصُورَةٍ مُجْمَلَةٍ، دُونَ تَرْكِيزٍ عَلَى ٱلرَّحْمَةِ كَدَافِعٍ غَالِبٍ، بَيْنَمَا تُعَدُّ ٱلرَّحْمَةُ فِي ٱلتُّرَاثِ ٱلْإِسْلَامِيِّ أَسَاسَ ٱلْأَخْلَاقِ.

١٣. ٱلْأَدَبُ وَٱلْحَيَاءُ ـ ٱلذَّوْقُ وَٱلتَّوَاضُعُ.

ٱلْأَدَبُ هُوَ قَوَاعِدُ ٱلسُّلُوكِ ٱلْمُحْتَرِمِ وَٱلصَّحِيحِ وَٱللَّائِقِ فِي جَمِيعِ مَجَالَاتِ ٱلْحَيَاةِ. وَٱلْحَيَاءُ هُوَ ٱلتَّوَاضُعُ وَٱلْعِفَّةُ وَٱلِٱنْضِبَاطُ فِي ٱلْأَفْعَالِ وَٱلْأَقْوَالِ. وَفِي أَخْلَاقِ ٱلتَّصَوُّفِ يُعْتَبَرُ أَنَّهُ لَا رُوحَانِيَّةَ حَقِيقِيَّةَ دُونَ ٱلْأَدَبِ وَٱلْحَيَاءِ.

وَفِي تَطْوِيرِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يَقْتَضِي مَبْدَأُ ٱلْأَدَبِ ٱلِٱبْتِعَادَ عَنْ إِنْشَاءِ خَوَارِزْمِيَّاتٍ أَوْ وَاجِهَاتٍ غَيْرِ لَائِقَةٍ أَوْ عُنْفِيَّةٍ أَوْ مُهِينَةٍ. وَيَفْرِضُ ٱلْحَيَاءُ تَرْشِيحَ ٱلْمُحْتَوَيَاتِ ٱلْمُنْحَرِفَةِ وَٱلْفَاحِشَةِ، وَٱلِٱعْتِنَاءَ بِحِفْظِ أَخْلَاقِ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ. وَتُلْزِمُ هٰذِهِ ٱلْمَبَادِئُ بِٱلتَّأَدُّبِ فِي ٱلتَّوَاصُلِ، وَإِيجَادِ بِيئَاتٍ رَقْمِيَّةٍ آمِنَةٍ، وَمَنْعِ نَشْرِ ٱلْمَسَابَّةِ وَٱلِٱفْتِرَاءِ وَٱلِٱبْتِزَازِ عَبْرَ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ.

وَفِي ٱلْمِيثَاقَاتِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ لَا يُعْتَبَرُ ٱلْأَدَبُ وَٱلْحَيَاءُ مِنَ ٱلْمُتَطَلَّبَاتِ ٱلضَّرُورِيَّةِ لِلْأَنْظِمَةِ أَوِ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ، بَيْنَمَا هُمَا فِي ٱلْمَنْظُورِ ٱلْإِسْلَامِيِّ جُزْءٌ أَصِيلٌ مِنَ ٱلْمَشْهَدِ ٱلْأَخْلَاقِيِّ.

١٤. ٱلْحِكْمَةُ ـ ٱلرُّشْدُ وَٱلتَّبَصُّرُ.

ٱلْحِكْمَةُ هِيَ ٱلْقُدْرَةُ عَلَى ٱسْتِشْرَافِ ٱلْعَوَاقِبِ، وَٱلْعُثُورِ عَلَى ٱلتَّوَازُنِ بَيْنَ ٱلِٱبْتِكَارِ وَٱلتَّقْلِيدِ، وَٱتِّخَاذِ ٱلْقَرَارَاتِ ٱلصَّحِيحَةِ فِي ٱلظُّرُوفِ ٱلْمُعَقَّدَةِ. وَٱلْحِكْمَةُ ثَمَرَةُ ٱلتَّجْرِبَةِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ وَٱلْعَقْلِيَّةِ.

وَتَفْرِضُ ٱلْحِكْمَةُ ٱلِٱقْتِرَابَ ٱلْمُتَرَوِّيَ مِنْ تَطْبِيقِ ٱلتِّكْنُولُوجِيَاتِ ٱلْجَدِيدَةِ، وَتَحْلِيلَ ٱلْمَخَاطِرِ، وَتَوَقُّعَ ٱلْعَوَاقِبِ ٱلْبَعِيدَةِ عَلَى ٱلْمُجْتَمَعِ وَٱلْفَرْدِ. وَيَسْتَلْزِمُ ذٰلِكَ ٱلِٱسْتِعَانَةَ بِٱلْعُلَمَاءِ فِي ٱلشَّرِيعَةِ وَٱلْأَخْلَاقِ وَٱلْقَانُونِ فِي جَمِيعِ مَرَاحِلِ دَوْرَةِ حَيَاةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ. وَلَا بُدَّ مِنَ ٱلِٱعْتِبَارِ لَا لِلْمَنْفَعَةِ ٱلْحَاضِرَةِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا لِلتَّهْدِيدَاتِ ٱلْمُحْتَمَلَةِ، وَإِنْشَاءِ آلِيَّاتٍ لِمَنْعِ ٱلضَّرَرِ.

وَنَادِرًا مَا تَشْتَرِطُ ٱلْمِيثَاقَاتُ ٱلدُّنْيَوِيَّةُ تَحْلِيلًا عَمِيقًا لِلْعَوَاقِبِ بِٱلِٱعْتِمَادِ عَلَى ٱلْمَعَايِيرِ ٱلْفَلْسَفِيَّةِ وَٱلْأَخْلَاقِيَّةِ، بَيْنَمَا يُصِرُّ ٱلتُّرَاثُ ٱلْإِسْلَامِيُّ عَلَى دَمْجِ ٱلْحِكْمَةِ كَعُنْصُرٍ مُكَوِّنٍ لِلْبِنَاءِ.

١٥. ٱلْمَسْؤُولِيَّةُ ـ ٱلْمُسَاءَلَةُ أَمَامَ ٱللَّهِ وَٱلنَّاسِ.

ٱلْمَسْؤُولِيَّةُ هِيَ ٱلتَّحَمُّلُ ٱلتَّامُّ لِلتَّبِعَاتِ أَمَامَ ٱلْعَلِيِّ سُبْحَانَهُ وَأَمَامَ ٱلْمُجْتَمَعِ. وَفِي ٱلتَّصَوُّفِ تُقْتَرِنُ ٱلْمُسَاءَلَةُ بِٱلصِّدْقِ وَٱلنَّقْدِ ٱلذَّاتِيِّ وَٱلِٱسْتِعْدَادِ لِتَقْدِيمِ حِسَابٍ عَنْ كُلِّ فِعْلٍ.

وَيَجِبُ عَلَى صُنَّاعِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ وَمُسْتَخْدِمِيهِ بِنَاءُ آلِيَّاتٍ وَاضِحَةٍ لِلتَّدْقِيقِ وَٱلتَّقَارِيرِ وَٱلرِّقَابَةِ ٱلْعَامَّةِ. وَتَقْتَضِي ٱلْمَسْؤُولِيَّةُ تَوْثِيقَ ٱلْقُيُودِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ، وَإِجْرَاءَ تَدْقِيقٍ دَاخِلِيٍّ وَخَارِجِيٍّ، وَإِطْلَاعَ ٱلْمُجْتَمَعِ عَلَى ٱلْأَهْدَافِ وَٱلْمَبَادِئِ وَٱلْمَخَاطِرِ فِي ٱسْتِعْمَالِ ٱلتِّكْنُولُوجْيَا. وَيَلْزَمُ كُلُّ مُشَارِكٍ فِي ٱلْعَمَلِيَّةِ ـ مِنَ ٱلْمُبَرْمِجِ إِلَى ٱلْمُسْتَخْدِمِ ـ أَنْ يَكُونَ مُسْتَعِدًّا لِلْمُحَاسَبَةِ لَيْسَ أَمَامَ ٱلْجِهَاتِ ٱلتَّنْظِيمِيَّةِ فَحَسْبُ، بَلْ أَيْضًا أَمَامَ ضَمِيرِهِ.

وَفِي ٱلْمِيثَاقَاتِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ يُرَكَّزُ ـ فِي ٱلْأَغْلَبِ ـ عَلَى ٱلْمُسَاءَلَةِ ٱلْقَانُونِيَّةِ، بَيْنَمَا يَشْمَلُ ٱلتُّرَاثُ ٱلْإِسْلَامِيُّ ٱلْمَسْؤُولِيَّةَ ٱلرُّوحِيَّةَ وَٱلْأَخْلَاقِيَّةَ ٱلَّتِي لَا تَنْحَصِرُ فِي إِطَارِ ٱلتَّشْرِيعِ ٱلرَّاهِنِ.

١٦. ٱلْإِحْسَانُ فِي ٱلْعَمَلِ ـ جَوْدَةُ ٱلْإِنْجَازِ.

إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ إِتْقَانَ ٱلْأَعْمَالِ ـ وَهٰذَا أَصْلٌ أَسَاسِيٌّ فِي أَخْلَاقِ ٱلْعَمَلِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ. فَٱلْإِحْسَانُ فِي ٱلْعَمَلِ يَعْنِي بُلُوغَ كُلِّ عَمَلٍ أَفْضَلَ حَالٍ، وَٱلِٱعْتِنَاءَ بِٱلتَّفَاصِيلِ، وَمَنْعَ ٱلتَّفْرِيطِ.

وَيَتَطَلَّبُ ذٰلِكَ أَعْلَى مُسْتَوًى مِنَ ٱلْجَوْدَةِ فِي تَصْمِيمِ أَنْظِمَةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ وَٱخْتِبَارِهَا وَتَنْفِيذِهَا وَصِيَانَتِهَا. فَكُلُّ مَرْحَلَةٍ تَسْتَوْجِبُ رَقَابَةً دَقِيقَةً، وَتَحْقِيقًا لِلْفَرَضِيَّاتِ، وَتَوْثِيقًا لِلتَّغْيِيرَاتِ، وَتَطْبِيقَ إِجْرَاءَاتِ ضَمَانِ ٱلْجَوْدَةِ (QA) على نَحْوٍ مُنْضَبِطٍ. وَإِنَّ ٱلسَّعْيَ إِلَى ٱلتَّكْمِيلِ يَكْفَلُ ٱلسَّلَامَةَ، وَيُقَلِّلُ مَخَاطِرَ ٱلْأَعْطَالِ وَٱلْأَذَى لِلْمُسْتَخْدِمِينَ.

وَفِي ٱلْمِيثَاقَاتِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ تُحَدَّدُ ٱلْجَوْدَةُ ـ فِي كَثِيرٍ مِنَ ٱلْأَحْيَانِ ـ بِمِقْيَاسَاتٍ اِقْتِصَادِيَّةٍ، بَيْنَمَا تَرْتَبِطُ ٱلْجَوْدَةُ فِي أَخْلَاقِنَا بِٱلتَّكْمِيلِ ٱلْأَخْلَاقِيِّ وَٱلسَّعْيِ إِلَى مَرْضَاةِ ٱللَّهِ.

١٧. ٱلشُّورَى ـ ٱلِٱسْتِشَارَةُ ٱلْجَمَاعِيَّةُ.

ٱلشُّورَى هِيَ ٱلِٱتِّخَاذُ ٱلْجَمَاعِيُّ لِلْقَرَارَاتِ، وَٱلِٱسْتِشَارَةُ، وَمَجْلِسُ ٱلْخُبَرَاءِ. وَفِي ٱلتُّرَاثِ ٱلْإِسْلَامِيِّ، يُعْتَبَرُ نِقَاشُ ٱلْقَضَايَا ٱلْمُعَقَّدَةِ مَعَ ٱلِٱعْتِبَارِ لِآرَاءِ ٱلِٱخْتِصَاصَاتِ ٱلْمُتَعَدِّدَةِ أَمْرًا وَاجِبًا.

وَيَنْبَغِي أَلَّا تُتَّخَذَ ٱلْقَرَارَاتُ ٱلْمُتَعَلِّقَةُ بِتَطْوِيرِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ وَتَطْبِيقِهِ وَتَشْغِيلِهِ عَلَى نَحْوٍ فَرْدِيٍّ، بَلْ مَعَ ٱسْتِقْطَابِ ٱلْخُبَرَاءِ فِي ٱلشَّرِيعَةِ وَٱلْأَخْلَاقِ وَبَرْمَجَةِ ٱلْحَاسُوبِ وَٱلْقَانُونِ وَٱلْعِلْمِ ٱلنَّفْسِيِّ وَسَائِرِ ٱلْأَطْرَافِ ٱلْمَعْنِيَّةِ. وَيُسَاهِمُ هٰذَا فِي تَقْلِيلِ ٱلْأَخْطَاءِ، وَتَكْوِينِ رُؤْيَةٍ شَامِلَةٍ لِلْمَشَاكِلِ، وَفِي دَمْجِ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ وَٱلتِّقْنِيَّةِ مَعًا.

وَفِي مُعْظَمِ ٱلْمِيثَاقَاتِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ تُعْتَبَرُ ٱلْجَمَاعِيَّةُ أَوِ ٱلْعَدِيدُ ٱلتَّخَصُّصَاتِ خِيَارًا اِخْتِيَارِيًّا، أَمَّا فِي ٱلْأَخْلَاقِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ فَٱلشُّورَى وَاجِبٌ دِينِيٌّ وَأَخْلَاقِيٌّ لَا يَجُوزُ إِخْلَالُهُ.

ٱلْخُلَاصَةُ عَلَى ٱلْفَصْلِ ٢.٣.

إِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ ٱلْمَبَادِئِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ ٱلْمَذْكُورَةِ لَا يُكْمِلُ نَقْصَ ٱلْمِيثَاقَاتِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ فَحَسْبُ، بَلْ يُنْشِئُ أَيْضًا أَسَاسًا بَاطِنِيًّا وَأَخْلَاقِيًّا وَٱجْتِمَاعِيًّا عَمِيقًا لِتَنْظِيمِ ٱلتِّكْنُولُوجِيَاتِ ٱلْمُعَاصِرَةِ. وَهٰذَا ٱلْمَنْهَجُ يَضْمَنُ لَا ٱلْأَمْنَ ٱلتِّقْنِيَّ فَحَسْبُ، بَلْ كَذٰلِكَ ٱلْأَمْنَ ٱلرُّوحِيَّ فِي تَطَوُّرِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لِخَيْرِ ٱلْمُجْتَمَعِ.

ٱلْخُلَاصَةُ عَلَى ٱلْفَصْلِ ٢

تَنَاسُبُ ٱلْمَبَادِئِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ مَعَ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ ٱلْمُعَاصِرَةِ فِي مَجَالِ أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ

فِي إِطَارِ ٱلتَّنْظِيمِ ٱلْأَخْلَاقِيِّ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ (ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ)، فَإِنَّ ٱلْمَعَايِيرَ ٱلْإِسْلَامِيَّةَ ـ سَوَاءٌ ٱنْدَرَجَتْ تَحْتَ ٱلْعَقِيدَةِ ٱلْمَاتُرِيدِيَّةِ، أَوِ ٱلْفِقْهِ ٱلْحَنَفِيِّ، أَوِ ٱلْأَخْلَاقِ (ٱلتَّصَوُّفِ) ـ تُوَافِقُ فِي كَثِيرٍ مِنَ ٱلْجَوَانِبِ ٱلْمَعَايِيرَ ٱلدُّنْيَوِيَّةَ ٱلْمُعَاصِرَةَ (UNESCO Recommendation on the Ethics of AI، وَقَانُونُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لِلِٱتِّحَادِ ٱلْأُورُوبِيِّ ‏(EU AI Act)، وَIEEE Ethically Aligned Design، وَISO/IEC 42001). غَيْرَ أَنَّهُ تَبْقَى بَيْنَهَا تَطَابُقَاتٌ مُهِمَّةٌ وَفُرُوقٌ جَذْرِيَّةٌ.

ٱلتَّطَابُقَاتُ وَمَوَاضِعُ ٱلتَّقَاطُعِ:

ـ إِنَّ مَبَادِئَ ٱلْعَدَالَةِ وَنَبْذِ ٱلتَّمْيِيزِ وَٱلْمَنْفَعَةِ ٱلْاِجْتِمَاعِيَّةِ (ٱلْمَصْلَحَةُ، وَٱلْعَدْلُ) لَهَا صَدًى فِي جَمِيعِ ٱلْمِيثَاقَاتِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ ٱلرَّئِيسَةِ (ٱلْيُونِسْكُو (UNESCO)، وَقَانُونُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لِلِٱتِّحَادِ ٱلْأُورُوبِيِّ ‏(EU AI Act)، وَIEEE، وَISO/IEC 42001). وَفِي ٱلْمَنْهَجَيْنِ يُؤَكَّدُ وُجُوبُ مَنْعِ ٱلضَّرَرِ، وَاحْتِرَامُ كَرَامَةِ ٱلْإِنْسَانِ، وَتَقْدِيمُ ٱلْمَصْلَحَةِ ٱلْعَامَّةِ.
ـ تُعَدُّ ٱلْمَسْؤُولِيَّةُ وَٱلشَّفَافِيَّةُ وَٱلْمُسَاءَلَةُ مُتَطَلَّبَاتٍ أَسَاسِيَّةً فِي ٱلشَّرِيعَةِ (ٱلْأَمَانَةُ، وَٱلصِّدْقُ، وَٱلْمَسْؤُولِيَّةُ) كَمَا هِيَ فِي ٱلْمَعَايِيرِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ (خُصُوصًا فِي ISO/IEC 42001 وَوَثَائِقِ IEEE).
ـ حِفْظُ ٱلْخُصُوصِيَّةِ وَٱلْحُقُوقِ ٱلْمَالِيَّةِ وَٱلْبَيَانَاتِ يُوَافِقُ مَبَادِئَ ٱلْفِقْهِ ٱلْحَنَفِيِّ (حِفْظُ ٱلدِّينِ وَٱلْعِرْضِ وَٱلْمَالِ، وَمِنْهُ حِفْظُ ٱلْمَالِ وَحِفْظُ ٱلْعِرْضِ) كَمَا يُوَافِقُ ٱلْمَعَايِيرَ ٱلدُّولِيَّةَ (ٱللَّائِحَةُ ٱلْعَامَّةُ لِحِمَايَةِ ٱلْبَيَانَاتِ ‏(GDPR)، وَISO/IEC 42001).
ـ ٱلشُّمُولُ وَٱحْتِرَامُ ٱلْفِئَاتِ ٱلضَّعِيفَةِ، وَكَذٰلِكَ ٱلِٱلْتِزَامُ بِٱلشَّفَافِيَّةِ وَقَابِلِيَّةِ ٱلشَّرْحِ فِي قَرَارَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، كُلُّ ذٰلِكَ مَذْكُورٌ فِي ٱلْمَرْجِعَيْنِ ٱلْإِسْلَامِيِّ وَٱلدُّنْيَوِيِّ.

ٱلْفُرُوقُ ٱلْجَذْرِيَّةُ:

ـ ٱلدَّوَافِعُ وَمَصَادِرُ ٱلْإِلْزَامِ: فِي ٱلْإِسْلَامِ تَنْبَنِي ٱلْمَبَادِئُ ٱلْأَخْلَاقِيَّةُ وَٱلْفِقْهِيَّةُ عَلَى ٱلْوَحْيِ، وَغَايَتُهَا ٱلْعُلْيَا مَرْضَاةُ ٱللَّهِ وَٱلِٱلْتِزَامُ بِٱلشَّرِيعَةِ. أَمَّا ٱلْمَعَايِيرُ ٱلدُّنْيَوِيَّةُ فَتَقُومُ عَلَى ٱلتَّوَافُقِ وَٱلْأُسُسِ ٱلْعَقْلَانِيَّةِ وَٱلْإِنْسَانِيَّةِ، وَتُسْتَمَدُّ إِلْزَامِيَّتُهَا مِنَ ٱتِّفَاقِ ٱلْبَشَرِ.
ـ مَبْدَأُ ٱلتَّوْحِيدِ وَٱلتَّحْذِيرُ مِنْ «تَأْلِيهِ ٱلتِّكْنُولُوجْيَا» (فَإِنَّ ٱلْكَمَالَ فِي ٱلْعِلْمِ وَٱلْقُدْرَةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ) يَغِيبُ عَنِ ٱلْمِيثَاقَاتِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ كَقَاعِدَةٍ عَقَدِيَّةٍ، بَيْنَمَا هُوَ أَسَاسٌ فِي ٱلْإِسْلَامِ لِأَيِّ تَنْظِيمٍ.
ـ ٱلْوَاجِبَاتُ ٱلدِّينِيَّةُ وَٱلرُّوحِيَّةُ (حِفْظُ ٱلدِّينِ، حِفْظُ ٱلْعَقْلِ، ٱلْأَخْلَاقُ، ٱلصَّبْرُ، ٱلتَّوَكُّلُ، وَغَيْرُهَا) فَرِيدَةٌ فِي ٱلتُّرَاثِ ٱلْإِسْلَامِيِّ وَلَا نَظِيرَ لَهَا مُبَاشِرٌ فِي ٱلْمِيثَاقَاتِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ. كَمَا تُوَجِّهُ ٱلدَّوَافِعُ ٱلدِّينِيَّةُ وَٱسْتِحْضَارُ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ وَٱلِٱعْتِبَارُ لِلْآخِرَةِ تَقْيِيمَ أَيِّ اِبْتِكَارٍ تِقْنِيٍّ.
ـ مَفْهُومُ ٱلْإِرَادَةِ ٱلْحُرَّةِ وَٱلْمَسْؤُولِيَّةِ ٱلشَّخْصِيَّةِ فِي ٱلْإِسْلَامِ يَشْمَلُ ٱلْمَسْؤُولِيَّةَ ٱلْمِتَافِيزِيقِيَّةَ أَمَامَ ٱللَّهِ، بَيْنَمَا تَقْتَصِرُ ٱلْمِيثَاقَاتُ ٱلدُّنْيَوِيَّةُ عَلَى ٱلْمَسْؤُولِيَّتَيْنِ ٱلْقَانُونِيَّةِ وَٱلْاِجْتِمَاعِيَّةِ.
ـ عَدَمُ جَوَازِ تَفْوِيضِ صِفَةِ «ٱلسُّوِيَّةِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ» لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ مَبْدَأٌ أَصِيلٌ فِي ٱلْإِسْلَامِ، عَلَى خِلَافِ بَعْضِ ٱلطَّرَائِقِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ ٱلَّتِي تُنَاقِشُ «ٱلشَّخْصِيَّةَ ٱلْقَانُونِيَّةَ» أَوْ «ٱلِٱسْتِقْلَالَ ٱلْأَخْلَاقِيَّ» لِلْأَنْظِمَةِ ٱلذَّكِيَّةِ.

وَبِذٰلِكَ، فَإِنَّ «ٱلْمِيثَاقَ» ٱلْإِسْلَامِيَّ يُغَطِّي جَمِيعَ ٱلْمَجَالَاتِ ٱلْأَسَاسِيَّةِ ٱلْمَوْضُوعَةِ فِي ٱلْمِعْيَارَاتِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ ٱلْمُعَاصِرَةِ، وَلٰكِنَّهُ يُقِيمُهَا عَلَى أَسَاسٍ آخَرَ جُمْلَةً ـ أَسَاسٍ رُوحِيٍّ وَدِينِيٍّ. فَبَيْنَمَا تُرَكِّزُ ٱلْمِيثَاقَاتُ ٱلدُّنْيَوِيَّةُ عَلَى حُقُوقِ ٱلْإِنْسَانِ وَٱلتَّوَافُقِ وَٱلْمَسْؤُولِيَّةِ ٱلتِّقْنِيَّةِ، تَرْفَعُ ٱلْمَعَايِيرُ ٱلْإِسْلَامِيَّةُ هٰذِهِ ٱلْمَسَائِلَ إِلَى مُسْتَوًى دِينِيٍّ وَأُخْرَوِيٍّ، فَتَرْبِطُ ٱلتَّقَدُّمَ ٱلتِّقْنِيَّ بِٱلْعِبَادَةِ وَخِدْمَةِ ٱللَّهِ. وَهٰذَا مَا يَجْعَلُ ٱلْمَنْهَجَ ٱلْإِسْلَامِيَّ شَامِلًا وَعَالَمِيًّا، وَمُتَّجِهًا لَا إِلَى خَيْرِ ٱلْإِنْسَانِ فَقَطْ، بَلْ إِلَى حِفْظِ أَسْمَى مَعَانِي ٱلْوُجُودِ أَيْضًا.

ٱلْفَصْلُ ٱلثَّالِثُ. مَشْرُوعُ «ٱلْمِيثَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ» وَتَطْبِيقُهُ

٣.١. ٱلْبِنْيَةُ وَٱلْمُحْتَوَى لِـ«ٱلْمِيثَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ»

إِنَّ تَطْوِيرَ قَاعِدَةٍ تَشْرِيعِيَّةٍ لِاسْتِعْمَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلْمُجْتَمَعِ ٱلْإِسْلَامِيِّ يَقْتَضِي مَقَارَبَةً شَامِلَةً نِظَامِيَّةً وَمُحَكَّمَةً عَقَدِيًّا، تَجْمَعُ بَيْنَ ٱلْأُصُولِ ٱلهَادِيَةِ لِلْعَقِيدَةِ ٱلْمَاتُرِيدِيَّةِ، وَٱلْقَوَاعِدِ ٱلْفِقْهِيَّةِ لِلْمَذْهَبِ ٱلْحَنَفِيِّ، وَٱلْمُوَجِّهَاتِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ لِـ«ٱلْأَخْلَاقِ». وَفِي ظِلِّ ٱلتَّطَوُّرِ ٱلسَّرِيعِ لِتِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ وَتَغَلْغُلِهَا فِي مُخْتَلِفِ مَجَالَاتِ حَيَاةِ ٱلْمُسْلِمِينَ، يُصْبِحُ مِنَ ٱلضَّرُورِيِّ بِنَاءُ «ٱلْمِيثَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ» عَلَى نَحْوٍ كُلِّيٍّ قَادِرٍ عَلَى دَمْجِ قِيَمِ ٱلْإِسْلَامِ ٱلْخَالِدَةِ مَعَ تَحَدِّيَاتِ ٱلْعَصْرِ ٱلرَّقْمِيِّ. وَهٰذَا ٱلْمِيثَاقُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى إِبْرَازِ ٱلْأُسُسِ ٱلْعَقَدِيَّةِ، بَلْ يُوَاءِمُ أَيْضًا ٱلْمَعَايِيرَ ٱلدُّوَلِيَّةَ لِأَخْلَقَةِ ٱلرَّقْمَنَةِ (ٱلْيُونِسْكُو (UNESCO)، وَIEEE، وَٱلِٱتِّحَادُ ٱلْأُورُوبِيُّ وَغَيْرُهَا) مَعَ ٱلِٱحْتِيَاجَاتِ ٱلْخَاصَّةِ لِلْمُجْتَمَعَاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ.

وَغَايَةُ هٰذَا ٱلْفَقْرَةِ تَبْرِيرُ وَتَكْشِيفُ بِنْيَةِ «ٱلْمِيثَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ» عَلَى نَحْوٍ نِظَامِيٍّ، وَتَحْدِيدُ مَنْطِقِ تَقْسِيمِهِ وَأُسُسِهِ ٱلدِّينِيَّةِ، وَإِبْرَازُ أَهَمِّيَّتِهِ ٱلتَّطْبِيقِيَّةِ لِمُخْتَلِفِ أَطْرَافِ دَوْرَةِ حَيَاةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ: ٱلْمُطَوِّرِينَ وَٱلْمُسْتَخْدِمِينَ وَٱلْخُبَرَاءَ ٱلدِّينِيِّينَ وَٱلْمُنَظَّمَاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ.

٣.١.١. ٱلْأُسُسُ ٱلْمَنْهَجِيَّةُ لِهَيْكَلَةِ ٱلْمِيثَاقِ

ٱنْطِلَاقًا مِنْ دِرَاسَةِ ٱلْمَصَادِرِ ٱلشَّرْعِيَّةِ (ٱلْقُرْآنُ وَٱلسُّنَّةُ وَٱلْإِجْمَاعُ وَٱلْقِيَاسُ)، وَمَعَ ٱلِٱعْتِبَارِ لِأُصُولِ ٱلْعَقِيدَةِ ٱلْمَاتُرِيدِيَّةِ، تَمَّ بِنَاءُ نِظَامٍ يُرَتِّبُ فِيهِ:
ـ ٱلْعَقِيدَةُ: تُحَدِّدُ ٱلْأُطُرَ ٱلْعَقَدِيَّةَ وَٱلْإِنْسَانِيَّةَ ٱلْمُوَجِّهَةَ لِلتِّقْنِيَاتِ ٱلرَّقْمِيَّةِ؛
ـ ٱلْفِقْهُ: يَضَعُ ٱلْحُدُودَ ٱلتَّشْرِيعِيَّةَ وَٱلْإِجْرَائِيَّةَ لِجَوَازِ أَوْ مَنْعِ ٱلْحُلُولِ ٱلتِّقْنِيَّةِ؛
ـ ٱلْأَخْلَاقُ (ٱلتَّصَوُّفُ): يُكَوِّنُ ٱلدَّافِعَ ٱلْأَخْلَاقِيَّ ٱلدَّاخِلِيَّ ٱلَّذِي يَكْفُلُ ٱلِٱلْتِزَامَ ٱلْوَعْيَ وَٱلِٱخْتِيَارِيَّ حَتَّى مَعَ غِيَابِ ٱلرِّقَابَةِ ٱلْخَارِجِيَّةِ.

وَبُنِيَ ٱلْمِيثَاقُ عَلَى مَبْدَإِ تَقْدِيمِ ٱلْمَقَايِيسِ ٱلدِّينِيَّةِ عَلَى ٱلتِّقْنِيَّةِ، تَأْكِيدًا لِأَنَّ كُلَّ مُنْجَزٍ تِقْنِيٍّ لَا يُقْبَلُ إِلَّا بِمَا يُوَافِقُ ٱلشَّرِيعَةَ. وَكَانَ مِنْ أَهَمِّ ٱلْأَهْدَافِ: دَفْعُ ٱلضَّرَرِ، وَحِفْظُ ٱلدِّينِ وَٱلنَّفْسِ وَٱلْعَقْلِ وَٱلْمَالِ وَٱلْعِرْضِ (مَقَاصِدُ ٱلشَّرِيعَةِ)، وَتَأْسِيسُ بِيئَةٍ مُسْتَدَامَةٍ لِلتَّطَوُّرِ ٱلْمَسْؤُولِ لِلِٱبْتِكَارِ فِي ٱلْمُجْتَمَعِ ٱلْإِسْلَامِيِّ.

٣.١.٢. ٱلْبِنْيَةُ ٱلْعَامَّةُ وَتَبْرِيرُ أَقْسَامِ ٱلْمِيثَاقِ

فِي ٱلصِّيغَةِ ٱلْخِتَامِيَّةِ لِـ«ٱلْمِيثَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ» تَمَّ إِقْرَارُ ٱلْأَقْسَامِ ٱلْأَسَاسِيَّةِ ٱلتَّالِيَةِ:

١) ٱلْأَحْكَامُ ٱلْعَامَّةُ.
٢) ٱلْمَبَادِئُ وَٱلْقِيَمُ ٱلْإِسْلَامِيَّةُ (عَلَى ثَلَاثَةِ ٱلطَّبَقَاتِ: ٱلْعَقِيدَةُ ٱلْمَاتُرِيدِيَّةُ، وَٱلْفِقْهُ ٱلْحَنَفِيُّ، وَٱلْأَخْلَاقُ).
٣) ٱلْمُتَطَلَّبَاتُ وَٱلْإِجْرَاءَاتُ ٱلْعَمَلِيَّةُ لِلتَّصْمِيمِ وَٱلتَّطْبِيقِ وَٱلتَّشْغِيلِ.
٤) آلِيَّاتُ ٱلرِّقَابَةِ وَٱلتَّدْقِيقِ وَتَحْدِيثِ ٱلْمِيثَاقِ.
٥) ٱلْأَحْكَامُ ٱلْخِتَامِيَّةُ وَآفَاقُ ٱلتَّطْوِيرِ.

١) ٱلْأَحْكَامُ ٱلْعَامَّةُ

يُشَكِّلُ هٰذَا ٱلْقِسْمُ ٱلْإِطَارَ ٱلْعَامَّ لِـ«ٱلْمِيثَاقِ»، فَيُحَدِّدُ ٱلْغَايَةَ وَٱلْمَهَامَّ وَمَجَالَ ٱلتَّطْبِيقِ، وَيُقَدِّمُ قَامُوسًا لِلْمُصْطَلَحَاتِ ٱلْأَسَاسِيَّةِ (مِثْلُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، ٱلسِّيَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ، مَقَاصِدُ ٱلشَّرِيعَةِ، وَغَيْرِهَا). كَمَا يُؤَكِّدُ مَبْدَأَ ٱلتَّطَوُّعِ وَٱلْمَسْؤُولِيَّةِ ٱلشَّخْصِيَّةِ. وَفِيهِ يُثْبَتُ ٱلْمَبْدَأُ ٱلْأَسَاسِيُّ وَهُوَ سِيَادَةُ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلشَّرْعِيَّةِ عِنْدَ تَطْبِيقِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ. وَيُذْكَرُ أَنَّ ٱسْتِعْمَالَ «ٱلْمِيثَاقِ» صَالِحٌ لِلْمُنْتَجَاتِ ٱلدِّينِيَّةِ وَٱلْمَدَنِيَّةِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ (ٱلْمَصَارِفُ، ٱلطِّبُّ عَنْ بُعْدٍ، ٱلتَّعْلِيمُ، وَغَيْرُهَا) وَكَذٰلِكَ لِلْمَشَارِيعِ ٱلْبَحْثِيَّةِ قَبْلَ عَرْضِهَا فِي ٱلْمَجَالِ ٱلْعَامِّ.

هٰذَا ٱلتَّصَوُّرُ يُوَافِقُ ٱلْمَبْدَأَ ٱلْإِسْلَامِيَّ فِي ٱلشَّفَافِيَّةِ وَٱلْوُضُوحِ: فَكُلُّ ٱلْمُشَارِكِينَ ـ مِنَ ٱلْمُطَوِّرِ إِلَى ٱلْمُسْتَخْدِمِ ـ يُعْلَمُونَ مُسْبَقًا بِٱلْأَهْدَافِ وَٱلْمَهَامِّ، وَيَقْبَلُونَ «ٱلْمِيثَاقَ» عَلَى أَسَاسٍ اِخْتِيَارِيٍّ وَمُدْرَكٍ.

٢) ٱلْمَبَادِئُ وَٱلْقِيَمُ ٱلْإِسْلَامِيَّةُ

يُعْتَبَرُ هٰذَا ٱلْقِسْمُ مَحْوَرَ «ٱلْمِيثَاقِ»، وَهُوَ أَوَّلُ مُحَاوَلَةٍ عَلَى ٱلنِّطَاقِ ٱلْعَالَمِيِّ فِي بِنَاءٍ ثُلَاثِيٍّ:

أ) مَبَادِئُ ٱلْعَقِيدَةِ ٱلْمَاتُرِيدِيَّةِ:
ـ ٱلتَّوْحِيدُ وَمَنْعُ «تَأْلِيهِ ٱلتِّقْنِيَاتِ»: فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ مَوْضُوعًا لِلتَّقْدِيسِ أَوْ بَدِيلًا عَنْ ٱلْإِرَادَةِ ٱلْإِلٰهِيَّةِ.
ـ ٱلْإِرَادَةُ ٱلْحُرَّةُ وَٱلْمَسْؤُولِيَّةُ ٱلشَّخْصِيَّةُ: كُلُّ قَرَارٍ يَتَعَلَّقُ بِٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ـ خَاصَّةً فِي ٱلشُّؤُونِ ٱلدِّينِيَّةِ وَٱلْأَخْلَاقِيَّةِ ـ يُتَّخَذُ مَعَ ٱسْتِحْضَارِ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ أَمَامَ ٱللَّهِ.
ـ دَوْرُ ٱلْعَقْلِ (ٱلْعَقْلُ) مَعَ ٱلْوَحْيِ: فَتُبْنَى ٱلْقَرَارَاتُ فِي مَجَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ عَلَى ٱلْأُسُسِ ٱلدِّينِيَّةِ وَٱلْعَقْلَانِيَّةِ مَعًا.
ـ طَبِيعَةُ ٱلْمَعْرِفَةِ وَصِحَّتُهَا: لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا مَا ثَبَتَ مِنَ ٱلْمَصَادِرِ ٱلْمُوَثَّقَةِ وَٱلْمُبَاحَةِ فِي تَدْرِيبِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ وَتَشْغِيلِهِ.
ـ ٱلْعَدَالَةُ وَمَبْدَأُ ٱلْقَدْرِ وَٱلْمَعْرُوفُ وَٱلْمُنْكَرُ: يُوَجَّهُ كُلُّ ٱلْعَمَلِ ٱلتِّقْنِيِّ نَحْوَ تَعْمِيمِ ٱلْمَنْفَعَةِ وَمَنْعِ ٱلضَّرَرِ.
ـ ٱلْحِكْمَةُ وَٱلِٱحْتِيَاطُ: كُلُّ تَطْبِيقٍ جَدِيدٍ يَجِبُ أَنْ يُسْبَقَ بِتَحْلِيلٍ دَقِيقٍ لِلْمَخَاطِرِ وَٱلْعَوَاقِبِ ٱلْبَعِيدَةِ.

ب) مَبَادِئُ ٱلْفِقْهِ ٱلْحَنَفِيِّ:
وَيَشْمَلُ هٰذَا ٱلْقِسْمُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ قَاعِدَةً فِقْهِيَّةً كُلِّيَّةً، مِنْهَا: قَاعِدَةُ ٱلنِّيَّةِ (ٱلنِّيَّةُ)، قَاعِدَةُ ٱلْإِبَاحَةِ، قَاعِدَةُ ٱلْيَقِينِ، قَاعِدَةُ دَفْعِ ٱلضَّرَرِ، قَاعِدَةُ ٱلتَّيْسِيرِ عِنْدَ ٱلْمَشَقَّةِ، قَاعِدَةُ ٱلضَّرُورَةِ، قَاعِدَةُ ٱلْمَغْفِرَةِ لِلْخَطَإِ، قَاعِدَةُ ٱلْعَدَالَةِ، قَاعِدَةُ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ، قَاعِدَةُ مُوَافَقَةِ ٱلْغَايَةِ وَٱلْوَسِيلَةِ، قَاعِدَةُ سَدِّ ٱلذَّرَائِعِ، قَاعِدَةُ تَقْدِيمِ ٱلْمَصْلَحَةِ عَلَى ٱلْمَفْسَدَةِ، قَاعِدَةُ ٱلِسْتِحْسَانِ، قَاعِدَةُ ٱلْقِيَاسِ، قَاعِدَةُ وُجُوبِ ٱلْوَسَائِلِ، قَاعِدَةُ ٱلرِّبْحِ مَعَ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ، قَاعِدَةُ ٱلْمُرَاقَبَةِ ٱلدَّائِمَةِ، قَاعِدَةُ دَفْعِ ٱلشَّرِّ، قَاعِدَةُ ٱلْفَرْضِ ٱلْكِفَايِيِّ، قَاعِدَةُ ٱلِٱحْتِيَاطِ فِي ٱلْمُشْتَبَهِ، وَقَاعِدَةُ ٱلتَّكْيِيفِ مَعَ ٱلزَّمَانِ وَٱلْمَكَانِ.

وَيُؤَكَّدُ خُصُوصًا أَنَّ ٱلْمِعْيَارَ ٱلْأَسَاسِيَّ لِجَوَازِ ٱسْتِعْمَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ هُوَ تَحْقِيقُ مَقَاصِدِ ٱلشَّرِيعَةِ: حِفْظُ ٱلدِّينِ وَٱلنَّفْسِ وَٱلْعَقْلِ وَٱلْمَالِ وَٱلْعِرْضِ.

ج) مَبَادِئُ ٱلْأَخْلَاقِ (ٱلتَّصَوُّفِ):
فِي ٱلْمُسْتَوَى ٱلثَّالِثِ يُرَكَّزُ عَلَى ٱلْفَضَائِلِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ: ٱلصَّبْرُ، وَٱلشُّكْرُ، وَٱلتَّوَكُّلُ، وَٱلْقَنَاعَةُ، وَٱلتَّقْوَى، وَٱلتَّوَاضُعُ، وَٱلْإِخْلَاصُ، وَٱلْأَمَانَةُ، وَٱلْعَدْلُ، وَٱلصِّدْقُ، وَٱلْإِحْسَانُ، وَٱلرَّحْمَةُ، وَٱلْأَدَبُ وَٱلْحَيَاءُ، وَٱلْحِكْمَةُ، وَٱلْمَسْؤُولِيَّةُ، وَٱلْإِحْسَانُ فِي ٱلْعَمَلِ، وَٱلشُّورَى.

وَبِهٰذَا، يُقِيمُ قِسْمُ «ٱلْمَبَادِئِ وَٱلْقِيَمِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ» مَجْمُوعَةً فَرِيدَةً تَجْمَعُ بَيْنَ ٱلْأُسُسِ ٱلْعَقَدِيَّةِ وَٱلْقَوَاعِدِ ٱلْفِقْهِيَّةِ وَٱلْفَضَائِلِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ، مُبَيِّنًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِعْطَاءُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ دَوْرَ ٱلْفَاعِلِ ٱلْأَخْلَاقِيِّ، وَمُؤَكِّدًا وُجُوبَ مُشَارَكَةِ ٱلْخُبَرَاءِ وَإِجْرَاءِ تَدْقِيقٍ مُنْتَظِمٍ لِضَمَانِ ٱلِٱمْتِثَالِ لِلْمَعَايِيرِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ.

٣) ٱلْمُتَطَلَّبَاتُ وَٱلْإِجْرَاءَاتُ ٱلْعَمَلِيَّةُ لِلتَّصْمِيمِ وَٱلتَّطْبِيقِ وَٱلتَّشْغِيلِ

هُنَا تُثْبَتُ ٱلْقَوَاعِدُ ٱلتَّفْصِيلِيَّةُ لِجَمِيعِ مَرَاحِلِ دَوْرَةِ حَيَاةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ:

ـ فِي مَرْحَلَةِ ٱلتَّصْمِيمِ: تَقْيِيمٌ شَرْعِيٌّ أَوَّلِيٌّ، وَتَحْلِيلُ ٱلْمَخَاطِرِ، وَمَبْدَأُ «حَلَالٌ by design»، وَٱشْتِرَاكُ ٱلْمُخْتَصِّينَ ٱلدِّينِيِّينَ.
ـ فِي ٱلتَّطْبِيقِ وَٱلتَّشْغِيلِ: تَدْقِيقٌ دِينِيٌّ أَخْلَاقِيٌّ، وَتَحَقُّقٌ مِنْ عَدَمِ وُجُودِ عَنَاصِرَ مُحَرَّمَةٍ، وَآلِيَّاتُ تَغْذِيَةٍ رَاجِعَةٍ، وَٱلشَّفَافِيَّةُ وَإِعْلَامُ ٱلْمُسْتَخْدِمِ، وَٱلِٱمْتِثَالُ لِمَعَايِيرِ حِمَايَةِ ٱلْبَيَانَاتِ (مَعَ مُرَاعَاةِ ٱلْقَوَانِينِ ٱلْمَحَلِّيَّةِ مِثْلَ ٱلْقَانُونِ ٱلْفِدِيرَالِيِّ ٱلرُّوسِيِّ رَقْمَ ١٥٢-FZ[96]).
ـ فِي ٱلرَّقَابَةِ وَٱلتَّحْدِيثِ: تَدْقِيقٌ دَاخِلِيٌّ وَخَارِجِيٌّ مُنْتَظِمٌ، وَخِبْرَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وَتَوْثِيقُ ٱلتَّغْيِيرَاتِ، وَوُجُودُ إِجْرَاءَاتٍ لِلتَّرَاجُعِ ٱلطَّارِئِ عَنِ ٱلتَّغْيِيرَاتِ، مَعَ تَحْسِينٍ مُسْتَمِرٍّ لِمَرَاشِحِ ٱلْمُحْتَوَى ٱلْمُحَرَّمِ.

تُطَبِّقُ هٰذِهِ ٱلْإِجْرَاءَاتُ فِكْرَةَ ٱلرِّقَابَةِ وَٱلتَّصْحِيحِ ٱلدَّائِمَيْنِ عَلَى نَحْوٍ يُجَسِّدُ «ٱلْمُرَاقَبَةَ» ٱلْإِسْلَامِيَّةَ ـ أَيْ ٱلرِّعَايَةَ ٱلدَّاخِلِيَّةَ وَٱلْخَارِجِيَّةَ لِٱلِٱمْتِثَالِ لِلْمَعَايِيرِ ٱلدِّينِيَّةِ وَٱلْأَخْلَاقِيَّةِ.

٤) آلِيَّاتُ ٱلرِّقَابَةِ وَٱلتَّدْقِيقِ وَتَحْدِيثِ «ٱلْمِيثَاقِ»

فِي هٰذَا ٱلْقِسْمِ يُحَدَّدُ مَا يَلِي:

ـ إِنْشَاءُ مُؤَسَّسَةِ «مُفَوَّضٍ شَرْعِيٍّ» (أَوْ لَجْنَةٍ) لِمَعَايِيرِ ٱلْإِسْلَامِ فِي تَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ تَتْبَعُ لِلْمُنَظَّمَاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ؛
ـ إِدَارَةُ سِجِلٍّ مَفْتُوحٍ لِلْحُلُولِ ٱلذَّكِيَّةِ ٱلْمُعْتَمَدَةِ شَرْعًا؛
ـ تَطْوِيرُ صِيَغٍ لِلتَّدْرِيبِ ٱلدَّوْرِيِّ وَتَبَادُلِ ٱلْخِبْرَاتِ بَيْنَ ٱلْمُخْتَصِّينَ ٱلتِّقْنِيِّينَ وَٱلْمُتَخَصِّصِينَ فِي ٱلشَّرِيعَةِ وَٱلْمُدَقِّقِينَ؛
ـ تَقْرِيرُ إِجْرَاءَاتِ مُرَاجَعَةِ «ٱلْمِيثَاقِ» وَتَحْيِينِهِ وِفْقًا لِلتَّطَوُّرِ ٱلتِّقْنِيِّ وَفَتَاوَى ٱلْعُلَمَاءِ ٱلْمُعَاصِرِينَ.

٥) ٱلْأَحْكَامُ ٱلْخِتَامِيَّةُ وَآفَاقُ ٱلتَّطْوِيرِ

يُؤَكِّدُ ٱلْقِسْمُ ٱلْأَخِيرُ عَلَى ٱلتَّوَافُقِ بَيْنَ ٱلِٱبْتِكَارَاتِ وَٱلْقِيَمِ ٱلْخَالِدَةِ لِلْإِسْلَامِ، وَتَعْزِيزِ ٱلثِّقَةِ دَاخِلَ ٱلْأُمَّةِ، وَتَعَاوُنِ ٱلْمَذَاهِبِ، وَٱلِٱنْفِتَاحِ عَلَى ٱلِٱسْتِكْمَالِ ٱلْمُسْتَمِرِّ لِـ«ٱلْمِيثَاقِ» تَعَاطِيًا مَعَ تَحَدِّيَاتِ ٱلزَّمَنِ (مِثْلَ مَسَائِلِ ٱلتَّرَانْسْهُومَانِيَّةِ، وَٱلْأَنْظِمَةِ ٱلْمُسْتَقِلَّةِ، وَٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلطِّبِّ وَٱلْبِيُوتِكْنُولُوجْيَا، وَغَيْرِهَا). وَيُقَرُّ بِوُجُوبِ ٱلتَّحْدِيثِ ٱلدَّائِمِ وَتَكْيِيفِ ٱلْمُقْتَضَيَاتِ وَٱلْقَوَاعِدِ ـ عَلَى أَسَاسِ ٱلْقَاعِدَةِ ٱلْكُلِّيَّةِ فِي مُرَاعَاةِ ٱلزَّمَانِ وَٱلْمَكَانِ.

٣.١.٣. ٱلتَّبْرِيرُ وَفَرَادَةُ ٱلْمَقَارَبَةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ

يَمْتَازُ «ٱلْمِيثَاقُ ٱلْإِسْلَامِيُّ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ» عَنِ ٱلْغَالِبِ مِنَ ٱلْمِيثَاقَاتِ ٱلسَّائِدَةِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ لَا بِٱلتَّعَمُّقِ فِي ٱلْمَصَادِرِ ٱلْفِقْهِيَّةِ وَٱلْعَقَدِيَّةِ فَحَسْبُ، بَلْ أَيْضًا بِدَمْجِ مُوَجِّهَاتٍ أَخْلَاقِيَّةٍ لَا تَخْضَعُ لِلتَّقْنِينِ ضِمْنَ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ. فَمِثْلُ هٰذِهِ ٱلْفِئَاتِ: «حَلَالٌ» وَ«حَرَامٌ»، وَمَقَاصِدُ ٱلشَّرِيعَةِ، وَٱلْإِخْلَاصُ، وَخَشْيَةُ ٱللَّهِ، وَٱلْمَسْؤُولِيَّةُ أَمَامَ ٱلْعَلِيِّ، تَتَجَاوَزُ ٱلْمَفَاهِيمَ ٱلدُّنْيَوِيَّةَ لِلْحَقِّ وَٱلْأَخْلَاقِ، وَتُشَكِّلُ مَجَالًا فَرِيدًا لِتَنْظِيمِ ٱلتِّقْنِيَاتِ فِي ٱلْمُجْتَمَعِ ٱلْإِسْلَامِيِّ.

وَإِضَافَةً إِلَى ذٰلِكَ، تَتَّسِمُ ٱلْمَقَارَبَةُ ٱلْإِسْلَامِيَّةُ بِدَرَجَةٍ عَالِيَةٍ مِنَ ٱلْمَرُونَةِ (ٱلِسْتِحْسَانُ، وَٱلْقِيَاسُ، وَٱعْتِبَارُ ٱلْعُرْفِ وَظُرُوفِ ٱلزَّمَانِ وَٱلْمَكَانِ)، مِمَّا يُمَكِّنُ مِنْ تَكْيِيفِ «ٱلْمِيثَاقِ» سَرِيعًا مَعَ ٱلتَّحَدِّيَاتِ ٱلتِّقْنِيَّةِ ٱلْمُسْتَجِدَّةِ دُونَ ٱلْإِخْلَالِ بِٱلشَّرْعِيَّةِ ٱلْعِلْمِيَّةِ وَٱلتَّوَافُقِ مَعَ ٱلْمَصَادِرِ ٱلْكَلَاسِيكِيَّةِ.

٣.١.٤. ٱلتَّحْلِيلُ ٱلْمُقَارِنُ مَعَ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلدُّوَلِيَّةِ

عِنْدَ إِعْدَادِ «ٱلْمِيثَاقِ» تَمَّ إِجْرَاءُ تَحْلِيلٍ مُقَارِنٍ دَقِيقٍ مَعَ أَهَمِّ ٱلْوَثَائِقِ ٱلدُّوَلِيَّةِ (ٱلْيُونِسْكُو (UNESCO)، وَIEEE[97]، وَٱلِٱتِّحَادِ ٱلْأُورُوبِيِّ وَغَيْرِهِ):

ـ إِنَّ مَبَادِئَ مَرْكَزِيَّةِ ٱلْإِنْسَانِ، وَٱلْعَدَالَةِ، وَٱلشَّفَافِيَّةِ، وَمَنْعِ ٱلضَّرَرِ، وَٱلْخُصُوصِيَّةِ، وَٱلْمُسَاءَلَةِ، وَٱلشُّمُولِ ٱلْمَنُوصِ عَلَيْهَا فِي وَثَائِقِ ٱلْيُونِسْكُو وَIEEE، مُتَّسِقَةٌ مَعَ ٱلْأُصُولِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ؛ غَيْرَ أَنَّ «ٱلْمِيثَاقَ» يُوَسِّعُهَا وَيُعَمِّقُهَا بِإِدْخَالِ مَقُولَاتِ ٱلطَّهَارَةِ ٱلرُّوحِيَّةِ، وَٱلْحَلَالِ وَٱلْحَرَامِ، وَٱلْأَمَانَةِ، وَٱلْإِحْسَانِ.
ـ عَلَى خِلَافِ ٱلنَّمَاذِجِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ، يُؤَكِّدُ «ٱلْمِيثَاقُ» أَنَّ ٱلْمَسْؤُولِيَّةَ ٱلْخِتَامِيَّةَ تَقَعُ عَلَى ٱلْإِنْسَانِ لَا عَلَى ٱلْخَوَارِزْمِيَّةِ، وَأَنَّ كُلَّ قَرَارٍ ذِي دَلَالَةٍ دِينِيَّةٍ لَا يُصْدَرُ إِلَّا بِمُشَارَكَةِ عَالِمٍ مُؤَهَّلٍ أَوْ مَجْلِسِ شُورَى شَرْعِيٍّ.
ـ إِقْرَارُ إِجْرَاءَاتٍ خَاصَّةٍ لِتَرْشِيحِ ٱلْمُحْتَوَى ٱلْمُحَرَّمِ، وَإِلْزَامُ ٱلتَّحَقُّقِ ٱلدِّينِيِّ مِنْ مَصَادِرِ ٱلْبَيَانَاتِ، وَتَدْرِيبُ ٱلنَّمَاذِجِ عَلَى مَجْمُوعَاتِ بَيَانَاتٍ «حَلَالٍ»، يُمَثِّلُ فَارِقًا جَوْهَرِيًّا عَنْ تَوْصِيَاتِ ٱلْمُنَظِّمِينَ ٱلدُّنْيَوِيِّينَ.

٣.١.٥. مَبَادِئُ ٱلتَّطْبِيقِ: مِنَ ٱلنَّظَرِيَّةِ إِلَى ٱلْمُمَارَسَةِ

لِتَقْيِيمِ قَابِلِيَّةِ «ٱلْمِيثَاقِ» لِلتَّطْبِيقِ ٱلْعَمَلِيِّ، تَمَّتِ ٱلْاِسْتِفَاضَةُ فِي تَجْرِبَةٍ تَطْبِيقِيَّةٍ لِرُوبُوتٍ مُحاوِرٍ شَرْعِيٍّ (شات-بوت شَرْعِيّ) لِلِٱسْتِشَارَاتِ ٱلشَّرْعِيَّةِ (أُنْظُرِ ٱلْمُلْحَقَ رَقْمَ ٢). وَيُطَبِّقُ هٰذَا ٱلْمَشْرُوعُ بِنْيَةَ «تَوْلِيدٍ مُعَزَّزٍ بِٱلِٱسْتِرْجَاعِ (RAG)» مَعَ تَرْشِيحٍ دِينِيٍّ مُتَعَدِّدِ ٱلْمُسْتَوَيَاتِ، وَرَقَابَةِ ٱلْجَوْدَةِ، وَتَغْذِيَةٍ رَاجِعَةٍ مُنْتَظِمَةٍ. وَقَدْ بَيَّنَتِ ٱلْخِبْرَةُ ٱلتَّطْبِيقِيَّةُ أَنَّ ٱلْمَبَادِئَ ٱلْمَصُوغَةَ يُمْكِنُ تَجْسِيدُهَا فِي ٱلشِّفْرَةِ وَتَرْشِيحَاتِ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ وَٱلْإِجْرَاءَاتِ ٱلتَّنْظِيمِيَّةِ، وَأَنَّ مُشَارَكَةَ ٱلْخُبَرَاءِ ٱلدِّينِيِّينَ فِي جَمِيعِ ٱلْمَرَاحِلِ تُحَقِّقُ دَرَجَةً عَالِيَةً مِنَ ٱلثِّقَةِ لَدَى ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ وَٱلْمُؤَسَّسَاتِ ٱلدِّينِيَّةِ.

وَيَدُلُّ تَحْلِيلُ ٱلدِّرَاسَاتِ ٱلتَّطْبِيقِيَّةِ (ٱلْمَصَارِفُ ٱلْإِسْلَامِيَّةُ، وَمَنَصَّاتُ ٱلطِّبِّ عَنْ بُعْدٍ، وَٱلْأَنْظِمَةُ ٱلتَّعْلِيمِيَّةُ، وَٱلْمُدُنُ ٱلذَّكِيَّةُ) عَلَى شُمُولِيَّةِ ٱلْبِنْيَةِ ٱلْمُقْتَرَحَةِ لِـ«ٱلْمِيثَاقِ» وَقَابِلِيَّتِهَا لِلتَّكْيِيفِ مَعَ مَجَالَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَهُوَ مَا تُثْبِتُهُ خَلَاصَاتُ ٱلْفَصْلَيْنِ ١ وَ٢ مِنَ ٱلْعَمَلِ.

٣.١.٦. ٱلْأَهَمِّيَّةُ لِلْمُجْتَمَعِ ٱلْإِسْلَامِيِّ وَٱلْخُطُوَاتُ ٱلتَّالِيَةُ

يَقْدِرُ «ٱلْمِيثَاقُ ٱلْإِسْلَامِيُّ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ» ـ إِذْ يَرْتَكِزُ عَلَى ٱلْأَسَاسِ ٱلثُّلَاثِيِّ: ٱلْعَقِيدَةِ وَٱلْفِقْهِ وَٱلْأَخْلَاقِ ـ أَنْ يُوَفِّرَ:

ـ شَرْعَنَةً حَقِيقِيَّةً دِينِيَّةً وَٱجْتِمَاعِيَّةً لِلْحُلُولِ ٱلرَّقْمِيَّةِ؛
ـ حِمَايَةَ مَصَالِحِ ٱلْفَرْدِ وَٱلْأُسْرَةِ وَٱلْمُجْتَمَعِ؛
ـ تَقْلِيلَ مَخَاطِرِ ٱلِٱنْتِهَاكَاتِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ وَٱلْإِنْسَانِيَّةِ فِي عَصْرِ ٱلرَّقْمَنَةِ؛
ـ إِمْكَانِيَّةَ ٱلتَّكَامُلِ مَعَ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلدُّوَلِيَّةِ دُونَ فَقْدِ ٱلْأَصَالَةِ ٱلدِّينِيَّةِ؛
ـ تَكْوِينَ تَخَصُّصٍ عِلْمِيٍّ جَدِيدٍ: «ٱلْعَقِيدَةُ وَٱلشَّرِيعَةُ لِلتِّقْنِيَاتِ».

وَتَتَلَخَّصُ ٱلْخُطُوَاتُ ٱلتَّالِيَةُ فِي إِنْشَاءِ وَتَأْسِيسِ مَرَاكِزَ إِسْلَامِيَّةٍ مُخْتَصَّةٍ لِٱلْخِبْرَةِ ٱلتِّقْنِيَّةِ، وَٱلتَّدْرِيبِ ٱلدَّائِمِ لِلْكَوَادِرِ، وَٱلتَّعَاوُنِ ٱلدُّوَلِيِّ، وَتَحْدِيثِ «ٱلْمِيثَاقِ» بِصُورَةٍ مُنْتَظِمَةٍ وَفْقَ تَطَوُّرِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ وَتَرَاكُمِ ٱلْقَضَايَا ٱلشَّرْعِيَّةِ ٱلْجَدِيدَةِ.

٣.٢. ٱلْمَنْهَجِيَّةُ وَنَتَائِجُ ٱلِٱسْتِفْضَاءِ: مِثَالُ (شات-بوت شَرْعِيّ)

٣.٢.١. ٱلْمُقَدِّمَةُ: ٱلْأَهَمِّيَّةُ ٱلتَّطْبِيقِيَّةُ لِلْاِسْتِفْضَاءِ

فِي ٱلْفِقْرَةِ ٱلسَّابِقَةِ تَمَّ تَفْصِيلُ مَشْرُوعِ «ٱلْمِيثَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ» ـ وَهُوَ وَثِيقَةٌ تَشْرِيعِيَّةٌ فَرِيدَةٌ تَدْمِجُ ٱلْمُوَجِّهَاتِ ٱلْعَقَدِيَّةَ وَٱلْفِقْهِيَّةَ وَٱلْأَخْلَاقِيَّةَ فِي نِظَامٍ وَاحِدٍ لِتَنْظِيمِ ٱلتِّقْنِيَاتِ ٱلْمُسْتَجِدَّةِ. وَلَكِنْ، لِتَقْيِيمِ صَلَابَةِ هٰذَا ٱلتَّوَجُّهِ، وَمُطَابَقَتِهِ لِمَقَاصِدِ ٱلشَّرِيعَةِ وَمُتَطَلَّبَاتِ ٱلْأُمَّةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ، يُعْتَبَرُ ٱلِٱسْتِفْضَاءُ ٱلتَّطْبِيقِيُّ عَلَى حَالَاتٍ تِقْنِيَّةٍ مُحَدَّدَةٍ أَمْرًا حَاسِمًا. وَمِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ، وُضِعَتْ مُهِمَّةُ تَطْوِيرِ وَاخْتِبَارِ (شات-بوت شَرْعِيّ) ـ وَهُوَ مُسَاعِدٌ ذَكِيٌّ قَادِرٌ عَلَى ٱلرَّدِّ عَلَى ٱلْأَسْئِلَةِ ٱلدِّينِيَّةِ بِصُورَةٍ حِوَارِيَّةٍ، مُلْتَزِمًا بِٱلْمَعَايِيرِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ وَمُنْزَّهًا عَنْ تَحْرِيفِ ٱلْمَصَادِرِ ٱلْأَصِيلَةِ.

إِنَّ (شات-بوتات) تَوْلِيدِ ٱلْمُحْتَوَى ٱلدِّينِيِّ أَوِ ٱلْقَانُونِيِّ تُثِيرُ ٱهْتِمَامًا خَاصًّا فِي ٱلتَّحْلِيلِ ٱلْأَخْلَاقِيِّ ٱلْإِسْلَامِيِّ: فَمِنْ جِهَةٍ، هِيَ وَسَائِلُ لِنَشْرِ ٱلْمَعْرِفَةِ وَتَحْقِيقِ إِمْكَانِيَّةِ ٱلْوُصُولِ إِلَى ٱلْأَحْكَامِ ٱلشَّرْعِيَّةِ لِجُمْهُورٍ وَاسِعٍ؛ وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، تَحْمِلُ مَخَاطِرَ فِي تَفْسِيرٍ خَاطِئٍ لِلنُّصُوصِ ٱلْمُقَدَّسَةِ، أَوْ إِحْلَالِ اِسْتِدْلَالٍ آلِيٍّ مَكَانَ تَقْوِيمٍ بَشَرِيٍّ خَبِيرٍ، كَمَا تُثِيرُ مَخَاوِفَ حَوْلَ ٱلْخُصُوصِيَّةِ. وَمِنْ ثَمَّ، فَإِنَّ اِسْتِفْضَاءَ (شات-بوت شَرْعِيّ) يُتِيحُ اِخْتِبَارَ فَعَالِيَّةِ مَبَادِئِ «ٱلْمِيثَاقِ» عَمَلِيًّا، وَٱكْتِشَافَ مَوَاطِنِ ٱلصُّعُوبَةِ، وَعَرْضَ حُلُولٍ تَنْظِيمِيَّةٍ وَتِقْنِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لِتَقْلِيلِ ٱلْمَخَاطِرِ.

وَحَسَبَ حَالِ شَهْرِ يُونْيُو ٢٠٢٥م، فَإِنَّ قَارِئَ هٰذِهِ ٱلرِّسَالَةِ يَسْتَطِيعُ ٱلِٱطِّلَاعَ عَلَى هٰذَا ٱلشَّات-بوت مِنْ خِلَالِ رَابِطٍ فِي رَمْزٍ مُرَبَّعٍ (QR-code) مَعَ وَصْفٍ مُفَصَّلٍ فِي ٱلْمُلْحَقِ رَقْمَ ٢.

٣.٢.٢. ٱلْأُسُسُ ٱلْمَنْهَجِيَّةُ وَبِنْيَةُ ٱلِٱسْتِفْضَاءِ

تَمَّ ٱلِٱسْتِفْضَاءُ عَلَى أَسَاسِ مَقَارَبَةٍ نِظَامِيَّةٍ تَجْمَعُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ مَسَارَاتٍ:

ـ ٱلتَّشْرِيعِيُّ ٱلْعَقَدِيُّ: (مُطَابَقَةٌ لِلْعَقِيدَةِ ٱلْمَاتُرِيدِيَّةِ، وَٱلْفِقْهِ، وَٱلْأَخْلَاقِ، كَمَا هُوَ مُثْبَتٌ فِي ٱلْمِيثَاقِ)؛
ـ ٱلْهَنْدَسِيُّ ٱلتِّقْنِيُّ: (تَطْوِيرُ ٱلْبِنْيَةِ وَٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ وَفْقًا لِمَبَادِئِ «حَلَالٌ by design»)؛
ـ ٱلتَّنْظِيمِيُّ ٱلْعَمَلِيُّ: (آلِيَّاتُ ٱلرِّقَابَةِ وَٱلتَّدْقِيقِ وَٱلِٱعْتِمَادِ وَإِدَارَةُ ٱلْبَيَانَاتِ).

وَقَدْ ضَمِنَ هٰذَا ٱلتَّوَجُّهُ شُمُولِيَّةَ جَمِيعِ مَرَاحِلِ دَوْرَةِ حَيَاةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ـ مِنَ ٱلتَّصْمِيمِ وَٱلتَّدْرِيبِ إِلَى ٱلتَّشْغِيلِ وَٱلِٱخْتِبَارِ وَٱلتَّطْوِيرِ ٱلدَّائِمِ لِلنِّظَامِ.

أَهْدَافُ ٱلِٱسْتِفْضَاءِ كَانَتْ:

ـ ٱخْتِبَارُ فَعَالِيَّةِ ٱلْمَعَايِيرِ وَٱلْمُتَطَلَّبَاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ ٱلْمُدْمَجَةِ فِي بِنْيَةِ ٱلنِّظَامِ ٱلرَّقْمِيِّ؛
ـ إِظْهَارُ إِمْكَانِيَّةِ ٱلتَّطْبِيقِ ٱلتِّقْنِيِّ لِمَبَادِئِ «ٱلْمِيثَاقِ» فِي مُنْتَجٍ بَرْمَجِيٍّ وَاقِعِيٍّ؛
ـ كَشْفُ ٱلْحَوَاجِزِ ٱلتَّنْظِيمِيَّةِ وَٱلتِّقْنِيَّةِ ٱلَّتِي تَعُوقُ تَعْمِيمَ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ؛
ـ ٱسْتِخْرَاجُ بَيَانَاتٍ تَجْرِبِيَّةٍ لِلتَّطْوِيرِ ٱلْمُسْتَقْبَلِيِّ لِقَاعِدَةِ ٱلتَّشْرِيعِ.

٣.٢.٣. وَصْفُ بِنْيَةِ (شات-بوت شَرْعِيّ)

فِي إِطَارِ ٱلْمِنَصَّةِ ٱلِاخْتِبَارِيَّةِ، تَمَّ تَنْفِيذُ (تِلِغْرَام-بوت) يَعْمَلُ بِلُغَةِ Python 3.11 وَمَكْتَبَةِ aiogram، مَعَ ٱلِٱلْتِزَامِ بِٱلْبِنْيَةِ غَيْرِ ٱلتَّزَامُنِيَّةِ كَامِلًا. وَيَخْتَلِفُ هٰذَا (ٱلشَّات-بوت) فِي أَنَّهُ مَرْكُوزٌ عَلَى ٱلتَّقْيِيمِ ٱلشَّرْعِيِّ وَٱلتَّوَافُقِ ٱلدِّينِيِّ: فَٱلْأَجْوِبَةُ تُنْتَجُ حَصْرًا عَلَى أَسَاسِ مَصَادِرَ إِسْلَامِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ، بِٱسْتِعْمَالِ بِنْيَةِ «ٱلتَّوْلِيدِ ٱلْمُعَزَّزِ بِٱلِٱسْتِرْجَاعِ (RAG)» وَقَاعِدَةِ مَعْرِفَةٍ خَاصَّةٍ مُمَثَّلَةٍ بِصِيغَةِ FAISS-Index.

ٱلْوَحَدَاتُ ٱلرَّئِيسِيَّةُ وَٱلْكُتَلُ ٱلْفَنِّيَّةُ

١) تَصْنِيفُ ٱلرَّسَائِلِ: يَقُومُ ٱلنِّظَامُ بِتَحْلِيلِ ٱلطَّلَبَاتِ ٱلْوَارِدَةِ لِتَحْدِيدِ مَا إِذَا كَانَ ٱلسُّؤَالُ يَتَعَلَّقُ بِٱلشَّرِيعَةِ. وَقَدْ نُفِّذَ لِذٰلِكَ مُصَنِّفٌ خَاصٌّ يَسْتَخْدِمُ سِيَاقَ ٱلرَّسَائِلِ ٱلسَّابِقَةِ وَٱلْأَجْوِبَةِ ٱلسَّابِقَةِ، مِمَّا يُقَلِّلُ ٱلْإِيجَابَاتِ ٱلْخَاطِئَةِ وَيَرْفَعُ ٱلصِّلَةَ.

٢) إِنْتَاجُ ٱلْأَجْوِبَةِ وَتَرْشِيحُهَا: لِلْأَسْئِلَةِ ٱلدِّينِيَّةِ يُسْتَعْمَلُ وَحْدَةُ RAG ٱلَّتِي تَسْتَخْرِجُ ٱلْمَقَاطِعَ ٱلْمُلَائِمَةَ مِنْ FAISS-Index، وَتُشَكِّلُ سِيَاقًا مُتَّسِقًا، وَتُنْتِجُ جَوَابًا عَلَى أَسَاسِ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ ٱلْحَدِيثَةِ، دُونَ إِضَافَةِ تَفْسِيرَاتٍ شَخْصِيَّةٍ أَوِ ٱلْخُرُوجِ عَنْ ٱلْمَصَادِرِ ٱلْأَصِيلَةِ.

٣) ٱلتَّحَقُّقُ وَٱلتَّدْقِيقُ (تَدْقِيقٌ بَشَرِيٌّ فِي ٱلدَّوْرَةِ): كُلُّ جَوَابٍ مَعَ ٱلطَّلَبِ ٱلْأَصْلِيِّ يُرْسَلُ إِلَى (بوت تَحَقُّقٍ) مُسْتَقِلٍّ، مِمَّا يُؤَمِّنُ مُسْتَوًى إِضَافِيًّا مِنَ ٱلرِّقَابَةِ، وَيُيَسِّرُ ٱكْتِشَافَ ٱلْأَخْطَاءِ وَتَصْحِيحَهَا، مَعَ تَسْجِيلٍ مُنَظَّمٍ لِأَغْرَاضِ ٱلتَّدْقِيقِ.

٤) إِدَارَةُ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ وَٱلتَّارِيخِ: نُفِّذَ حِفْظُ تَارِيخِ ٱلْحِوَارَاتِ، مِمَّا يُتِيحُ تَتَبُّعَ تَسَلْسُلِ ٱلْأَسْئِلَةِ، وَإِجْرَاءَ ٱلْتَّحْلِيلِ، وَضَمَانَ ٱلِٱسْتِمْرَارِيَّةِ فِي ٱلِاسْتِشَارَةِ ٱلدِّينِيَّةِ.

٥) ٱلْإِدَارَةُ وَٱلْمُرَاقَبَةُ: تَتَضَمَّنُ ٱلْأَدَوَاتُ ٱلدَّاخِلِيَّةُ لِلْإِشْعَارَاتِ ٱلْجَمَاعِيَّةِ، وَإِعْدَادَ أَمْثِلَةٍ لِلطَّلَبَاتِ، وَتَرْشِيحَ ٱلِٱسْتِفْسَارَاتِ غَيْرِ ٱلْمُلَائِمَةِ، مَعَ رَصْدٍ تِقْنِيٍّ عَنْ طَرِيقِ ٱلتَّسْجِيلِ.

مَبَادِئُ ٱلسَّلَامَةِ وَٱلِٱمْتِثَالِ لِلشَّرِيعَةِ

عَلَى جَمِيعِ مَرَاحِلِ دَوْرَةِ حَيَاةِ (ٱلشَّات-بوت) تَمَّ ضَمَانُ ٱلِٱلْتِزَامِ بِٱلْمَبَادِئِ ٱلْمُثْبَتَةِ فِي «ٱلْمِيثَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ»:

ـ ٱسْتِعْمَالُ مَصَادِرَ مُوَثَّقَةٍ وَمُبَاحَةٍ فَقَطْ (صِدْقُ ٱلْمَصَادِرِ وَحَلَالِيَّتُهَا).
ـ مَنْعُ أُوتُومَاتِيكِيَّةِ إِصْدَارِ ٱلْأَحْكَامِ ٱلشَّرْعِيَّةِ ٱلْقَطْعِيَّةِ (ٱلْبُوتُ لَا يُغْنِي عَنِ ٱلْفَقِيهِ).
ـ تَرْشِيحٌ مُتَعَدِّدُ ٱلْمُسْتَوَيَاتِ وَحَظْرُ ٱلْمُحْتَوَى ٱلْمُحَرَّمِ وَٱلسَّيْنَارِيُوهَاتِ ٱلْمُشْتَبَهَةِ.
ـ إِعْلَامُ ٱلْمُسْتَخْدِمِ بِحَالَةِ ٱلرَّدِّ (ٱلرَّدُّ صَادِرٌ عَنْ بُوتٍ لَيْسَ مُفْتِيًا حَيًّا)، وَٱلشَّفَافِيَّةُ فِي ٱلْمَنْطِقِ مَعَ إِتَاحَةِ قَنَوَاتِ ٱلتَّغْذِيَةِ ٱلرَّاجِعَةِ.
ـ تَدْقِيقٌ دَوْرِيٌّ لِلنِّظَامِ مَعَ ٱسْتِكْتَابِ خُبَرَاءِ ٱلشَّرِيعَةِ.

٣.٢.٤. مَعَايِيرُ ٱلتَّقْيِيمِ وَمَقَايِيسُ ٱلْتَّحَقُّقِ

لِتَقْوِيمِ فَعَالِيَّةِ ٱلِٱسْتِفْضَاءِ وُضِعَتِ ٱلْمَعَايِيرُ ٱلتَّالِيَةُ (ٱسْتِنَادًا إِلَى «ٱلْمِيثَاقِ» وَٱلْمَعَايِيرِ ٱلدُّوَلِيَّةِ):

١) صِحَّةُ ٱلْأَجْوِبَةِ ٱلدِّينِيَّةِ: يَجِبُ أَنْ تُوَافِقَ ٱلْأَجْوِبَةُ ٱلشَّرِيعَةَ تَمَامَ ٱلْمُوَافَقَةِ (حَلَالٌ، عَدَمُ ٱلتَّحْرِيفِ، تَوْثِيقٌ بِمُرَاجَعَةِ ٱلْمُتَخَصِّصِينَ).
٢) ٱلشَّفَافِيَّةُ وَقَابِلِيَّةُ ٱلشَّرْحِ: يُقْرَنُ كُلُّ حُكْمٍ دِينِيٍّ بِٱلْإِحَالَةِ إِلَى ٱلْمَصْدَرِ، وَيُعْلَمُ ٱلْمُسْتَخْدِمُ بِحُدُودِ كِفَايَةِ ٱلْبُوتِ.
٣) ٱلسَّلَامَةُ وَٱلْخُصُوصِيَّةُ: تُعَالَجُ بَيَانَاتُ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ وَفْقَ مُتَطَلَّبَاتِ ٱلشَّرِيعَةِ وَٱلْقَوَانِينِ ٱلنَّافِذَةِ (GDPR، ١٥٢-FZ، وَغَيْرُهَا)، مَعَ مَنْعِ أَيِّ تَسْرِيبٍ غَيْرِ مُخَوَّلٍ.
٤) وُجُودُ آلِيَّةٍ لِلتَّغْذِيَةِ ٱلرَّاجِعَةِ: يَسْتَطِيعُ ٱلْمُسْتَخْدِمُ ٱلِٱعْتِرَاضَ عَلَى ٱلْجَوَابِ أَوِ ٱطِّلَابَ ٱسْتِشَارَةٍ مُكَمِّلَةٍ مِنْ خَبِيرٍ بَشَرِيٍّ.
٥) ٱلْمَوْثُوقِيَّةُ ٱلتِّقْنِيَّةُ: مُتَانَةُ ٱلنِّظَامِ أَمَامَ ٱلْأَعْطَالِ، وَمُوَاكَبَةُ قَاعِدَةِ ٱلْمَعْرِفَةِ، وَٱلْحِمَايَةُ مِنَ ٱلْهَجَمَاتِ وَٱلِٱسْتِغْلَالَاتِ.

وَقَدْ وُضِعَ لِكُلِّ مِعْيَارٍ «قَائِمَةُ تَحَقُّقٍ» خَاصَّةٌ تُوَافِقُ بِنْيَةَ «ٱلْمِيثَاقِ» وَمُتَطَلَّبَاتِ ٱلْوَثَائِقِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ ٱلدُّوَلِيَّةِ (ٱلْيُونِسْكُو (UNESCO)، IEEE، وَٱلِٱتِّحَادُ ٱلْأُورُوبِيُّ).

٣.٢.٥. نَتَائِجُ ٱلتَّطْبِيقِ ٱلتَّجْرِيبِيِّ: ٱلتَّحْلِيلُ وَٱلْمُنَاقَشَةُ

ٱلتَّصْحِيحُ ٱلدِّينِيُّ وَثِقَةُ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ

أَظْهَرَتِ ٱلِٱخْتِبَارَاتُ أَنَّ تَطْبِيقَ بِنْيَةِ Retrieval-Augmented Generation وَٱلتَّرْشِيحَ ٱلصَّارِمَ لِلْمَصَادِرِ ٱلدِّينِيَّةِ يُمَكِّنُ مِنَ ٱلْوُصُولِ إِلَى مُسْتَوًى عَالٍ مِنْ صِحَّةِ ٱلْأَجْوِبَةِ ٱلدِّينِيَّةِ. وَقَدْ خَضَعَتْ جَمِيعُ ٱلْأَجْوِبَةِ ٱلْمُوَلَّدَةِ لِمُرَاجَعَةٍ إِضَافِيَّةٍ مِنْ قِبَلِ مُخْتَصِّينَ شَرْعِيِّينَ، مِمَّا أَلْغَى ٱلْأَخْطَاءَ ٱلْعَقَدِيَّةَ وَٱلْفِقْهِيَّةَ وَضَمِنَ ثِقَةَ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ.

وَمِنَ ٱلْمُهِمِّ خَاصَّةً أَنَّ ٱلنِّظَامَ أَظْهَرَ قُدْرَةً عَلَى مُوَاجَهَةِ ٱلْأَسْئِلَةِ ٱلَّتِي تَخْرُجُ عَنْ نِطَاقِ ٱلْمَوَاضِيعِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ؛ إِذْ كَانَتْ تِلْكَ ٱلطَّلَبَاتُ تُصَنَّفُ وَتُحَوَّلُ إِلَى وَحْدَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ، مِمَّا أَزَالَ مَخَاطِرَ ٱلتَّشْوِيهِ ٱلدِّينِيِّ أَوِ ٱلْعِلْمَانِيِّ.

ٱلشَّفَافِيَّةُ وَٱلتَّدْقِيقُ

إِنَّ وَظِيفَةَ ٱلْإِرْسَالِ ٱلْآلِيِّ لِلْأَجْوِبَةِ لِغَرَضِ ٱلْمُرَاجَعَةِ تُجَسِّدُ مَبْدَأَ «ٱلْإِنْسَانِ فِي ٱلسِّلْسِلَةِ» (human-in-the-loop)، وَهُوَ مَبْدَأٌ تَنْصُّ عَلَيْهِ مُبَاشَرَةً ٱلْمَعَايِيرُ ٱلْإِسْلَامِيَّةُ وَٱلدُّوَلِيَّةُ. وَهٰذَا ٱلْأُسْلُوبُ لَا يُقَلِّلُ فَقَطْ مِنْ مَخَاطِرِ ٱلْأَخْطَاءِ ٱلدِّينِيَّةِ، بَلْ يُؤَسِّسُ أَيْضًا لِثَقَافَةِ ٱلتَّدْقِيقِ ٱلدَّوْرِيِّ وَٱلْمَسْؤُولِيَّةِ ٱلْجَمَاعِيَّةِ.

ٱلْأَمْنُ ٱلْمَعْلُومَاتِيُّ وَحِمَايَةُ ٱلْبَيَانَاتِ

إِنَّ ٱلنِّظَامَ ٱلْمُدْمَجَ لِإِدَارَةِ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ، وَتَقْيِيدَ ٱلْوُصُولِ إِلَى سِجِلِّ ٱلرَّسَائِلِ، وَٱلضَّبْطَ ٱلْمَرِنَ لِلصَّلَاحِيَّاتِ، قَدْ ضَمِنَ ٱلِٱمْتِثَالَ لِمُتَطَلَّبَاتِ ٱلْخُصُوصِيَّةِ. وَقَدْ جَرَتْ كُلُّ عَمَلِيَّةِ مُعَالَجَةٍ لِلْبَيَانَاتِ ٱلشَّخْصِيَّةِ وَفْقًا لِلْأَحْكَامِ ٱلشَّرْعِيَّةِ وَمُتَطَلَّبَاتِ ٱلتَّشْرِيعَاتِ ٱلْمُعَاصِرَةِ.

ٱلتَّكْيِيفُ مَعَ سِينارِيُوهَاتِ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ

خِلَالَ ٱلتَّطْبِيقِ ٱلتَّجْرِيبِيِّ تَبَيَّنَ أَنَّ ٱلنِّظَامَ يَتَمَتَّعُ بِمَرُونَةٍ عَالِيَةٍ؛ فَإِنَّ ٱلرُّوبُوتَ (شات-بوت) قَادِرٌ عَلَى ٱلتَّعَامُلِ بِفَاعِلِيَّةٍ مَعَ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنَ ٱلسِّينارِيُوهَاتِ — مِنَ ٱلْأَسْئِلَةِ ٱلِاسْتِعْلَامِيَّةِ ٱلْبَسِيطَةِ إِلَى ٱلْحَالَاتِ ٱلْمُعَقَّدَةِ ٱلْمُتَعَلِّقَةِ بِٱلْفِقْهِ ٱلْإِسْلَامِيِّ، وَٱلْمَسَائِلِ ٱلْمَالِيَّةِ، وَٱلْمَنَاسِكِ. وَقَدْ أَتَاحَتْ آلِيَّةُ إِعَادَةِ ٱلتَّدْرِيبِ وَتَدْقِيقِ ٱلطَّلَبَاتِ تَقْلِيلَ عَدَدِ «ٱلْحَالَاتِ ٱلْمُعَقَّدَةِ» ٱلَّتِي تَتَطَلَّبُ تَدَخُّلَ خَبِيرٍ.

ٱلْقُيُودُ وَٱلْمَخَاطِرُ

عَلَى ٱلرَّغْمِ مِنَ ٱلْإِنْجَازَاتِ، فَقَدْ تَمَّ رَصْدُ بَعْضِ ٱلْقُيُودِ:

  • ٱلصُّعُوبَةُ فِي مُعَالَجَةِ ٱلنِّزَاعَاتِ ٱلْفِقْهِيَّةِ ٱلْمُرَكَّبَةِ ٱلَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى فَتْوَى فَرْدِيَّةٍ.
  • مَخَاطِرُ إِسَاءَةِ ٱسْتِعْمَالِ أَشْكَالِ ٱلطَّلَبِ ٱلْمَفْتُوحَةِ (مِثْلَ ٱلْمُحَاوَلَاتِ لِتَجَاوُزِ ٱلْمُرَشِّحَاتِ أَوِ ٱلْحُصُولِ عَلَى مَعْلُومَاتٍ حَرَامٍ).
  • ضَرُورَةُ ٱلتَّوَسُّعِ ٱلدَّائِمِ لِقَاعِدَةِ ٱلْمَعْرِفَةِ، وَٱسْتِقْطَابِ ٱلْخُبَرَاءِ، وَتَحْسِينِ ٱلْمُرَشِّحَاتِ.

وَقَدْ أُخِذَتْ هٰذِهِ ٱلْقُيُودُ بِٱلِٱعْتِبَارِ فِي تَطْوِيرِ ٱلْبِنْيَةِ وَفِي ٱلتَّوْصِيَاتِ لِلتَّوَسُّعِ ٱلْمُسْتَقْبَلِيِّ.

٣.٢.٦. تَطْبِيقُ مَبَادِئِ ٱلْعَقِيدَةِ ٱلْمَاتُرِيدِيَّةِ، وَٱلْفِقْهِ ٱلْحَنَفِيِّ، وَٱلْأَخْلَاقِ فِي ٱلْمُعَامَلَةِ ٱلْعَمَلِيَّةِ

إِنَّ أَحَدَ ٱلِٱبْتِكَارَاتِ ٱلرَّئِيسِيَّةِ فِي ٱلتَّطْبِيقِ ٱلتَّجْرِيبِيِّ كَانَ تَنْفِيذَ نِظَامٍ ثُلَاثِيِّ ٱلطَّبَقَاتِ لِلتَّنْظِيمِ ٱلدِّينِيِّ، ٱلْمُثْبَتِ فِي ٱلْمِيثَاقِ:

١. ٱلْمَرَاجِعُ ٱلْعَقَدِيَّةُ (ٱلْعَقِيدَةُ ٱلْمَاتُرِيدِيَّةُ):

  • ٱلِٱمْتِنَاعُ عَنِ ٱلتَّأْلِيهِ ٱلتِّقْنِيِّ: فَٱلرُّوبُوتُ ٱلْمُحاوِرُ (شات-بوت) لَا يُقَدَّمُ كَحَامِلٍ لِلْحَقِيقَةِ ٱلْمُطْلَقَةِ، بَلْ تُرْفَقُ جَمِيعُ ٱلْقَرَارَاتِ بِٱلْإِشَارَةِ إِلَى ٱلْمَصْدَرِ وَتَوْضِيحِ حُدُودِ ٱلِٱخْتِصَاصِ.
  • مَبْدَأُ ٱلْقَدَرِ وَٱلْمَسْؤُولِيَّةِ ٱلشَّخْصِيَّةِ: يُعْلَمُ ٱلْمُسْتَخْدِمُ بِأَنَّ ٱلْقَرَارَاتِ لَهَا طَابِعٌ ٱسْتِعْلَامِيٌّ وَتَتَطَلَّبُ ٱلِٱخْتِيَارَ ٱلْمُدْرَكَ.
  • تَطْبِيقُ مُرَشِّحٍ عَقْلِيٍّ وَعَقَدِيٍّ فِي مُعَالَجَةِ ٱلْبَيَانَاتِ.

٢. ٱلْمَعَايِيرُ ٱلنِّظَامِيَّةُ وَٱلْفِقْهِيَّةُ (ٱلْفِقْهُ ٱلْحَنَفِيُّ):

  • ٱلِٱلْتِزَامُ ٱلْإِلْزَامِيُّ بِمَبَادِئِ ٱلْإِبَاحَةِ، وَٱلنِّيَّةِ، وَإِزَالَةِ ٱلضَّرَرِ، وَٱلْعَدَالَةِ عِنْدَ مُعَالَجَةِ ٱلطَّلَبَاتِ.
  • تَوْثِيقُ ٱلْمُحْتَوَى ٱلدِّينِيِّ وَٱلْحَجْبُ ٱلْآلِيُّ لِلسِّينارِيُوهَاتِ ٱلَّتِي تُخَالِفُ مَقَاصِدَ ٱلشَّرِيعَةِ (حِفْظُ ٱلدِّينِ، وَٱلنَّفْسِ، وَٱلْعَقْلِ، وَٱلْمَالِ، وَٱلْعِرْضِ).
  • حِمَايَةُ ٱلْحُقُوقِ ٱلْمَالِيَّةِ (مِثْلَ ٱسْتِثْنَاءِ ٱلْأَسْئِلَةِ ٱلْمُتَعَلِّقَةِ بِٱلْأَدَوَاتِ ٱلْمَالِيَّةِ غَيْرِ ٱلْمَشْرُوعَةِ).

٣. ٱلْقِيَمُ ٱلْأَخْلَاقِيَّةُ (ٱلْأَخْلَاقُ):

  • تَطْبِيقُ مَبَادِئِ ٱلصَّبْرِ، وَٱلشُّكْرِ، وَٱلْأَمَانَةِ، وَٱلْعَدْلِ، وَٱلصِّدْقِ وَغَيْرِهَا؛ حَيْثُ تُطَبِّقُ فَرِيقُ ٱلْمَشْرُوعِ هٰذِهِ ٱلْمَبَادِئَ وَاعِيًا مِنْ خِلَالِ بُرُوتُوكُولَاتٍ دَاخِلِيَّةٍ لِلتَّعَامُلِ، وَٱلِٱعْتِرَافِ ٱلتَّطَوُّعِيِّ بِٱلْأَخْطَاءِ، وَٱلتَّقْرِيرِ ٱلْعَامِّ عَنْ أَدَاءِ ٱلنِّظَامِ.
  • إِدْخَالُ آلِيَّةِ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ ٱلْجَمَاعِيَّةِ وَٱلشُّورَى فِي إِصْدَارِ ٱلْقَرَارَاتِ.

٣.٢.٧. قَوَائِمُ ٱلتَّحَقُّقِ وَأَدَوَاتُ ٱلرَّقَابَةِ ٱلذَّاتِيَّةِ

بِنَاءً عَلَى ٱلتَّطْبِيقِ ٱلتَّجْرِيبِيِّ، تَمَّ تَشْكِيلُ قَوَائِمَ تَحَقُّقٍ لِكُلٍّ مِنْ:

  • ٱلْمُطَوِّرِينَ (مَبَادِئُ وَمَرَاحِلُ «ٱلْحَلَالِ بِٱلتَّصْمِيمِ»، وَٱلتَّدْقِيقُ ٱلدَّوْرِيُّ، وَجَمْعُ ٱلْبَيَانَاتِ بِشَكْلٍ أَخْلَاقِيٍّ).
  • ٱلْمُخْتَصِّينَ ٱلدِّينِيِّينَ (قَوَاعِدُ تَرْشِيحِ وَشَهَادَةِ ٱلْمُحْتَوَى، وَتَنْظِيمُ ٱلرِّقَابَةِ ٱلشَّرْعِيَّةِ).
  • ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ (ٱلْحُقُوقُ فِي ٱلتَّوَجُّهِ وَٱلِٱسْتِئْنَافِ، وَٱلْإِعْلَامُ بِقَوَاعِدِ ٱسْتِعْمَالِ ٱلرُّوبُوتِ).

وَقَدْ أَثْبَتَ تَنْفِيذُ هٰذِهِ ٱلْقَوَائِمِ فَاعِلِيَّتَهُ فِي دَعْمِ ٱلرَّقَابَةِ ٱلدَّائِمَةِ عَلَى ٱلِٱمْتِثَالِ لِلْمَعَايِيرِ، وَفِي تَكْوِينِ ثَقَافَةِ ٱلْمَسْؤُولِيَّةِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ.


٣.٢.٨. ٱلْخُلَاصَةُ وَٱلتَّوْصِيَاتُ لِلتَّطْبِيقِ ٱلتَّجْرِيبِيِّ ٱلْمُسْتَقْبَلِيِّ

إِنَّ ٱلتَّطْبِيقَ ٱلتَّجْرِيبِيَّ لِلرُّوبُوتِ ٱلْمُحاوِرِ ٱلشَّرْعِيِّ (شات-بوت شَرْعِيّ) قَدْ أَكَّدَ قَابِلِيَّةَ ٱلتَّطْبِيقِ وَأَهَمِّيَّةَ ٱلْمِيثَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلسِّينارِيُوهَاتِ ٱلدِّينِيَّةِ وَٱلْمُحَمَّلَةِ بِٱلْأَبْعَادِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ. وَفِي ٱلظُّرُوفِ ٱلْعَمَلِيَّةِ تَحَقَّقَتِ ٱلْآثَارُ ٱلتَّالِيَةُ:

  • تَزَايُدُ ٱلتَّصْحِيحِ ٱلدِّينِيِّ وَثِقَةُ ٱلْجُمْهُورِ.
  • تَقْلِيلُ مَخَاطِرِ ٱلْمُحْتَوَى ٱلْحَرَامِ وَٱلتَّشْوِيهِ ٱلدِّينِيِّ.
  • تَنْفِيذُ أَدَوَاتٍ فَاعِلَةٍ لِلتَّدْقِيقِ ٱلتِّقْنِيِّ وَٱلدِّينِيِّ وَٱلتَّنْظِيمِيِّ.
  • تَكْوِينُ قَاعِدَةٍ عَمَلِيَّةٍ لِتَوْسِيعِ نِطَاقِ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ عَلَى مَجَالَاتٍ أُخْرَى لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ.

أَمَّا ٱلشُّرُوطُ ٱلرَّئِيسِيَّةُ لِمَزِيدٍ مِنَ ٱلنَّجَاحِ فَهِيَ:

  • ٱلتَّحْدِيثُ ٱلدَّائِمُ لِقَاعِدَةِ ٱلْمَعْرِفَةِ وَٱلْبِنْيَةِ فِي إِطَارِ حِوَارٍ مَعَ ٱلْمُجْتَمَعِ ٱلْخَبِيرِ.
  • تَطْوِيرُ وَدَمْجُ وَحَدَاتِ فَحْصٍ جَدِيدَةٍ، بِمَا يَتَّفِقُ مَعَ ٱلْأَعْرَافِ وَٱلنُّظُمِ ٱلْمَحَلِّيَّةِ.
  • تَوْسِيعُ مَعْهَدِ ٱلرِّقَابَةِ ٱلدِّينِيَّةِ وَٱلتَّصْدِيقِ ٱلْمُسْتَقِلِّ.

وَبِذٰلِكَ، فَإِنَّ ٱلتَّطْبِيقَ ٱلتَّجْرِيبِيَّ لِلرُّوبُوتِ ٱلْمُحاوِرِ ٱلشَّرْعِيِّ يُعْتَبَرُ دَلِيلًا تَجْرِيبِيًّا عَلَى حَيَوِيَّةِ وَأَهَمِّيَّةِ ٱلنُّظُمِ وَٱلْآلِيَّاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ لِتَنْظِيمِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلْعَصْرِ ٱلرَّقْمِيِّ. وَهٰذَا مَا يُؤَكِّدُ ٱلِٱسْتِنْتَاجَاتِ ٱلْمُسْتَخْلَصَةَ فِي ٱلْفَصْلَيْنِ ٱلْأَوَّلِ وَٱلثَّانِي، وَيَفْتَحُ آفَاقًا جَدِيدَةً لِمَزِيدٍ مِنَ ٱلْبَحْثِ وَٱلتَّطْوِيرِ ٱلتِّقْنِيِّ وَٱلتَّنْظِيمِيِّ فِي هٰذَا ٱلْمَجَالِ.

٣.٣. آفَاقُ ٱلتَّوْسِيعِ وَٱلتَّوْصِيَاتُ لِتَنْفِيذِ ٱلْمِيثَاقِ

٣.٣.١. أَهَمِّيَّةُ قَابِلِيَّةِ ٱلتَّوْسِيعِ وَٱلْكَوْنِيَّةِ لِلْمِيثَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ

إِنَّ ٱلْمُجْتَمَعَ ٱلْإِسْلَامِيَّ ٱلْمُعَاصِرَ، بِصِفَتِهِ جُزْءًا لَا يَتَجَزَّأُ مِنَ ٱلْفَضَاءِ ٱلْمَعْلُومَاتِيِّ ٱلْعَالَمِيِّ، يُوَاجِهُ حَاجَةً إِلَى إِدْمَاجِ أَحْدَثِ تِقْنِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلِٱقْتِصَادِ، وَٱلتَّعْلِيمِ، وَٱلرِّعَايَةِ ٱلصِّحِّيَّةِ، وَٱلْإِدَارَةِ ٱلِاجْتِمَاعِيَّةِ. وَإِنَّ تَطْوِيرَ وَٱعْتِمَادَ «ٱلْمِيثَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ» (وَيُسَمَّى فِيمَا بَعْدُ: ٱلْمِيثَاقُ) لَا يَنْحَصِرُ فِي إِطَارِ وَثِيقَةٍ نِظَامِيَّةٍ صِرْفَةٍ؛ بَلْ هُوَ مَفْهُومٌ يُشَكِّلُ إِجَابَةً حَضَارِيَّةً عَنْ تَحَدِّيَاتِ ٱلْعَصْرِ ٱلرَّقْمِيِّ، وَيُسَاهِمُ فِي تَعْزِيزِ ٱلتَّنَافُسِيَّةِ ٱلتِّقْنِيَّةِ وَٱلتَّعْلِيمِيَّةِ وَٱلْأَخْلَاقِيَّةِ لِلْأُمَّةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ.

وَإِنَّ تَوْسِيعَ نِطَاقِ ٱلْمِيثَاقِ وَتَنْفِيذَهُ فِي ٱلْقِطَاعَاتِ ٱلرَّئِيسِيَّةِ لِحَيَاةِ ٱلْمُسْلِمِينَ لَا يُوَافِقُ فَقَطِ ٱلْوَاقِعَ ٱلْجَدِيدَ، بَلْ يُسَاهِمُ أَيْضًا فِي صُنْعِ شُرُوطِ ٱلتَّنْمِيَةِ ٱلْمُسْتَدَامَةِ عَلَى أَسَاسِ أَعْلَى ٱلْقِيَمِ ٱلشَّرْعِيَّةِ: حِفْظُ ٱلدِّينِ، وَٱلنَّفْسِ، وَٱلْعَقْلِ، وَٱلْمَالِ، وَٱلْعِرْضِ (مَقَاصِدُ ٱلشَّرِيعَةِ). وَيَفْتَرِضُ هٰذَا ٱلْمَنْهَجُ تَكْيِيفًا مَرِنًا مَعَ ٱلْأُنْظُمَةِ ٱلِٱجْتِمَاعِيَّةِ وَٱلِٱقْتِصَادِيَّةِ وَٱلتَّشْرِيعِيَّةِ ٱلْمُخْتَلِفَةِ — مِنَ ٱلدُّوَلِ ذَاتِ ٱلْأَكْثَرِيَّةِ ٱلْمُسْلِمَةِ إِلَى ٱلْجَالِيَاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ فِي ٱلدُّوَلِ ٱلْعَلْمَانِيَّةِ.

٣.٣.٢. ٱلِٱتِّجَاهَاتُ ٱلرَّئِيسِيَّةُ لِلتَّوْسِيعِ وَٱلتَّكْيِيفِ لِلْمِيثَاقِ

٣.٣.٢.١. أَثَرُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ عَلَى مُسْتَوَى ٱلْمَعْرِفَةِ وَٱلْقُدْرَةِ ٱلْعَقْلِيَّةِ لِلْأُمَّةِ

إِنَّ إِحْدَى ٱلْمَهَامِّ ٱلْجَوْهَرِيَّةِ فِي تَنْفِيذِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلْمُجْتَمَعِ ٱلْإِسْلَامِيِّ هِيَ ٱلرَّفْعُ مِنْ مُسْتَوَى ٱلْمَعْرِفَةِ — سَوَاءٌ ٱلْمَعْرِفَةُ ٱلشَّرْعِيَّةُ أَمِ ٱلدُّنْيَوِيَّةُ. فَفِي ٱلظُّرُوفِ ٱلَّتِي يَزْدَادُ فِيهَا حَجْمُ ٱلْمَعْلُومَاتِ ٱلْمُتَاحَةِ بِٱسْتِمْرَارٍ، فِيمَا يَبْقَى جَوْدَتُهَا وَمِصْدَاقِيَّتُهَا مَحَلَّ تَسَاؤُلٍ، يَسْتَطِيعُ ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ أَنْ يُغَيِّرَ جَذْرِيًّا مَشْهَدَ ٱلتَّعْلِيمِ وَٱلتَّوْعِيَةِ ٱلدِّينِيَّةِ.

إِنَّ ٱلْمَنَصَّاتِ ٱلْمُعْتَمِدَةَ عَلَى ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ تُسَاعِدُ فِي أَتْمَتَةِ عَمَلِيَّاتِ ٱلْبَحْثِ وَتَرْشِيحِ ٱلْمَعْلُومَاتِ ٱلْمُلَائِمَةِ، وَإِنْشَاءِ مَسَارَاتٍ تَعْلِيمِيَّةٍ مُخَصَّصَةٍ، وَتَحْلِيلِ ٱلْفَجَوَاتِ ٱلْفَرْدِيَّةِ فِي ٱلْمَعْرِفَةِ، وَوَضْعِ تَوْصِيَاتٍ لِمَعَالَجَتِهَا. وَيَتَجَلَّى هٰذَا بِوُضُوحٍ فِي ٱلتَّعْلِيمِ ٱلْإِسْلَامِيِّ: ٱلرُّوبُوتَاتُ ٱلْمُحاوِرَةُ (شات-بوتات)، وَٱلدَّوْرَاتُ ٱلْإِلِكْتِرُونِيَّةُ ٱلتَّكْيِيفِيَّةُ، وَأَنْظِمَةُ فَحْصِ ٱلْمَعْرِفَةِ فِي ٱلْقُرْآنِ وَٱلْحَدِيثِ وَٱلْفِقْهِ (مِثْلَ مَشَارِيعِ Quran Tutor AI وَMeeM Academia وَغَيْرِهَا)، وَكَذٰلِكَ ٱلْخِدْمَاتُ ٱلْمُتَخَصِّصَةُ لِلتَّوْصِيَةِ بِٱلْفَتَاوَى، تُوَفِّرُ ٱلْوُصُولَ إِلَى ٱلْخِبْرَةِ ٱلشَّرْعِيَّةِ دُونَ قُيُودٍ زَمَنِيَّةٍ أَوْ مَكَانِيَّةٍ.

إِنَّ تَنْفِيذَ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلتَّعْلِيمِ ٱلدِّينِيِّ يُحَقِّقُ عِدَّةَ آثَارٍ:

  • تَخْفِيضُ حَاجِزِ ٱلدُّخُولِ: حَتَّى ٱلْأَفْرَادُ ٱلَّذِينَ لَا تُتَاحُ لَهُمُ ٱلْفُرْصَةُ لِلتَّعَلُّمِ عِنْدَ مُعَلِّمٍ تَقْلِيدِيٍّ يَصِلُونَ إِلَى مَعْرِفَةٍ مُوَثَّقَةٍ.
  • ٱلشَّخْصَنَةُ: يَكْشِفُ ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ عَنِ ٱلنَّقَائِصِ فِي ٱلْمَعْرِفَةِ، وَيُقَدِّمُ مَهَامَّ وَمَوَادَّ مُخَصَّصَةً، وَيَدْعَمُ ٱلتَّوَاصُلَ ٱلْمُبَاشِرَ وَيُحَفِّزُ عَلَى ٱلتَّعَلُّمِ ٱلْمُنْتَظِمِ.
  • تَزَايُدُ ٱلثِّقَةِ: ٱلْأَنْظِمَةُ ٱلْمُعْتَمَدَةُ بَعْدَ شَهَادَةٍ شَرْعِيَّةٍ تَرْشَحُ ٱلْمُحْتَوَى ٱلْخَاطِئَ أَوِ ٱلْمُتَنَاقِضَ أَوِ ٱلْحَرَامَ، مِمَّا يَضْمَنُ جَوْدَةَ ٱلتَّوْعِيَةِ.
  • تَحْقِيقُ ٱلشُّمُولِيَّةِ: تُكَيِّفُ تَطْبِيقَاتُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ نَفْسَهَا مَعَ ٱلْلُّغَاتِ وَٱلرُّمُوزِ ٱلثَّقَافِيَّةِ وَٱلِٱحْتِيَاجَاتِ ٱلْخَاصَّةِ (ٱلْأَطْفَالُ، ٱلْبَالِغُونَ، ذَوُو ٱلِٱعَاقَةِ).

وَإِنَّ أَثَرَ تَنْفِيذِ هٰذِهِ ٱلْحُلُولِ عَلَى نِطَاقٍ وَاسِعٍ يَتَجَاوَزُ ٱلْمَجَالَ ٱلدِّينِيَّ فَقَطْ؛ إِذْ يَرْتَفِعُ ٱلْمُسْتَوَى ٱلْعَقْلِيُّ ٱلْعَامُّ لِلْأُمَّةِ، وَتَتَحَسَّنُ كَفَاءَةُ ٱلْكَوَادِرِ، وَتَتَكَوَّنُ ثَقَافَةُ «ٱلتَّعَلُّمِ ٱلْمُسْتَمِرِّ» (lifelong learning)، مِمَّا يُعَزِّزُ ٱلتَّنَافُسِيَّةَ لِلْمُجْتَمَعَاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ فِي ٱقْتِصَادِ ٱلْمَعْرِفَةِ ٱلْعَالَمِيِّ.

٣.٣.٢.٢. تَطْبِيقُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لِزِيَادَةِ ٱلْإِنْتَاجِيَّةِ وَٱلْفَاعِلِيَّةِ وَٱلتَّنَافُسِيَّةِ لِلْمَشَارِيعِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ

تُغَطِّي خِدْمَاتُ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْيَوْمَ مُعْظَمَ مَجَالَاتِ ٱلْعَمَلِ — مِنَ ٱلْمَالِيَّةِ وَٱلْإِدَارَةِ إِلَى ٱلطِّبِّ، وَٱلتَّعْلِيمِ، وَٱلْإِنْتَاجِ، وَٱلْخِدْمَاتِ ٱلْمَدَنِيَّةِ. وَيَفْتَحُ هٰذَا أَمَامَ ٱلْمُجْتَمَعَاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ فُرَصًا فَرِيدَةً:

  • أَتْمَتَةُ ٱلْمَهَامِّ ٱلْيَوْمِيَّةِ (ٱلْمُحَاسَبَةُ، مُعَالَجَةُ ٱلْبَيَانَاتِ، تَحْلِيلُ ٱلْمَخَاطِرِ) مِمَّا يُحَرِّرُ ٱلْمَوَارِدَ لِلْإِبْدَاعِ وَٱلْقِيَادَةِ وَٱلتَّطْوِيرِ.
  • ٱلْمُسَاعِدُونَ ٱلذَّكِيُّونَ يَسْتَطِيعُونَ ٱلْقِيَامَ بِدَوْرِ ٱلْمُسَاعِدِ ٱلشَّخْصِيِّ، وَدَعْمَ ٱلْعَمَلِيَّاتِ ٱلتِّجَارِيَّةِ، وَمُرَاقَبَةِ نَقَاوَةِ ٱلْمُعَامَلَاتِ شَرْعًا (مِثْلًا فِي ٱلْمَصَارِفِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ)، وَمُوَاكَبَةِ ٱلصُّفَقَاتِ وَمُرَاقَبَةِ ٱلتَّوَافُقِ مَعَ قَوَاعِدِ ٱلْحَلَالِ.
  • مَنَصَّاتُ دَعْمِ ٱلْقَرَارِ (decision support systems) تُقَدِّمُ لِرُوَّادِ ٱلْأَعْمَالِ ٱلْمُسْلِمِينَ، وَٱلْمُسْتَثْمِرِينَ، وَمُدِيرِي ٱلْمَسَاجِدِ وَٱلْمَرَاكِزِ ٱلتَّعْلِيمِيَّةِ أَدَوَاتٍ تَحْلِيلِيَّةً كَانَتْ مُقْتَصِرَةً سَابِقًا عَلَى ٱلشَّرِكَاتِ ٱلْعَالَمِيَّةِ ٱلْكُبْرَى.
  • أَتْمَتَةُ ٱلْخِبْرَةِ ٱلْفِقْهِيَّةِ وَٱلْقَضَائِيَّةِ بِٱسْتِعْمَالِ عَنَاقِيدِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي تَحْلِيلِ ٱلْحَالَاتِ ٱلْمُعَقَّدَةِ (ٱلْمُفْتِيَاتُ، ٱلْمَحَاكِمُ ٱلْإِسْلَامِيَّةُ) مِمَّا يُحَسِّنُ سُرْعَةَ وَجَوْدَةَ ٱلْقَرَارَاتِ وَيُقَلِّلُ مِنَ ٱلْعَامِلِ ٱلْبَشَرِيِّ وَٱلْاِحْتِمَالِ بِٱلْخَطَأِ.
  • تَقُومُ ٱلشَّرِكَاتُ ٱلْمُبْتَكِرَةُ فِي ٱلْمَالِيَّاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ (fintech startups) مِثْلَ Al Rajhi Bank وَWethaq وَAmanie Advisors بِتَنْفِيذِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لِتَحْلِيلِ ٱلْعُقُودِ آليًّا، وَٱلْكَشْفِ عَنِ ٱلرِّبَا، وَتَدْقِيقِ ٱلصَّفَقَاتِ فِيمَا يُوَافِقُ ٱلشَّرِيعَةَ، وَكَذٰلِكَ لِدَعْمِ ٱلرِّقَابَةِ ٱلدَّاخِلِيَّةِ وَٱلِٱمْتِثَالِ ٱلتَّشْرِيعِيِّ.
  • فِي ٱلرِّعَايَةِ ٱلصِّحِّيَّةِ، يُسَاعِدُ ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ عَلَى تَحْلِيلِ ٱلْبَيَانَاتِ ٱلطِّبِّيَّةِ، وَٱكْتِشَافِ ٱلْأَمْرَاضِ فِي مَرَاحِلِهَا ٱلْمُبَكِّرَةِ، وَإِعْدَادِ تَوْصِيَاتٍ فَرْدِيَّةٍ لِلْمَرْضَى ٱلْمُسْلِمِينَ مَعَ مُرَاعَاةِ ٱلْقُيُودِ ٱلدِّينِيَّةِ (ٱلنِّظَامُ ٱلْغِذَائِيُّ، ٱلصِّيَامُ، ٱلْأَدْوِيَةُ ٱلْمُبَاحَةُ).

وَبِذٰلِكَ، فَإِنَّ دَمْجَ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ يُمَكِّنُ ٱلْمُنَظَّمَاتِ وَٱلْمُقَاوِلِينَ ٱلْمُسْلِمِينَ مِنْ زِيَادَةِ إِنْتَاجِيَّتِهِمْ، وَتَخْفِيضِ ٱلتَّكْلِفَةِ، وَٱلدُّخُولِ إِلَى أَسْوَاقٍ جَدِيدَةٍ، وَجَعْلِ خِدْمَاتِهِمْ أَكْثَرَ وُصُولًا وَفَاعِلِيَّةً وَتَوَافُقًا مَعَ مَبَادِئِ ٱلْحَلَالِ. وَهٰذَا يُعَزِّزُ ٱلِٱسْتِقْلَالَ ٱلِٱقْتِصَادِيَّ لِلْأُمَّةِ، وَيُوَفِّرُ فُرَصَ عَمَلٍ جَدِيدَةً، وَيُكَوِّنُ صُورَةً إِيجَابِيَّةً لِلْمُؤَسَّسَاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ كَمُبْتَكِرَةٍ وَمُتَوَجِّهَةٍ لِلصَّالِحِ ٱلْعَامِّ.

٣.٣.٢.٣. ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ — أَدَاةُ ٱلسِّيَادَةِ ٱلرَّقْمِيَّةِ وَٱلرِّيَادَةِ ٱلْفِكْرِيَّةِ

لِلدُّوَلِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ وَٱلْجَالِيَاتِ ٱلْمُسْلِمَةِ ٱلَّتِي تُوَاجِهُ أَوْضَاعَ ٱلْفَجْوَةِ ٱلرَّقْمِيَّةِ وَٱلِٱعْتِمَادِ عَلَى ٱلتِّقْنِيَاتِ ٱلْخَارِجِيَّةِ، يُعَدُّ تَنْفِيذُ ذَكَاءٍ ٱصْطِنَاعِيٍّ إِسْلَامِيٍّ مُسْتَقِلٍّ عَامِلًا حَاسِمًا لِلْأَمْنِ ٱلْقَوْمِيِّ وَٱلْحَضَارِيِّ. وَيُعَدُّ ٱلْمِيثَاقُ، ٱلَّذِي يُؤَطِّرُ ٱلْمَعَايِيرَ ٱلْأَخْلَاقِيَّةَ وَٱلتَّشْرِيعِيَّةَ، أَدَاةً لِبِنَاءِ بِنْيَةٍ تَحْتِيَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ — مِنْ مَرَاكِزِ ٱلْبَيَانَاتِ وَٱلْمَنَصَّاتِ ٱلسَّحَابِيَّةِ إِلَى نَمَاذِجَ إِسْلَامِيَّةٍ مُتَخَصِّصَةٍ فِي ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ.

وَيُسَاعِدُ هٰذَا ٱلْمَنْهَجُ عَلَى:

  • تَجَنُّبِ مَخَاطِرِ فَرْضِ قِيَمٍ ثَقَافِيَّةٍ دَخِيلَةٍ عَنْ طَرِيقِ ٱلْمَنَصَّاتِ ٱلْعَالَمِيَّةِ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ؛
  • ضَمَانِ حِمَايَةِ ٱلْبَيَانَاتِ ٱلشَّخْصِيَّةِ وَٱلْأَسْرَارِ ٱلدِّينِيَّةِ؛
  • تَطْوِيرِ مَدْرَسَةٍ إِسْلَامِيَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ فِي ٱلْهَنْدَسَةِ ٱلتِّقْنِيَّةِ وَٱلْخِبْرَةِ ٱلشَّرْعِيَّةِ.

٣.٣.٣. ٱلتَّأْسِيسُ ٱلْمُؤَسَّسِيُّ لِتَنْظِيمِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلْإِسْلَامِ: ضَرُورَةُ إِنْشَاءِ لَجْنَةٍ لِلشَّهَادَةِ وَٱلتَّعْلِيمِ

٣.٣.٣.١. بَيَانُ ضَرُورَةِ لَجْنَةِ ٱلشَّهَادَةِ لِلتِّقْنِيَّاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ فِي ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ

إِنَّ تَنْفِيذَ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ عَلَى نِطَاقٍ وَاسِعٍ فِي حَيَاةِ ٱلْمُسْلِمِينَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَحَقَّقَ دُونَ إِنْشَاءِ هَيْئَةٍ مُتَخَصِّصَةٍ — لَجْنَةٍ (أَوْ مَجْلِسٍ) لِلشَّهَادَةِ وَمُرَافَقَةِ ٱلتِّقْنِيَّاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ فِي ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ. وَتَشْمَلُ وَظَائِفُهَا:

  • إِجْرَاءُ خِبْرَةٍ شَرْعِيَّةٍ لِلْخِدْمَاتِ وَٱلتَّطْبِيقَاتِ وَٱلْمَنَصَّاتِ ٱلْمُعْتَمِدَةِ عَلَى ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ؛
  • إِصْدَارُ شَهَادَاتِ حَلَالٍ لِمُنْتَجَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ (عَلَى غِرَارِ شَهَادَةِ ٱلْحَلَالِ لِلْمُنْتَجَاتِ ٱلْغِذَائِيَّةِ أَوِ ٱلْخِدْمَاتِ ٱلْمَصْرِفِيَّةِ وَغَيْرِهَا)؛
  • وَضْعُ ٱلْمَعَايِيرِ لِلْبِنْيَةِ وَٱلتَّدْقِيقِ وَٱلِٱخْتِبَارِ مَعَ مُرَاعَاةِ خُصُوصِيَّةِ ٱلْأَخْلَاقِ وَٱلْفِقْهِ ٱلْإِسْلَامِيِّ؛
  • مُرَاقَبَةُ ٱلتَّحْدِيثَاتِ وَتَحْدِيثُ ٱلْمِيثَاقِ حَسَبَ مَا يَسْتَجِدُّ مِنْ تَحَدِّيَاتٍ تِقْنِيَّةٍ وَعَقَدِيَّةٍ؛
  • إِدَارَةُ سِجِلٍّ مَفْتُوحٍ لِلْحُلُولِ ٱلْمُعْتَمَدَةِ فِي ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْإِسْلَامِيِّ، وَدَعْمُ ٱلشَّفَافِيَّةِ، وَتَبَادُلُ ٱلْخِبْرَاتِ بَيْنَ ٱلْمُخْتَصِّينَ.

وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هٰذَا ٱلْجِهَازُ مُسْتَقِلًّا، وَمُتَعَدِّدَ ٱلتَّخَصُّصَاتِ، وَذَاتَ طَابِعٍ دَوْلِيٍّ — مَعَ مُشَارَكَةٍ إِلزَامِيَّةٍ لِلْعُلَمَاءِ وَٱلْمُهَنْدِسِينَ وَٱلْمُحَامِينَ وَٱلْمُخْتَصِّينَ فِي حِمَايَةِ ٱلْبَيَانَاتِ وَٱلنُّشَطَاءِ ٱلْمُجْتَمَعِيِّينَ. إِنَّ إِنْشَاءَ مِثْلِ هٰذِهِ ٱللَّجْنَةِ سَيَضْمَنُ ثِقَةَ ٱلْمُجْتَمَعِ، وَيَمْنَعُ ظُهُورَ ٱلْخِدْمَاتِ «ٱلرَّمَادِيَّةِ»، وَيُعَزِّزُ سُمْعَةَ ٱلْمَشَارِيعِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ فِي ٱلسُّوقِ ٱلْعَالَمِيِّ.

٣.٣.٣.٢. بَرَامِجُ ٱلتَّعْلِيمِ وَرَفْعُ ٱلْكِفَايَةِ ٱلرَّقْمِيَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ

إِنَّ ٱلْعَامِلَ ٱلرَّئِيسِيَّ لِنَجَاحِ تَنْفِيذِ ٱلْمِيثَاقِ لَيْسَ هُوَ ٱلتَّطْبِيقُ ٱلتِّقْنِيُّ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا تَعْلِيمُ ٱلْمُسْلِمِينَ عَلَى نِطَاقٍ وَاسِعٍ ٱلِٱسْتِعْمَالَ ٱلصَّحِيحَ وَٱلْمَسْؤُولَ وَٱلْفَعَّالَ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ. وَمِنَ ٱلضَّرُورِيِّ:

  • تَنْظِيمُ دَوْرَاتٍ وَحَلَقَاتٍ تَدْرِيبِيَّةٍ مُنْتَظِمَةٍ فِي ٱلْكِفَايَةِ ٱلرَّقْمِيَّةِ، وَٱلْمَبَادِئِ ٱلشَّرْعِيَّةِ ٱلْأَسَاسِيَّةِ فِي مَجَالِ ٱلتِّقْنِيَاتِ، وَأَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، وَحِمَايَةِ ٱلْبَيَانَاتِ، وَأُسُسِ ٱلْأَمْنِ ٱلسَّيْبَرَانِيِّ.
  • إِدْرَاجُ وَحَدَاتٍ تَعْلِيمِيَّةٍ عَنْ أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي بَرَامِجِ ٱلْجَامِعَاتِ وَٱلْكُلِّيَّاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ، وَٱلْمَدَارِسِ ٱلْأُسْبُوعِيَّةِ، وَمَرَاكِزِ ٱلتَّعْلِيمِ ٱلْإِضَافِيِّ.
  • إِطْلَاقُ دَوْرَاتٍ إِلِكْتِرُونِيَّةٍ عَنْ بُعْدٍ لِلْجُمْهُورِ ٱلْوَاسِعِ — مَعَ تَرْكِيزٍ عَلَى ٱلْحَالَاتِ ٱلْعَمَلِيَّةِ: كَيْفَ نَبْحَثُ عَنْ مَعْرِفَةٍ مُوَثَّقَةٍ، كَيْفَ نُمَيِّزُ بَيْنَ ٱلْمُحْتَوَى ٱلْحَلَالِ وَغَيْرِهِ، كَيْفَ نَحْمِي خُصُوصِيَّتَنَا، كَيْفَ نَسْتَخْدِمُ ٱلذَّكَاءَ ٱلِصْطِنَاعِيَّ لِزِيَادَةِ فَاعِلِيَّةِ ٱلْأَعْمَالِ وَإِدَارَةِ ٱلْوَقْتِ، إِلَخْ.
  • فَتْحُ مَرَاكِزَ ٱسْتِشَارَةٍ تَابِعَةٍ لِلْمَسَاجِدِ، وَإِدَارَاتِ ٱلْمُفْتِيَاتِ، وَٱلْمُؤَسَّسَاتِ ٱلتَّعْلِيمِيَّةِ ٱلدِّينِيَّةِ، لِتَوْضِيحِ مَخَاطِرِ وَفُرَصِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، وَلِمُرَافَقَةِ ٱلْمُسْلِمِينَ فِي مَشَارِيعِهِمُ ٱلْمُعْتَمِدَةِ عَلَى هٰذِهِ ٱلتِّقْنِيَةِ.

إِنَّ مِثْلَ هٰذِهِ ٱلْمُبَادَرَاتِ ٱلتَّعْلِيمِيَّةِ تُقَلِّلُ مِنْ مَخَاطِرِ ٱلْمَعْلُومَاتِ ٱلْمُضَلِّلَةِ، وَٱنْتِشَارِ ٱلْخُرَافَاتِ، وَٱلِٱسْتِعْمَالِ غَيْرِ ٱلْأَمِينِ لِلتِّقْنِيَاتِ، وَتُكَوِّنُ ثَقَافَةً صَحِيَّةً لِلرَّفَاهِ ٱلرَّقْمِيِّ (digital well-being)، وَٱلْمَسْؤُولِيَّةِ (accountability)، وَٱلِٱسْتِعْمَالِ ٱلْمُدْرَكِ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ — سَوَاءٌ لِلْمَصَالِحِ ٱلدُّنْيَوِيَّةِ أَوْ لِنَيْلِ رِضَا ٱللَّهِ فِي ٱلْآخِرَةِ.


٣.٣.٤. ٱلتَّكَامُلُ ٱلتِّقْنِيُّ وَتَنْظِيمُ ٱلتَّغْذِيَةِ ٱلرَّاجِعَةِ

٣.٣.٤.١. آلِيَّاتُ ٱلرَّقَابَةِ وَٱلْمُرَاقَبَةِ وَٱلتَّحْدِيثِ

إِنَّ تَنْفِيذَ ٱلْمِيثَاقِ بِفَاعِلِيَّةٍ لَا يُمْكِنُ دُونَ أَنْظِمَةٍ مَوْثُوقَةٍ لِلرَّقَابَةِ:

  • تَنْفِيذُ «مُرَشِّحَاتٍ شَرْعِيَّةٍ» فِي مَرْحَلَةِ تَصْمِيمِ مُنْتَجَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، وَوَحَدَاتِ ٱلتَّدْقِيقِ لِلْمُحْتَوَى ٱلدِّينِيِّ وَٱلْأَخْلَاقِيِّ.
  • دَمْجُ آلِيَّاتِ human-in-the-loop — بِمُشَارَكَةِ ٱلْمُخْتَصِّينَ ٱلدِّينِيِّينَ فِي مُرَاجَعَةِ ٱلْأَجْوِبَةِ وَٱلْحَالَاتِ ٱلْمُحَالَةِ إِلَى ٱلتَّعَهُّدِ ٱلْخَارِجِيِّ أَوْ ٱلْمُطَبَّقَةِ عَنْ طَرِيقِ مُحَرِّكَاتٍ بَرْمَجِيَّةٍ خَاصَّةٍ.
  • إِنْشَاءُ مَنْصَّةٍ لِلتَّغْذِيَةِ ٱلرَّاجِعَةِ لِتَسْجِيلِ وَتَحْلِيلِ ٱلشَّكَاوَى وَٱلْحَوَادِثِ وَٱلْأَخْطَاءِ وَٱلِٱقْتِرَاحَاتِ مِنَ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ — مَعَ تَصْحِيحٍ فَوْرِيٍّ لِلنِّظَامِ بِنَاءً عَلَيْهَا.
  • إِجْرَاءُ ٱلتَّسْجِيلِ (loging) وَضَمَانُ شَفَافِيَّةِ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ (traceability, auditability) كَمِعْيَارٍ دَاخِلِيٍّ لِلثِّقَةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ وَٱلِٱمْتِثَالِ ٱلْخَارِجِيِّ.
  • تَبَادُلُ ٱلْخِبْرَاتِ وَٱلْحَالَاتِ عَلَى ٱلصَّعِيدِ ٱلدَّوْلِيِّ — مِنْ خِلَالِ مُنْتَدَيَاتٍ دَوْرِيَّةٍ، وَمُؤْتَمَرَاتٍ عِلْمِيَّةٍ، وَنَشْرِ تَقَارِيرَ حَوْلَ ٱلتَّنْفِيذِ وَٱلْمُشْكِلَاتِ وَٱلْحُلُولِ ٱلنَّاجِحَةِ.

٣.٣.٤.٢. أَمْثِلَةٌ عَلَى ٱلتَّطْبِيقِ ٱلنَّاجِحِ وَآفَاقُ ٱلتَّوْسِيعِ ٱلْمُسْتَقْبَلِيِّ

إِنَّ حَالَةَ ٱلرُّوبُوتِ ٱلْمُحاوِرِ ٱلشَّرْعِيِّ (شات-بوت شَرْعِيّ) عَلَى مَنْصَّةِ Telegram ٱلْمُعْتَمِدَ عَلَى Retrieval-Augmented Generation قَدْ أَثْبَتَتْ قَابِلِيَّةَ تَطْبِيقِ مَفْهُومِ ٱلْمُرَاجَعَةِ ٱلْمُزْدَوَجَةِ لِلْمُحْتَوَى ٱلدِّينِيِّ، وَٱلشَّفَافِيَّةِ، وَإِشْرَاكِ ٱلْخُبَرَاءِ فِي مَرْحَلَةِ تَوْثِيقِ ٱلْأَجْوِبَةِ. وَقَدْ أَظْهَرَ ٱلنِّظَامُ دِقَّةً عَالِيَةً، وَسُرْعَةً فِي ٱلِٱسْتِجَابَةِ، وَقَبْلَ ذٰلِكَ ٱكْتَسَبَ ثِقَةَ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ دَاخِلَ رُوسْيَا وَخَارِجَهَا، فَأَصْبَحَ نَمُوذَجًا لِمَشَارِيعِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ ٱلْجَدِيدَةِ.

وَيُؤَكِّدُ نَجَاحُ ٱلتَّنْفِيذِ ٱلتَّجْرِيبِيِّ إِمْكَانِيَّةَ تَوْسِيعِ ٱلنَّمُوذَجِ إِلَى مَجَالَاتٍ أَكْثَرَ تَعْقِيدًا — مِثْلَ ٱلِاسْتِشَارَةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ، وَٱلْمُفْتِيَاتِ ٱلرَّقْمِيَّةِ، وَٱلتَّعْلِيمِ عَنْ بُعْدٍ وَشَهَادَةِ ٱلْمُنْتَجَاتِ، وَٱلْمُرَافَقَةِ ٱلِٱجْتِمَاعِيَّةِ، وَحَتَّى خَدَمَاتِ «ٱلْمَدِينَةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ ٱلذَّكِيَّةِ» (Islamic smart city services).


٣.٣.٥. دَوْرُ ٱلتَّعَاوُنِ ٱلدَّوْلِيِّ، وَإِنْشَاءُ ٱلْمَرَاكِزِ ٱلْإِقْلِيمِيَّةِ، وَمُرَاعَاةُ ٱلِٱخْتِلَافَاتِ ٱلثَّقَافِيَّةِ

٣.٣.٥.١. تَبَادُلُ أَفْضَلِ ٱلْمُمَارَسَاتِ وَٱلتَّكْيِيفُ مَعَ ٱلظُّرُوفِ ٱلْمَحَلِّيَّةِ

إِنَّ تَوْسِيعَ نِطَاقِ ٱلْمِيثَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ يَتَطَلَّبُ تَعَاوُنًا دَوْلِيًّا وَثَقَافِيًّا. وَيُنْصَحُ بِمَا يَلِي:

  • إِنْشَاءُ فِرَقِ عَمَلٍ وَتَحَالُفَاتٍ بِدَعْمٍ مِنْ مُنَظَّمَةِ ٱلْتَّعَاوُنِ ٱلْإِسْلَامِيِّ (OIC)، وَٱلْجَامِعَاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ ٱلْكُبْرَى، وَٱلْهَيْئَاتِ ٱلتَّنْظِيمِيَّةِ ٱلْوَطَنِيَّةِ.
  • فَتْحُ مَرَاكِزَ خُبْرَةٍ وَحَوَاضِنَ إِقْلِيمِيَّةٍ قَادِرَةٍ عَلَى تَطْوِيرِ نُسَخٍ مَحَلِّيَّةٍ مِنَ ٱلْمِيثَاقِ، مُكَيَّفَةٍ مَعَ ٱلتَّشْرِيعَاتِ ٱلْوَطَنِيَّةِ وَٱلْخُصُوصِيَّاتِ ٱلثَّقَافِيَّةِ.
  • إِجْرَاءُ تَحْلِيلٍ مُقَارِنٍ دَوْرِيٍّ لِتَنْفِيذِ ٱلْمِيثَاقِ فِي بُلْدَانٍ وَأَقَالِيمَ مُخْتَلِفَةٍ لِٱسْتِكْشَافِ ٱلْحُلُولِ ٱلْكَوْنِيَّةِ وَٱلِٱسْتِرَاتِيجِيَّاتِ ٱلتَّكْيِيفِيَّةِ.

إِنَّ ٱلتَّعَاوُنَ ٱلدَّوْلِيَّ، وَتَبَادُلَ ٱلْخِبْرَاتِ، وَٱلْمُؤْتَمَرَاتِ، وَنَشْرَ ٱلْأَبْحَاثِ ٱلْمُشْتَرَكَةِ، وَدَعْمَ ٱلشَّبَابِ وَٱلْمَشَارِيعِ ٱلْمُبْتَكِرَةِ، يُشَكِّلُ كُتْلَةً نَقْدِيَّةً مِنَ ٱلْمَهَارَاتِ وَٱلِٱبْتِكَارَاتِ ٱلضَّرُورِيَّةِ لِلتَّطْوِيرِ ٱلْمُسْتَدَامِ لِلْبِيئَةِ ٱلرَّقْمِيَّةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ.

٣.٣.٦. ٱلتَّوْصِيَاتُ ٱلْخِتَامِيَّةُ وَٱلْآفَاقُ ٱلْإِسْتِرَاتِيجِيَّةُ

فِي ضَوْءِ مَا سَبَقَ يُمْكِنُ صِيَاغَةُ ٱلتَّوْصِيَاتِ ٱلرَّئِيسِيَّةِ ٱلْآتِيَةِ لِمُواصَلَةِ تَطْوِيرِ ٱلنَّمُوذَجِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِتَنْظِيمِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ:

  • تَأْسِيسُ عَمَلِيَّةِ ٱلشَّهَادَةِ وَٱلتَّدْقِيقِ مُؤَسَّسِيًّا مِنْ خِلَالِ إِنْشَاءِ لِجَانٍ مُسْتَقِلَّةٍ ذَاتِ صِفَةٍ دَوْلِيَّةٍ، وَإِجْرَاءِ شَفَّافٍ لِٱعْتِمَادِ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ.
  • ٱلِٱسْتِثْمَارُ فِي ٱلْمَشَارِيعِ ٱلتَّعْلِيمِيَّةِ لِلْكِفَايَةِ ٱلرَّقْمِيَّةِ وَأَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ بِالرُّؤْيَةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ، وَٱسْتِقْطَابُ ٱلشَّبَابِ لِتَطْوِيرِ مُنْتَجَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ.
  • تَحْفِيزُ تَنْمِيَةِ ٱلشَّرِكَاتِ ٱلْإِبْتِكَارِيَّةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ وَٱلْمُبَادَرَاتِ ٱلْبَحْثِيَّةِ، وَتَقْدِيمُ مَنَاحٍ وَٱسْتِشَارَاتٍ، وَدَعْمُ مَرَاكِزِ ٱلِابْتِكَارِ فِي ٱلْجَامِعَاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ ٱلْكُبْرَى.
  • تَكْرِيسُ ثَقَافَةِ ٱلسِّيَادَةِ ٱلرَّقْمِيَّةِ: تَرْوِيجُ مَفْهُومِ «ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْإِسْلَامِيِّ»، وَدَعْمُ مَرَاكِزِ ٱلْبَيَانَاتِ ٱلْمَحَلِّيَّةِ، وَٱلْخِدْمَاتِ ٱلسَّحَابِيَّةِ، وَمَنَصَّاتِ تَخْزِينِ ٱلْبَيَانَاتِ وَتَحْلِيلِهَا ٱلْمُرْتَبِطَةِ بِٱلشَّأْنِ ٱلدِّينِيِّ.
  • ضَمَانُ ٱلشَّفَافِيَّةِ وَٱلْمَسْؤُولِيَّةِ وَٱلْمُرَاقَبَةِ ٱلدَّائِمَةِ — مِنْ خِلَالِ آليَّاتِ ٱلْمُرَاجَعَةِ ٱلدَّوْرِيَّةِ وَتَحْدِيثِ ٱلْمِيثَاقِ عَلَى أَسَاسِ ٱلتَّحَدِّيَاتِ ٱلتِّقْنِيَّةِ وَٱلتَّشْرِيعِيَّةِ وَٱلْعَقَدِيَّةِ ٱلْمُسْتَجِدَّةِ.
  • تَحْقِيقُ ٱلتَّكَيُّفِ مَعَ تَغَيُّرَاتِ ٱلزَّمَانِ وَٱلْمَكَانِ (ٱلِٱرْتِكَازُ عَلَى مَبْدَإِ «تَغَيُّرِ ٱلْأَحْكَامِ»)؛ وَتَحْدِيثُ ٱلْمَعَايِيرِ بِمُرَاعَاةِ تَطَوُّرِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ وَظُهُورِ أَنْوَاعٍ جَدِيدَةٍ مِنَ ٱلتَّهْدِيدَاتِ مِثْلَ deepfake وَgenerative AI وَغَيْرِهِمَا، وَتَحَوُّلَاتِ ٱلْبِيئَةِ ٱلِٱجْتِمَاعِيَّةِ.
  • ٱلسَّعْيُ لِتَأْسِيسِ «لَاهُوتِ ٱلتِّقْنِيَّاتِ» بِٱلرُّؤْيَةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ كَتَخَصُّصٍ عِلْمِيٍّ مُسْتَقِلٍّ عَلَى تَقَاطُعِ ٱلْفِقْهِ وَٱلْعَقِيدَةِ وَٱلْهَنْدَسَةِ ٱلتِّقْنِيَّةِ.

وَبِذٰلِكَ، فَإِنَّ تَوْسِيعَ نِطَاقِ «ٱلْمِيثَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ» وَتَنْفِيذَهُ لَيْسَا مُجَرَّدَ مَسْأَلَةٍ تِقْنِيَّةٍ أَوْ تَشْرِيعِيَّةٍ، بَلْ هُمَا مَشْرُوعٌ حَضَارِيٌّ يَضْمَنُ إِدْمَاجَ ٱلْقِيَمِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ فِي مُجْتَمَعٍ رَقْمِيٍّ مُسْتَقْبَلِيٍّ. وَعَلَى ٱلْمَدَى ٱلطَّوِيلِ، سَيُهَيِّىءُ ذٰلِكَ شُرُوطَ ٱلرِّيَادَةِ ٱلْفِكْرِيَّةِ، وَٱلتَّرَابُطِ ٱلِٱجْتِمَاعِيِّ، وَٱلِٱسْتِقْلَالِ ٱلِٱقْتِصَادِيِّ لِلْأُمَّةِ، وَسَيَجْعَلُ ٱلْحَضَارَةَ ٱلْإِسْلَامِيَّةَ أَحَدَ مُحَرِّكِي ٱلتَّطَوُّرِ ٱلْمَسْؤُولِ لِلتِّقْنِيَّاتِ عَلَى ٱلنِّطَاقِ ٱلْعَالَمِيِّ.

ٱلْخُلَاصَةُ عَلَى ٱلْفَصْلِ ٱلثَّالِثِ

قَدْ بَيَّنَ ٱلْفَصْلُ ٱلثَّالِثُ مِنْ هٰذَا ٱلْبَحْثِ كَيْفَ يُمْكِنُ لِلْمَبَادِئِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ أَنْ تَكُونَ لَا مُجَرَّدَ مَفَاهِيمَ نَظَرِيَّةٍ، بَلْ أَنْ تُطَبَّقَ عَمَلِيًّا فِي مَجَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ. فَقَدْ تَمَّ تَقْدِيمُ ٱلْمِيثَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ كَوَثِيقَةٍ مَشْرُوعِيَّةٍ مُنَظَّمَةٍ تَجْمَعُ بَيْنَ ٱلْجَوَانِبِ ٱلْعَقَدِيَّةِ وَٱلْفِقْهِيَّةِ وَٱلتِّقْنِيَّةِ. وَتَشْمَلُ بِنْيَتُهُ بُنُودًا مُوَجَّهَةً لِضَمَانِ تَوَافُقِ ٱلتِّقْنِيَاتِ مَعَ ٱلْأُصُولِ ٱلشَّرْعِيَّةِ وَٱلْعَقِيدَةِ ٱلْمَاتُرِيدِيَّةِ وَٱلْأَخْلَاقِ. كَمَا يَغْطِي ٱلْمِيثَاقُ كَامِلَ دَوْرَةِ حَيَاةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ — مِنَ ٱلتَّصْمِيمِ وَٱلِٱخْتِبَارِ إِلَى ٱلتَّنْفِيذِ وَٱلرِّقَابَةِ ٱلدَّائِمَةِ — مِمَّا يُمَكِّنُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَسَاسًا لِتَنْظِيمٍ شَامِلٍ.

وَقَدْ أَظْهَرَ تَطْبِيقُ ٱلْمِيثَاقِ عَلَى نَمُوذَجِ ٱلرُّوبُوتِ ٱلْمُحاوِرِ ٱلشَّرْعِيِّ (شات-بوت شَرْعِيّ) قَابِلِيَّةَ ٱلتَّطْبِيقِ وَجَدْوَاهُ ٱلْعَمَلِيَّةَ. فَٱلنِّظَامُ ٱلْمُعْتَمِدُ عَلَى بِنْيَةِ Retrieval-Augmented Generation (RAG) خَضَعَ لِٱخْتِبَارَاتٍ بِنَاءً عَلَى مِعْيَارِ صِحَّةِ ٱلْأَجْوِبَةِ ٱلدِّينِيَّةِ، وَمُطَابَقَتِهَا لِلشَّرِيعَةِ، وَٱلشَّفَافِيَّةِ، وَإِشْرَاكِ ٱلْخُبَرَاءِ (human-in-the-loop). وَقَدْ دَلَّتِ ٱلنَّتَائِجُ عَلَى مُسْتَوًى عَالٍ مِنَ ٱلْمِصْدَاقِيَّةِ ٱلدِّينِيَّةِ وَثِقَةِ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ، كَمَا أَثْبَتَتْ إِمْكَانِيَّةَ ٱسْتِعْمَالِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلْغَايَاتِ ٱلدِّينِيَّةِ شَرْطَ وُجُودِ مُرَشِّحَاتٍ مُنَاسِبَةٍ وَمُرَاقَبَةٍ مُتَعَدِّدَةِ ٱلْمَرَاتِ. وَبِذٰلِكَ، أَصْبَحَ ٱلرُّوبُوتُ ٱلْمُحاوِرُ ٱلشَّرْعِيُّ دَلِيلًا تَجْرِيبِيًّا عَلَى إِمْكَانِيَّةِ تَطْبِيقِ ٱلْمَنْهَجِ ٱلْإِسْلَامِيِّ فِي ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ.

وَفِي ٱلْقِسْمِ ٱلْخِتَامِيِّ مِنَ ٱلْفَصْلِ، تَمَّتْ دِرَاسَةُ سُبُلِ تَوْسِيعِ نِطَاقِ ٱلْمِيثَاقِ وَإِدْمَاجِهِ فِي مَجَالَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ — ٱلتَّعْلِيمِ، وَٱلْمَالِيَّاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ، وَٱلرِّعَايَةِ ٱلصِّحِّيَّةِ، وَٱلْإِدَارَةِ ٱلْعَامَّةِ. وَقَدْ تَجَسَّدَ مَبْدَأُ «ٱلْحَلَالِ بِٱلتَّصْمِيمِ» فِي ٱلتَّوْصِيَاتِ ٱلْعَمَلِيَّةِ لِلتَّكَامُلِ ٱلتِّقْنِيِّ وَٱلتَّنْظِيمِيِّ، وَمِنْهَا تَطْوِيرُ ٱلْمُرَشِّحَاتِ ٱلشَّرْعِيَّةِ، وَإِنْشَاءُ مَجَالِسِ ٱلْخُبَرَاءِ، وَتَدْرِيبُ ٱلْمُخْتَصِّينَ، وَبِنَاءُ قَنَوَاتِ ٱلتَّغْذِيَةِ ٱلرَّاجِعَةِ. كَمَا تَمَّ تَسْلِيطُ ٱلضَّوْءِ عَلَى ضَرُورَةِ ٱلتَّعَاوُنِ ٱلدَّوْلِيِّ وَإِنْشَاءِ مَرَاكِزَ إِقْلِيمِيَّةٍ لِلْخِبْرَةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ، قَادِرَةٍ عَلَى تَكْيِيفِ ٱلْمِيثَاقِ مَعَ ٱلْبِيئَاتِ ٱلْقَانُونِيَّةِ وَٱلثَّقَافِيَّةِ ٱلْمُخْتَلِفَةِ.

وَبِهٰذَا، فَإِنَّ ٱلْفَصْلَ ٱلثَّالِثَ يَخْتِمُ ٱلْمَسَارَ مِنَ ٱلْفِكْرَةِ ٱلنَّظَرِيَّةِ إِلَى ٱلتَّطْبِيقِ ٱلْعَمَلِيِّ لِلْمَنْهَجِ ٱلْإِسْلَامِيِّ فِي أَخْلَقَةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ. وَهُوَ يُبَيِّنُ أَنَّ ٱلتُّرَاثَ ٱلْفِقْهِيَّ وَٱلْأَخْلَاقِيَّ ٱلْإِسْلَامِيَّ يَحْتَوِي عَلَى ٱلْمَقُومَاتِ ٱلضَّرُورِيَّةِ لِتَنْظِيمِ أَحْدَثِ ٱلتِّقْنِيَاتِ، وَأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُدْمَجَ نَجَاحًا فِي ٱلْبِنْيَةِ ٱلتِّقْنِيَّةِ ٱلْمُعَاصِرَةِ دُونَ فَقْدَانِ قُوَّتِهِ ٱلتَّشْرِيعِيَّةِ. وَتُشَكِّلُ هٰذِهِ ٱلِٱسْتِنْتَاجَاتُ أَسَاسًا لِلتَّطْبِيقِ ٱلْمُؤَسَّسِيِّ لِلْمِيثَاقِ، وَتَوْسِيعِ نِطَاقِهِ، وَتَطْوِيرِ «لَاهُوتِ ٱلتِّقْنِيَّاتِ» كَمَجَالٍ عِلْمِيٍّ وَعَمَلِيٍّ جَدِيدٍ.

ٱلْخَاتِمَةُ

فِي ٱلْعَصْرِ ٱلْمُعَاصِرِ لِلتَّطَوُّرِ ٱلتِّقْنِيِّ ٱلسَّرِيعِ، تَتَجَاوَزُ قَضَايَا أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْحُدُودَ ٱلنِّقَاشِيَّةَ ٱلْمَحْضَةَ فِي ٱلْجَانِبِ ٱلتِّقْنِيِّ وَٱلتَّشْرِيعِيِّ، لِتَكْتَسِبَ بُعْدًا حَضَارِيًّا وَرُؤْيَتِيًّا. فَمِنْ جَانِبٍ، يَفْتَحُ ٱلذَّكَاءُ ٱلِصْطِنَاعِيُّ آفَاقًا وَاسِعَةً لِزِيَادَةِ ٱلْفَاعِلِيَّةِ، وَتَحْسِينِ جَوْدَةِ ٱلْحَيَاةِ، وَتَوْفِيرِ ٱلْمَعْرِفَةِ وَٱلْخَدَمَاتِ ٱلِٱجْتِمَاعِيَّةِ. وَمِنْ جَانِبٍ آخَرَ، فَإِنَّ تَوَسُّعَ ٱسْتِعْمَالِهِ يُوَلِّدُ طَيْفًا جَدِيدًا مِنَ ٱلتَّحَدِّيَاتِ: مِنْ مَخَاطِرِ ٱلْخُصُوصِيَّةِ وَشَفَافِيَّةِ ٱلْخَوَارِزْمِيَّاتِ، إِلَى خَطَرِ ٱلتَّآكُلِ ٱلرُّوحِيِّ وَٱلثَّقَافِيِّ. وَفِي ٱلْمُجْتَمَعِ ٱلْإِسْلَامِيِّ، تَكْتَسِبُ هٰذِهِ ٱلتَّحَدِّيَاتُ حِدَّةً خَاصَّةً بِسَبَبِ ٱلطَّبِيعَةِ ٱلشَّامِلَةِ لِلشَّرِيعَةِ، ٱلَّتِي تَدْمِجُ بَيْنَ ٱلْعَقِيدَةِ وَٱلْفِقْهِ وَٱلْأَخْلَاقِ. وَقَدْ كَانَ ٱلْعَمَلُ ٱلْحَاضِرُ مُوَجَّهًا نَحْوَ ٱلْبَحْثِ عَنْ تَوَازُنٍ مُنَاسِبٍ بَيْنَ ٱلتَّقَدُّمِ ٱلتِّقْنِيِّ وَٱلْقِيَمِ ٱلْأَزَلِيَّةِ لِلْإِسْلَامِ، وَنَحْوَ تَشْكِيلِ مَفْهُومٍ شَامِلٍ لِتَنْظِيمِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلْإِطَارِ ٱلْإِسْلَامِيِّ.

فِي ٱلْفَصْلِ ٱلْأَوَّلِ، تَمَّ إِجْرَاءُ تَحْلِيلٍ نِظَامِيٍّ لِلْمَقَارِبِ ٱلْمُعَاصِرَةِ لِأَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، كَمَا هِيَ مَوْجُودَةٌ فِي ٱلْمُمَارَسَاتِ ٱلدَّوْلِيَّةِ. وَقَدْ تَمَّتْ دِرَاسَةُ تَطَوُّرِ أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ — مِنَ ٱلْجِدَالَاتِ ٱلْفَلْسَفِيَّةِ ٱلْأُولَى وَٱلسِّينَارِيُوهَاتِ ٱلْخَيَالِيَّةِ ٱلْعِلْمِيَّةِ، إِلَى تَشَكُّلِ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلْمُؤَسَّسِيَّةِ، مِثْلَ تَوْصِيَةِ ٱلْيُونِسْكُو فِي أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، وَمُبَادَرَةِ IEEE Ethically Aligned Design، وَٱلتَّشْرِيعِ ٱلْأُورُوبِيِّ (AI Act)، وَغَيْرِهَا مِنَ ٱلْوَثَائِقِ ٱلْعَالَمِيَّةِ. وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ هٰذِهِ ٱلْمَعَايِيرَ تَرْكِّزُ فِي ٱلْأَغْلَبِ عَلَى ٱلْإِنْسَانِ كَمَرْكَزٍ، وَعَلَى مَنْعِ ٱلضَّرَرِ، وَٱلْعَدَالَةِ، وَٱلشَّفَافِيَّةِ، وَٱلْمَسْؤُولِيَّةِ — وَهِيَ مَبَادِئُ تَتَقَارَبُ مَعَ ٱلرُّؤْيَةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ. وَلَكِنْ تَمَّ ٱلِٱشَارَةُ إِلَى أَنَّ أَكْثَرَ ٱلْمَوَاثِيقِ ٱلْعَلْمَانِيَّةِ ٱلْمُوَجَّهَةِ لِأَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ مُؤَسَّسَةٌ عَلَى ٱلْأُسُسِ ٱلْإِنْسَانِيَّةِ، وَلَا تَغْطِي بِشَكْلٍ كَامِلٍ ٱلْمَطَالِبَ ٱلدِّينِيَّةَ وَٱلرُّوحِيَّةَ وَٱلْفِقْهِيَّةَ لِلْحَضَارَةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ. كَمَا أَظْهَرَ تَحْلِيلُ ٱلْحَالَاتِ ٱلْعَمَلِيَّةِ لِتَنْفِيذِ «ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ ٱلْمَسْؤُولِ» فِي مَجَالَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ (ٱلطِّبِّ، وَٱلْمَالِيَّةِ، وَٱلتَّعْلِيمِ، وَٱلْإِدَارَةِ ٱلْحَضَرِيَّةِ) أَنَّ دَمْجَ ٱلْمَبَادِئِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ بِفَاعِلِيَّةٍ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا عَنْ طَرِيقِ تَكْيِيفِهَا مَعَ ٱلظُّرُوفِ ٱلْمَحَلِّيَّةِ، وَمِنْهَا ٱلْخَصَائِصُ ٱلدِّينِيَّةُ.

فِي ٱلْفَصْلِ ٱلثَّانِي تَمَّ ٱلِٱخْتِيَارُ ٱللَّاهُوتِيُّ وَٱلْفِقْهِيُّ لِلْمَعَايِيرِ وَٱلْمَبَادِئِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ ٱلْمُرْتَبِطَةِ بِتَنْظِيمِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ. وَلِأَوَّلِ مَرَّةٍ فِي ٱلْأَدَبِيَّاتِ ٱلْعِلْمِيَّةِ ٱلْوَطَنِيَّةِ، تَمَّ تَصْنِيفُ ثَلَاثَةِ طَبَقَاتٍ مِنَ ٱلْمَرَاجِعِ ٱلنِّظَامِيَّةِ: ٱلْعَقِيدَةُ ٱلْمَاتُرِيدِيَّةُ (ٱلْأُسُسُ ٱلْكَلَامِيَّةُ لِلْإِيمَانِ)، وَٱلْفِقْهُ ٱلْحَنَفِيُّ (ٱلْآلِيَّاتُ ٱلْقَانُونِيَّةُ لِلتَّنْظِيمِ)، وَٱلْأَخْلَاقُ (ٱلْقِيَمُ وَٱلْفَضَائِلُ فِي ٱلتُّرَاثِ ٱلتَّصَوُّفِيِّ). تَمَّ تَحْلِيلُ كُلِّ طَبَقَةٍ مِنْ حَيْثُ أَهَمِّيَّتِهَا لِتِقْنِيَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ: فَقَدْ تَمَّ تَحْدِيدُ مَبَادِئِ ٱلتَّوْحِيدِ وَٱلتَّحْذِيرِ مِنَ ٱلتَّأْلِيهِ ٱلتِّقْنِيِّ، وَٱلْحُرِّيَّةِ ٱلْإِرَادِيَّةِ وَٱلْمَسْؤُولِيَّةِ ٱلشَّخْصِيَّةِ، وَٱلْمَعْرِفَةِ ٱلْعَقْلَانِيَّةِ، وَٱلتَّحْقِيقِ ٱلْمَعْرِفِيِّ لِلْمَعْلُومَاتِ، وَٱلْعَدْلِ وَٱلِٱعْتِدَالِ، وَٱلْأَمْرِ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّهْيِ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ. وَقَدْ تَمَّ بَحْثُ ٱلْقَوَاعِدِ ٱلْفِقْهِيَّةِ ٱلْكُلِّيَّةِ فِي ٱلْفِقْهِ ٱلْحَنَفِيِّ، مِثْلَ مَبْدَإِ ٱلنِّيَّةِ، وَقَاعِدَةِ ٱلْإِبَاحَةِ ٱلْأَصْلِيَّةِ، وَإِزَالَةِ ٱلضَّرَرِ، وَٱلْعَدَالَةِ، وَٱلْمَسْؤُولِيَّةِ، وَٱلضَّرُورَةِ، وَٱلتَّيْسِيرِ عِنْدَ ٱلْمَشَقَّةِ، وَٱلْوَاجِبِ ٱلْكِفَائِيِّ. وَأَمَّا مَبَادِئُ ٱلْأَخْلَاقِ (ٱلصَّبْرُ، وَٱلشُّكْرُ، وَٱلتَّقْوَى، وَٱلصِّدْقُ، وَٱلتَّوَاضُعُ، وَٱلْعَدْلُ، وَٱلْأَمَانَةُ وَغَيْرُهَا) فَقَدْ طُرِحَتْ كَدَوَافِعَ بَاطِنِيَّةٍ وَأَسَاسٍ قِيمِيٍّ لِلْمُشَارِكِينَ فِي دَوْرَةِ حَيَاةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ. وَقَدْ قُدِّمَتْ مُقَارَنَةٌ بَيْنَ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ وَٱلْمَعَايِيرِ ٱلْعَلْمَانِيَّةِ لِأَخْلَاقِيَّاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، مِمَّا أَظْهَرَ مَوَاطِنَ ٱلتَّوَافُقِ وَمَوَاطِنَ ٱلِٱخْتِلَافِ ٱلْجَذْرِيَّةِ. فَٱلْأَخْلَاقُ ٱلْإِسْلَامِيَّةُ تَبْنِي أُسُسَهَا عَلَى ٱلْوَحْيِ ٱلْإِلٰهِيِّ، وَتَعْتَبِرُ أَعْلَى غَايَاتِهَا نَيْلَ رِضَا ٱللَّهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ فَقَطْ تَحْقِيقَ ٱلصَّالِحِ ٱلْعَامِّ.

فِي ٱلْفَصْلِ ٱلثَّالِثِ تَمَّ عَرْضُ مَشْرُوعِ ٱلْمِيثَاقِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِتَطْبِيقَاتِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، وَبِنْيَتِهِ، وَتَطْبِيقِهِ ٱلتَّجْرِيبِيِّ. وَقَدْ تَمَّ شَرْحُ مَفْهُومِ بِنْيَةِ ٱلْمِيثَاقِ بِشَكْلٍ مُفَصَّلٍ، حَيْثُ يَدْمِجُ بَيْنَ مَبَادِئِ ٱلْعَقِيدَةِ وَٱلشَّرِيعَةِ وَٱلْأَخْلَاقِ، وَمُتَطَلَّبَاتِ ٱلْمُمَارَسَةِ ٱلْهَنْدَسِيَّةِ ٱلْمُعَاصِرَةِ. وَقَدْ أُظْهِرَ مِنْ خِلَالِ نَمُوذَجِ ٱلرُّوبُوتِ ٱلْمُحاوِرِ ٱلشَّرْعِيِّ (شات-بوت شَرْعِيّ) ٱلْمُطَبَّقِ عَلَى بِنْيَةِ Retrieval-Augmented Generation (RAG) إِمْكَانِيَّةَ ٱلتَّطْبِيقِ ٱلتِّقْنِيِّ لِلْمَبَادِئِ ٱلْأَخْلَاقِيَّةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ فِي نِظَامٍ تِقْنِيٍّ وَاقِعِيٍّ. وَقَدْ جَرَى ٱلتَّطْبِيقُ ٱلتَّجْرِيبِيُّ بِنَاءً عَلَى مِعْيَارِ ٱلتَّصْحِيحِ ٱلدِّينِيِّ، وَٱلشَّفَافِيَّةِ، وَٱلرِّقَابَةِ ٱلْخُبْرَائِيَّةِ (human-in-the-loop)، مِمَّا أَتَاحَ ضَمَانَ ٱلْمِصْدَاقِيَّةِ وَثِقَةِ ٱلْمُسْتَخْدِمِينَ بِهٰذَا ٱلْخِدْمَةِ ٱلدِّينِيَّةِ ٱلْمُعْتَمِدَةِ عَلَى ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ. وَعَلَى أَسَاسِ تَحْلِيلِ ٱلتَّطْبِيقِ ٱلْعَمَلِيِّ، تَمَّ ٱلِٱسْتِنْتَاجُ بِقَابِلِيَّةِ تَطْبِيقِ ٱلْمَنْهَجِ ٱلْإِسْلَامِيِّ عَلَى ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ فِي ٱلظُّرُوفِ ٱلْمُعَاصِرَةِ. كَمَا تَمَّ تَحْدِيدُ سُبُلِ تَوْسِيعِ نِطَاقِ ٱلْمِيثَاقِ وَإِدْمَاجِهِ فِي مَجَالَاتٍ عَدِيدَةٍ: ٱلتَّعْلِيمِ، وَٱلْمَالِيَّاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ، وَٱلطِّبِّ، وَٱلْإِدَارَةِ ٱلْعَامَّةِ. وَقَدْ أُوْلِيَ ٱهْتِمَامٌ خَاصٌّ بِضَرُورَةِ إِنْشَاءِ مُؤَسَّسَاتٍ شَرْعِيَّةٍ مُتَخَصِّصَةٍ لِلرَّقَابَةِ، وَتَرْشِيحِ ٱلْمُحْتَوَى ٱلْحَرَامِ، وَتَدْرِيبِ ٱلْمُخْتَصِّينَ، وَتَأْسِيسِ مَرَاكِزِ ٱلْخِبْرَةِ ٱلتِّقْنِيَّةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ.

وَخِلَالَ ٱلِٱسْتِنْتَاجِ، يُمْكِنُ ٱلْقَوْلُ إِنَّهُ فِي إِطَارِ هٰذَا ٱلْبَحْثِ تَحَقَّقَتْ جَمِيعُ ٱلْأَهْدَافِ ٱلْمُسْتَوْضَحَةِ: فَقَدْ تَمَّ ٱلِٱسْتِقْرَاءُ وَٱلتَّحْلِيلُ لِلْمَعَايِيرِ ٱلدَّوْلِيَّةِ وَٱلْإِسْلَامِيَّةِ فِي تَطْبِيقِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، وَإِجْرَاءُ ٱلِٱخْتِيَارِ ٱللَّاهُوتِيِّ وَٱلْفِقْهِيِّ لِلْمَبَادِئِ ٱلشَّرْعِيَّةِ ذَاتِ ٱلصِّلَةِ، وَتَقْدِيمُ بِنْيَةٍ مُنَظَّمَةٍ لِلْمِيثَاقِ وَتَطْبِيقُهَا تَطْبِيقًا عَمَلِيًّا. وَبِذٰلِكَ، فَإِنَّ هٰذَا ٱلْعَمَلَ قَدْ أَسْهَمَ فِي تَأْسِيسِ ٱلْأُسُسِ ٱلْعِلْمِيَّةِ وَٱلتَّشْرِيعِيَّةِ لِتَطْوِيرِ أَخْلَاقِيَّاتِ ٱلْإِسْلَامِ فِي ٱلْعَصْرِ ٱلرَّقْمِيِّ، وَأَظْهَرَ أَنَّ ٱلتُّرَاثَ ٱلْإِسْلَامِيَّ يَحْتَوِي عَلَى كُلِّ ٱلْمَقُوِّمَاتِ ٱلضَّرُورِيَّةِ لِلتَّصَدِّي لِتَحَدِّيَاتِ ٱلتَّحْدِيثِ ٱلتِّقْنِيِّ.

إِنَّ ٱلْأَهَمِّيَّةَ ٱلْعَمَلِيَّةَ لِنَتَائِجِ هٰذَا ٱلْبَحْثِ تَتَجَسَّدُ فِي تَطْوِيرِ نَمُوذَجٍ شَامِلٍ وَقَابِلٍ لِلتَّكْيِيفِ لِتَنْظِيمِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ بِٱلرُّؤْيَةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ، قَادِرٍ عَلَى ٱلِٱدْمَاجِ سَوَاءٌ عَلَى مُسْتَوَى ٱلْبَرَامِجِ ٱلْوَطَنِيَّةِ أَوْ فِي إِطَارِ ٱلْمُنَظَّمَاتِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ ٱلْمُسْتَقِلَّةِ وَٱلْمَشَارِيعِ ٱلتِّجَارِيَّةِ. وَلِأَوَّلِ مَرَّةٍ، تَمَّ تَقْدِيمُ مُخَطَّطٍ مُجَرَّبٍ لِمَبْدَإِ «ٱلْحَلَالِ بِٱلتَّصْمِيمِ» وَٱلْإِجْرَاءَاتِ ٱلتَّنْظِيمِيَّةِ وَٱلتِّقْنِيَّةِ لِتَطْبِيقِ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلشَّرْعِيَّةِ فِي بِنْيَةِ أَنْظِمَةِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ. كَمَا أَكَّدَ ٱلتَّجْرِبَةُ ٱلْعَمَلِيَّةُ لِتَطْبِيقِ ٱلرُّوبُوتِ ٱلْمُحاوِرِ ٱلشَّرْعِيِّ (شات-بوت شَرْعِيّ) إِمْكَانِيَّةَ بِنَاءِ خِدْمَاتٍ مُتَوَافِقَةٍ دِينِيًّا عَلَى أَسَاسِ ٱلتِّقْنِيَاتِ ٱلْمُعَاصِرَةِ.

وَفِي ٱلْخِتَامِ، يَجِبُ ٱلتَّأْكِيدُ عَلَى أَنَّ تَطْوِيرَ وَتَنْفِيذَ ٱلْمِيثَاقِ ٱلْأَخْلَاقِيِّ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ لَيْسَ تَحَدِّيًا فَقَطْ، بَلْ فُرْصَةً أَيْضًا لِلْمُجْتَمَعِ ٱلْإِسْلَامِيِّ لِيَتَّخِذَ مَوْقِفًا إِيجَابِيًّا فِي صِيَاغَةِ مَعَايِيرِ ٱلتَّطَوُّرِ ٱلتِّقْنِيِّ ٱلْجَدِيدَةِ، بِدَمْجِ أَفْضَلِ ٱلِٱنْجَازَاتِ ٱلْهَنْدَسِيَّةِ مَعَ ٱلْمَرَاجِعِ ٱلرُّوحِيَّةِ وَٱلْقِيَمِيَّةِ ٱلْأَزَلِيَّةِ لِلْإِسْلَامِ. وَيُوَفِّرُ هٰذَا ٱلْمَنْهَجُ تَوَازُنًا مُنَاسِبًا بَيْنَ ٱلِٱبْتِكَارِ وَٱلتَّقْلِيدِ ٱلدِّينِيِّ، وَيَفْتَحُ آفَاقًا جَدِيدَةً لِلْبُحُوثِ ٱلْعِلْمِيَّةِ، وَلِتَأْسِيسِ «لَاهُوتِ ٱلتِّقْنِيَّاتِ» بِٱلرُّؤْيَةِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ كَتَخَصُّصٍ مُسْتَقِلٍّ.

وَأَمَّا آفَاقُ ٱلْبُحُوثِ ٱلْمُسْتَقْبَلِيَّةِ فَتَكْمُنُ فِي تَطْوِيرِ أَعْمَقَ لِلْمَوَاثِيقِ ٱلْقِطَاعِيَّةِ لِمَجَالاتٍ مُعَيَّنَةٍ فِي تَطْبِيقِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ، وَفِي بِنَاءِ نَمَاذِجَ لِشَهَادَةِ وَرَقَابَةِ ٱلْمُنْتَجَاتِ ٱلْمُعْتَمِدَةِ عَلَى ٱلشَّرِيعَةِ، وَفِي إِعْدَادِ بَرَامِجَ تَعْلِيمِيَّةٍ لِلْمُخْتَصِّينَ عَلَى ٱلتَّقَاطُعِ بَيْنَ ٱلْعُلُومِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ وَٱلتِّقْنِيَّةِ، كَمَا فِي دِرَاسَةِ سُبُلِ ٱلتَّعَاوُنِ ٱلْعَبْرَ حُدُودِيٍّ بَيْنَ ٱلدُّوَلِ ٱلْإِسْلَامِيَّةِ فِي مَسَائِلِ ٱلْمَعَايِيرِ ٱلشَّرْعِيَّةِ وَتَنْظِيمِ ٱلذَّكَاءِ ٱلِصْطِنَاعِيِّ.

Scroll to Top